غرامة تصل إلى 30 ألف درهم وحبس حتى سنة.. عقوبات صارمة ضد الدراجات غير المطابقة    شفشاون .. تطويق الحريق الذي شب بغابة دردارة    غزة... 61 ألفا و776 شهيدا فلسطينيا منذ بدء الحرب في غزة        كأس أمم إفريقيا للاعبين المحليين (المجموعة1/الجولة 4).. منتخب الكونغو الديمقراطية يفوز على نظيره الأنغولي (2-0)    قراءة في قرار المحكمة الدستورية عدد 25/255 بشأن قانون المسطرة المدنية رقم 02-23    "شان 2024".. السكتيوي: العامل الذهني كان حاسما في الفوز على زامبيا    خلاف حول دراجة "سانية" ينتهي بجريمة قتل مروعة في حي السعادة بطنجة    خلاف حول سروال ينتهي بجريمة قتل مروعة بطنجة    باطمة تحيي لأول مرة بالجوهرة الزرقاء سهرة غنائية وتسدل الستار عن فعاليات "صيف شفشاون"    بتعاون مع المغرب... اعتراض سفينة محملة بثلاثة أطنان من الكوكايين غرب جزر الكناري    المستثمر المغربي بمدريد.. محمد النقاش عريس سهرة الجالية بمسرح محمد الخامس        عملية "قَدَر" 1979... عندما حسم المغرب مصير وادي الذهب في ساعات    اللجنة الوطنية لتحرير سبتة ومليلية تحتفي بذكرى استرجاع وادي الذهب وتدعو للاصطياف تحت الراية المغربية    أمن أكادير يوضح حقيقة فيديو التراشق بالحجارة في تارودانت    السكتيوي يكشف عن تشكيلة المنتخب الوطني المحلي أمام زامبيا    تسجيل 3 وفيات جراء الحرائق في إسبانيا    سياح فرنسيون ضحية سوربوكنج في فندق فاخر بتغازوت يحول عطلتهم إلى كابوس    اعتراض سفينة محملة بثلاثة أطنان من الكوكايين غرب جزر الكناري بتعاون مع المغرب    عروض التبوريدة النسوية تجذب أنظار عشاق الفروسية بموسم مولاي عبد الله    العطلة الصيفية…هكذا غيّر تراجع القدرة الشرائية عادات المغاربة في السفر وقضاء العطل                    ظاهرة السخرية من الأديان، الأسباب والأبعاد        بعد تتويجه بالسوبر الأوروبي.. حكيمي ضمن أكثر ثلاثة لاعبين أفارقة تتويجًا بالألقاب    النقيب الجامعي يتهم الرميد بارتداء عمامة المتطرف ضد ابتسام لشكر ويدعوه لعدم التأثير على القضاء    المغرب يعزز موقعه في صناعة السيارات بمشروع توسعة ضخم لمصنع ستيلانتيس        سعر "بيتكوين" يبلغ 124 ألف دولار    تحقيق أممي يعلن انتهاكات ترقى إلى "جرائم حرب" في الساحل السوري    سعر عملة بيتكوين يبلغ مستوى قياسيا جديدا يتجاوز 124 ألف دولار    ألفيس بيريز: البطل الذي فتح... صخرة    عادل شهير يطرح كليب أغنيته الجديدة سيري باي باي -فيديو-    القضاء الكوري يرفض تعويض ملحن أمريكي    دراسة: ألم "فصال الركبة" يخف بتدريب المشي    نصائح ذهبية لتجنب حوادث الآلات الكهربائية    ارتفاع أسعار الذهب مدعومة بتراجع الدولار    بورنموث يضم دياكيتي لاعب تولوز    الاتحاد الألماني يرفع قيمة جوائز كأس ألمانيا    الدورة الثانية لمهرجان "سيني بلاج" من 15 إلى 30 غشت الجاري بعدد من مدن المملكة    درجات الحرارة الدنيا والعليا المرتقبة غدا الجمعة    ديرها غا زوينة.. مفكر كبير كيكشف مصايبنا/ لائحة بأسماء اللي على باب الحبس/ ابتسام لشكر والعدل والإحسان (فيديو)    حين تتحطم الأكاذيب على جدار الاستخبارات المغربية الصلب    الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية للانترنت    "قطبية" دوغين و"مدينة" أفلاطون    سلطان يلهب الجمهور ب"الركادة"        الدكتور بوحاجب: غياب مراقبة الجودة أحيانا يفتح المجال أمام التلاعب بصحة الناس..!!    تفشي بكتيريا مرتبطة بالجبن في فرنسا يودي بحياة شخصين ويصيب 21 آخرين    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحقا كان الماضي زمنا جميلا !؟
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 06 - 11 - 2015

أحيانا وفي ما يشبه الغيبوبة اللذيذة ، تأسرنا صورة تذكارية بتفاصيلها السوداء والبيضاء حتى ولو خدشت صفاء ملامحها تخاريم الزمن وغارات الرطوبة المندسة في جوف الصوان ...
وأحيانا أخرى تأسرنا أغنية عاطفية .. وطنية أو ملتزمة وهي تعود بذائقتنا عشرات السنين إلى الخلف فتفيض بعذوبة مقاماتها أحاسيسنا وترحل بنا إلى لحظة تاريخية موشومة في ذاكرتنا إلى الأبد.
إن أية لحظة تذكار قديمة قد نعتقد أنها شكلت محطة هامة في عمرنا ونرتبط بها أيما إرتباط من دون أن نعي جيدا ما السر الدفين الذي يشدنا إليها أكثر من اللحظات الأخرى في كل السنين.
يعمد كثير من المهووسين بالماضي في لحظة انخطاف جوانية إلى النبش في خزائن الذاكرة الفردية أو المجتمعية فيرج سهونا العميق بصور أو فيديوهات أغاني كلاسيكية مشفوعة بمقدمات أو تعليقات تشبه زفرة الأسف الملتهبة ((آه .. آه .. من ذكريات الزمن الجميل !!)) وعلى حين غرة تتدفق العشرات من نقرات (اللايك) المجانية بين قدميها مثل انقلاب عربة محملة بقوارير العطر المزيفة وباقات الورد البلاستيكية .
ونحن غارقون في دغدغة تلك اللحظة النوستالجية ، ننسى أن نتساءل بكل موضوعية هل حقا كان ماضينا زمنا جميلا .. رائعا .. زمنا عشناه بلذة وبإرادة كما أردناه لا كما حبكته أحابيل الزمن وشطحات الأقدار على مقياس سلم السعادة الإنسانية .
ترى ما الذي يجعل الإنسان العربي بشكل عام يلتفت دوما إلى ماضيه برؤية وردية جميلة ؟ وكيف يفلح بدوره هذا الماضي الماكر المنكفئ على أسراره العارية أن يخدعنا بسرابه البعيد ووميض بريقه المفترض ؟ وكيف يسمح الإنسان العربي لنفسه أن يجذف بمركبه المهترئ إلى ((جزيرة الكنز)) التذكارية بدل أن يستشرف إلى المستقبل بكل عزم وإقدام ؟
ما من شك في أن لانجذاب الإنسان العربي إلى ماضيه السحيق والتعلق بأهذاب ذاكرته ، بل والعربدة أحيانا بأناه البعيدة جدا أسباب سوسيونفسية وثقافية وتاريخية . إن هذه العودة إلى ماضي الطللي والتوقيع العلني وأمام الملء الفيسبوكي بأنه كان جميلا بالرغم من آلامه ونكباته هو حنين إلى فاصلة من العمر إجتزئت من رصيد السنين بالإكراه القدري والطبيعي حتى بتنا نخشى عليها من الضياع من خزائن العمر، بالرغم من أنه يستحيل أن نسترجعها كفائض سنوات جديدة .
والعودة أيضا إلى هذا الماضي هو بحث عن حلم يقظة تائه في تراكم العمر.. إنه حلم يشبه الضوء الهارب دائما إلى الوراء بعيدا في ماضينا الفردي والجماعي ... هروب من اللحظة الراهنة باعتبارها لحظة مكاشفة صادمة بل ومواجهة مع الواقع كما هو لا كما تزيفه الذاكرة وزمنها الجميل المفترض.
فنحن لا نأسف على كوننا ل انملك رؤية واضحة للمستقبل المضبب وأسئلته القلقة والملحاحة وإنما نأسف على ماض ضاع منا أو ضيعناه من دون أن نحقق فيه حدا أدنى من مطامحنا سواء كأفراد أو كمجتمع أو دولة .
هكذا إذن جبلت ذهنية الإنسان العربي على العوم أو بالأحرى النوم العميق في عسل الماضوية وتاريخها التليد .. والانبهار بمعجزاته وفتوحاته وامبراطوريته التي غربت عنها الشمس بين أسوار غرناطة الجميلة وحدائق فردوسها المفقود .
إن العودة إلى هذا الماضي باعتباره ملاذا زمنيا جميلا ليس إلا أكذوبة مفخخة .. وسلوكا نقترفه عن وعي أو بدون وعي لإخفاء رؤوسنا في الرمل مثل النعامة كيما نهرب بجلدنا من اللحظة الراهنة وحقائقها الضاغطة إلى اللحظة الهاربة في الماضي بجماليات بؤسها وخساراتها وهزائمها المختلفة ...
ودعونا نتخيل مثلا أن المعجزة حدثت اليوم في زمن انتهت فيه المعجزات وعادت بنا عقارب الساعة عشرات السنين إلى الوراء فلا مراء أننا سنأسف كثيرا على تضييع حاضرنا في الثرثرة عن الماضي باعتباره أجدر بأن يعاش مرة أخرى بكل تفاصيله ولو كانت سوداء وحزينة أحيانا ...
إنها بكل تأكيد مصيدة النوستالجيا وأفيونها القوي ودوختها اللذيذة التي قد تلعب بذاكرتنا لعبة التنويم المغناطيسي الطويل ...
صحيح أن حاراتنا العتيقة كانت تزداد ألفة وحميمية كلما ازدادت حيطانها ضيقا وأن الجيران كلما ازداد فقرهم كلما تقوت أواصر التضامن والإيثار بينهم لمواجهة آفة الجوع القاتل ومكابدات الحياة القاهرة عكس ما كنا نسمعه ونعرفه عن حارات الأوساط البرجوازية يوم كنا شبابا يافعين نصعد الطريق الشاق مشيا على الأقدام من حارتنا العتيقة إلى قارة الحارة البرجوازية في المدينة الجديدة ((لا فيل نوفيل )) وكنا نعاين عن كثب ذلك البون الشاسع شساعة السنوات الضوئية بين صخب حاراتنا وسوريالية هندستها وضيق حوانيتها وعبثية مقاهيها ومدارسها التي تلفظ الجيوش العرمرم من التلميذات والتلاميذ الأشقياء الذين كانت أقصى أحلامهم أن يصبحوا سعاة بريد أو معلمين أو ممرضين أو جنودا يذودون عن حوزة الوطن وبين هدوء تلك الحارات البرجوازية الراقية وفيلاتها الباذخة وحراسها المتعبين الرابضين أمام البوابات الحديدية العريضة ليل نهار، وسياراتها السوداء الفارهة وحدائقها الفيحاء وأسراب عصافيرها التي تمرح بين أغصان الأشجار الظليلة وأطفالها الشقر المدللين والبدينين الذين يلهون على الأرجوحات أو يطوفون حول المسابح الزرقاء بالدراجات الهوائية الثلاثية ... كنا نكتشف في تلك الفسحة الحالمة كل التفاصيل الظاهرة لهذه الفراديس والجنائن الجميلة ولم نكن نشعر قط بأي حقد طبقي أو بأية عقدة حرمان بل كنا نقفل بعد ذلك التطواف المتعب اللذيذ عائدين إلى حاراتنا الضيقة الراتعة في البؤس لنحكي للأصدقاء في (راس الدرب) عن رحلتنا تلك في قارة (لافيل نوفيل) بكل غبطة وسعادة مستعارة.
إننا ننسى كل ذلك الآن .. فنتحدث اليوم بتلمظ يسيل اللعاب عن وجبتنا الشعبية الكادحة خبزنا الحافي وكأس الشاي بلذة وشوق غريبين وعن الصندل البلاستيكي المنخلع وعن وهم رغد العيش في زمن القلة مع فائض البركة السماوية بالرغم من أننا اليوم لا يعاني السواد الأعظم من مجتمعنا من سوء التغذية ولا من بؤس التلفع في السراويل المرقعة ولاعن الصدور العليلة التي ينخرها مرض السل ولا عن سيقان الأطفال التي يحصدها الشلل و..و.. وبالرغم من كل هذا الحاضر الراقي نسبيا لا يزال كثير من الماضويين يتحدثون وبالزفرات الحرى عن ماضينا البئيس الجميل والرائع لكن بالإكراه النوستالجي ليس إلا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.