سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ذاكرة مغربية في تاريخ فرنسا . .الفرنسيُّون الأحْرار في المغرب المأزوم (1955/1945 .. لاكوست يخلف جوان، لكن الوضعية المغربية تظل رهينة بنفوذ جماعة الضغط الاستعمارية
مغامرةٌ جميلةٌ هذه التي نركبها بترجمة هذا الكتاب. ومن جوانب الصعوبة في هذه المغامرة ما يواجه هذا النوع من الكتابات المترجمَ به من صنوف الصعاب والمعيقات، بحكم كثرة ما يثير من مشكلات، بله إشكاليات، لاتصاله بالحفر والمساءلة بقضايا لا تزال من صميم راهننا المغربي. إن من الصعب دائماً، أن نترجم كتاباً وضعه أجنبي في تاريخنا القريب، ولاسيما ما كان منه داخلاً في فترة ما قبل الاستقلال بقليل؛ تلك الفترة العصيبة من تاريخ المغرب، التي لا نزال لا نعرف فيها، إلى اليوم، كتاباً جامعاً نسلم معه بشيء من اليقين. وأما الكتاب الذي آثرناه بالترجمة في هذا المضمار فهو كتاب «?الفرنسيون الأحرار في المغرب المأزوم»، الذي يُطلِعنا على صفحةٍ من العلاقات الفرنسية المغْربية، ظلتْ غير معروفة جيداً، مع ما هي عليه من أهمية وبروز في تاريخ القضاء على الاحتلال. صفحات سوَّدتْها حفنةٌ من فرنسيِّي المغرب، ساندوا، في الأزمة التي عاشَها المغرب في السنوات الأخيرة من عهد الحماية، مطلبَ المغاربة في الاستقلال، الذي اعتبروه مطلباً عادلاً ومحتَّماً ليس منه مفر. وقد انخرط هؤلاء الأحرار الطوباويُّون، المخالِفون للاتجاه الذي كان يسير فيه الرأي السائد عند مواطنيهم، انخراطاً لم يعْبأوا بما كان يحفل به من مخاطر، بما فيها المخاطرة بحياتهم، في معركة ?سلمية ساعدتْ على إحقاق الحق، كما كانتْ منشأَ صداقات ثابتة ودائمة بين هؤلاء الفرنسيين وبين الوطنيين المغاربة. آن ماري روزيلي ترجمة : عبد الرحيم حُزَلْ اتخذ رئيس الحكومة الجديد إدغار فور أنطوان بيناي وزيراً للشؤون الخارجية وجعل بيير جولي خلفاً لفوشي في الشؤون المغربية. وقد كان المقيم العام الجديد فرانسي لاكوست خلف منذ 20 ماي 1954، الجنرال غيوم في المغرب. إنه مدني يخلف عسكرياً؛ فكان الانطباع الذي أوحى به إلى الأحرار انطباعاً طيباً، مثلما أثار نوعاً من الكراهية لدى الاستعماريين الذين تحسروا على ذهاب العسكريين «الحازمين». فكان هؤلاء وكان أولئك معاً في ارتقاب للكيفية التي ستتطور بها الأحداث. كتبت كريستيان داربور: «كان أول عمل بادر إليه فرانسي لاكوست لدى وصوله إلى الرباط أن دعا إليه الخمسة والسبعين (الذين كانت رسالتهم سبباً في تعيينه) لملاقاته في مقر الإقامة. لكن أرادته الطيبة لم تتمكن من التغلب لوقت طويل على مصالح إدارته التي كانت تخضع ل «جماعة الضغط» جوان/بونيفاس. فلم يتغير شيء منذ مجيئه». ويخيل إلى الناس أن المعرفة التي كانت لإدغار فور بأحداث 1953 كان من شأنها أن تحمل على الاعتقاد بأن سياسته ستقوض حالة الجمود السائد المشين. لكن سرعان ما تكشف انحرافها؛ كما تجلى في عناده المستميت للبحث عن «رجل ثالث» يمكن له أن يطرد بن عرفة من غير أن تكون له صلة ببن يوسف... وقد حاول الأوروبيون أن يعطوا الحكومة الجديدة فكرة أدق عن الأوضاع. وقدم الوزير جولي إلى المغرب في أبريل 1955، فاستقبله القائد سارتو والدكتور ديلانوا بحضور فرانسي لاكوست، وعرضا عليه الشروط «التي لامناص منها» لعودة الهدوء؛ وهي تمتيع المغاربة بالحقوق الأساسية وتسوية مشكلة العرش حسبما يؤملون. وكتب الدكتور ديلانوا : «لقد رمونا في شيء من السخرية ب «الفلاسفة العامين. وأما مشكلة العرش فخرسوا إزاءها فلم ينبسوا فيها لكلمة» (م. ذ.، ج. III، ص. 170). غير أن ذلك لم يكن له أن يثبط من همم الأحرار. فقد تواصلت اجتماعاتهم في الدارالبيضاء كما في الرباط لنقل الأخبار التي تقوم الرقابة بإخفائها أو تقوم بتصفيتها، والتفيكر في الأعمال التي من شأنها أن تستجيب بصورة أفضل إلى تلك الظروف. وإذا أعضاء «مجموعة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية» وحركة «الضمير الفرنسي» : الدكتور ديلانوا وجون بيركمان شابير وجاك جواني وهنريان دي شابوناي وروبير أوران وهنري كازولي، قد بات ينضاف إليهم من المغاربة على الدوام. ويتذكر مونسينيور شابير في هذا الصدد قائلاً: «لقد استمررنا في السر على اتصالاتنا الدائمة بأصدقائنا المغاربة. وأنا ههنا أفكر في كريم العمراني والمهدي بن بركة ورضا اكديرة من بين آخرين» (من حوار مذكور). وكتب جاك جواني: «كانوا يأتون من شتى الآفاق؛ وكان معظمهم من البرورجوازية. فهذا ساهم في اتساع النطاق السياسي إلى حد كبير؛ فكان المشاركون من حزب الشوري والاستقلال (P.D.I) ومن مختلف الاتجاهات في حزب الاستقلال وأولئك الذين كانوا يسمون «المعتدلين» (من رسالة بتاريخ 8 يونيو 1995). وانتقل العمل إلى السرية، كما قال مونسينيور شابير، وليس في هذه العبارة من تهويل. فقد باتت التهديدات من طرف مناهضي العمليات الفدائية تجبر الأحرار على ترك مكان اجتماعهم المعهود في الرباط : «لاسورس»، ذلك المركز الثقافي الخاص المشرع الأبواب للفكر الليبرالي. وأصبح المشاركون مضطرين، تحت ضغط أشكال المراقبة المعادية، ألا يناموا في مكان واحد وأصبحوا في كل مرة يغيرون مكان اجتماعتهم. كتب جاك جواني: «إنه بيت متواضع ذو ستائر زرقاء في تمارة». وكتب مونسينيور شابير: «بيت قديم في المدينة العتيقة». ويأتينا الدكتور الحراقي بذوره بذكريات وإن غلب عليها المواصفات الهندسية : «عندما أفكر أننا ذات مرة كنا قبالة حانة لاجيروند، تلك الحانة المشؤومة التي يملكها أفيفال، المدبر للكثير من الاعتداءات، والذي كان «زبانيته» يخرجون في المساء ليجوبوا أرجاء المدينة لكي «يصيبوا أهدافاً» بين المغاربة! فكنا نعرف أننا تحت المراقبة! لكن الله كان يكلؤنا بحمايته...». وعلى الرغم من التقلبات التي كانت تحفل بها تلك الأوقات، فقد كانت تلك الاجتماعات لا تقتصر على الوقوف عند المشكلات الآنية (كان الأمر الأساسي هو المتمثل في عودة السلطان) بل كانت تتعداها إلى معالجة المشكلات الداخلة في المستقبل البعيد. كتب مونسينيور شابير في هذا الصدد : «كنا على ثقة بتحقق تقدم للحل المأمول على الرغم من كل العراقيل، بما فيها المشكلات التي كانت ستواجه المغرب المستقل. ومن ذلك على سبيل التمثيل أن المهدي بن بركة كان يوجه جل اهتمامه إلى تكوين الشبيبة، وكان يبدي اهتماماً بالأساليب المتبعة في حلقات «حركة الشبيبة العمالية المسيحية» (J.O.C.) . وقد طلب مني أن أجيئه ببعض الوثائق الداخلة في هذا الباب فلبيت طلبه» (من حوار مذكور). وكان جاك جواني يهتم من جانبه بنشاط بمشكلات تكوين الأطر المغربية من الشبان الذين سيحلون محل الأطر الفرنسية، ويدرس الشروط المناسبة لهذا الإبدال. وقد جاء عبد الرحيم بوعبيد بعد ذلك بشهادة في هذه العملية أن الأحرار «قد أصبحوا مخاطبين مميزين». وقال : «إنهم لم يحاولوا في أي لحظة أن يبدلونا عن مواقفنا في الأمور الأساسية التي نطمح إليها». وكانت تلك الاجتماعات بالنسبة إلى جاك جواني كذلك ذات فائدة كبيرة، بفضل ما كان يُتبادل فيها من أخبار ومعلومات، كانت «تغذي» نشاطها السياسي. كتب : «كنت أنقل بصفتي الشخصية جميع الأخبار المفيدة لأصدقائي في باريس؛ فأنا أنقلها إلى فريق «الحياة الجديدة»، وإلى روبير فيرديي، النائب الاشتراكي وإلى فرونسوا ميتران بواسطة جون فيدرين الكاتب العام لمركز الأخبار والوثائق» (من رسالة بتاريخ 14يونيو 1993). وسرعان ما تبينت الفائدة التي كانت تمثلها هذه الاتصالات. فقد كانت الاجتماعات تخدم كذلك التدخلات التي كان جاك جواني يقوم بها داخل حزبه «الحركة الجمهورية الشعبية» (M.R.P.) حيث كان على خلاف مع السياسة التي ينتهجها بيدو. ولذلك فالتقرير الذي وضعه جلبير فيالا المبعوث الخاص لبلدان إفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي إلى مؤتمر مارسيليا المنعقد في يونيو 1955، والذي نشر في صحيفة «ماروك بريس» قد جاء مشتملاً على تدخل جاك جواني الذي ساند، ومعه لوبران كيريس، عريضة للمطالبة بعودة السلطان. فقد جاء فيه قوله : «لقد ناضلت، لكن عبثاً ويا للأسف، في سبيل عودة الملك، ومن أجل حل تفاوضي للمشكلة المغربية. وكانت خيبة ثقيلة. لكنني سعدت في هذا المؤتمر بلقاء عبد الرحيم بوعبيد، الذي شارك فيه بصفة الملاحظ؛ لكن كان متكتماً. فلم يسهم في تنويري بآرائه ومعلوماته» (18 يونيو 1995). المؤتمر الوطني لحل المشكلة الفرنسية المغربية وفي فرنسا اتخذ مركز الأخبار والوثائق، الذي كان المسؤولان عليه هما النائب برتران شنايدر وجون فيدرين، مبادرة جريئة لمساندة العمل الإخباري الذي يقوم به الأحرار. فقد قررا أن ينظما يومين من العروض وتبادل الأحاديث مع مشاركة لشخصيات من شتى الاتجاهات لتنوير الرأي العام الفرنسي؛ فكان «المؤتمر الوطني لحل المشكلة الفرنسية المغربية». عنوان طويل نسبياً، لكن الكلمات «الأساسية» المكونة له كانت بالغة الدلالة. وقد كان يفترض بتحليلات المتخصصين وشهادات الشخصيات «على الميدان» أن تحيط بمختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والإنسانية للواقع المغربي والإعداد للآفاق المساعدة على بناء مستقبل للعلاقات الفرنسية المغربية. وكانت فرادة هذا التجمع أن دعي إليه مشاركون مغاربة. وقد ذكر جون فيدرين بسياق تكون هذه المبادرة بكلمات عفوية قال فيها : «كنا في مطلع سنة 1955 . وقد كتب الكثيرون أنني أنا من كنت صاحب تلك الفكرة. وذلك شيء ممكن. وأياً ما يكن، فإن المركز في شارع بوجون هو الذي كان الباعث على تلك الفكرة. ولما كانت المبادرات من هذا القبيل نادراً ما تصدر عن أفراد، أراني على اقتناع بأن برتران شنايدر وأسرة شابوناي وموريس بينو وأخرين قد ساهموا في تكوين هذا المشروع وفي تغذيته» (من رسالة بتاريخ 10 فبراير 1955).