رسميًا.. الشروع في اعتماد البطاقة الوطنية لتبليغ المتقاضين بالإجراءات القضائية    من أجل كرامة مغاربة الخارج... برشلونة تستقبل فعاليات الجالية المغربية بأوروبا        الدار البيضاء… افتتاح معرض الفنون التشكيلية ضمن فعاليات مهرجان العالم العربي للفيلم التربوي القصير    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    أوروبا تناقش تشديد سياسات الهجرة    الفائض التجاري للصين تجاوز تريليون دولار في العام 2025    قانون المسطرة الجنائية الجديد رقم 03/23 ورهان صون الحقوق والحريات    المنتخب الوطني الرديف على المحك أمام السعودية في الجولة الأخيرة لكأس العرب        تقرير: الدخل الفردي السنوي في المغرب يقترب من 29 ألف درهم    مخالفة "أغنية فيروز" بتازة تشعل الجدل... مرصد المستهلك يندد والمكتب المغربي لحقوق المؤلف يوضح    منظمة التعاون الإسلامي تراهن على "الوعي الثقافي" لتحقيق التنمية البشرية    المغرب لن يكون كما نحب    ضمنها المغرب.. تقرير يكشف تعرض شمال إفريقيا لاحترار غير مسبوق    قتيل وجرحى في حادثة سير باشتوكة أيت باها        مولودية وجدة يحسم الديربي لصالحه ويعزز موقعه في الصدارة    أولمبياد لوس انجلوس.. لقجع يكشف اسم مدرب المنتخب الأولمبي    مغربيان ضمن المتوجين في النسخة العاشرة من مسابقة (أقرأ)    غضب وانقسام داخل ريال مدريد بعد الهزيمة... وتصريح يكشف تفاصيل صادمة من غرفة الملابس    توقعات أحوال الطقس لليوم الاثنين    رياض الأطفال بوابة جديدة لتمكين النساء اقتصاديا وابن يحيى تكشف أرقاما غير مسبوقة    فرنسا.. تسرب مياه بمتحف اللوفر يتسبب في إتلاف مئات الكتب بقسم الآثار المصرية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين        مجلس المنافسة يفاجئ فاعلين في قطاع الدواجن بزيارة ميدانية    عزوف الشباب عن العمل يدفع لندن لإلغاء إعانات البطالة    علاج تجريبي يزفّ بشرى لمرضى سرطان الدم        كاتبة إيطالية تعرّض لحادثٍ مروّع أثناء زيارتها إلى مراكش تنشر شهادتها عن تجربة إنسانية غير متوقعة    كيوسك الاثنين | الاجتماع المغربي – الإسباني يؤكد انتعاشا اقتصاديا    لفتيت يستبق انتخابات 2026 بحركة تنقيلات واسعة لضبط الإدارة الترابية    ساركوزي يكشف: الملك محمد السادس أول من اتصل بي بعد الحكم علي بالسجن.. كان متأثّراً وصوته يرتجف من الصدمة    اغتيال "شاهد" بجنوب إفريقيا يحيي السجال حول مسألة حماية المبلغين    "إيكواس" تشر قوات احتياطية في بنين    النفط يصل إلى أعلى مستوى في أسبوعين مدعوما بتوقعات خفض الفائدة الأمريكية    الاتحاد المغربي للشغل يخلّد الذكرى ال73 لانتفاضة 8 دجنبر 1952    الائتلاف المغربي لهيآت حقوق الإنسان يدعو إلى وقفة رمزية أمام البرلمان للمطالبة بإطلاق سراح "المعتقلين السياسيين"        اجتماع ثلاثي بين الولايات المتحدة وإسرائيل وقطر في نيويورك    المغرب ضد السعودية.. نهائي قبل الأوان في سباق الصدارة        "الفن والإعلام في ترسيخ القيم الوطنية".. أمسية فنية وثقافية تُمتع الجمهور وتغني النقاش بطنجة    ثورة في عالم الطب .. علاج جديد يقضي على سرطان الدم تمامًا    كأس العرب لكرة القدم (قطر 2025).. المنتخب المغربي يخوض غمار الجولة الثالثة بطموح الفوز على نظيره السعودي والتأهل للربع    أخنوش: ضاعفنا عدد أساتذة الأمازيغية 5 مرات وخصصنا للتعليم 17 مليار درهم    اختتام الدورة ال 22 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش .. تتويج فيلم «سماء بلا أرض» للمخرجة أريج السحيري بالنجمة الذهبية للمهرجان    إجماع دولي على إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية    تتالي الصفعات لنظام الكابرانات!    إعلان الحرب ضد التفاهة لتصحيح صورتنا الاجتماعية    التكنولوجيا وتحولات الفعل السياسي في المغرب: نحو إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع    تحذير من "أجهزة للسكري" بالمغرب    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متاهات الحكي في «تجاعيد الزمن» لأمنة برواضي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 21 - 12 - 2015

استعرت مصطلح «المتاهة» من مجموعة قصصية لأمنة برواضي، عنوانها «متاهة الأيام»، وبالتحديد من القصة القصيرة المعنونة «بأحلام تبددت»، وقد اعتبرت هذه القصة هي المحكي الإطار الذي تولدت منه القصص القصيرة جدا في «تجاعيد الزمن».
وهذا لا يعني أن هذه الأضمومة قد فقدت واقعية الحكي، أو أنها قد شقت عصا الطاعة عن السرد العميق والرصين الذي عهدناه في المبدعة أمنة برواضي التي استفادت من تراكمات سردية موغلة في متاهات الأحداث، توجهها مقصدية خاصة تُدين الواقع الجريح عبر متاهات السرد التي لملمت جراح الذات المبدعة، وزودتها بسجل موسوعي حول القصة القصيرة جدا.
(متاهة الأيام: « قصص قصيرة» لأمنة برواضي صدرت 2014 مطابع الرباط نت
تجاعيد الزمن: «قصص قصيرة جدا» لأمنة برواضي صدرت 2013 مطابع الرباط نت).
وفي هذا السياق فإن القارئ المفترض سيقرأ المجموعتين، «متاهة الأيام»، و»تجاعيد الزمن» باعتبارهما نصا واحدا لا يخضع للتجزيء والتقسيم، لأن المجموعتين قد نبتتا في زمن واحد، وفي تربة واحدة.
و إن الذات المنتجة للخطاب كانت تُشيد عالمها القصصي البهي والممتع، وهي تتفاعل مع ما يمور ويروج في مسرح الحياة من أحداث ووقائع تعبر أصدق تعبير عن متاهات الحياة.
وانطلاقا من المجموعة القصصية «متاهات الأيام» نحتت الذات الساردة عناوين قصصية دالة في مجموعتها «تجاعيد الزمن» ( السياسة، الراية البيضاء، ربيع دمشق، كرسي الدائرة، في المقهى، البرج العالي...) واللائحة طويلة...
هذه العناوين هي بمثابة علامات دالة تزخر بطاقات إبداعية، وتعبيرية، وتخييلية، تسمح للذات المنتجة للخطاب السردي وهي تتفاعل مع متاهات الأيام إدماج سيناريو المتاهة في البنية السردية القابلة للتحليل، والكشف عن النسق الضمني للقصة القصيرة جدا باعتبارها نصوصا مفتوحة على المتاهات السردية الحديثة المعاصرة.
وعبر هذه البنية العميقة للسرد أمكن للذات الساردة الغوص عميقا في متاهات الأماكن، والأزمنة، والمشاعر، بلُغة واصفة تستجيب للذوق العام الأدبي.
إن المتاهة في نهاية المطاف ما هي إلا مسرح الحياة الذي يعيد فيه الممثل تشخيص أدوار تتسم بالرتابة والملل.
تقول الساردة: «كلما همت بمغادرة البيت... تُخرج زفرة من الأعماق، وهي تتأهب لعرض دور من أدوار هذه الحياة...» ص: 34.
ومن ثم يمكن اعتبار «متاهة الأيام» بنية عميقة للسرد مكّنت الذات الساردة من استرجاع أحداث مركزة، انخرطت من خلالها في قضايا سياسية واجتماعية، وتفاعلت معها من أجل تشكيل الفضاءات وتأثيث المساحات السردية.
إنها نصوص قصصية قصيرة جدا، وبهية وممتعة جدا، تستضمر حوارا عميقا ورصينا، مع أخيلة مفترضة غائصة في متاهات الأيام، تؤسس لسرد ممكن، يستعين بالسخرية، والباروديا حينما يغوص عميقا في السياسة، ويأبى الاستسلام للشقاء والقهر، وقسوة الواقع، بل يتأثر بما حل بسوريا من خراب ودمار، وأشلاء، ومرض وجوع، ويُعرّي لعبة السياسة الملطخة بالدماء، وإغراق الشعوب في الوحال والتحسر على الربيع العربي الذي تحول إلى خريف، وكأن بالذات الساردة لا تستسلم لتيار أفكارها، بل تظل تساير السرد المتأرجح الذي يَشمئِزّ من فوضى الصمت، والقمع، والاكتفاء بالإشارة والإيماء.
وبعبارة موجزة ومركزة: إن السرد يندد بالتفكك العربي، ويرغب في الرحيل وبنية الشهادة والميلاد.
تقول الساردة في قصة «الشهيد لا يموت» «أطلقوا عليه الرصاص من كل جانب وأردوه قتيلا. أقاموا الحفلات، وأضاءوا السماء أنوارا... كتبت الجرائد والصحف... وكل القنوات أذاعَتْ خبر الشهيد. لكن من الأمهات من كن يَلِدْن ساعة أذاعوا الخبر، فسمّت كل أم ابنها باسم الشهيد. فكان بذلك ميلاد الآلاف، هم من سيحملون بعده مشعل الحرية» ص: 23.
إن متاهة الأيام، أو متاهة الحكي سيان تندد باغتيال الأحلام، وتشمئز من الآلام، والأحزان التي تسرق أصوات الحرية، ولا عجب إن آوت الذات الساردة إلى ركن في مقهى شعبي، وجلست تحتسي فنجان قهوتها، وهي تسرد هموم الرواد. أو إن غاصت عميقا باحثة عن سبب انهيار البرج العالي، وعن كيفية انغراس الرذيلة في المدينة الموحشة مسببة في تشتت الأسرة.
إن الذات الساردة في غمرة المتاهة تَأْنَفُ من الانتظار، وأيَّ انتظار! إنها لحظة الوقوف في الطابور طويلا، فتنهار الآمال، وتغرق الذات في المتاهة، متاهة الحيرة، ومناقشة الصناعة الصينية التي نجحت في ترميم الشرف، أما المتاهة المفارقة فهي تلك التي تنفذ عبر مَساَم السرد إلى العواطف المَلْفوفة بين جدران الصدر بصفيح، وعلى الرغم من ذلك تظل عاجزةً عن إبعاد شَبحِ الخرافة والشعوذة، وغالبا ما تنتهي المتاهة / المفارقة إلى متاهة الأيام، حيث تلوذ الذات الساردة بالصمت الأبدي مُستنكِفةً تعتيم سماء الحياة، ثم إن المتاهة تُعري السرد وتكشف عن وجهه الشقي حيث يتيه هو الآخر في منعرجات الاستسلام للفرحة التي تدلف في الضباب. وقد ينغرز في مكامن الصراخ والعنف.
إنها متاهات سردية تختزل تجربة إبداعية تحتفي باللغة القصصية الانزياحية المُسْعفة على ارتياد عوالم دلالية خصبة، وتتباهى برؤية سردية عميقة تحاور شعرية اللغة وهي تُراقص أغوار الذات لحظة انخراطها في تشكيل الأحداث، ورسم ملامح الشخصيات، واختيار
الفضاءات التي تتحرك فيها على امتداد المساحات النصية القصيرة جدا، حيث يشتد الصراع حول ما هو اجتماعي، وثقافي، وسياسي، وعبر هذا الصراع تكشف «تجاعيد الزمن»عن علاقات اجتماعية وعاطفية، مغلفة بالمكر والخداع والنفاق وتعبر في نهاية المطاف عن متاهة الحياة.
إن أمنة برواضي كاتبة متمرسة انفتحت على العنصر الروائي والقصصي وهي تشيد عالم المتاهة في القصة القصيرة جدا، وهذه المتاهة تجد سندها في العجائبي والغرائبي وفي الأنماط السردية الحديثة والمعاصرة.
لذا فهي تراود سحر اللغة، وتتريث في المقول السردي بعد أن استوعبت بشكل ضمني البنية الذهنية للمجتمع، وعبر فعل المتاهة تنتقد سلوك الأفراد وتخلخلُ الثقافة السائدة التي تُكرِّس الانتهازية والوصولية، وفي خضمّ متاهات السرد ومنعرجاته تُشرِك الفئات التي تعاني من تلك المظاهر في لعبة السرد، وهذا ما يضفي على العمل القصصي برمته طابع التشويق والإثارة.
والجميل في «تجاعيد الزمن» هو أنها تورّط القارئ في بناء المعنى، وتترك له المبادرة التأويلية لخلخلة الأنساق الثقافية الدالة على المتاهة، بل إن القارئ سيتيه هو الآخر في بحر لجي من التناقضات، والمفارقات، والمتاهات، والخطابات البراقة المغلفة بالمكر، والخداع، والنفاق، والصراعات الطبقية، والمؤشرات النصية الدالة على هذه المتاهات المفارقات متنوعة، من حيث الصياغة، والمعجم، والدلالة، فالجمل البسيطة تتماثل مع الجمل المحكية مانِحة المتلقي سُلطة تأويل المتاهة وإعادة بناء النص وفق منطق الحياة، وليس وفق منطق المتاهة، فالمتاهة قد تعبر عن التناقض ولكن بإقصاء المنطق.
لقد نجحت الذات المبدعة إلى حد بعيد في جعل صوتها مائزا بعمق الرؤية، وجسارة التحليل وحسن الاستماع إلى نبض المجتمع.
والأكيد أنها انخرطت في دواليب الكتابة القصصية المعبرة عن المتاهة، بعد أن أخضعتْ عوالم الحكي لمنطق السرد، وانخرطت بشكل إيجابي في قضايا العصر، عبر نسج أسئلة دقيقة، تُحاور الأنساق الثقافية السائدة، وتعبِّر عن روح العصر، في تعالقه الممكن مع متخيل المتاهة، الذي أتاح للذات أن تعبر عمَّا يختلج في وجدانها. بعد أن امتلكت وعيا كبيرا بالقيمة الرمزية والمجازية للغة، واحتكمت إلى سلطتها الفكرية لتأثيث فضاءات الكتابة في هذه المجموعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.