أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    مونديال 2026.. قرعة النسخة الأكبر على الإطلاق الجمعة في واشنطن    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    انطلاق عملية "رعاية 2025-2026" من أجل تعزيز خدمات صحة القرب للتكفل الصحي بساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد    كيوسك الأربعاء | المغرب يراهن على الجمع بين التحلية والتكنولوجيات لبناء مستقبله المائي    أمن مراكش يوقف شابا بحوزته هاتف سائحة تعرضت للسرقة بالخطف    مهرجان مراكش يكرم راوية ويمنحها "النجمة الذهبية" اعترافا بمسار حافل    جماعة المحمدية.. اتهامات لأيت منا بالتناقض في ملف النخيل.. "الواقع يكشف عكس تصريحاته"    الاتحاد الأوروبي يطوق الغاز الروسي    نصائح صحية: هذه الأغذية تهددك ب"النقرس"!    إسرائيل تتوصل برفات غير مطابق    سامسونغ تُفاجئ العالم بهاتف ثلاثي الطي .. والسعر يصدم الجميع!    بيليغريني: أمرابط لم يعد إلى التداريب    المغرب يحطم أرقامه السياحية    زنقة الفارابي بطنجة تتحول لفوضى.. عاملات "سبا" يعتدين على شرطي ويهرّبن مشتبهاً فيه وسط غضب السكان!    تفكيك مخزنيين لإعداد وشحن المخدرات بمنطقة بني مكادة    مراكش تحتفي براوية .. ليلة تكريم لمسار فني استثنائي    لفتيت: روح المسؤولية الجماعية تسم التحضير للاستحقاقات التشريعية المقبلة    المركز الاستشفائي الجامعي بأكادير ينال إشادة الصين كنموذج للنهضة الصحية المغربية    المنتخب السعودي يفوز على عمان في أول مبارياته بكأس العرب    الرباط…موظف شرطة يضع حد ا لحياته بواسطة سلاحه الوظيفي.    كأس العرب (قطر 2025).. المنتخب المصري يتعادل مع نظيره الكويتي (1-1)    السكتيوي: الفوز مستحق رغم الظروف الصعبة... والبداية الإيجابية تمنحنا دفعة قوية    لتعزيز التكوين الدبلوماسي..توقيع اتفاقية تعاون بين المغرب والنيجر    التوقيع على اتفاقية انضمام مجلس النواب إلى البوابة الوطنية للحق في الحصول على المعلومات    وصول السفير الأمريكي الجديد ريتشارد بوكان إلى الرباط    المغرب يشارك بعرضين في المنافسة الرسمية لمهرجان المسرح العربي في القاهرة    بوتين: روسيا مستعدة للحرب مع أوروبا    المعارضة الاتحادية تتّهم الحكومة بخدمة لوبيات التأمين: "مشروع حوادث السير تشريع على المقاس"    أزمور/ افتتاح الدورة الثالثة من المهرجان الدولي للفن والتراث "أزمآرت"    الفنان والمنشد محمد أنس الكوهن مقدم الطريقة العيساوية يصدر فيديو كليب جديد    المنتخب المغربي الرديف يهزم جزر القمر بثلاثية في مستهل مشواره بكأس العرب    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    كأس العرب.. المنتخب المغربي يفتتح مشواره في البطولة بالفوز على جزر القمر (3-1)    نشرة إنذارية .. تساقطات ثلجية وهبات رياح قوية غدا الأربعاء بعدد من مناطق المملكة    انطلاق التسجيل في اللوائح الانتخابية للغرف المهنية لسنة 2026    شهد شاهد من أهلها.. منظمات إسرائيلية تكشف أبشع عام قتل وتهجير للفلسطينيين منذ 1967    فنانون مغاربة: المهرجان الدولي للفيلم منصة لا غنى عنها للإبداع السينمائي    تشكيلة السكتيوي أمام جزر القمر    توظيف مالي لمبلغ 3,2 مليار درهم من فائض الخزينة    الملك محمد السادس يهنئ الشيخ محمد بن زايد بمناسبة العيد الوطني للإمارات    مشروع كلّف 900 مليون… غضب الحرفيين يوقف توزيع معدات في سوس ماسة لعدم مطابقتها لدفتر التحملات    قاموس أكسفورد يعلن عن كلمة العام 2025    مشروع مالية 2026 يتخطى العقبة الأولى بمجلس المستشارين بعد المصادقة على جزئه الأول    الذهب ينخفض مع جني المستثمرين للأرباح    قراءة نقدية لقانون مالية 2026    فنزويلا.. ترامب يجتمع بمستشاريه ومادورو يحشد أنصاره ويقسم "بالولاء المطلق" لشعبه    الرئيس الفرنسي يبدأ زيارة للصين غدا الأربعاء    التوزاني: فيلمي "زنقة مالقة"عودة إلى الجذور والأكثر حميمية في مساري    الحصبة تتراجع عالميا بفضل التطعيم    "الصحة العالمية" توصي بأدوية "جي إل بي-1" لمكافحة السمنة    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    منظمة الصحة العالمية تدعو لتوفير علاج العقم بتكلفة معقولة ضمن أنظمة الصحة الوطنية    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسلاميات.. الانفتاح المتأخر للإسلاميين المغاربة على التصوف
نشر في الدار يوم 15 - 04 - 2022

لم تكن الحركات الإسلامية في المغرب تنخرط في الاشتغال على التصوف بالندوات والمقالات والمتابعات، وذلك بحكم تربيتها الإيديولوجية التي جعلتها تتعامل معه منذ عقود من منظور نقدي صرف.
ومن يطالع صحف وإصدارات حركة "التوحيد والإصلاح" وحزب "العدالة والتنمية"، يتأكد من غلبة التعامل النقدي مع التصوف بشكل عام، ومن ذلك صوفية المغرب، تماشياً مع تعامل العديد من إسلاميين المنطقة العربية بشكل عام، ولا زال المتتبع يتذكر كيف تعاملت هذه الجماعات مع مضامين تقرير معهد "راند" الأمريكي الذي تحدث في غضون سنة 2007 على الخصوص ضمن تقارير أخرى، والذي وصفته الأقلام الإسلاموية حينها بأنه يدعو إلى "الإسلام الأمريكي" [اصطلاح صدر عن سيد قطب] لأنه يدافع عن التصوف الإسلامي ضد الجماعات الإسلامية، في الفترة نفسها التي كان فيه التقرير نفسه وتقارير أخرى تروج فيه الإدارة الأمريكية وتمهد لتأييد صعود "المسلمين الديمقراطيين"، والمقصود بهم حينها أحزاب "الإسلام السياسي"، وهو ما تحقق عملياً سنوات قليلة بعد ذلك.
جرى عدة تطورات بين تلك الحقبة والسنوات الأخيرة، وخاصة ما جرى بعد منعطف يونيو 2013 الذي كان فاتحة إغلاق المشروع الإسلاموي في المنطقة، على الأقل الإغلاق السياسي والانتخابي، ومن نتائج ذلك، وفي إطار مواجهة هذه المتغيرات، سوف تنخرط حركة إسلامية مغربية في تنظيم مؤتمر وطني حول التصوف، والحديث عن حركة "التوحيد والإصلاح" الإخوانية التي نظمت ندوة وطنية في موضوع "التصوف في المغرب وسؤال الإصلاح" بمدينة فاس بتاريخ 24 نونبر 2019، حيث اشتغل المشاركون على ثلاثة محاور: "التصوف: المفهوم والوظائف"، "واقع التصوف المغربي: رهانات الإصلاح والتنمية"، "التصوف المغربي: أعلام ومشاريع"، مع مشاركة ستة عشر باحثاً، بعضهم من أتباع الإسلاموية، والبعض الآخر من الفاعلين والباحثين الذين ينهلون من مرجعية صوفية، ولا علاقة لهم بالمرجعية الإسلاموية. وحسب الورقة التعريفية المصاحبة للندوة، فإن "الندوة تهدف إلى التعريف بأعلام التصوف في المغرب وإسهاماتهم في حركة الإصلاح الاجتماعي والسياسي والعلمي بالمغرب عبر التاريخ"، وكانت هذه سابقة إخوانية حينها.
عاينا كذلك انفتاح الباحثين والمراكز البحثية الإسلاموية على إصدارات مفكرين كانوا إلى وقت قريب ينتمون إلى طرق صوفية، ومنهم المفكر المغربي طه عبد الرحمن، والذي اشتهر منذ ثلاث عقود تقريباً، وخاصة عند صدور كتابه "العمل الديني وتجديد العقل" بتوجيه انتقادات مباشرة إلى ظاهرة "الصحوة الإسلامية (اصطلحَ عليها في الكتاب "اليقظة الدينية")، ولأنه كان حينها منتمياً إلى إحدى الطرق الصوفية، فقد كان الاتجاه العام لأتباع الحركات الإسلامية حينها، عنوانه أخ مسافة من أعماله، والأمر نفسه مع أخذ مسافة من أعمال مفكرين مشارقة، ولكن جرت تطورات لاحقاً، وخاصة التطورات التي كشفت عنها أحداث "الفوضى الخلاقة" [2011 2013]، جعلت الحركة الإسلاموية نفسها، بمراكزها البحثية، من قبيل "المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة"، تنفتح على المفكر نفسه وتروج لأعماله بشكل مغاير لمواقف الماضي.
فما الذي جرى لكي نعاين هذا التطورات المغايرة لمواقف الماضي؟ وهل الأمر جاء بناءً على قناعة وبالتالي يُحيل على مراجعات أم أنه يندرج في سياق التوسط بين الموقف النقدي السابق الذي نجده عند السلفيين أيضاً، وموقف آخر أكثر انفتاحاً على المرجعية الصوفية التي تختلف أساساً مع الإسلاموية، في المرجعية والعمل والأهداف.
لا يمكن فصل هذا التحول النسبي في مواقف إسلاميي الساحة من التصوف عن النزعة البراغماتية التي تميز المشروع الإخواني، وإمكانية تقلبه في المواقف من النقيض إلى النقيض حفاظاً على مصالحه ومصالح مشروعه، أما أن تكون هذه المواقف معبرة عن مراجعات حقيقية، فهذا معطى يصعب المصادقة عليه، لأن الحديث يتعلق بمرجعية من أدبيات تعادي التصوف بشكل عام، واتضح هذا العداء بشكل مباشر بعد تباين مواقف صوفية المنطقة ومواقف الإسلاموية من أحداث "الفوضى الخلاقة".
ففي الحالة المغربية مثلاً، تميزت تلك الفوضى بدعوة الملك محمد السادس إلى تعديل دستوري عبر بوابة استفتاء شعبي، بما تطلب خروج أغلب الفاعلين في المجالات السياسية والفكرية والاقتصادية والدينية وغيرها، للإعلان عن مواقفهم من التعديل الدستوري، بين تأييده أو الاعتراض عليه، وتميز موقف صوفية المغرب حينها بخروج إحدى الطرق الصوفية في مسيرة شعبية تدعو إلى التصويت لصالح التعديل الدستوري، مساهمة في قطع الطريق على موقف بعض المعارضين، ومنهم جماعة "العدل والإحسان" الداعية إلى "إقامة الخلافة على منهاج النبوة"، وجرت المسيرة التاريخية للطريقة المعنية، وهي الطريقة القادرية البودشيشية، في مسيرة نظمت يوم 26 يونيو 2011، وقد تحدثت وكالة المغرب المغربي للأنباء آنذاك عن مشاركة حوالي 300 ألفاً من أتباع الطريقة، فيما اعتبر مفاجأة من عدة جوانب: الأول خروج طريقة صوفية بموقف سياسي واضح ضد بعض المتربصين بالدولة الوطنية، والثاني المساهمة في قطع الطريق وأخذ مسافة نقدية من الإسلاميين الذي استفادوا حينها من نتائج الاستحقاقات الانتخابية، وخاصة الاستحقاقات التشريعية، قبل إزاحتهم رسمياً بعد مرور عقد من تلك الأحداث.
بالعودة إلى أسباب انفتاح إسلاميي المغرب على الخطاب الصوفي، فيمكن استحضار أسباب أخرى، لا تخرج عن تأثير الهواجس السياسية التي تميز المشروع الإخواني بشكل عام، وهي الهواجس التي تفسر انقلاب إخوان المغرب في تعاملهم مع أعمال طه عبد الرحمن، ليس بسبب ابتعاد هذا الأخير عن الطريقة الصوفية التي كان ينتمي إليها وحسب، حتى إنه لم يعد يذكر التصوف قط في أعماله منذ سنة 2012، أي سنة بعد اندلاع أحداث "الفوضى والخلاقة"، ولكن لسبب آخر أكثر وجاهة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتلك الهواجس السياسية ويؤكد براغمانية المشروع الإسلاموي الذي لديه قابلية توظيف كل ما هو صالح للتوظيف من أجل خدمة مشروع الإيديولوجي.
والمقصود هنا أن طه عبد الرحمن الذي كان ينتقد الإسلاميين في أعماله السابقة، منذ سنة 1989 تاريخ صدور كتابه "العمل الديني وتجديد العقل"، حتى سنة 2012 تاريخ صدور كتابه "روح الدين" الذي تضمن فصلاً نقدياً ضد الإسلاموية، لم يصدر كتاباً ينتقد فيه الإسلام السياسي والإسلاميين المعنيين بالمشاركة السياسية منذ عقد تقريباً، ومقابل ذلك، سوف يؤلف كتاباً في نهاية 2018 عنوانه "ثغور المرابطة" (2018)، يكشف فيه لأول مرة عن مواقف سياسية مباشرة ضد أنظمة عربية، بخلاف مواقفه السابقة، التي كانت نظرية ولم يكن يُسمي فيها نظاماً ما أو دولة أو مؤسسة، وإنما يتحدث في أمور فكرية مجردة، وقد وصل الأمر في هذا الكتاب إلى أنه دافع بشكل ضمني عن المحور التركي القطري، وبالنتيجة، كانت مواقفه السياسية الواردة في ذلك الكتاب، تتقاطع بشكل كبير مع مواقف إسلاميي المغرب والمنطقة. ومن نتائج مضامين الكتاب أنه سنتان بعد صدوره، سوف تمنح تركيا مؤلفه جائزة نجيب فاضل للثقافة، نسخة 2020، خاصة أن تركياً كانت الدولة الإسلامية الوحيدة التي حظيت بإشادة المؤلف في الكتاب. [حدث هذا قبل استقبال الرئيس التركي لنظيره الإسرائيلي، وهذا معطى سياسي ميداني، يقوض الكثير في مضامين كتاب "ثغور المرابطة"، وهذه حكاية أخرى] كانت هذه المواقف النقدية فرصة لكي تشرع الأقلام البحثية الإسلاموية في الدعاية لهذا الكتاب، سواء تعلق الأمر بالأقلام البحثية التابعة لحركة "التوحيد والإصلاح" أو الأقلام البحثية التابعة لجماعة "العدل والإحسان"، بالرغم من أن أغلب الأقلام نفسها التي تحدثت عن هذا الكتاب لم يسبق له أن تحدثت عن أعمال المؤلف نفسه، وليس صدفة أن ينشر أحد الباحثين من المَجَرّة الإخوانية عرضاً مطولاً في حلقتين، صدر في موقع لندني تابع لمحور قطر تركياً، بعنوان "ثغور المرابطة: أحوال الأمة من زاوية نظر فيلسوف"، وقد سبق للباحث نفسه أن وصف مؤلف الكتاب في سلسلة مقالات بأنه من "المفكرين الإسلاميين"، بينما لم يكن يصفه كذلك قبل سنة 2012 عندما كان يصدر الكتب التي تنتقد الإسلاموية، وهذا غيض من طبيعة أو معضلة التعامل الإخواني في المجال الفكري.
انفتاح هذه الأقلام الإسلاموية على التصوف جاء متأخراً، ولو استوعبوا الدرس الصوفي، ما كانوا ليورطوا أنفسهم في عدة مآزق نظرية وتنظيمية، تهم الإسلاموية بشكل عام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.