الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    أخنوش يرد على خصومه: الدولة الاجتماعية ليست مشروعا ل"البوليميك" والحكومة أحسنت تنزيله    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    لا تيتي لا حب لملوك: اتحاد العاصمة دارو ريوسهم فالكابرانات وتقصاو حتى من كأس الجزائر    سانشيز: أفكر في إمكانية تقديم الاستقالة بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضد زوجتي بتهمة استغلال النفوذ والفساد    مكافأة مليون سنتيم لمن يعثر عليه.. هذه معطيات جديدة عن حيوان غريب ظهر في غابة    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    هادي خبار زينة.. أسماء المدير مخرجة "كذب أبيض" فلجنة تحكيم مهرجان كان العالمي    قميصُ بركان    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    النصب على حالمين بالهجرة يقود سيدتين الى سجن الحسيمة    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زعماء الحركة الوطنية كانوا يعملون بتنسيق تام مع المغفور له محمد الخامس
في ندوة ذكرى مائوية الزعيم علال الفاسي
نشر في العلم يوم 28 - 03 - 2010

نخلد هذه السنة الذكرى المأوية لميلاد المفكر وزعيم التحرير علال الفاسي رحمة الله عليه. وفي هذا الإطار ستنظم عدة تظاهرات ثقافية تلقي الضوء على مسار حياة الزعيم وعلى مراحل نضاله وعلى فترة مهمه من تاريخ المغرب قبل الحماية ومرحلة الكفاح الوطني من أجل التحرر وفترة مابعد الحماية والدور الذي لعبه الزعيم الراحل والحركة الوطنية في هذا الباب.
وقد انطلقت هذه الأيام بالندوة التي نظمت يوم السبت 13 فبراير 2010 بمؤسسة علال الفاسي والتي شهدت حضور أعضاء مجلس الرئاسة واللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال. وعدد كبير من المفكرين والمناضلين وزعماء الأحزاب السياسية.
وقد افتتحت الندوة بالكلمة القيمة التي ألقاها الأمين العام لحزب الاستقلال ورئيس المؤسسة الأستاذ عباس الفاسي والتي رصدت فيها ملامح من حياة علال الفاسي المفكر والمناضل والإنسان.
وقد قدمت خلال هذا اليوم عروض الأساتذة عبد الرحيم اونين حول الخطاب الكولونيالي المسيحي بالمغرب خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين ودور الوطنيين في التصدي له والأستاذ سعيد بن سعيد العلوي حول الحركة الوطنية وهاجس التنظير، والدكتور عبد الهادي التازي حول التاريخ الدولي للمملكة المغربية في مائة سنة، وعرض للأستاذة ثريا برادة حول الوضع في المغرب في القرن التاسع عشر وعرض للأستاذ محمد العربي المساري حول العمل الديبلوماسي للحركة الوطنية المغربية.
وننشر اليوم العرض الذي قدمته الأستاذ محمد العربي المساري في موضوع العمل الديبلوماسي للحركة الوطنية
وهو العرض الأخير في هذه الندوة
تمت بمقتضى معاهدة الحماية في 1912 إقامة الحجر علي السيادة الوطنية، وأصبح المغرب يتصرف في المجتمع الدولي بواسطة المقيم العام الفرنسي، الذي جعلت منه تلك المعاهدة وزير خارجية السلطان. وتولت إسبانيا نفس الدور بالنسبة للمنطقة التي أسندت إليها حمايتها، وذلك بمقتضى تفويض تلقته من فرنسا. لكن مع بروز الحركة الوطنية تظافرت الجهود للتعبير عن الوجود الدولي للمغرب، في مختلف المحافل، وذلك في كل من منطقتي الحماية.
ونعرف حتى الآن شذرات محدودة عن جهود تولاها وطنيون مغاربة في المحافل الدولية للتنديد باحتلال المغرب. ومن هؤلاء داعية مغربي هو محمد العتابي الذي تعرضت مصادر وطنية مغربية إلى أنشطة قام بها في فرنسا وألمانيا وشمال أوربا وفي تركيا. وتذكر ثلاث مصادر أنه عارض مشاركة الجنود المغاربة في الحرب العظمى الأولى. ولما لمست منه ألمانيا حماسته ضد السياسة الفرنسية راودته وعرضت عليه الدعم، لكنه لما لمس أن العرض الألماني لا يتجاوب مع رغبته هو في تحرير بلده الواقعة تحت الاستعمار، انصرف عن القناة الألمانية وأقبل على محافل معادية للاستعمار في فرنسا نفسها حيث نشرت جريدة " لوطان " أصداء لمواقفه وتحركاته. وتحرك بطمانينة أكبر في الآستانة، مرتكزا على مرجعية إسلامية وجد فيها متنفسا لمشاعره الوطنية. وتلك المشاعر هي التي حركت الجماهير لمعارضة الخوزيرات والتواطؤ مع فرنسا، كما اتضح من تمثيل الجمهور بجثة الوزير بن سليمان في العشرية السابقة.
وهناك أخبار قليلة عن تحركات متقطعة قام بها مغاربة آخرون ضمن تحركات لوطنيين من تونس والجزائر، ولكن مرت سنوات طويلة دون أن نسمع فيها صدى لتحركات بارزة، حتى الثلاثينيات حيث استوت الحركة الوطنية المغربية، و احتاج الشبان المغاربة لدى انطلاق تحركاتهم ضد ظهير 16 مايو 1930 إلي أن تسمع صوتها في العالم للتعبير عن انشغالات الشعب المغربي ومطالبه.
وهكذا تم في تطوان اجتماع الحركة الاستقلالية بشقيها (الكتلة الوطنية في الشمال و كتلة العمل الوطني في الجنوب) مع الداعية العربي الشهير شكيب أرسلان، في غشت 1930، حيث تم التنسيق لترتيب الصدى المطلوب لحركة مناهضة السياسة البربرية. وفي السنة الموالية شارك وفد من الشمال في مؤتمر القدس للحركات الوطنية العربية تألف من كل من المكي الناصري ومحمد بنونة. ثم في المؤتمر البرلماني العربي بالقاهرة بواسطة عبد الخالق الطريس.
وفي تلك الأثناء كانت قد تألفت في باريس جمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا، التي درجت علي عقد مؤتمراتها السنوية بانتظام كل مرة في أحد بلدان المنطقة. وكان ذلك التنظيم الطلابي محفلا للتعبير عن الانشغالات المشتركة لنخبة كل من المغرب والجزائر وتونس، ولتأكيد الهواجس الوحدوية للحركات السياسية في الأقطار المذكورة، منذ الثلاثينيات. وفضلا عن توطيد الوشائج الوحدوية، فإن تلك الحركة الطلابية كانت
إطارا لتنسيق المواقف تجاه القضايا المطروحة.
علي أن تحركات قادة التنظيمات الأولى كانت تؤثر في التوجه العام للأوضاع السائدة، ومن ذلك مثلا أن الاستاذ الطريس، وهو بعد في القاهرة، نظر بتحفظ شديد إلى إعلان الجمهورية الإسبانية، فور قيامها في أبريل 1931، عن الرغبة في الانسحاب من منطقة حمايتها في المغرب.
وقد كتب رسالة في الموضوع، إلى الحاج عبد السلام بنونة، قطب الحركة في الشمال، بتاريخ 5 مايو 1931، يحذر فيها بقوة من نجاح تلك الفكرة التي تم الإعراب عنها في مدريد من لدن زعماء أصبحوا يحتلون مكان الصدارة في ظل الجمهورية، كانوا ينادون بانسحاب إسبانيا من المغرب، وتسليم منطقة حمايتها إلى عصبة الأمم، وهي ما يماثل حينئذ منظمة الأمم المتحدة اليوم.
ورأى الطريس أن وضع منطقة حماية إسبانيا بالمغرب، تحت وصاية المنظمة الدولية، لن تسمح به الدول الاستعمارية. وأن كل ما يمكن أن يحدث، هو أن فرنسا ستهب لملء الفراغ الذي قد تتركه إسبانيا لتحتل المغرب بكامله.
ويدل هذا التبادل في الرأي فيما بين مؤسسي الحركة الوطنية على أن هؤلاء لم يكونوا فقط مهتمين باكتساب التأييد لتحركاتهم، بل إنهم أخذوا يرسمون خططا استراتيجية تتعلق بحاضر بلادهم وبمستقبلها. وكتب لهم فعلا أن يتمكنوا من تحقيق مخططهم ورسموا أن يستثمروا التناقضات بين الدولتين الحاميتين، بما يخدم القضية الوطنية.
وقد بحث الوطنيون المغاربة منذ 1930 عن أساليب مختلفة لجلب التضامن مع قضيتهم وللضغط على الدولتين المستعمرتين_ وتمكنوا في كل من اسبانيا وفرنسا من جلب التضامن معهم من لدن القوى الديمقراطية في البلدين_ وكان للوطنيين المغاربة من كتلتي الشمال والجنوب حضور في عدد من المحافل، وفي جمعيات ومنظمات كانت قائمة خارج الحدود تعمل في حقول متنوعة كحقوق الانسان والحوار الاسلامي الاوربي_ وأعني هنا مثلا جمعية الصداقة الاسلامية الاسبانية التي كان من اعضائها عبد السلام بنونة وبلافريج والطريس_ كما اكتسب الوطنيون المغاربة عطف منابر صحافية في اسبانيا وفرنسا ودول غربية أخرى، بل إنهم تمكنوا من إسماع صوتهم في محافل سياسية متنوعة كمؤتمرات الأحزاب السياسية أوالمناسبات الادبية_
و اغتنم الوطنيون فرصة قيام الجمهورية في إسبانيا فأقدموا في 1931 على مفاتحة الحكومة الجمهورية بشأن الأوضاع السياسية في المغرب، وذلك بتقديم عريضة باسم وطنيي الشمال، بمشاركة أحمد بلافريج من الجنوب، للمطالبة بتطبيق عقد الحماية كما يقتضي منطوق المعاهدة، أي بالتخلي عن الحكم المباشر، والمطالبة بانتخاب مجلس تشريعي تنبثق منه حكومة في نطاق الحكم الذاتي.
وفي 1936 قامت كتلة العمل الوطني بفتح مفاوضات مع الحكومة الجمهورية الإسبانية بشأن الوضع في منطقة الشمال_ لمحاولة الحصول على مكاسب من وراء دعم الجمهورية الإسبانية في مواجهة الانقلاب الذي قام به فرانكو. وهناك تفاصيل مدققة عن المفاوضات التي قام بها في برشلونة كل من عمر بن عبد الجليل ومحمد حسن الوزاني. أي أن الحركة الوطنية أقدمت على مبادرات سياسية جريئة ونصبت نفسها لاتخاذ مواقف ملموسة للدفاع عن المصالح الوطنية.
وساعد انفتاح الجمهورية الإسبانية على العالم العربي، ابتداء من 1931، وكذلك انفتاح في نفس الاتجاه فيما بعد لنظام فرانكو ابتداء من 1936، علي أن يسعى الوطنيون في الشمال إلي ربط علاقات سياسية مفيدة في المشرق. و من الناحية الثقافية كانت البعثة التعليمية التي وجهها الحاج عبد السلام إلي فلسطين في آخر العشرينات، وتلك التي وجهها الشيخ المكي الناصري في أواخر الثلاثينات إلي مصر، علي توطيد روابط الشمال مع المشرق، بالاستفادة من الظروف التي سمحت بها السياسة العربية لإسبانيا طيلة عقدي الثلاثينيات والأربعينيات.
وهذا الوجود الديبلوماسي الإعلامي في المشرق، القديم والمستمر، ضاعف من رغبة حزب الإصلاح في أن يكون له دور في تدويل القضية المغربية، أي بطرحها في المحافل الدولية. وما أن حلت سنة 1947 حتى كان الحزب ناضجا للقيام بذلك الدور.
وقد تبلور التحرك الخارجي للحركة الوطنية عموما عبر ثلاث مراحل:المرحلة الأولى منذ بداية الثلاثينيات حتى إنشاء الجامعة العربية_والمرحلة الثانية من 45 إلى 48 حينما تكثفت المبادرات في المشرق وصولا إلى طرح القضية المغربية على هيئة الأمم المتحدة_والمرحلة الثالثة هي ارتياد المجال الدولي الرحب. حيث توج هذا العمل الدؤوب بتقديم مذكرة أولى إلى الأمم المتحدة في سنة 1947بواسطة المكنب الذب فتحه المهدي بنونة عن حزب الإصلاح، ثم بطرح القضية المغربية في الدورة التي عقدتها هيئة الأمم المتحدة في قصر شايو سنة 1951_
في المرحلة الأولى ظهر بوجه خاص نشاط رابطة الدفاع عن مراكش بالقاهرة التي كانت تؤطر نشاط الطلبة المغاربة في العاصمة المصرية، ومن أعمالها توجيه مذكرة إلى لجنة فرنسا الحرة للمطالبة باستقلال المغرب، على غير تنسيق مع الداخل بسبب ظروف الحرب. ووجهت تلك المذكرة إلى بريطانيا والولايات المتحدة. ونشرت الرابطة كراسا عن أحداث المطالبة بالاستقلال في المغرب سنة 1944 حينما علم بهام تزعموا مذكرة الرابطة بواسطة حجاج عبروا القاهرة.
وقد أجبرت الظروف الحركة الوطنية المغربية علي تحديد مواقف من ماجريات الأمور. وتذكر لنا الوثائق أنه في غمرة اندلاع النزاع العسكري بين المحور والحلفاء، كان وفد من الحزب الوطني في الجنوب قد توجه إلى الإقامة العامة (غشت 39) ليعبر عن تضامن الوطنيين المغاربة مع معسكر الديمقراطيا_
وكان لكل من حزب الإصلاح الوطني وحزب الوحدة المغربية في الشمال موقف مختلف إزاء أحداث الحرب العظمى الثانية طغى عليه الشعور بالشماته بفرنسا والتشنيع على ممارساتها الاستعمارية ولكن الهدف وهو السعي إلى استعادة الاستقلال الوطني والوحدة الترابية ظل في كل مرحلة بالنسبة للجميع، نصب أعين العاملين في الحقل الوطني، وتوسلوا إلى ذلك كل حسب موقعه وظروفه باستثمار الظروف الدولية_
وهناك مقالان على الأقل للاستاذ الطريس رصد فيهما معالم تحرك الوطنية المغربية في تلك المرحلة_ الأول بعنوان "الأساس الذي نستند اليه في سياستنا الخارجية"_ الحرية 14/1/1942 والثاني "المغاربة وشمال افريقيا والتبعية لأوربا" الحرية 16/11/1942_
وكان على الوطنيين في الشمال والجنوب أن يحسبوا جيدا مفعول دخول الولايات المتحدة بكل ثقلها إلى المعارك الحربية لنصرة الديمقراطيا_ وكان انعقاد مؤتمر أنفا (يناير 43)، علامة على دخول المغرب في الخريطة العالمية الجديدة، لأن ذلك المؤتمر كان ميلادا للمخطط الحاسم الذي أعطى للحرب ضد النازية الاتجاه النهائي_ وقبله كان النزول الاميركي في الدارالبيضاء مرجحا لكفة الحلفاء وبداية النهاية للحرب العالمية الثانية_
وحينما بدأت في المشرق المساعي لإنشاء الجامعة العربية طالبت الرابطة المذكورة بانضمام المغرب إلى تلك المنظمة، وكذلك بالانضمام إلى الأمم المتحدة التي كانت هي أيضا في طور الإنشاء. وتولت الرابطة إقامة الاحتفال بعيد العرش بانتظام، وفي احتفال سنة 1946 حضر الأمين العام للجامعة العربية المرحوم عبد الرحمان عزام وخطب مؤيدا حق المغرب في الاستقلال.
وحينما وصل الزعيم التونسي بورقيبة إلى القاهرة بدأ التفكير في هيئة تضم الأقطار المغربية الثلاثة المغرب والجزائر وتونس، فنظم فيما بين 15 و22 فبراير 1947 مؤتمر للأحزاب الاستقلالية في الأقطار المذكورة تمخض عن تنظيم سمي بمكتب المغرب العربي.
وسمح الانفتاح الإسباني علي البلاد العربية بإيفاد بعثة ثقافية رسمية إلي الجامعة العربية من تطوان بتنسيق بين الخليفة مولاي الحسن بن المهدي وبين الطريس، وذلك في 1946. وبتواطؤ بين الرجلين بقيت تلك البعثة مستقرة في القاهرة، وانضمت إلي دواليب الجامعة العربية، رسميا كبعثة دائمة، خلافا لما كان يضمره الإسبان. وأخذت البعثة تمثل "المغرب الخليفي" في اللجنة الثقافية للجامعة العربية. وحدث في نفس الوقت أن تلك البعثة بمبادرة من الشهيد محمد بن عبود، مارست نشاطا سياسيا في حظيرة الجامعة العربية، ولم يقتصر وجودها علي الجانب الثقافي.
وتميز الوفد الخليفي لدى الجامعة عن باقي الهيئات الوطنية العاملة في الخارج، بأنه كان يلقي معامله رسمية_ فقد قدم بن عبود أوراق اعتماده للأمين العام للجامعة_ وتم استقباله من لدن الملك فاروق في 12/2/46_ وبهذه الصفة الرسمية قام الوفد بمهمات في عواصم الدول الأعضاء في الجامعة حيث كان يستقبل رسميا_ واستفاد مكتب المغرب العربي الذي أنشئ في القاهرة في فبراير 47 من الامتياز الذي حظي به الوفد الخليفي، وخاصة من القنوات التي كان بنعبود موهوبا في فتحها بسهولة على الصعيد الرسمي_ فقد سجل الجميع كيف أن بنعبود كان على مائدة الملك فاروق في الاحتفال الذي أقيم بمناسبة الذكرى الثانية للجامعة العربية_ وكان فاروق يستلطف بنعبود ويدعوه إلى مشاركته في الصيد، كما ذكر لي الاستاذ ع_ ك_ غلاب_
ومن منطلق الصفة الرسمية التي تم اكتسابها، تصرف بنعبود لدى الجامعة العربية لتأمين "استقبال رسمي لائق" للزعيمين علال والطريس حينما وصلا إلى القاهرة في 1947، غداة رحلة ممد الخامس إلى طنجة التي أعلن فيها ارتباط المغرب بالجامعة العربية_
ولاستثمار الظرف الدولي الطارئ حينئذ، وخصوصا بعد اقتناع الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي بالنزول في القاهرة في مايو 1947 تحول مكتب المغرب العربي إلى لجنة تحرير المغرب العربي برئاسته. وكانت الظروف الدولية مواتية للضغط على إسبانيا الخاضعة لحصار دولي، ففكر الوطنيون في الشمال بحماس ملحوظ في اغتنام الفرصة لتقديم ملف المغرب بمجموعه على أنظار الأمم المتحدة ففتح حزب الإصلاح الوطني مكتبا في نيويورك الذي أطلق عليه مؤسسه المهدي بنونة اسم مكتب الحركات الاستقلالية لشمال أإفريقيا. و بدأ المكتب أعماله في يونيو 1947 .
وفي نفس الفترة كان حزب الاستقلال قد فتح في باريس مكتبا للإعلام والوثائق أشرف عليه عمر بن عبد الجليل. وسبق ذلك توجيه وفد لمفاتحة الأوساط الفرنسية في شأن معالجة الأوضاع السياسية في المغرب بكيفية موضوعية. ولكن لم تجد المبادرة الاستقلالية الصدى المطلوب وتبين أن الفرنسيين كانوا قد بيتوا سلوك سياسة متشددة.
وأدى كل ذلك إلى إقناع الوطنيين بالخروج بالعمل الوطني إلي المجال الدولي الرحب، بعد فشل الحوار الثنائي مع كل من فرنسا وإسبانيا، منذ الثلاثينيات، مرورا بما تخلل الفترة السابقة من مبادرات في المشرق لجلب الدعم العربي والإسلامي للقضية الوطنية.
وبالخروج بالعمل الوطني من الإطار الثنائي، ومن المجال العربي، إلى المجال الدولي الفسيح، حدث لأول مرة إدراك الملابسات التي تكتنف طرح القضية الوطنية في المستوى الدولي.
ففي الأمم المتحدة إذ ذاك، وهي مؤلفة من خمسين دولة، كانت تتبلور الاستقطابات التي ظهرت بعيد الحرب العالمية الثانية، من جراء ظهور مصطلح "الستار الحديدي" الذي أطلقه تشرشيل، وانقسام المنتصرين في الحرب إلي معسكرين غربي وشرقي. وكان ذلك شيئا حديث العهد.
وكان على المهدي بنونة الذي ترأس مكتب نيويورك، أن يتحرك في المنتظم الدولي وكأنه يسير في وسط حقل ألغام، وكان عليه أن يكون لنفسه خبرة خاصة بكيفية التحرك في المجال الدولي. وكما نستفيد من التقارير اليومية التي كان يوافي بها القيادة، وهي منشورة بكاملها، فإنه كان يفاتح قيادته في الإشكالية المتمثلة في أن المصلحة تقتضي التقرب مع المعسكر الديموقراطي، ولكن في نفس الوقت عدم التفريط في الدعم المرجو من المعسكر الشرقي. كما بدا له أنه لابد من تأليب الولايات المتحدة ذات الحساسية الديموقراطية، ضد السياسة القمعية والاستغلالية التي تسلكها كل من فرنسا وإسبانيا في المغرب. وعلى صعيد آخر، عمل علي استثمار التقرب من دول أميركا اللاتينية. أي أن تلك التجربة كانت مخاضا صعبا وتمرينا دقيقا منة خلاله تم وضع اليد على مفاتيح السياسة الدولية.
بموازاة ذلك، كانت هناك إشكالية عويصة تتمثل في أن الدول العربية السبع الممثلة في الأمم المتحدة كانت منشغلة بقضية فلسطين التي كانت تشهد تطورات سريعة وحاسمة في دورتي 1947/1948. كما أن الشكوى المصرية ببريطانيا بشأن معاهدة 1936 كانت هي الشغل الشاغل في صيف وخريف 1947. وطالما سمع المهدي النصح بتأجيل موضوعه ريثما تفرغ الدول العربية من القضيتين.
وهكذا فإن الاحتكاك بتلك الحقائق ساهم في صنع رؤية الحركة الاستقلالية المغربية لنفسها وللعالم في فترة من تاريخ العالم مليئة بالتقلبات المفاجئة. فكل حركة أو فكرة أو مبادرة كان لها طعم الشيء الذي لم يسبق له مثيل. كان عالم ما بعد الحرب يتكون، وكان علي الحركة الاستقلالية المغربية أن تتحرك فيه بلا اندهاش. وقد نشر النص الكامل لمذكرات المهدي بنونة من نيويورك في مجلة " شؤون مغربية " من مايو 1996 إلي نوفمبر 1997.
وفي سنة 46 حدث شيء مهم_ وهو استيناف التنسيق فيما بين حزب الاستقلال وحزب الاصلاح الوطني_ إذ أن ظروف الحرب الاهلية الاسبانية في 36 ثم اندلاع الحرب العظمى في 39 أدت بكتلتي الشمال والجنوب إلى انقطاع الصلة فيما بينهما بسبب إقفال الحدود، وتم الاتفاق على مواجهة كل من الكتلتين ثم كل من الحزب الوطني وحزب الاصلاح الوطني للحالة كل حسب اجتهاده تأقلما مع الظروف الخاصة
كما تلزم الإشارة إلى التنسيق مع محمد الخامس بشأن التحرك الخارجي. ففي 1946 قام الكاتب العام لحزب الاصلاح الوطني المرحوم الطيب بنونة برحلة إلى الرباط حدثنا عنها وعن أشياء أخرى، في مقالتين مسهبتين نشرتا في "العلم" (17و18 سبتمبر 1978) _ وتضمنتا بوجه خاص الإشارة إلى مقابلة أجراها الأستاذ الطيب مع بطل الاستقلال المغفور له محمد الخامس في 19 يوليو 1946 جرى الكلام فيها عن الوفد الخليفي المعتمد لدى الجامعة العربية، وعن مشروع فتح مكتب لحزب الاصلاح في نيويورك، وعن قرار توجه الاستاذ الطريس إلى المشرق_
وفيما بعد 1951 أخذت الأحزاب الاستقلالية في المغرب تتحرك في إطار الجبهة الوطنية التي ضمت حزبي الاستقلال والشورى والاستقلال من الجنوب، وحزبي الإصلاح الوطني والوحدة والاستقلال من الشمال، وتم تشكيل هذا التجمع تحت رعاية الجامعة العربية وبحضور وفد من نقابة الصحافيين المصريين.وذلك في طنجة. وتمت باسم التجمع المذكور عدة خطوات مشتركة، من مذكرات وتنقلات، إلا أن ذلك التنسيق الجماعي توقف بعد نفي محمد الخامس، واقتصر التنسيق على حزبي الاستقلال والإصلاح.
وقامت مكاتب الحركات الاستقلالية ووفودها بأنشطة شملت القارات الخمس. فقد نظم تحرك في الدول الاسكنذينافية وفي أميركا الجنوبية أثناء الخمسينيات. كما كان حزب الاستقلال حاضرا في مؤتمر باندونغ في أبريل 1955 ضمن حركات التحرير في العالم وإلي جانب أبرز قادة الدول المناهضة للاستعمار. ومعلوم أن باندونغ كان المحطة المباشرة التي سبقت تكوين مجموعة دول عدم الانحياز.
و بفضل التحرك الديبلوماسي في المشرق وفي أوربا أمكن عرض قضية المغرب في الأمم المتحدة في الدورة التي انعقدت في باريس سنة 1951، وبذلك فتح الباب لتقديم قضايا تصفية الاستعمار في المنتظم الدولي إلي أن توج ذلك المسلسل بالتصريح العالمي لتصفية الاستعمار في 1960.
ومع تطور الأحداث أصبح للحركة الاستقلالية خمسة مراكز خارجية لعبت دورا مهما فيما بعد لدى الدخول في مرحلة العمل المسلح. إذ كان لابد من إيجاد صدى للعمل المسلح في سياق العمل السياسي في الخارج لكي يتأتى إحداث الأثر السياسي المطلوب وصولا إلي خدمة الأهداف العامة للحركة الاستقلالية. وهذه المراكز هي الساحة الفرنسية، والمشرق العربي، وهيئة الأمم المتحدة، ومدريد، وشبكة تطوان/طنجة.
1 _ ففي الساحة الفرنسية لم يخل الجو لدوائر اليمين الاستعماري، وفي الصحافة حيث كان الصوت مرتفعا لاستنكار الاعتداء علي محمد الخامس كانت أصداء القمع الذي أصبح سائدا منذ ديسمبر 1952 قوية جدا في الفيغارو، وتيموانياج كريتيان. ولم يخل عدد من ليكسبريس وفرانس أوبزرفاطور، طيلة سنوات من مادة صحافية للتنديد بما كان يحدث في المغرب، والدعوة إلى معالجة فرنسا من داء الاستعمار.
2 - وكان المركز الأساسي الثاني هو المشرق العربي. وكانت هناك أصداء تعاطف قوي مع القضية المغربية، حيث انبرت الديبلوماسيا المصرية والعراقية والسورية لتبني القضية المغربية في المنتديات الدولية، وخاصة الأمم المتحدة. وفي 25 غشت 1953 بدأ مجلس الأمن الدولي جلسات ماراطونية لدراسة مسألة نفي محمد الخامس، وهي المناسبة التي احتل مقعدا في المجلس المرحوم الحاج أحمد بلافريج بوصفه عضوا في الوفد الباكستاني.
وكانت المبادرة لطرح مسألة نفي الملك أمام مجلس الأمن الدولي للوفود العربية والأسيوية الممثلة في المنتظم الدولي. وسجلت القضية المغربية من جديد في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما حدث من قبل منذ 1952.
3 - وتكون في نيويورك مكتب دائم ( الفترة الثانية ) ضم بلافريج وأنكاي وبنعبد العالي والمهدي بن عبود والمهدي بنونة لمواصلة العمل من أجل القضية وكان المحور الدائم لعمل المكتب هو الترويج لأعمال الكفاح المسلح في المغرب علي إثر نفي الملك الشرعي، والتبشير بضرورة إيجاد حل سياسي وفق الشرعية الدولية، وصولا إلي إعادة محمد الخامس إلي العرش و تمتع المغرب باستقلاله. واستمر عمل مكتب نيويورك في هذا الصدد في تنسيق مع كل من القاهرة ومدريد، علي غرار التنسيق بين نيويورك وكل من تطوان والرباط والقاهرة في الفترة الأولى لدى فتح مكتب حزب الإصلاح.
4 - وكان عبد الكبير الفاسي قد استقر في مدريد غداة مغادرته الرباط يوم 19 غشت 1953، معرجا علي تطوان وطنجة حيث كان له لقاء حاسم مع الطريس، ولقاء أكثر ثمارا مع فالينيو المندوب السامي الإسباني بالمنطقة الخليفية. وأدى هذا اللقاء إلي اتفاق مع بالينيو يقضي باعتماد مندوب يعينه علال الفاسي ليكون صلة الوصل بين الإدارة الإسبانية وبين الفدائيين الذين يضطرون إلي اللجوء إلي الشمال. وتطور هذا التعاون الفريد من نوعه إلي جعل المنطقة الخليفية ممرا للأسلحة والتمويل، في سياق تنسيق العمل ضد الإدارة الفرنسية. وبفضل هذا التنسيق لم تعترف إسبانيا بالملك الذي نصبته فرنسا عوض محمد الخامس، واستمرت في سياستها الانفتاحية علي العالم العربي، وقوامها مهادنة الحركة الوطنية في الشمال، وتشديد الحملة علي فرنسا.
5 - في طنجة تحول مكتب حزب الاستقلال في جزء منه إلي لجنة للاستخبارات والتنسيق، تقوم بمهمة في اتجاهين، الأول هو ربط الاتصال مع كل من القاهرة وباريس ونيويورك ومدريد والثاني هو ربط الاتصال مع الداخل.
ونفس المهام كانت تتم في تطوان، ( وفي مستوى العمل الميداني فروع حزب الإصلاح في الريف، خاصة الناظور ) عبر الأستاذ الطريس و أحمد زياد لمدة أكثر من سنة إلي أن حل محله الدكتور الخطيب طبقا لتزكية علال الفاسي في أواسط 1954. وسخرت جريدة الحزب "الأمة" عمليا لكي تكون ناطقة باسم المقاومة المغربية. وعمل حزب الشوري والاستقلال علي نشر وجهات نظره وتقاريره الخاصة في جريدة "المعرفة" الأسبوعية التي كانت في الأصل نشرة ثقافية يصدرها حسن المصمودي. وكانت "الأمة" أسبوعية وتوقفت، ثم أصبحت يومية حينما تسارعت وتيرة الأحداث.
هذه المراكز الخمسة كانت تمثل واجهات للعمل الإعلامي الذي بدونه لا يتحقق المفعول السياسي للعمل المسلح. فكما هو معلوم كان المطلوب هو إحداث الصدى للعمليات التي يتم تنفيذها، في المحيط المباشر، لربح تفهم ومساندة الجماهير، وكذا إحداث الصدى لدي الخصم نفسه، ولدى الرأي العام العالمي. وبدون ذلك التفهم والمساندة كان يمكن أن يبقى المفعول محدودا أو يطول الأمد دون حصول ذلك المفعول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.