ما الذي نبحث عنه في فيلم ما؟ هل نبحث عن الفرجة والترفيه وعن لحظة سعادة عابرة هروبا من ضغوطات الواقع؟ أم عن الطمأنية من خلال التماهي مع شخصيات الفيلم التي تشبهنا في قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا وأحلامنا وأمالنا وأفكارنا؟ أم على العكس من ذلك، نسعى لمواجهة شخصيات مختلفة عنا جذريا، ونحاول أن نقارنها مع أنفسنا لفهمها واكتشاف ذواتنا من خلالها؟ هل نرغب في السفر والتفاعل مع الفيلم بخيالنا وعواطفنا وأحاسيسنا كليا أم نحتفظ بالعقل النقدي والبعد التأملي للقراءة أثناء مشاهدته؟ هل نبحث عن إغناء تجربتنا وتكوين صورة وتصور عن أنفسنا وعن الآخرين وعن العالم من خلال رؤية المخرج؟ لماذا نحاول عبثا البحث عن مقصدية المخرج، ونحن ندرك سلفا أن اللغة السينمائية وتعدد التأويلات هي من يعطي في النهاية للفيلم معنى وليس المخرج؟ هل نبحث في الفيلم عن المعرفة حين نخصعه للدرس والتحليل رغم إدراكنا أنه ضرب من التخييل؟ لماذا نسعى دائما للبحث عن الجمال في الفيلم؟ هل الجمال وحده معيار لتقييم الفيلم؟ سئل آرثر رامبو فأجاب: «أقعدت الجمال على ركبتيّ فوجدته مرا فلعنته». ما الذي نبحث عنه إذن؟ يرى ميشال بيكار أن قراءة رواية، ونفس الشيء يمكن تطبيقه على الفيلم، تجمع بين عمليتين مختلفتين هما اللعبة Game واللعب Playing. فاللعبة كما هو الحال بالنسبة للعبة الشطرنج متجدرة في العقل لأنها تستدعي التأمل والذكاء وقدراتنا على التكيف والترقب والاستباق، وتتوقف أيضا على مدى خطتنا الاستراتيجية. أما اللعب فهو متجذر في المخيال، أي أن لعب أدوارٍ تقوم على التماهي مع شخصيات خيالية. الفيلم نهر جميل، لا يكشف أسراره وكنهه وجماله سوى لزواره العاشقين. تهر يتحاشى السياح العابرين التافهين ويرفض المحتلين العابثين. لا يمكنك ان تستحم في هذا النهر مرتين لأن مياها جديدة تغمره باستمرار، كما لا يمكنك أن ترى الفيلم ذاته مرتين لأنه ليس ثابتا بل يتحول حسب العصور وحسب القراءات والتأويلات، ولأن ابستيمي المرحلة يتغير أيضا، كما يذهب إلى ذلك ميشال فوكو. أليست نظرة المتفرج في نهاية المطاف هي من يصنع الفيلم؟ تلك النظرة التي تنفعل مع تشاهده، فلا تكتفي باعتقاله في لحظة «الاستهلاك»، بل تضاعفه وتمنحه وجودا آخر يمتزج فيه الثقافي والفكري والجمالي، أي تمتحه وجودا يتسع باتساع ما تراكم في تلك «النظرة» من دخيرة.