بلجيكا تدعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي تضع جهة الصحراء "في إطار سيادة المملكة ووحدتها الوطنية"    الحكومة تصادق على مرسوم الرفع من التعويضات العائلية لأجراء القطاع الخاص بأثر رجعي من يناير 2023    جلالة الملك يبعث ببرقية تهنئة للأخ الكاتب الأول إدريس لشكر    تحت الرعاية الملكية السامية.. التزام مغربي متجدد لبناء فلاحة إفريقية صامدة ومبتكرة    جدد المغرب وبلجيكا، اليوم الخميس، التأكيد على إرادتهما المشتركة في تعميق شراكة استراتيجية ومهيكلة قائمة على الثقة والاحترام المتبادل وتقارب وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية الكبرى    "ميتا" تقرر إلغاء 600 وظيفة في قسم الذكاء الاصطناعي    الرباط تخصص لهم استقبالا شعبيا كبيرا .. أبطال العالم فخورون باستقبالهم في القصر الملكي ويعبرونه حافزا للفوز بألقاب أخرى    فوزي لقجع لصحيفة "لوفيغارو".. الإنجازات التي حققتها كرة القدم المغربية تتويج لرؤية جلالة الملك    كرة القدم ..المغرب يستضيف بطولة " فيفا يُوحِّد: سلسلة السيدات" لعام 2025 يوم 26 أكتوبر الجاري (فيفا)    زياش يوافق على حمل قميص الوداد    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الممثل محمد الرزين في ذمة الله    فقدان آخر للفن..رحيل الفنان محمد الرزين عن 79 عاماً    وللفوز أجنحة الفرح    المسابقات الإفريقية.. الأندية المغربية في مواجهات مصيرية للعبور إلى دور المجموعات    الحكومة تصادق على مرسوم يحدد شروط إنتاج الطاقة الكهربائية ذاتياً    سائق "إسكوبار الصحراء": "مشغلي كان يملك سيارتين تحملان شارات البرلمان حصل عليهما من عند بعيوي والناصيري"    عاجل.. سكتة قلبية تنهي حياة أشهر "بارون المخدرات بدكالة" حمدون داخل سجن سيدي موسى بالجديدة...    رئاسة النيابة العامة تقدم دليلاً جديداً لحماية الأطفال في وضعية هجرة    مذكرة توقيف دولية ثالثة يصدرها القضاء الفرنسي ضد بشار الأسد المنفي في روسيا    الجمعية المغربية لحماية المال العام تتهم الحكومة بحماية "المفسدين" وتعلن تضامنها مع رئيسها الغلوسي    بيلينغهام يمنح ريال مدريد فوزا صعبا على يوفنتوس في دوري الأبطال    شباب "جيل زد" يجددون احتجاجاتهم يومي السبت والأحد.. ومطلب الإفراج عن المعتقلين على رأس الأولويات    المحفظة العمومية تضم 267 مؤسسة ومقاولة عمومية في نهاية شتنبر 2025    محكمة العدل الدولية: على إسرائيل كقوة احتلال تأمين الغذاء والماء والمأوى والإمدادات الطبية للفلسطينيين    تقرير حقوقي يوثق خروقات بالجملة في محاكمات معتقلي احتجاجات "جيل زد"    تسارع ارتفاع أسعار النفط بعد العقوبات الأميركية على مجموعتي النفط الروسيتين    هنري يرشح المغرب للتتويج بالمونديال    غوتيريش يدعو إلى "تسريع" وتيرة البحث عن حل دائم لقضية الصحراء وتمديد ولاية "مينورسو" لعام إضافي    الفنان الممثل محمد الرزين في ذمة الله    في مديح الإنسانية التقدمية، أو الخطاب ما بعد الاستعماري وفق مقاربة فلسفية ايتيقية    وجدة: حين يصبح الحبر مغاربياً    تنوع بصري وإنساني في اليوم السادس من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة    توأم تونسي يحصد لقب الدورة التاسعة من مبادرة "تحدي القراءة العربي"    المؤسسات والمقاولات العمومية: استثمارات متوقعة لعام 2026 تقارب 180 مليار درهم    الانخفاض يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    سكان أكفاي يطالبون بمنتزه ترفيهي    العطلة المدرسية تعيد النقاش حول أهمية التوازن بين الراحة والمراجعة    التعاونيات تبرز أصالة وجودة المنتوج المغربي بمعرض أبوظبي للأغذية    استفتاء في ميونخ بشأن استضافة الألعاب الأولمبية    الرباط ضمن أفضل 5 وجهات عالمية    مصادر أممية تتوقع تقليص ولاية بعثة "المينورسو" في الصحراء المغربية    بروكسل تقرض القاهرة 4 ملايير يورو    التجويع يفرز عواقب وخيمة بقطاع غزة    عناصر الأمن الإيرلندي ترشق بالحجارة في دبلن    القنصلية الإيطالية تحذر من النصابين    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    نجاحات كرة القدم المغربية، ثمرة رؤية ملكية متبصرة (وسائل اعلام صينية)    الملك محمد السادس يواسي أسرة المرحوم الفنان عبد القادر مطاع    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    الملك محمد السادس يأذن بنشر فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة    ندوة تبرز الاحتفاء القرآني بالرسول    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في رحلته إلى المغرب، ألفريد سوفي يحكي: تحديات مغرب ما بعد الاستقلال

يتساءل المحلل الفرنسي ألفريد سوفي، الذي كان في مرحلة تصفية الاستعمار الفرنسي بالمغرب متعاونا مع مجلة «ليكسبريس»، عن مستقبل فرنسا في مستعمرتها السابقة خلال مرحلة ما بعد الاستقلال. وبتسليطه الضوء على التغير الديمغرافي الذي شهده المغرب في تلك الفترة، يقدم الباحث الفرنسي تصورا لعمق التغيرات التي عاشها المغرب سيما في ما يتعلق بهجرة المقيمين الفرنسيين إلى وطنهم ومحاولة المغرب الاستعاضة عنهم بالاعتماد على الكفاءات المغربية المتوفرة حينها
غير بعيد من الفوضى التي كانت تغرق فيها الجزائر، شاءت سخرية القدر أن تضع شاهدا ونموذجا للتعايش بين الفرنسيين والمسلمين. ليس أكيدا أن الجميع كان يشعر بالرضا في المغرب، سواء بالنسبة لنا أو بالنسبة لهذا البلد، لأن الأمور التي لم تكن تسير على ما يرام كانت تثير القلق، أما التي بخير فقد كانت في غاية الهشاشة.
لم يكن الفرنسيون الذين حلوا بالمغرب يشكلون «عينة تمثل» 43 مليون فرنسي. لقد خضعوا لنوعين من الانتقاء، حيث يتعلق الأول بالهجرة: روح المقاولة، الريادة، المغامرة والربح. أما الثاني فهو ناتج عن عودة أولئك المهاجرين.، مع العلم أن بعض حالات العودة تمت قسرا، لكن إجمالا يمكن القول إن المتعصبين رحلوا، في حين بقي الأفضل في المغرب. وكان من بين الموظفين الذين اشتغلوا في التعليم والتطبيب، أشخاص مخلصون، منهم من ينتمي للرابطة الفرنسية، يستحقون الاحترام.
وما تم إنجازه في ظرف أربعين عاما يظل أمرا يستحق الاعتبار، وشاهدا يبرز أن الفرنسيين قادرون على الخلق والبناء عندما يتحررون من الأثقال التي تعيق الاقتصاد الفرنسي.
وعندما غادر آخر جندي فرنسي التراب المغربي، رمى غيابهم بالتجار إلى الهامش، وفقدوا رضا الزبناء عنهم. كما أن هذا الغياب العسكري والاقتصادي أرخى بظلاله على الجانب التعليمي، حيث أضحى مستوى التلاميذ المسلمين أقل مقارنة مع نظرائهم الفرنسيين. وهذا ما أثار تخوف بعض الآباء الفرنسيين على مستقبل أبنائهم، فقرروا بدورهم العودة إلى وطنهم. وفي نفس الوقت، ارتأت فئة من المقيمين الفرنسيين البحث عن تحقيق نوع من التوازن، من خلال التوجه نحو الحواضر الكبرى، في حين أصبحت التجمعات السكانية الصغيرة تعرف فراغا تاما من الوجود الفرنسي.
ولقد أثبتت فكرة إعمار بلد آخر بالموظفين ورجال الشرطة عدم صلابتها، إذ ان التزايد الكبير للساكنة المغربية فرضت توزيع العديد من مناصب الشغل على الشباب المغربي، كيفما كان السبب وكيفما كان النظام. وكان من الممكن أن تنجح فكرة الجنرال ليوطي الرامية للتمييز بين الساكنة المغربية والمقيمين الفرنسيين لو أنها لم تغفل جانب النمو الديمغرافي لساكنة المغرب، أي النقطة الأهم في كل التحولات.
ودون الخوض في التفاصيل الأخرى، فإن الإحصاءات الديمغرافية وتزايد السكن الصفيحي سمثل اختبارا حقيقيا لتزايد الساكنة على مستوى المجال القروي.
ومع تولي الشباب المغربي لدفة القيادة السياسية في البلد، كانوا يدركون أنهم لم يكونوا على علم بكل شيء، لذلك تم اللجوء إلى خلق نوع من التعاون المثمر بين الجانبين السياسي والتقني.
وكان ثمة فئة قليلة كانت تؤمن بأن الحكومة المثالية هي التي تعتمد على التقنيين، أي أنه من الضروري أن يتوفر سلاح البحرية على أميرال، والتعليم على أساتذة...
أما الفرنسيون الذين بقوا وسيظلون في المغرب، في مواجهة الزحف الديمغرافي، فقد كانوا هم الأشخاص الذين تفرضهم الضرورة: الأطباء، الأساتذة، المهندسون... إلخ. وفي المقابل، كان الأطباء الذين قدمتهم الحكومة المغربية يشترطون تعويضات كبيرة، تتجاوز تلك التي يطالب بها الفرنسيون بنسبة 50 بالمائة. وهنا سيشرع المغرب في دفع ثمن هجرة الفرنسيين.
ومنذ ذلك الحين أصبح المغاربة المثقفون وأصحاب النفوذ في وضع حرج: إذ لم يكن ثمة إدراك كبير لضرورة الاحتفاظ بالفرنسيين والسماح لهم بالإشراف على القطاعات التي تشمل مجال تخصصهم، بل تبنوا مواقف تقف في وجه الفرنسيين، لا ينبغي منحها تأويلا يضعها في مدارج العنف.
ويمكن العودة هنا إلى القول المأثور: «الثقافة هي كل ما يتبقى عندما يُنسى كل شيء». ما الذي يثير اهتمام فرنسا في المغرب وحتى في فييتنام؟ «الثقافة هي كل ما يتبقى عندما نفقد كل شيء»، هذا بالفعل ما تبقى عندما انتهى التفكير في الهيمنة السياسية. لكن هل ثمة من لا زال يعتقد أن الإمبريالية وتأثير بلد على بلد آخر يتم قبل كل شيء عبر الثقافة؟ إذا كان بمقدور الاتحاد السوفياتي الاستمرار في التواجد بتركمانستان، هنغاريا أو أي بلد آخر، فإن ذلك بلا شك لم يتم من بواسطة الدبابات، بل بفضل الفكر الماركسي الذي تم زرعه هناك.
وفي السنة الماضية، قام الرئيس الألماني بزيارة تركيا، وعندما حان موعد تسليم هدية ذهبية للفقراء كان كان يتم في السابق، قدم خمسين هدية، لكن هذه المرة لم تكن من الذهب، بل كانت عبارة عن خمسين منحة دراسية في المعاهد التقنية الألمانية. خمسون تقنيا سيعملون طيلة أربعين عاما على استخدام التقنية الألمانية في صناعة الآليات. ومن شأن هذه «المنحة الكريمة» أن تعود بأرباح كبيرة على الاقتصاد الألماني. لكن هل هيمنة التأثير الثقافي أمر مستجد ؟ ليس صحيحا، فالعرب ما كانوا ليحافظوا على هيمنتهم لولا الإسلام.
هذا الأمر يظل في نظرا البعض بدهيا، في حين يرى فيه البعض الآخر نصف الحقيقة، أما ثلة أخرى فتعتبر الأمر مجرد ترهات. ومع ذلك، فليس أي أحد ممنوعا من الحلم، ولو كان ذلك في قلب كابوس مرعب. اغمضوا أعينكم إذن وتخيلوا لو انه تم اقتطاع مائة مليار سنويا خلال العقد الأخير من ميزانيات الحروب، وتم في المقابل استثمارها في النهوض بقطاع التعليم وتعزيز العلاقات الثقافية. فكم يا ترى سيكون حجم القوة التي ستتوفر عليها فرنسا في هذا العالم المتطلع إلى التعليم والبحث والتطور؟ لقد طلبت الحكومة المغربية من فرنسا تزويدها بألف مدرس فرنسي، لكننا لم نتمكن من توفير إلا 60 مدرسا.
ولا يمكن إنكار الأخطاء الكبيرة تم ارتكابها في الحروب الدينية، كما كان عليه الحال خلال الحملة الروسية سنة 1812. ونفس الأمر ينطبق على الحروب التي يشهدها عصرنا الحالي رغم الشعارات المنمقة التي يتم إلصاقها بها. لكن على عكس كل هذا، فإن الحرب الإيطالية اتخذت منحى آخر برزت فيه حكمة هنري الثالث.
الهجرة الفرنسية لم تنته، فعملت الحكومة المغربية على بتنصيب المواطنين المغاربة في جميع المناصب، التي تعتبر إلى حد ما مناصب رسمية، وذلك كلما أتيحت لها الفرصة، بمعنى كلما توفر العنصر البشري القادر على تقلد ذلك المنصب. وبغض النظر عن كون نسبة النمو الديمغرافي ومعدلات البطالة، هل نقبل أن يكون ضمن موظفينا مواطنون سويديون، إنجليز، ألمان أو حتى بلجيكيون؟ هذا السلوك الطبيعي لا يدل على أن تأثيرنا سيشهد تراجعا مهولا. كل ما في الأمر أن هذه مسألة تتعلق بالجودة.
وقد تكون المحافظة على الوجود الفرنسي الضروري أسهل لو أن المغاربة اختاروا توجها آخر بعيدا عن الإدارة، كاختيار المجال الإلكتروني مثلا. وبعيدا عن قطاع التطبيب، لم يكن ثمة مجال آخر يمكن من خلال للشباب المغربي الاستقرار والعيش بعيدا عن الوظيفة العمومية.
صحيح أننا أسدينا خدمات جليلة لهذا الشعب، لكننا لا ننكر أننا نقلنا إليه أيضا أمراضنا، يظل أقلها أننا جعلناه بلدا تقنيين ولا علماء، وبالتالي سيظل بلدا غير متقدم، أي بلدا بدون استقلال حقيقي، لأنه سيظل دوما في حاجة إلى الغير. صحيح أنه من السهل تعلم كيفية استخدام مبرد، وطريقة سياقة سيارة، حتى أن الأحياء الصفيحية كانت تغص بأجهزة المذياع،، لكن من الصعب جدا تعلم كيفية صناعتها.
وكان يقول ماركس إن الطبقة الميسورة تحتاج دوما للطبقات الفقيرة، وتزيد من تعميق فقرها أكثر فأكثر، تماما كما كان عليه الأمر في القرن التاسع عشر، وهو ما انتقل إلى القرن العشرين أيضا.
عن «الاكسبريس»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.