يبدو أن حكايات من قبيل جنيفير لوبيز في القناة الثانية، وفيلم "الزين اللي فيك"، وما يرافقها من تشنجات عصبية وتوترات نفسية وبكائيات حول صورة المغرب المخدوشة ونسائه المغدورات، ستتواصل، وستغذيها الصحافة والمواقع وشبكات التواصل، في نقاش يغلب عليه الطابع العاطفي، كما هو الأمر في كل النقاشات التي ترتبط بالخوف على "الهوية المهددة". ومن المؤكد أن لهذا النقاش أهميته في الواجهة الثقافية، خاصة إذا كان معتمدا على معايير أشمل وأعمق، في علاقته بالفن، وحرية التعبير والفكر والإبداع، وكذلك بالديمقراطية وحقوق الإنسان... وهو هام أيضا في محيط وطني وإقليمي، يشهد هجوما قويا للإيديولوجيات الرجعية، ومن الطبيعي أن تتقاطب وتختلف وجهات النظر. غير أن المنحى الذي أخذه سلبي، حيث غلب عليه طابع الدفاع عن "الهوية المجروحة"، ومن المعروف أن مثل هذه المقاربات تفتقد إلى معيار العقل، وتحضر فيها بدل ذلك، العاطفة. لكن ما هو أخطر هو أن ننساق وراء هذا الجدل الذي لن ينتهي وننسى الأهم، أي القضايا الأساسية التي ينبغي على الحكومة العمل من أجلها، وتتعلق بالحوار الاجتماعي مع النقابات، ومشكل تجميد الأجور، ومشاكل الحماية الاجتماعية، وأزمة التشغيل، وضعف الاستثمارات، والخلل في مواصلة أوراش البنيات التحتية، ومعضلة المديونية، وفشل الحكومة في ملفات إصلاح كثيرة، على رأسها محاربة الفساد... بالإضافة إلى العجز في تفعيل المكتسبات الديمقراطية التي أتى بها الدستور، كقوانين أو هيئات وغيرها من الآليات. وستكون الحكومة في راحة تامة، وخاصة الحزب الذي يقودها، وهو يقدم حصيلته بافتخار كبير، في مواجهة مهرجان موازين، والوقوف ضد بث القناة الثانية لرقصة جنيفير، ومنع فيلم "الزين اللي فيك". وستغطي هذه الحصيلة "المباركة" على الفشل الذريع في كل الملفات، وعلى الفضائح التي انفجرت في وجه الحكومة وحزب العدالة والتنمية. وحتى لا ننسى الأهم، فدور الحكومة هو إدارة الشأن العام من أجل معالجة المشاكل والأزمات، الاقتصادية والاجتماعية والتربوية، وفتح أوراش البناء والتنمية والقيام بالإصلاحات الضرورية، وغيرها من المهام التي تدخل في صميم صلاحياتها وواجباتها، ولا نقبل أن تتحول إلى وصي على أذواق المجتمع أو إلى مؤسسة فقهية مكلفة بحراسة "الشرف الضائع". لا ينبغي أن تلهينا قضايا مثل مؤخرة جنيفير، أو بذاءة اللغة وجسارة الصور في فيلم عيوش عن مشاكلنا الحقيقية، والتي هي ما يجب على الحكومة أن تجتهد فيه حقا، أما أن يتم تهريب النقاش إلى قضايا الشرف والصورة، فهي مناورة مفضوحة، لا يجب أن تنطلي على المجتمع.