مجلس المستشارين يصادق على مشروع قانون التأمين الإجباري الأساسي عن المرض رقم 54.23    بنسعيد: التحولات التي يشهدها قطاع الصحافة أفرزت الحاجة إلى تحيين الإطار التشريعي المنظم لمهنة الصحافة    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    أكثر من 790 مليون شخص في 12 دولة عانوا من درجات حرارة قصوى في يونيو 2025    أزيد من 160 مفقودا بفيضانات تكساس    لبؤات الأطلس تواجه الكونغو الديمقراطية وعينهن على صدارة المجموعة في "كان السيدات 2024"    إنريكي يشيد بحكيمي قبل مواجهة ريال مدريد في نصف نهائي مونديال الأندية    الوكيل العام بالرشيدية ينفي تعرض طفل بومية لاعتداء جنسي ويكشف نتائج تشريح الجثة    نشرة إنذارية من المستوى البرتقالي: زخات رعدية قوية بعدد من مناطق المملكة    توقيف فرنسي من أصل جزائري ملاحق دوليا بمراكش    21 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية ‏خلال الأسبوع المنصرم    الزيّ والرقص والإيقاع.. مهرجان مراكش للفنون الشعبية يروي حكاية الانتماء    المدافع المغربي محمد حمدون ينضم إلى ريال بيتيس إشبيلية    الصحراء المغربية.. توافق دولي لا رجعة فيه حول مغربية الصحراء ودعم ثابت للمبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل سياسي وحيد لهذا النزاع الإقليمي        محكمة إسبانية تدين أنشيلوتي بالحبس    إسرائيل تنفذ عملية برية بجنوب لبنان    اليونان توقف طلبات اللجوء للأفارقة    ترامب يدفع بتطبيع موريتانيا وإسرائيل        الحسيمة.. سقوط سيارة في منحدر بجماعة أجدير        المغرب يفتح باب المشاركة بالأوسكار    "مجرم حرب يدعم تاجر سلاح".. بوريل ينتقد ترشيح نتنياهو لترامب لجائزة نوبل    هذه توقعات أحوال الطقس بالريف واجهة الشرقية اليوم الأربعاء    الوكالات الجهوية للتعمير والإسكان: مقاربة قانونية لإصلاح المنظومة العمرانية في المغرب    الغرفة الثانية تصادق على مشروع قانون المسطرة المدنية        الحسابات الوطنية توضح المسيرة الإيجابية للاقتصاد الوطني    أصيلة تحتضن الدورة الخامسة للأكاديمية المتوسّطية للشباب من 11 إلى 19 يوليوز    الخلفي: "مشروع قانون تنظيم المجلس الوطني للصحافة نكسة دستورية وتراجع عن التنظيم الديمقراطي للمهنة"    نسبة تقدم أشغال إنجاز سد الرتبة بإقليم تاونات تصل إلى حوالي 30 في المائة (وزير)    بنسعيد يقدم شروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة ويعلن رفع تمثيلية "الناشرين"    بنك المغرب: 58% من المغاربة يمتلكون حسابات بنكية بنهاية 2024    الصين تعتزم توسيع شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة لتصل إلى 50 ألف كيلومتر بنهاية 2025    تجدد الدعوات لمقاطعة المنتدى العالمي لعلم الاجتماع بالرباط بسبب مشاركة إسرائيل    أسعار النفط تتراجع وسط تقييم اقتصادي لتأثير الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة    سايس يعود إلى التداريب بعد غياب دام لأربعة أشهر بسبب الإصابة    رياض: "أبذل قصارى جهدي للعودة للميادين وهدفي هو المشاركة في "الكان"    عندما ينقلب "الحياد الأكسيولوجي" إلى سلسلة ثنائيات شاردة!    كاظم جهاد: جاك ديريدا والمسألة الفلسطينية    ظاهرة "طوطو" هل نُربي جيلاً لتمجيد الصعلكة!؟    أكثر من مليون متابع لفرقة تولّد موسيقاها بالذكاء الاصطناعي    كأس العالم للأندية لكرة القدم.. تشلسي يحجز بطاقة النهائي بتغلبه على فلوميننسي (2-0)    الدوري الإنجليزي لكرة القدم.. سندرلاند يضم الظهير الأيسر رينيلدو ماندافا قادما من أتلتيكو مدريد الإسباني    من أين جاءت هذه الصور الجديدة؟ .. الجواب داخل واتساب    الشاعر حسن نجمي يفوز بجائزة ابن عربي الدولية للأدب العربي    تورونتو تحتفي بعبق السوق المغربي    الطالبة ماجدة بن علي تنال شهادة الدكتوراه في الكيمياء بميزة مشرف جدا    ممارسة الرياضة بانتظام تقلل الشعور بالاكتئاب والتوتر لدى الأطفال    دراسة ألمانية: فيروس التهاب الكبد "E" يهاجم الكلى ويقاوم العلاج التقليدي    التوصل إلى طريقة مبتكرة لعلاج الجيوب الأنفية دون الحاجة للأدوية    دراسة: ليس التدخين فقط.. تلوث الهواء قد يكون سببا في الإصابة بسرطان الرئة    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشباب والعلم
نشر في الدار يوم 04 - 11 - 2019

الشباب هم الذين يحملون أمانة العلم على عاتقهم، ويعملون على نشره والدعوة إليه.. فالذين حملوا هذا العلم ونشروه، ودوَّنوا الكتب، وحفظوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثرهم من الشباب:
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "ما أتى الله عز وجل عبدًا علمًا إلا شابًا، والخير كله في الشباب، ثم تلا قوله تعالى: ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [الأنبياء:60]، وقوله: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف:13]، وقوله تعالى: ﴿ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ [مريم:12]".
وابن عباس رضي الله عنهما وكان عمره عند موت النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عامًا، وقد جمع العلم الكثير، وكان ترجمان القرآن، يقول عنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "نِعْمَ ترجمان القرآن ابن عباس"، وكان أصحابه يسمونه الحَبْر.
وكان رضي الله عنه يطلب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: "إن كان ليبلغني الحديث عن رجل، فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه، يسفى الريح عليّ من التراب، فيخرج فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ هلا أرسلت إليّ فآتيك؟ فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك، فأسأله الحديث"
فكان علمًا في التفسير، والقرآن وعلومه، والحديث، والشعر، واللغة، وقد جمع العلم الكثير وذلك ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.
• وها هو معاذ بن جبل رضي الله عنه الذي أسلم وله ثماني عشرة سنة، وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يأتي يوم القيامة يتقدم العلماء بِرَتْوة [2]، مات وهو ابن ثلاث وثلاثين، وقيل: "مات وهو ابن ثمان وعشرين سنة، وهذا ما رجحه الإمام مالك ووافقه الذهبي وهو الأشهر، فمدة تحصيله للعلم لا تبلغ عشر سنوات، ومع هذا فهو إمام العلماء.
وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم كما في "مستدرك الحاكم": "أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل…".
• وفي رواية عند أبي نعيم في "الحلية" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم:
"معاذ بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه" (صحيح الجامع:5879)
وكان قد جمع القرآن كله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما قال عنه أنس بن مالك رضي الله عنه، والحديث عند البخاري.
• وكان عُمَر بن سلمة حافظًا للقرآن، وكان يصلي بالمسلمين وعمره ست أو سبع سنوات.
شباب ذللوا سبل المعالي
وما عرفوا سوى الإسلام دينا
إذا شهدوا الوغى كانوا كماة
يدكون المعاقل والحصونا
وإن جنَّ الظلام فلا تراهم
من الإشقاق إلا ساجدينا
• وها هو أنس بن مالك رضي الله عنه خادم النبي صلى الله عليه وسلم والذي حمل عنه العلم الكثير، يقول كما في "صحيح مسلم": "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر، ومات وأنا ابن عشرين"
• وها هو زيد بن ثابت "كاتب الوحي وجامع القرآن"
أسلم زيد وهو ابن إحدى عشرة سنة، وفي غزوة بدر ردَّه النبي صلى الله عليه وسلم لصغر سنه، وكان زيد حافظًا للقرآن، فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: "قد قرأ مما أُنْزِل عليك سبع عشرة سورة، قال زيد: فقرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجبه ذلك، وقال: يا زيد، تعلَّم لي كتاب يهود، فإني والله ما آمنهم على كتابي، قال زيد رضي الله عنه: فتعلَّمته فما مضى لي نصف شهر حتى حذقته[3] وكنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كتب إليهم" (أخرجه البخاري في التاريخ الكبير).
• وبعد فترة يسيرة رأى النبي صلى الله عليه وسلم من زيد بن ثابت الخير الكثير من دقته وإتقانه في الحفظ، والكتابة، وأمانته في النقل، وفهمه للنصوص، فكلَّفه بأعظم مهمة ألا وهي كتابة الوحي الذي يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه ثقة عظيمة وشرف كبير لزيد.
وكان لزيد رضي الله عنه موقف عظيم يشهد له التاريخ:
فبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع المهاجرون والأنصار في السقيفة، "فقام خطباء الأنصار، فتكلَّموا وقالوا: "رجلٌ منَّا ورجلٌ منكم، فقام زيد بن ثابت، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين ونحن أنصاره، وإنما يكون الإمام من المهاجرين ونحن أنصاره، فقال أبو بكر رضي الله عنه: جزاكم الله خيرًا يا معشر الأنصار، وثبت قائلكم، لو قلتم غير هذا ما صالحناكم"
(رواه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد رضي الله عنه)
وبهذا الموقف لزيد بن ثابت وُئدت الفتنة في مهدها.
• وفي أثناء حروب الرِّدَّة قتل عدد كبير من حفظة القرآن، فقال أبو بكر رضي الله عنه لزيد:
"إنك رجلٌ شابٌ عاقلٌ لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتَتَبَّع القرآن فجمعه"
فجمعه زيد، وكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفَّاه الله، ثم عند عُمر حياته، ثم عند حفصة بنت عُمر رضي الله عنها.
• ولما حدثت الفتنة بين الناس بسبب اختلافهم في القراءة، أمر عثمان رضي الله عنه زيد بن ثابت أن يكتب القرآن وينسخه بما يوافق لسان قريش، ففعل، فأرسل عثمان رضي الله عنه إلى كل أفقٍ بمصحف ممَّا نُسِخ، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق"، والحديث أصله عند البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
• وكان زيد أعلم الصحابة بالفرائض، وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "أفرضُ أمتي زيد بن ثابت" أي أعلمهم بعلم المواريث.
وكان الشعبي رحمه الله يقول: "القضاة أربعة: "عمر وعلي وزيد وابن مسعود" (تهذيب ابن عساكر:5 /450).
ويقول مسروق: "كان أصحاب الفتوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عمر وعلي وابن مسعود وزيد وأبي وأبو موسى" (تهذيب ابن عساكر:5 /449)
• وكان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يحملون له كل محبة وتقدير وإجلال لمكانته العظيمة في العلم
فها هو ابن عباس رضي الله عنهما أخذ بركاب ناقة زيد بن ثابت، فقال زيد:" تنحَّ يا ابن عم رسول الله، فقال ابن عباس رضي الله عنهما إنا هكذا نفعل بعلمائنا وكبرائنا " (ابن سعد وصححه الحاكم)
ولما مات قال أبو هريرة عنه: "مات حَبْر هذه الأمة، ولعل الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفًا"
• وعندما نتكلم عن الشباب من حملة العلم لا ننسى أن نتكلم عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن
وهو ربيعة بن فروخ المشهور بربيعة الرأي صار محدث المدينة وفقيهها وإمامها رغم حداثة سنه، وكان مجلسه يضم مالك، وأبا حنيفة النعمان، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد.
• وهذا الإمام مالك "إمام دار الهجرة"، يقول: "ألبستني أمي ثيابًا جدادًا، وعمَّمتني بعمامة بيضاء، وجعلت في كُمِّي صرة من ذهب، وقالت: "اذهب إلى المسجد، ولا ترجع إليّ حتى تكون شيخ الحلقة، وقد كان"
• أما الشافعي وهو محمد بن إدريس رحمه الله، فإنه ولد بغزة في السنة التي مات فيها أبو حنيفة، سنة خمسين ومائة (150ه)، ثم ذهبت أمه به وهو صغير إلى اليمن، ثم رجعت به إلى مكة، فكان يذهب إلى الحرم فيكتب الدروس حتى امتلأ عليه بيته ممَّا كتب، فأغلق بابه وعزم ألا يخرج حتى يحفظ ما كتب فحفظه جميعًا، ثم أرسلته أمه وهو طفل دون العاشرة إلى بني هذيل ليحفظ شعرهم، فحفظ عشرين ألف بيتٍ، ثم رجع إلى مكة وحفظ "الموطأ" قبل بلوغه، وقرأه على الإمام مالك في أربعين مجلسًا، ومات سنة مائتين وأربع من الهجرة، فمات وعمره أربع وخمسين سنة، ملأ خلالها الدنيا علمًا وورعًا.
• أما الإمام أحمد رحمه الله كان قد برع في طلب الحديث وعمره ست عشرة سنة، نشأ يتيمًا وعنيت به أمه، واشتهر علمه في الآفاق، وقيل إنه طلب العلم وهو ابن خمس عشرة سنة.
• ومن علماء هذه الأمة الإمام البخاري، قرأ كتب الحديث المشهورة، ككتاب ابن المبارك ووكيع، وهو ابن ست عشرة سنة، وصنَّف في قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وصنف كتاب "التاريخ الكبير" وهو ابن ثماني عشرة سنة.
وكان البخاري يقول عن نفسه: "ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكُتَّاب، وكان سنِّي عشرين أو أقل"
وكان يقول أيضًا: "أحفظ مائة ألف حديث صحيح (بالإسناد)، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح"
وكان نعيم بن حماد يقول عن البخاري: "محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة"
ولو تتبَّعنا علماء وحُفَّاظ هذه الأمة الذين رفعوا راية العلم خفَّاقة وخدموا هذا الدين لاستغرقنا وقتًا طويلًا.
• وصدق القائل حيث قال:
بقدر الجد تكتسب المعالي
ومَن طلب العلا سهر الليالي
تروم العز ثم تنام ليلًا
يغوص البحر من طلب اللآلي
ونحن نريد من شبابنا أن يقتدوا بهذا الجيل الفريد الذي نشر هذا العلم وخدموا هذا الدين، وكانوا نجومًا مضيئة في دياجير الظلام، لكن للأسف شبابنا اليوم قدوته أهل الفن والغناء والتمثيل ولاعبي الكرة.
فيجب أن يتربَّى الشباب تربية دينية صحيحة، يتعوَّد فيها على الاستقامة والاعتدال، ويجب تحصينهم بالعلم، وبث روح الوعي، والتَّصدي لكل مَن يبث مكر للنيل من شباب الإسلام.
أخي الشاب… أُمَّتك في انتظارك، حتى تقيل عثرتها وتعيد أمجادها، فلا تتأخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.