بعد فترة من الأخذ والرد سبقت الإتفاق على عقد جلسة خاصة حول أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا، تعرض المجلس في الجلسة التي عقدها يوم الجمعة 25 فبراير في جنيف إلى مفاجئتين: تمثلت الأولى في إعلان الرجل الثاني في بعثة الجماهيرية في جنيف، عادل شلتوت عن "الانحياز لتمثيل الشعب الليبي ابتداء من الآن"، وكانت الثانية إقدام المجلس، في سابقة أولى، على المطالبة بإقصاء دولة من عضويته. فقد صادق المجلس بعد الاستماع إلى تدخلات ممثلي 80 دولة والعديد من منظمات المجتمع المدني، بالإجماع (أي بدون تصويت) على مشروع قرار تقدمت به دول الاتحاد الأوروبي وحصل على دعم العديد من الدول من بينها دول عربية. وهو القرار الذي عبرت فيه دول المجلس عن "إدانة إنتهاكات حقوق الإنسان البالغة الخطورة التي ارتكبت مؤخرا في ليبيا، بما فيها أعمال القتل خارج نطاق القضاء، وعمليات الاعتقال والاحتجاز التعسفيين للمتظاهرين المسالمين وتعذيبهم". كما طالبت فيه أيضا "بإرسال لجنة تحقيق مستقلة ودولية على وجه السرعة ... للتحقيق في كل الإدعاءات المتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان في ليبيا والتي لها علاقة بالمظاهرات الجارية في البلاد. وضمان أن يُقدم للمحاكمة كل المسؤولين عن ذلك وتقديم تقرير عن ذلك للدورة 17 لمجس حقوق الإنسان..". سابقة إقصاء ليبيا إذا كانت النقطتان السابقتان من البنود المعهودة في قرارات مجلس حقوق الإنسان، فإن الجديد وما يرى فيه مراقبون "ثوريا" في تحرك مجلس حقوق الإنسان هذه المرة، هو البند الخاص بالمطالبة بإقصاء بلد من عضوية مجلس حقوق الإنسان. إذ ينص القرار على أنه "بالنظر للإنتهاكات الجسيمة والشاملة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها السلطات الليبية، يوصي الجمعية العامة لمنظمة الأممالمتحدة بالنظر في تطبيق الإجراءات الواردة في البند الثامن من قرار الجمعية العامة رقم 60/251". ويسمح هذا البند للجمعية العامة، شريطة الحصول على أغلبية ثلثي الأعضاء، بإقصاء بلد من عضوية مجلس حقوق الإنسان إذا ما قام بارتكاب "انتهاكات جسيمة" لحقوق الإنسان. وهو ما يُجمع الخبراء على توفر دلائل حدوثه في الوضع الحالي الذي تشهده ليبيا. أصوات المتظاهرين وصلت! عند تدخلها أمام الجلسة الخاصة نقلت مفوضة حقوق الإنسان" استنجاد المتظاهرين بالأممالمتحدة وبالمجموعة الدولية قائلة "إنه في الوقت الذي نجتمع فيه، يدين المتظاهرون المطالبون بحقوقهم المشروعة، الطريقة البشعة التي تجيب بها السلطات على مطالبهم، ويواصلون تحديها بتعريض أنفسهم وعائلاتهم للخطر... وعلينا ان نعرب لهم عن تضامننا وأن نوفر لهم الحماية من العنف، وعلينا أن نستمع لتطلعاتهم للحرية والكرامة والإدارة المسؤولة". وحتى بدون انتظار القيام بتحقيق، تقول المفوضة السامية لحقوق الإنسان "على الرغم من كون المعلومات غير متكاملة ويصعب التأكد منها ،فإن ما هو واضح رغم كل شيء، أن ما يعتبر استمرارا لانتهاك فاضح لحقوق الإنسان، هو التصعيد في الهجوم على المتظاهرين المسالمين والأخبار المتوافدة بخصوص ارتكاب عمليات قتل جماعي، وعمليات توقيف تعسفية وتعذيب في حق المتظاهرين. وورود أخبار عن استخدام الدبابات والطائرات والطائرات العمودية بشكل عشوائي ضد المتظاهرين، وفقا لبعض المصادر ، مما أدى الى مقتل وجرح الآلاف". تشديد على تطبيق المعايير بدون تحفظ الجديد في هذه الجلسة الخاصة أنها تحدثت بلغة تكاد تكون واحدة وهي "إدانة ما تم ارتكابه من الانتهاكات في حق المتظاهرين المسالمين" ولو أنها اختلفت فيها يتعلق بنقطة الإقصاء من العضوية. فقد شددت المجر باسم دول الاتحاد الأوروبي التي كانت وراء الدعوة إلى انعقاد الجلسة الخاصة ووراء مشروع القرارعلى أن "على مجلس حقوق الإنسان الا يبقى صامتا أمام أحداث مقلقة مثل التي تتم في ليبيا". أما فرنسا فأكدت على "ضرورة إدانة المجلس بوضوح تام، لأعمال العنف الواسعة وغير المقبولة المرتكبة حاليا في ليبيا، والتي يمكن أن توصف بانها جرائم ضد الإنسانية". واختتم الممثل الفرنسي تدخله بالتشديد على ضرورة "تفادي الإفلات من العقاب بالنسبة لمرتكبي مثل هذه الانتهاكات". بريطانيا تحدثت عن "ضرورة توجيه رسالة واضحة للنظام الليبي من أن العالم لا يكتفي بالمشاهدة وترديد التصريحات". وبعد أن أوضح الممثل البريطاني أن "النظام الليبي قد فشل بطريقة مزرية في حماية شعبه ومواطنيه من القوات التي من المفروض أن تحمي الحقوق"، تساءل "أليس من حقنا ان نطرح سؤالا على أنفسنا بجدية: هل من حق بلد لا يحترم الحق في الحياة بهذا الشكل أن يحتفظ بعضويته في مجلس لحقوق الإنسان؟" في إشارة لطلب طرد ليبيا من عضوية مجلس حقوق الإنسان. ممثلة الولاياتالمتحدة التي تحدثت من ناحيتها عن "اعتراف بالعزيمة التي أبداها الشعب الليبي في مواجهة هذا النظام القمعي"، عبرت عن "الوقوف الى جانبه في مطالبته بالحرية والعدالة والكرامة لكل أفراد الشعب". ودعت السفيرة الأمريكية الدول الأعضاء للمصادقة على مشروع القرار، قائلة "إن الشعب الليبي لا ينتظر منا شيئا آخر اقل من ذلك". سابقة يجب تفاديها الإجماع في إدانة ليبيا شيء، وقبول سابقة إقصاء دولة عضو نتجية لتقييم أنها ارتكبت انتهاكات جسيمة، هي خطوة لا ترغب عدة دول في القيام بها. وهذا ما جعل، ولأسباب مختلفة، عددا من الدول تقف ضد فكرة الإقصاء. فالمجموعة الإفريقية عرفت انقساما عرقل حتى آخر لحظة تقديم مشروع القرار في صيغته النهائية، كما يقال بصورة غير رسمية " لحسابات لدول لها علاقات وثيقة مع نظام العقيد القذافي". وهذا ما دفع ممثل المجموعة الافريقية للتعبير عن بعض التحفظ داعيا لاحترام "تحرك المجلس في حدود المهام المنوطة به". ولكنه عاود الحديث بعد اعتماد مشروع القرار بالإجماع وبدون تصويت لكي يوضح " بأن قبول مشروع القرار في هذه الحالة الليبية يجب ألا يصبح قاعدة سارية التطبيق". وقد أبدت كل من الصين وروسيا اعتراضات مماثلة. " قواعد اللعبة قد تغيرت" أما الدول العربية والإسلامية التي كانت تتجاهل حجم الانتهاكات، وتسارع لنصرة أية دولة عربية تكون محط نقاش في مجلس حقوق الإنسان، فقد أرغمتها ثورات شعوب تونس ومصر من قبل، وليبيا اليوم على تغيير لغتها، وهو ما ترتب عنه، سماع إدانات عربية لانتهاكات تتم في بلد عربي. إذ تحدث العراق باسم المجموعة العربية عن " الإجراءات القمعية الشديدة التي يُواجه بها المتظاهرون". كما ندد ممثل المجموعة العربية " بالجرائم المرتكبة ضد التظاهرات والاحتجاجات الشعبية السلمية الجارية في العديد من المدن الليبية والعاصمة طرابلس". وعبرت المجموعة العربية " عن استنكارها الشديد لأعمال العنف ضد المدنيين والتي لا يمكن قبولها او تبريرها وخاصة استخدام المرتزقة الأجانب والرصاص الحي". أما باكستان التي تحدثت باسم دول منظمة المؤتمر الإسلامي فقد أشارت امام المجلس الى أن العالم الإسلامي يعيش تطورات كبرى، ويعطي أدلة قاطعة تفند مقولات من يشككون في أن الإسلام لا يتلاءم مع الديمقراطية. وقد توجه الممثل الباكستاني للمسلمين قائلا " قد حان أوان الصحوة لأن المسلمين لم يعد ممكنا استمرار حرمانهم من حقوقهم" وهذا قبل أن يختتم تدخله بالقول" لقد بدأ مد جديد، وقد تغيرت قواعد اللعبة، ومن لم يستوعبها، قد تعصف به".