في خطاب العرش بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتربعه على عرش المملكة، جدد الملك محمد السادس موقفه الثابت من العلاقة مع الجزائر، مؤكداً تمسك المغرب بخيار الحوار والانفتاح، في وقت تواصل فيه القيادة الجزائرية تبني سياسة التجاهل والتصعيد، بعيداً عن روح الأخوة وحسن الجوار. الخطاب الملكي لم يكن مجرد تعبير عن رغبة دبلوماسية عابرة، بل تجديد لرؤية استراتيجية تنطلق من مبدأ راسخ: أن الاستقرار والازدهار في المنطقة المغاربية لا يمكن أن يتحققا دون بناء جسور الثقة والتعاون بين المغرب والجزائر. هذا الموقف ليس جديدًا؛ بل هو امتداد لنهج ملكي واضح منذ بداية الألفية، تجسد في مبادرات متكررة لطي صفحة الخلافات المصطنعة، وتغليب منطق الحكمة والمصلحة المشتركة على حساب النزعات العدائية. المعطى الجغرافي والثقافي بين المغرب والجزائر لا يمكن تجاهله. فبين الشعبين روابط تتجاوز الحدود السياسية، تمتد إلى وشائج الدم، والدين، واللغة، والتاريخ المشترك، من المقاومة ضد الاستعمار إلى تطلع الشعوب المغاربية إلى وحدة إقليمية حقيقية. الملك محمد السادس أعاد في خطابه التذكير بهذه الحقيقة، معتبراً أن "الشعب الجزائري شعب شقيق"، في رسالة محملة بأقصى درجات الاحترام والتقدير، بعيداً عن أي تصعيد أو توظيف سياسي. في المقابل، يظهر النظام الجزائري، وعلى رأسه المؤسسة العسكرية الحاكمة، تشبثًا بخطاب عدائي، قائم على اختلاق التهديدات الخارجية، واستعمال "ورقة المغرب" كأداة لصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية المتراكمة، من انسداد سياسي مزمن إلى تدهور اقتصادي واجتماعي يزداد حدة. الملك محمد السادس لم يكتف بالتعبير عن الانفتاح، بل دعا إلى "حوار صريح ومسؤول"، وهو توصيف دقيق يرسم ملامح رؤية متكاملة: لا يتعلق الأمر بمناورة دبلوماسية، بل بإرادة حقيقية لتصفية الملفات العالقة، ضمن إطار يحترم السيادة ويخدم الاستقرار الإقليمي. ومن المهم أن نُشير إلى أن هذه الدعوة تأتي في سياق إقليمي ودولي، إذ يشهد العالم تحولات عميقة على مستوى الأمن الطاقي، والهجرة، والإرهاب، مما يجعل التنسيق المغاربي ضرورة استراتيجية وليس خيارًا ترفيهيًا. ومع ذلك، لا تزال القيادة الجزائرية تُقابل هذه الدعوات الملكية إما بالصمت أو بالمزيد من التصعيد الإعلامي والسياسي، مما يكرس عزلة دبلوماسية اختارتها السلطة في الجزائر عن سبق إصرار. المقارنة بين المقاربتين المغربية والجزائرية في إدارة العلاقات الثنائية تكشف عن تباين صارخ. ففي حين اختار المغرب نهج التهدئة والعقلانية، يصر النظام الجزائري على تغذية مناخ التوتر، سواء عبر دعم الانفصال أو عبر حملات عدائية ممنهجة. لكن هذه الاستراتيجية لم تعد تجد صدى دوليًا، فقد بات المجتمع الدولي أكثر إدراكًا للطبيعة المصطنعة للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وللدور السلبي الذي تلعبه الجزائر في عرقلة أي تسوية سياسية واقعية. خطاب العرش لهذا العام يرسخ مرة أخرى ثوابت السياسة المغربية: اليد الممدودة، والرغبة في الحوار، والاحترام الكامل لروابط الأخوة والمصير المشترك. لكنها أيضًا رسالة تحمّل النظام الجزائري مسؤولية ضياع فرص التنمية والتكامل المغاربي، في وقت تحتاج فيه المنطقة أكثر من أي وقت مضى إلى صوت الحكمة والعقل. إن التاريخ سيسجل – كما سجل من قبل – أن المغرب كان دائمًا الطرف الساعي لبناء الجسور، بينما اختار الطرف الآخر سياسة الهدم والتشويش. وبين هذا وذاك، يبقى الأمل معقودًا على صحوة ضمير سياسي حقيقي في الجزائر، تعيد الأمور إلى نصابها، وتُخرج المنطقة من مأزق الجمود والتوتر.