الرقم القياسي الوحيد الذي سجل في بطولة العالم لألعاب القوى، التي أُجريت أخيراً في بكين، حققه بمجهوده الفائق الأميركي أيشتون إيتون، الذي احتفظ بلقب المسابقة العشارية محققاً 9045 نقطة. وكان المشهد مؤثراً وهو يبكي فرحاً على كتف زوجته الكندية بريان، الفائزة بفضية المسابقة السباعية. ففي بكين، تحامل إيتون على آلام في الركبة والمفاصل وعزز رقمه العالمي ب 6 نقاط، فكان النسر الذي حلق في سماء "عش الطائر"، وبفارق واضح عن الكندي داميان وارنر (8695 نقطة). وبدا مميزاً في ال 1500م، السباق الأخير ضمن "الملحمة"، مسجلاً 4.14.52 دقيقة، وقبلها رميه الرمح مسافة 63.63 م ما عزز موقعه، وهو الذي اجتهد طويلاً لتسجيل مسافات بعيدة في هذه المسابقة، على الرغم من تأكيد خبراء على أنه قادر على ذلك. اعتاد التألق ينجح إيتون دائماً في إبهار الآخرين والتفوق منذ أن تألق في دورة لندن الأولمبية عام 2012، فلم يترك بعدها لمنافسيه إلا فتاتاً. حتى أنه حينما خاض سباق ال400م حواجز خلال العام الماضي، سجل 48.69 ثانية، وهو زمن يضعه في مصاف نخبة هذا الاختصاص، ويؤهله لخوض نهائي بطولة العالم. ويبدي المدرب هاري مارا دهشته من قدرة إيتون (27 سنة، 1.85، 86 كلغ) واستعداده الدائم بدنياً وذهنياً، وانشراحه واستمتاعه بالاختلاط بمنافسيه وتبادله معهم أطراف الحديث والخبرة والمزاح. وحين سجل 45 ثانية في ال 400م تأكد مارا أن لاعبه على الطريق الصحيح نحو الاحتفاظ بلقبه، سيما وأنه اقترب كثيراً من رقمه العالمي (39.90) الذي سجله عام 2012. وتوسم مارا في إيتون الكثير منذ تعاونهما للمرة الأولى، إذ حقق 6977 نقطة في توسكون (أريزونا) عام 2007، علماً بأن الصدفة هي التي قادت إيتون إلى العشارية من أجل اختبار قدراته البدنية، وهو الذي مارس في السابق رياضات البيسبول والفنون القتالية وكرة القدم الأميركية، لكن اختيار العشارية توافق مع متطلبات دراسته الجامعية وبحثه عن منحة، متذكراً ما كان يردده مدربه في المرحلة الثانوية، وجزمه بأنه عداء سرعة ووثّاب. وبدأ إيتون يتدرب على الوثب الطويل بعدما نصحه مدربه بتقديم أوراقه مقرونة بسجله الرياضي للحصول على منحة جامعية، وكان رهانه ناجحاً. ويكشف إيتون أنه لم يجادل مدربه يومها، بل "وافقت على الفور، بعدما استفسرت منه عما هي العشارية. فأجابني ببساطة واختصار: خمس مسابقات يومياً وعلى مدى يومين. وقد وجدت الأمر مسلياً". وكان المدرب يطرق أبواب جامعات "مدللا" على لاعبه "الواعد جداً"، وأورد في ملفه أنه يجري ال 100م ب 10.84 ثانية، وال 200 ب 21.8 ثانية، وال 400م ب 48.6 ثانية، ويحقق 7.30 م في الوثب الطويل. ولما سئل عن رقمه في الوثب العالي، كان الرد أنه لم يجرب لكن في مقدوره تجاوز 1.82 م. وأوضح أيضاً أنه لم يحاول القفز بالزانة بعد، لكنه يعدو جيداً. ويمكنه تحقيق نحو 14 ثانية في سباق ال 100 أمتار حواجز. وآمنت جامعة أوريغون بهذا الرهان، وهي التي لم يبارحها إيتون منذ أن دخلها، فكثف التدريب وانسجم في أجوائها، مستفيداً من تجهيزاتها الممتازة الفائقة التطور. فهناك وجد استقراره وعززه بزواجه، بعد بطولة العالم في موسكو عام 2013. ويأسف مارا لأن الصحافة الأميركية لم تقدر لاعبه "العملاق"، الذي جمع مرتين أكثر من 9 آلاف نقطة، فضلاً عن مؤهلات بدنية تمكنه من تسجيل 8.50 م في الوثب الطويل ما يضعه في مصاف أبطال العالم في هذا المجال، وتولي عنايتها الفائقة لكرتي القدم والسلة. ومن جهته، يبدي إيتون نظرة مختلفة "وردية ربما" أو "ساخرة" إلى هذا الواقع، معتبراً أن "ألعاب القوى تتطلب ثقافة ومعرفة لتقويم قيمة الأمور، وأنا أحب ذلك"، مشيراً إلى أن الحافز الأساسي لانخراطه في المسابقة العشارية فضول شخصي، "لأني أريد دائما أن أعرف أين هي حدودي". ويعتقد إيتون أن المسابقات المركبة باب إلى الصداقة والانفتاح على الآخرين، ويقول: "ربما يتأتى ذلك من السباق الأخير أي ال 1500م. فعند خط النهاية تشعر أنك جزء من هذه المجموعة. لم أحس يوما أني معزول في العشارية، فكل منا يساعد الآخر". لكن في النهاية هناك فائز واحد يدعى أشتون إيتون.