في قرارات ثير الاستغراب والقلق، تتوالى السياسات الاقتصادية والدبلوماسية التي تنتهجها السلطة الجزائرية بقيادة عبد المجيد تبون، والتي لا يمكن توصيفها إلا بكونها مجازفة بمستقبل الجزائر وكرامة شعبها لصالح أجندات خارجية، أبرزها دعم غير مشروط ومكلف لجبهة البوليساريو الانفصالية. لقد تجاوز تبون مرحلة تبديد ثروات الجزائر الطبيعية من غاز ونفط في سياق دعم مفتوح ومفتعل لقضية "مفتعلة"، إلى ما هو أخطر: عرض موارد الدولة البشرية والمعنوية في مزادات المساومة السياسية، فقط من أجل بقاء هذا الكيان الوهمي على قيد الحياة. تقديرات دولية موثوقة، منها تقارير صادرة عن البنك الدولي وصحيفة El País الإسبانية، تشير إلى أن الجزائر أنفقت خلال العقود الأربعة الماضية ما يفوق 10 مليارات دولار على جبهة البوليساريو، في شكل دعم مباشر ومعونات وإقامة فاخرة لقيادات الجبهة في تندوف، بينما يعيش ملايين الجزائريين في ظروف اقتصادية متردية، تتجلى في ارتفاع البطالة، وغلاء المعيشة، وأزمات السكن والخدمات الأساسية. فكيف لدولة تعاني من أزمة اقتصادية خانقة أن تواصل تمويل كيان غير معترف به دوليًا، بينما تعاني مستشفياتها من نقص الأدوية، ومدارسها من انهيار البنية التحتية، وشبابها من فقدان الأمل في المستقبل؟ واقع الحال يكشف عن مفارقة مأساوية: الجزائري محروم من أدنى مقومات العيش الكريم، بينما يتمتع قادة البوليساريو بنمط حياة مرفه، مدعوم من الخزينة العامة الجزائرية. إذ تمول الجزائر الإقامات الفاخرة، الرحلات الدبلوماسية، وحتى المصاريف الشخصية لقادة الانفصال، في الوقت الذي تنام فيه عشرات العائلات الجزائرية في العراء بسبب سيول لم تجد من يعيد تأهيل المناطق المنكوبة. وقد باتت هذه السياسات مكشوفة على الصعيد الدولي. فقد أبدت العديد من العواصم الأوروبية والأفريقية استغرابها من الإصرار الجزائري على دعم البوليساريو، رغم الإجماع الدولي على أن الحل الواقعي لقضية الصحراء يتمثل في مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب منذ 2007، والتي تحظى بتأييد متزايد في مجلس الأمن. إن استمرار تبون وشنقريحة في هذه السياسات يعكس انفصالًا تامًا عن هموم المواطن الجزائري، وتغليبًا لمشاريع أيديولوجية متهالكة على حساب التنمية الوطنية في الجزائر، وهو ما بات يُهدد النسيج الداخلي الجزائري ذاته، في ظل تنامي مشاعر الإحباط والسخط الشعبي. إن ما تقوم به السلطة الجزائرية اليوم لا يمكن اعتباره مجرد انحراف دبلوماسي، بل هو رهن ممنهج لمقدرات الدولة لصالح مشروع لا يحظى بأي أفق دولي، بل يجر الجزائر نحو مزيد من العزلة والانقسام. فهل يُدرك الشعب الجزائري حجم الكارثة قبل فوات الأوان؟