نظام الضمان الاجتماعي.. راتب الشيخوخة للمؤمن لهم اللي عندهومًهاد الشروط    تراجع حركة المسافرين بمطار الحسيمة خلال شهر مارس الماضي    منصة "واتساب" تختبر خاصية لنقل الملفات دون الحاجة إلى اتصال بالإنترنت    بعد خسارته ب 10 دون مقابل.. المنتخب الجزائري لكرة اليد يعلن انسحابه من البطولة العربية    الحكومة الإسبانية تعلن وضع اتحاد كرة القدم تحت الوصاية    اتحاد العاصمة الجزائري يحط الرحال بمطار وجدة    بايتاس: مركزية الأسرة المغربية في سياسات الحكومة حقيقة وليست شعار    الزيادة العامة بالأجور تستثني الأطباء والأساتذة ومصدر حكومي يكشف الأسباب    المغرب يعرب عن استنكاره الشديد لاقتحام باحات المسجد الأقصى    مضامين "التربية الجنسية" في تدريب مؤطري المخيمات تثير الجدل بالمغرب    المعارضة: تهديد سانشيز بالاستقالة "مسرحية"    القمة الإسلامية للطفولة بالمغرب: سننقل معاناة أطفال فلسطين إلى العالم    المغرب يستنكر اقتحام باحات المسجد الأقصى    حاول الهجرة إلى إسبانيا.. أمواج البحر تلفظ جثة جديدة    وزارة الفلاحة تتوّج أجود منتجي زيوت الزيتون البكر    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي : إصدار 2905 تراخيص إلى غاية 23 أبريل الجاري    عدد زبناء مجموعة (اتصالات المغرب) تجاوز 77 مليون زبون عند متم مارس 2024    تشافي لن يرحل عن برشلونة قبل نهاية 2025    3 مقترحات أمام المغرب بخصوص موعد كأس إفريقيا 2025    ألباريس يبرز تميز علاقات اسبانيا مع المغرب    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    الجماعات الترابية تحقق 7,9 مليار درهم من الضرائب    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    "فدرالية اليسار" تنتقد "الإرهاب الفكري" المصاحب لنقاش تعديل مدونة الأسرة    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    استئنافية أكادير تصدر حكمها في قضية وفاة الشاب أمين شاريز    مدريد جاهزة لفتح المعابر الجمركية بانتظار موافقة المغرب    أبيدجان.. أخرباش تشيد بوجاهة واشتمالية قرار الأمم المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    تتويج المغربي إلياس حجري بلقب القارىء العالمي لتلاوة القرآن الكريم    المالية العمومية: النشرة الشهرية للخزينة العامة للمملكة في خمس نقاط رئيسية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شوقي عبد الأمير: أنا شاعر وثني ورامبو طلب القرآن ومات وهو يردد «الله كريم»
الشاعر العراقي قال ل«المساء» إن العراق سوف يقسم إلى ثلاث دول «شيعية وسنية وكردية»
نشر في المساء يوم 23 - 03 - 2013

اسمي أحمد شوقي ولقبي الحمداني. عندما كنت طفلا صغيرا تقدمت لمسابقة شعرية. ربحت الجائزة وخسرت اسمي. فقد استكبرت علي اللجنة أن أجمع في اسمي بين شاعرين كبيرين: أبو فراس الحمداني وأحمد شوقي. جاريتهم في
ذلك وقلَّمت الاسم الذي لم أحتفظ منه إلا باسمي الثاني: شوقي، ثم أضفت إليه اسم والدي: عبد الأمير. شوقي عبد الأمير الشاعر والديبلوماسي العراقي، الذي تغرب عن وطنه أزيد من ثلاثين سنة، تعرض فيها والده للاعتقال نيابة عنه، فيما حصل هو على جواز سفر وهوية يمنية ستقوده إلى التعرف على واحد من أعظم شعراء العالم: آرثر رامبو، الذي كان شوقي عبد الأمير أول من اكتشف منزله في عدن، وترجم رسائله إلى العربية. شقَّ عبد الأمير اسمه الشعري عربيا وعالميا، حيث اجتمعت في 2003 كوكبة من كبار شعراء فرنسا أمثال ألان جوفروا وأوجن غييفيك وميشال بولتو وبرناد نويل، بالإضافة إلى الشاعرين الجزائريين حبيب تنغور ومحمد القاسمي، لترجمة مجموعة ضخمة من قصائده إلى الفرنسية «مسلة أنائيل» التي حازت على جائزة «ماكس جاكوب» العالمية للشعر.
- أنت شاعر وثني؟
آه. صفة وثني صادمة شيئا ما. أنا استمرارا لشعراء ما قبل الوحدانية والديانات، حيث كان الشعر هو الدين، فالنصوص الأولى التي كُتبت كانت لتفسير علاقة الإنسان بالطبيعة والموت والخلود، وهذا ما نتج عنه الدين. فهذه النصوص فسرت العلاقة بين المجهول والإنسان. بهذا المعنى أنا شاعر بمرجعيات متعددة واستمرار لهذه النصوص. وبهذا المعنى يمكن أن تسميني شاعرا وثنيا.
- في علاقة الشعر بالدين هاته، صرح أدونيس مؤخرا بأن الشعر كان دائما في صراع مع الدين، الذي انتصر أخيرا على الشعر. هل تتفق مع هذا الرأي؟
من الناحية التاريخية هذا الأمر صحيح، فالشعر كان يطرح نفسه دائما بديلا عن الدين، في ما يتعلق بتفسير العالم، ومن هذا المنظور يمكن أن نقول إن الدين استطاع حسم هذا الصراع. لكنني لا أنظر إلى الأمر من هذا المنظور، فهذا كلام يمكن أن يقوله مؤرخ، أما الشاعر فيجب أن يأتي جوابه من داخل لغته. أدونيس عندما يقول بمثل هذا فإنه يقع خارج اللغة، يعلق عليها من وجهة نظر تاريخية. أنا أفضل أن يأتي الجواب من القصيدة.
- تبدو في قصائدك مشدودا حينا إلى إيقاع شرقي صاخب، لكنه سلس وبسيط، وحينا إلى إيقاع غربي، بارد ومركب. هل هذا في المجمل هو إيقاع حياة عراقي في باريس، أو شرقي في الغرب؟
أنا طبعا وريث اللغة العربية الكلاسيكية، بدأت بكتابة القصيدة العمودية، ولا زلت ممسكا بها كوتد وجذر، لكنني أعيش في باريس، في لغتها، في آخر صرعات الكتابة. أكيد أن قصيدتي هي محاولة لابتكار هوية جديدة، تجمع بين أمومة اللغة العربية وأبوة اللغة الفرنسية، وهذا نسغان في شجرة واحدة، فأنا لا أفارق امتداداتي العربية وفضاءاتي الفرنسية.
- لذلك تجمع في شعرك، ومبحثك الشعري، بين باريس وسومر، بين القرامطة وآرثر رامبو (يشغل منصب مدير مركز آرثر رامبو العالمي للشعر)، دونما حذر. ألم تتعظ من مصير رامبو الذي هلك دون حذر في هذه الاتجاهات المتناقضة؟
رامبو لم يهلك بالذهاب بعيدا في الشعر، هو توقف شعريا عندما أدرك بأنه لم يعد لديه ما يقول.
- رامبو توقف عن كتابة القصيدة، لكنه لم يتوقف عن البحث في أقاصي الشعر، وفي شعر الأقاصي، عندما ذهب إلى إفريقيا واليمن، وهذا ما أهلكه.
برأيي لا. أنا لا أفهم رامبو بهذا المعنى. رامبو بركان استمر ثلاث أو أربع سنوات ثم خمد.
- لكن حِممه استمرت في الاشتعال والإضاءة.
نعم، حممه لا تزال مضيئة إلى الآن، إلى ما بعد خمود البركان. لكن حينما خمد بركان رامبو أصبح إنسانا عاديا يمارس التجارة، والذي قضى عليه هو المشي، فقد كان رامبو مشاءً، وقد أصيب من جراء ذلك بسرطان العظام، بفعل المسافات التي قطعها مشيا على الأقدام ضمن القافلة التي قادته إلى الحبشة وغيرها لبيع الجلود والقهوة.
- والسلاح أيضا.
يقال هذا. أنا لا أدري. يجب أن نفصل، فالشاعر أيضا إنسان، والذي يميزه هو الينبوع الشعري، الذي عندما يجف، يحيله إنسانا عاديا. رامبو عندما أصبح تاجرا لم تعد لديه جملة يكتبها. انتهى، لذلك ذهب إلى الحبشة ثم إلى اليمن. أنا ترجمت رسائله من الحبشة. هل تعرف أنني أنا من اكتشف بيت رامبو في عدن، حين كنت مديرا للمركز الثقافي اليمني، وقد نظمت احتفالا بالمناسبة. لكن رامبو في كل رسائله ما بعد الشعر، لم يكن شاعرا.
- ما طبيعة العلاقة التي أقامها رامبو مع الإسلام خلال فترة إقامته في اليمن؟
علاقة رامبو مع الإسلام بدأت قبل أن يذهب إلى اليمن، فوالده كان ضابطا في الجيش الفرنسي بالجزائر، وهناك إشارات في رسائل رامبو إلى أنه كانت توجد في بيتهم بفرنسا نسخة للقرآن كتبت على هوامشها شروحات وتوضيحات. يكتب رامبو في إحدى الرسائل التي بعثها إلى أخته إيزابيل من اليمن: «ابعثي إليّ بنسخة قرآن الوالد ذات الشروحات»، والتي سماها حرفيا: (L'exemplaire de Coran annoté de mon père). إذن نحن، أولا، أمام نسخة للقرآن في بيت عائلة رامبو. ثانيا، هذه النسخة عليها هوامش وشروحات annoté)). ثالثا، رامبو يطلب في، رسالته من عدن، من أخته إيزابيل بأن تبعث له بنسخة القرآن هاته.
- هل كانت هذه النسخة بالفرنسية أم بالعربية؟
غالبا بالفرنسية، لأن رامبو لم يكن يعرف العربية. من ناحية أخرى، عندما مرض رامبو ونُقل إلى المستشفى بمرسيليا، كتبت أخته إيزابيل بأنها كانت تأتيه بالقس فيرفض بقاءه إلى جانبه، وعندما حضرته الموت اضطرت العائلة إلى إحضار القس، الذي خرج من غرفة رامبو كالمضروب على رأسه، وهو يحكي لعائلة رامبو قائلا: هذا الشخص لم يكن يسمعني، بل كان يتمتم بكلمات غريبة، كان يقول: «الله كريم..الله كريم»، وهذا موجود في رسائل إيزابيل نقلا عن القس الذي اختلى برامبو قبل وفاته. هناك مسألة أخرى ينبغي استحضارها، وهي أن رامبو عندما كان في عدن غير اسمه من رامبو إلى «عبد ربُّو»، فقد كان يشتغل كاتبا عموميا، وهذه الوظيفة يطلق اليمنيون على من يشغلها اسم «الكرَّاني»، وهي كلمة هندية الأصل. لذلك أصبح رامبو في اليمن يسمّى «عبد ربوُّ» الكرّاني. هذه المعطيات تؤكد نوعية العلاقة التي أقامها رامبو مع محيطه الديني، عندما أقام في الحبشة ثم في اليمن. وهذا المحيط الديني أثَّر في رامبو بشكل أو بآخر. أنا لا أريد أن أقول إن رامبو دخل الإسلام، لكنني أذكر الحقائق دون أن أخشى منها أو أُخفيها، فعندما انتقل رامبو من فرنسا إلى هذا المحيط العربي الإسلامي تفاعل معه وتأثر به بشكل من الأشكال، والمهم بالنسبة إليَّ أنه لم يعد يكتب شعرا، وبالتالي فأي شيء كتبه بعد توقفه عن الكتابة الشعرية لا يعني لي شيئا مهما.
- هناك من يقول إن رامبو أثناء إقامته في اليمن قرأ الحلاج، واستلهمه في حياته.
لا. لا أثر لذلك، ما يمكن قوله هو أنني عثرت على تناص شعري بين النِّفري الذي يقول: «كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة»، وبين آرثر رامبو الذي يقول في قصيدة «أوفيلي1870»: «Tes grandes visions étranglaient ta parole «، وهذا لا يمكن أن أسميه إلا تناصا شعريا، فرامبو حينما كتب هذه القصيدة كان عمره 15 سنة. فأية علاقة يا ترى بين ولد مجنون يعيش في فرنسا في القرن التاسع عشر، وصوفي عربي إسلامي عاش بين مصر والعراق في القرن الثامن الميلادي؟. كيف يمكن أن يصل كلاهما إلى نفس النتيجة؟.
- جمعت نصوصا من النثر العربي «الجاهلي» في كتابك «مجلة لقمان»، والمعروف، أنثروبولوجيا، أن النثر يعني الاستقرار والتأسيس، عكس الشعر الذي يعني القلق والتنقل. هل خلُصت في هذا العمل إلى أن العرب كانوا مهجوسين ببناء حضارة قبل الإسلام؟
هناك بعدان في هذا الجانب: البعد التاريخي والبعد الشعري. في البعد التاريخي ننسى أن اللغة العربية التي نتحدث بها الآن هي فقط اللغة الشمالية التي كانت تتحدث بها قريش. وقريش كانت قبيلة كبيرة في الشمال، بينما الحضارة العربية القديمة كانت كلها في الجنوب، حيث كانت هناك 36 لغة. الفرنسيون يفرقون بين اللغة العربية التي نتحدثها الآن وبين اللغات العربية ال36 التي يسمونها: les langues arabiques، أي لغات الجزيرة العربية. أما اللغة العربية القريشية التي نتحدث بها الآن، فيسمونها: la langue arabe، وهي اللغة التي سادت بعد أن سادت قريش خلال القرن الأول قبل مجيء الإسلام.
- وقبل ذلك؟
قبل ذلك كانت هناك «لغات المسند» كما يقول ابن عباس، وهي اللغات ال36، التي منها المعينية والقتبانية والسبئية والأمهرية... وهي لغات كانت تُكتب بالألف بائية الحبشية وليس بالحروف القريشية التي نكتب بها الآن، وما زالت موجودة كنقائش على صخور في سبأ على شكل مفردات قريبة من العربية القريشية التي نتحدثها الآن، أعطيك مثلا: «سَبَأَ مُويْ شْتِينْ»، أي «سال ماء الشتاء». هذا نموذج من اللغة السبئية التي وجدت مكتوبة. لذلك أقول في إحدى قصائدي بأن اللغة العربية عُبِدت مرتين، مرة حين كُتبت بها المعلقات الشعرية، وعُلقت على الكعبة وهي أقدس الأماكن، ومرة عندما كُتب بها القرآن.
- لم تُجبني عن سؤالي: هل خلصت من خلال جمعك نصوصا من النثر العربي السابق للقرآن إلى أن العرب كانوا محكومين بهاجس بناء حضارة مستقرة وقوية، شبيهة بالحضارات المحيطة بهم؟
لا أدري. العرب لم يكن لديهم غير اللغة. اعبُرِ البحر الأحمر وانظُر كم كانت القصور الفرعونية مذهلة بالرسوم وعظمة العمارة. اذهب إلى بابل حيث الرُّقمُ الطينية بمئات الآلاف، هذه حضارة كتابة. أما الحضارة العربية فما الذي أنتجته؟ باستثناء بعض المنحوتات والمعابد التي وجدت في جنوب الجزيرة العربية، لا نجد في شمال الجزيرة غير الصوت واللغة، وهذه خصوصية قال عنها المؤرخ الألماني هيردر في تاريخ الحضارات: «اليونان عندهم الفلسفة، والرومان عندهم القانون، والفرس عندهم الفن، والعرب عندهم اللغة». العرب عفاريت اللغة، وإلى اليوم إذا صعد عربي إلى المنبر يقلب العالم.
- بالرغم من أن مجايليك من الشعراء استغنوا عن توظيف الأسطورة والملاحم، بمبرر أنها لا يمكن أن تعبر عنهم وعن انشغالاتهم، ما تزال، أنت، تصر على توظيفها في قصائدك. لماذا؟
أنا لا أسميها أسطورة. هل كان البابلي يسمي «جلجامش» أسطورة؟ هذه إسقاطات قمنا بها لأغراض تعليمية وتصنيفية. أنا أسمي هذه النصوص بالنصوص المؤسسة.
- طيب، توظيفك هذه النصوص التراثية المؤسسة، ألا يعيق التعبير عن انشغالاتك كشاعر يعيش في مجتمع حديث، يحمل من الخصوصيات والتعقيدات ما لم يكن موجودا في عصر الأسطورة؟
هذه بالنسبة إليّ محاولة أساسية لكي أخلط نصي بنصوص أخرى، كمن يبني دارا بأحجار مختلطة الأصول، في محاولة لتمثل شكل شعري جديد. هناك هندسة للنص الشعري تستفيد من كل العناصر المتوفرة، فأنا أحاول بكل هذه العناصر هندسة نص أريدُ له أن يكون صورة حقيقية للمعاصرة، وامتدادا لما كان يُكتب في السابق من أشعار قديمة وملاحم.
- ملحميا وأسطوريا، كيف قرأت مشهد صدام حسين يشنق يوم نحر الأضحية؟
هذه من الصور التي لن تنمحي من ذاكرتي أبدا. لقد كنت كلما رأيتُ صدام حسين على التلفزيون أعرف أن مئات الرؤوس تقطع وتشنق بالعراق. لقد كنتُ حين أرى صدام، وهو يتهدج خطاباته، الأجساد والدماء والعذابات، وكأنه مشهد بوليفونيّ بمستويين. لما طلع صدام ووقف أمام المشنقة انعكست الصورة. هو الآن دخل الصورة الثانية من مشهد الموت. وبينما الحياة انطلقت من نافذة أخرى دخل هو الثقب الأسود الذي وضع فيه شعبا كاملا.
- أنت، كشاعر حداثي، يفترض فيه أن يكون نسبي الأحكام والتقديرات. ما هي إيجابيات حكم صدام حسين للعراق؟
(يصمت) الآن بعد كل الإخفاقات التي شابت العملية السياسية في العراق، أسمع بعض الأصدقاء العرب والفرنسيين يقولون إن صدام حسين على الأقل كان يصون العلمانية. وحتى هذا ليس صحيحا، ففي السنوات الأخيرة من حكمه أطلق صدام ما يسمى بالحملة الإيمانية، وأضاف بخط يده عبارة «الله أكبر» إلى العلم العراقي، وألغى تلك الإيجابية العلمانية التي أطلقها في بداية عهده بالحكم.
- لكن صدام كان يكبح جماح الطائفية في العراق
كان هناك شيء أكبر من السنة ومن الشيعة، هو الديكتاتور. وعندما سقط الديكتاتور ارتفعت قيمة وثقل الطائفية داخل المجتمع العراقي.
- هل أنت متفائل بالنسبة إلى مستقبل العراق الموحد؟
لا. أرى أنه سينقسم إلى ثلاث دول: شيعية وسنية وكردية.
- مؤخرا، اعتذر الشاعر العراقي نصيف الناصري لزملائه الشعراء وللشعب العراقي عن قصيدة كان قد كتبها في مدح صدام حسين.
أنا في الشعر لا تعنيني المواقف الأخلاقية، ما قام به نصيف هو موقف أخلاقي من حقه أن يقوم به. لكن، لا مدحه صدام حسين له علاقة بالشعر، ولا اعتذاره للعراقيين له علاقة بالشعر. هذا موقف أخلاقي.
- هل هو شبيه بما قام به الروائي الألماني غونتر غراس عندما اعتذر عن ماضيه النازي؟
مثلا، ناصيف الناصري لو كان يحب فعلا صدام حسين وكتب فيه قصيدة عظيمة، لقلت له: والله هذه قصيدة ممتازة، لكنها مكتوبة في شخص تافه. أنا أفصل بين التاريخ والأخلاق والتعليم... هذه كلها مجالات لا علاقة لها بالشعر، وأحيانا نخطئ حين نقحمها فيه. أنا لم أقرأ لكل أولئك الشعراء الذين كتبوا قصائد في صدام حسين، وجارَوه خوفا أو طمعا. هم كانوا زائفين أو خائفين. لذلك كل ما أنتجوه في هذا الصدد يذهب إلى مهزلة كبرى.

مظفر النواب أول من شجعني على الكتابة

سنة 1963 كان مظفر النواب مدرسا للرسم في مدرسة «متوسط الفجر» للبنين في بغداد، وكنت أنا تلميذه بالصف الثاني متوسط. كان عمري آنذاك حوالي 12 سنة. وفي إحدى المرات أعطانا الأستاذ مظفر تمرينا في الرسم، وعاد بعد لحظة ليتفحص رسومات التلاميذ، فوجد أنني لم أكن أرسم، كنت أكتب شيئا على الورقة. خفت أن يعاقبني، لكنه عندما قرأ ما كتبته، نظر إليّ وقال: استمر استمر. فاعتبرت ذلك الموقف من أكثر الأشياء تشجيعا لي على الكتابة، لأن المدرس لم يعفني فقط من الرسم الذي لم أكن أجيده، بل حثني على الاستمرار في الكتابة. عندما التقيت مظفر النواب في بيروت بعد هذا الحادث بأربعين سنة، ذكرته بهذا الموقف، فقال إنه يذكر الفترة حين كان مدرسا للرسم، لكنه لم يتذكر ذلك التلميذ الذي لم يكن يرسم.
في تلك الفترة، حضرت اعتقال مظفر النواب من طرف الحرس القومي، الذي كان عبارة عن ميليشيات تابعة لحزب البعث. جاءت سيارات الجيش وأخذوا مظفر النواب مكبلا من المدرسة. أنا ما أزال أستحضر هذا المشهد كما لو أنه حدث البارحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.