في كلمة حول جبر الأضرار الناجمة عن مآسي العبودية والاتجار في البشر والاستعمار والاستغلال بإفريقيا: آمنة بوعياش تترافع حول «عدالة تعويضية» شاملة ومستدامة    إدريس لشكر : الديمقراطية في خطر وسط تزايد الاستبداد والمخاطر العالمية    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني النسوي المتوج بكأس إفريقيا داخل القاعة    «غزة على الصليب: أخطر حروب الصراع في فلسطين وعليها»    "اليونيسف": أطفال غزة يواجهون خطرا متزايدا من الجوع والمرض والموت    سفينة مساعدات لغزة تتعرض لهجوم بمسيرة في المياه الدولية قرب مالطا    تقرير: أخنوش يستخدم أمواله للسيطرة على الإعلام والصحافيون المستقلون يتعرضون لضغوط مستمرة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    إجهاض محاولة لتهريب أزيد من 51 ألف قرص مخدر بميناء طنجة المتوسط    العرائش تسجل أعلى نسبة تملك.. وطنجة تتصدر الكراء بجهة الشمال    مقاطعة مديري مؤسسات الريادة للعمليات المصيرية يربك مشروع الوزارة في الإصلاح التربوي    سوريا: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي "تصعيد خطير"    المغرب يودّع أحد رموزه الفنية.. محمد الشوبي يترجل بعد مسار طويل من الإبداع    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    كلية الآداب بالجديدة وطلبتها يكرمون الدكتورة لطيفة الأزرق    عبد الله زريقة.. علامة مضيئة في الشعر المغربي تحتفي به "أنفاس" و"بيت الشعر"    بعد صراع مع المرض... وفاة الفنان محمد الشوبي عن عمر 62 عاما    نجاح "خامس مهمة نسائية" خارج المحطة الفضائية الدولية    هل ينجو قمح المغرب من الجفاف ؟ توقعات جديدة تعيد الأمل للفلاحين    مجلس الدفاع في لبنان يحذر "حماس"    في ساحة مسجد بدر بطراسة… رجل يقبّل طفلًا والأب يتصل بالشرطة    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    رسالة مفتوحة إلى السيد محمد ربيع الخليع رئيس المكتب الوطني للسكك الحديدية    البكوري يقيم مأدبة غذاء على شرف جنود خفاء جماعة تطوان قبيل انطلاق الموسم الصيفي    العلاقات التجارية بين المغرب ومصر.. وفد اقتصادي مغربي يزور القاهرة    كوريا: الرئيس المؤقت يقدم استقالته لدخول سباق الانتخابات الرئاسية    تفاؤل تجاري ينعش أسعار النفط في الأسواق العالمية    "الكورفاتشي" تستعد للتنقل إلى مدينة الدار البيضاء لحضور "الكلاسيكو" أمام الوداد    إيقاف سيموني إنزاغي و هاكان بسبب علاقتهما بمشجعين مرتبطين ب"المافيا"    لماذا لا تحتفل هولندا بعيد العمال (فاتح ماي) رغم عالميته؟    الأمن يوقف مروجي كوكايين وكحول    العثور على جثة شخص داخل منزل بشارع الزرقطوني بعد اختفائه لثلاثة أيام .    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة: المغرب يستهل مشواره بفوز مثير على كينيا    الحوار الاجتماعي بالمغرب بين الشكلية والفعالية    الذهب يتعافى بعد بلوغ أدنى مستوى في أسبوعين    تفاصيل إحداث قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء يوفر أزيد من 20 ألف منصب شغل    عيد العمال.. الكونفدرالية ببني ملال "تحتج" في مسيرة حاشدة    لجنة الأخلاقيات توقف العديد من المسؤولين عن كرة القدم بين سنة وثلاث سنوات بسبب اختلالات في التسيير    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل    اللاعب المغربي الذي أبهر العالم بأدائه المجنون … !    الصين تدرس دعوات أمريكية لاستئناف الحوار بشأن الرسوم الجمركية    حين يتحول الانفعال إلى مشروع سياسي: في تفكيك خطاب بنكيران حول "القضية" و"الحمار"    كرة القدم.. توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    احتراق شاحنة على الطريق السيار طنجة المتوسط    منتجو الفواكه الحمراء يخلقون أزمة في اليد العاملة لفلاحي إقليم العرائش    الزلزولي يساهم في فوز بيتيس    هل بدأت أمريكا تحفر "قبرها العلمي"؟.. مختبرات مغلقة وأبحاث مجمدة    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    فوائد القهوة لكبار السن.. دراسة تكشف علاقتها بصحة العضلات والوقاية من السقوط    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هشام أمال: «يترتب على إكراهات الإنتاج حرية أكبر على الصعيد الفني»

يندر في مشهد السينما المغربية أن يخرج علينا، هكذا من العدم، مخرج شاب بفيلمه الطويل الأول مثلما فعل هشام أمال مع «ميلوديا المورفين». حيث تتدرج غالبية المخرجين المغاربة الساحقة في سلك الأفلام القصيرة و/أو التلفزيونية قبل اجتياز امتحان الفيلم السينمائي الطويل. هذا معطى تغذيه اعتبارات ذات طبيعة مؤسساتية وقانونية حان الوقت لإعادة النظر فيها، من أجل فسح كوة أمل للسيناريوهات الاستثنائية، حتى ترى النور في معزل عن المسار «الرسمي» الذي يقتضي إخراج ثلاثة أفلام قصيرة، والمرور عبر شركة إنتاج. فثمة قطعا عشرات من المخرجين الشباب الموهوبين تجهض أحلامهم كل سنة حين لا يجدون المواكبة والاهتمام الضروريين، ونأتي بعدها لنتساءل حول أسباب شح الدماء الجديدة وندرة المواهب الشابة.
«ميلوديا المورفين» هو قبل كل شيء مشروع حمله هشام أمال طويلا في أحشائه، وشهد مخاضا عسيرا سنأتي على تفاصيله في الحوار، لكن أهم مميزاته هي أنه يحمل في جيناته التيمات نفسها التي يثيرها السيناريو، حيث يتتبع أزمة سعيد الطاير، ملحن موسيقي يجد صعوبة في إخراج «لحن العمر» إلى الوجود في تقعير لمحنة هشام أمال نفسه مع الفيلم، وهذه سمة تجد كذلك تجسيدها بطريقة مذهلة في التطابق بين حياة هشام بهلول الذي لعب دور سعيد الطاير وأحداث الفيلم، خصوصا منها حادثة السير وكل الذهاب والإياب بين الحياة والسينما.
يعتمد الفيلم على جمالية الحكي بواسطة الصوت الداخلي ليرصد توالي ميلوديا النجاحات والإخفاقات في حياة الشخصية الرئيسية، مما يتيح له تحقيق مسافة مع الواقع استغلها المخرج بذكاء من أجل خلق أجواء تمزج بين التراجيديا والسخرية تمكنه من القبض على مأساة بطله المضاد الوجودية. وباستثناء الاتكاء المفرط أحيانا على «عكازة» الصوت الداخلي في مشاهد لا تحتاج له البتة، والتأرجح المزعج شيئا ما في لغة الحوارات بين اللغة المعيارية والدارجة، فقد أفصح الفيلم على تحكم جيد ونفس حكائي يبشر بمخرج ذي رؤية فريدة وواعدة مكنته من فوز مستحق بجائزة أفضل عمل أول في إطار الدورة السابعة عشرة للمهرجان الوطني للفيلم. التقينا هشام أمال بطنجة على هامش المهرجان وكان هذا الحوار.
o أخبرني في البدء عن مسارك قبل «ميلوديا المورفين».
n مساري قبل «ميلوديا المورفين» لم يكن طويلا، كل شيء ابتدأ بكتابة السيناريو، حيث اشتغلت مع شركة «عليان للإنتاج» كسيناريست، وابتداء من 2010 بدأت في العمل على «ميلوديا المورفين» الذي شكل أول تجربة لي في الإخراج والإنتاج.
ماهي نوعية الأفلام التي اشتغلت عليها مع «عليان للإنتاج» ؟
بحكم أني أقطن بأكادير، اشتغلت على ثلاثة أفلام في إطار «فيلم انديستري» (ت.م.: تجربة إنتاج أفلام تلفزيونية تمركزت في أكادير وأشرفت على تنفيذها شركة نبيل عيوش بشراكة مع القناة الأولى ابتداء من 2005 وخرج من رحمها مخرجون شباب ينشطون اليوم في مجال السينما والتلفزيون). كنت محظوظا حين حظيت بفرصة كهاته رغم كوني مبتدئا ومتسرعا شيئا ما لأنني اقتحمت الميدان متشبعا بالسينفيليا والولع بالكتابة، من دون خلفية تكوينية وخبرة كافيتين، لكن من جهة ثانية استفدت كثيرا من الإدارة التقنية والفنية تحت إشراف هشام العسري. كتبت بعدها دائما لنفس الشركة سيناريو فيلم تلفزيوني بعنوان «لعب البارود» من إخراج محمد نصرات، ثم وجهت كل وقتي وجهدي ل»ميلوديا المورفين».
o أول ما أثار انتباهي في الفيلم هو اللحظة التي يحصل فيها تطابق مذهل بين التخييل والواقع حيث تصبح حادثة السير (ت.م.: تعرض بطل الفيلم هشام بهلول لحادثة سير مؤسفة كادت تودي بحياته وهو لم ينه بعد تصوير دور سعيد الطاير الذي يتعرض لحادثة سير في الفيلم) بمثابة بوابة سحرية تنقلنا بين العالمين وتقول أشياء مهمة عن روح وطبيعة الفيلم...
n بالفعل الأمر غريب ومثير للاهتمام فنيا. شكلت بالطبع حادثة السير تجربة مريرة للطاقم كله من الناحية الإنسانية وكان تجاوزها صعب جدا بالنسبة لنا. وهذا من بين الأسباب التي أدت إلى تأخر إنتاج الفيلم.
o كم كانت نسبة التقدم في إنجاز الفيلم حين وقعت الحادثة؟
n لقد دام تصوير الفيلم خمس سنوات تقريبا. ابتدأنا التصوير في 2010 ثم كنا مجبرين على التوقف، ولم نتمكن من تصوير القسم الثاني من السيناريو إلا في 2012 بحكم المشاكل التي اعترت الإنتاج. اعتمدت على مواردي الخاصة كليا، وكنت كلما استطعت توفير المال الكافي أعود إلى التصوير. وهذا ما فعلته حين تمكنت من تمويل يوم تصوير إضافي في 2013. بعد ذلك مباشرة تعرض هشام للحادثة، ولم نكن بعد قد انتهينا من تسجيل الصوت الداخلي الذي يلعب دورا مهما في الفيلم، فكنت مجبرا على الاشتغال مع ممثلين آخرين إلى أن حصلت على الصوت الذي كنت أبتغيه. تطلب الأمر مني وقتا كبيرا إلى أن انتهيت من النسخة الأولى من الفيلم، ونظمت عرضا تجريبيا في الرباط في أكتوبر الماضي. كانت الردود ايجابية وشجعتني معظمها على المضي في تصوير الجزء الأخير من الفيلم الذي كانت مدته تتعدى آنذاك الساعة بدقائق قليلة، حتى يصبح فيلما طويلا، ويتمكن من المشاركة في مهرجانات كثيرة بما فيها مهرجان الفيلم الوطني بطنجة. فصورت الجزء الأخير في نهاية 2015. أصبحت مدة الفيلم في نسخته النهائية التي عرضت بطنجة تبلغ ثمانين دقيقة. بالعودة إلى المصادفات التي طبعت إنجاز الفيلم، فإن ما لا يعلمه سوى القليلون، هو أن التطابق بين الواقع والتخييل تجاوز حادثة السير إلى تفاصيل أخرى، منها أن هشام كان مثل بطل الفيلم يعاني آنذاك من مشاكل في الذاكرة. فنيا كان هذا التطابق مؤثرا جدا علي، لأنني أصبحت أنظر إلى الحادثة وكل تجلياتها بشكل أعمق من ذي قبل، وانتفت كل مسافة تفصلني عنها. أضحيت أيضا أتعامل مع مونتاج المشاهد المتعلقة بها بنوع من الاحترام والمراعاة لنظرة الممثل. وهذا ما أثر على جمالية مشهد الحادثة التي حضرت بشكل متشظ وكأنها جزء من حلم. من المصادفات أيضا أنني واجهت الصعوبات نفسها التي يلقاها سعيد الطاير من أجل إخراج «ميلوديا المورفين» إلى الوجود، إلى درجة أني كنت أتوجس من أن لا أتمكن أبدا بدوري من إنهاء الاشتغال على الفيلم.
o يمكننا أن نقول أن الأمر كان أشبه بتقعير («ميز اون ابيم») لطبيعة العمل وسيرورة إنجازه...
n نعم، كان الأمر كذلك. حتى أنني عانيت في فترة معينة من مشكل إلهام مثل البطل بالضبط. كانت كتابة المشروع معقدة جدا مما دفعني إلى معاهدة نفسي أن لا أحلق ذقني حتى أنتهي من الكتابة. أصبحت لحيتي مع مرور الأيام طويلة تشبه لحية ماركس (ضحك)، إلى درجة أن المارة أضحوا يتحاشون طريقي في الشارع. طبعا تبقى أفضل طريقة للاشتغال على السيناريو هي الانطلاق من الهواجس والصعوبات نفسها التي تواجهنا في الحياة.
o كيف تغيرت نظرة هشام بهلول للعمل بعد الحادثة؟ هل واجهت صعوبة في إقناعه بالعمل مجددا؟
n لا لم أجد صعوبة من هذا النوع، بل لاحظت أنه أصبح ينظر للمشروع باحترام أكبر، ربما لأنه أحس بأن قصة الفيلم قريبة من تجربته. لا شيء يعادل أن يمر الممثل أو الفنان بصفة عامة من تجربة مشابهة لتجربة الشخصية في عمل ما. هذا يجعل من فهمه لنفسية الشخصية أعظم بكثير. كمثال على هذا نجد حالة دافيد سايدلر كاتب سيناريو «خطاب ملك» الذي يحكي محنة الملك مع الارتباك والتأتأة. الفيلم مكتوب بعمق وتفصيل كبيرين ومردهما إلى أن السيناريست كان يعاني من المشكل نفسه في مرحلة الطفولة.
o تشكل الموسيقى واحدا من الأعمدة الرئيسية التي يرتكز عليها الفيلم. ما علاقتك بها في حياتك الخاصة؟
n كنت مثل معظم الناس معجب بالموسيقى وأنصت إليها بانتظام. لكن في مرحلة من عمري صرت أتعامل معها بجدية أكبر أو تطرف لا أعرف. كنت منفتحا على جميع الأصناف وصرت بعد البدء في الكتابة أميل أكثر إلى الموسيقى التي تجسد بشكل أعمق حمولة الشرط الإنساني، وتنبني على فكر وكتابات الشعراء التي تنفخ في المقطوعات روحا ذات طابع خاص على غرار النصوص التي كان يؤديها وديع الصافي وأم كلثوم، أو في المغرب مقطوعات من قبيل «راحلة» و»القمر الأحمر» وأغاني ناس الغيوان. أعتقد أن الفن في المغرب سقط في خطأ فادح حين أدار ظهره للموجة الموسيقية التي انبثقت في السبعينات. أن تنصت لأغاني محمد الحياني وعبد الهادي بلخياط يعتبر في حد ذاته دخولا في تجربة ذات حمولة غنية على المستوى الإنساني. للأسف فإن الاستخفاف بالكلمات غدا عملة رائجة اليوم، وصار كل الاهتمام ينصب على النواحي التقنية، وهذا نفسه خطاب شخصية عبد الله بن سعيد في الفيلم حين يتحدث عن كيف أن الموسيقى اليوم صارت إنتاجا شبه آلي تتحكم فيه الحواسيب. دفعتني تجربة كتابة «ميلوديا المورفين» إلى دخول بحر جديد يتعلق بالموسيقى الكلاسيكية. ليس فقط من ناحية الإنصات بل أيضا تاريخها والاتجاهات الفكرية والأساطير المرتبطة بها. استمعت لما يقرب من ألفي مقطع موسيقي كلاسيكي بين 2010 و2015 كي أختار منها المقاطع الحاضرة في الفيلم.
o أليس هناك مشاكل تتعلق بحقوق الملكية الفكرية للموسيقى وكذلك لمقاطع الأفلام التي تظهر في «ميلوديا المورفين»؟
n بالنسبة لمقاطع الأفلام، اعتمدت على أعمال أصبحت حقوق ملكيتها في ملك العموم وأخرى لم تسقط بعد في هذا المجال لكن تجديد حقوق ملكيتها باء بالفشل. أيضا، اعتمدت كثيرا فيما يتعلق بالصور على أعمال جديدة، لكنها تدخل في إطار مقتنيات قامت بها مؤسسات وضعتها بشكل تطوعي رهن استعمال العموم على غرار مكتبة الكونغرس الأمريكي وأرشيف هولندا. أن تقتني مؤسسة ما وثائق وتتيح استعمالها بالمجان للعامة هو أمر عظيم. هذا يفتح النقاش مرة أخرى حول مسألة الملكية الفكرية في الفن ومدى خدمتها للإبداع بصفة عامة.
o لدى غودار تصور متطرف لكنه يعبر كالعادة على قسم كبير من الحقيقة في هذا المجال حين يقول «ليس لدى الفنانين حقوق بل واجبات فقط». بالعودة إلى حالة «ميلوديا المورفين» هل بوسعنا القول أن لا مشاكل تواجه الفيلم من ناحية حقوق الملكية؟
n لا، ليست هناك مشاكل على العموم. لكن حتى أكون صريحا معك فهناك قطعتين موسيقيتين استعملناهما في الجزء الأخير، من الممكن أن يشكلا مشكلا على مستوى تأخر سيرورة الحصول على موافقة الجهات المالكة للحقوق. هذا يتطلب شهرين عادة. سننتظر ردودهم ونتمنى أن تكون إيجابية وفي المتناول، مع العلم أن مقاطع موسيقية عديدة اخترناها مبدئيا كي تكون جزءا من الفيلم لم نتمكن من الحصول على حقوقها. أحيانا تكون الردود غير متحمسة، من جانب الأمريكيين على الخصوص، من أجل منح الحقوق لأعمال من خارج الولايات المتحدة لأنهم يطالبون بمقابل مادي مرتفع. هناك أيضا مقاطع من الموسيقى الكلاسيكية لم تسقط في المجال العام كنا مضطرين لاقتناء حقوقها. والأمر نفسه بالنسبة لبعض المقاطع من الأفلام ومن بينها أفلام شابلن. لكن أصدقك القول أن الأمر محبط جدا حين تكون هناك قيود مفرطة على استعمال الموسيقى في الأفلام، فأنا مثلا من المعجبين بموسيقى البيتلز وغالبا ما تصدح موسيقاهم في رأسي أثناء الكتابة، ولكن من شبه المستحيل أن أستعمل موسيقاهم لأن الجهات المالكة جد متشددة في منح الحقوق، وهذا أمر محبط في النهاية، خصوصا أن من يتعنتون هم ليسوا في الأصل مبدعي الموسيقى بل جهات اشترت حق الاستغلال وتتعامل معه كأصل تجاري صرف.
o هلا حدثتني عن السيناريو وكيف تطور بالموازاة مع مراحل إنجاز الفيلم وخصوصا الشق المتعلق بالصوت الداخلي... هل حضر بهذه الأهمية في ذهنك منذ البداية؟
n انطلقت في ما يتعلق بالصوت الداخلي من فكرة التعبير عن نوع من انفصام الشخصية. بمعنى أن الأمر يتعلق بسعيد الطاير يتحدث لمصطفى البقال، وهذا الصوت يترجم العلاقة الملتبسة بينهما. لقد كانت فكرة الصوت الداخلي حاضرة منذ بداية المشروع. أنا أعتبر نفسي سينمائيا وشغوفا بالسينما، لكني قبل هذا وفي الأساس كاتب، وأحب أن أضفي على عملي أشياء تمتح من عالم الكتابة والرواية لكن بطريقة سينمائية. كانت هناك بالطبع تغييرات على مستوى الكتابة منذ بداية الاشتغال إلى النهاية. بوسعنا القول أنني اشتغلت على ثلاثة أفلام: الفيلم الأول المكتوب بالسيناريو، والفيلم الثاني الذي تم تصويره والمختلف عن الأول بسبب تعقيدات الإنتاج وشح الإمكانات. هناك شخصيات كثيرة كتبت لم تجد طريقها لبلاطو التصوير، وهناك أخرى صورت ولم تجتز اختبار المونتاج، وهذا ما أعطى فيلما ثالثا.
كتابة السيناريو تمثل مرحلة سهلة نوعا ما، حيث يكون كل شيء متاحا وباب الحلم مفتوحا على عواهنه، والتصوير هو تجربة اللقاء مع الواقع بحلوه ومره، أما مرحلة المونتاج فهي اكتشافي الأبرز والأهم في فيلمي الأول هذا، فبحكم تجربتي المسبقة ككاتب، وبحكم مشاكل التصوير التي علمتني الكثير لكنها حرمتني من المتعة لأنها أجبرتني على تدبير الأزمات طول الوقت، يبقى المونتاج المرحلة الأكثر غنى بالنسبة لي، حيث تعلمت بفضله أشياء عديدة، أخذت مرحلة المونتاج أيضا نصيب الأسد من الوقت.
o ما التأثيرات التي تركت بصمتها الجمالية على الفيلم؟ لمست شخصيا تأثرا ب «إميلي بولان» لجان بيير جونيه من حيث حضور الصوت الداخلي وكذلك الجو الداكن نسبيا الذي يطغى على ألوان الفيلم...
n نعم هذا ممكن. لا أخفيك أن «أميلي بولان» (2001) من بين الأفلام المفضلة لدي. كما تعلم فإن السيناريست والمخرج قد يتأثر بأفلام كثيرة من دون أن يكون واعيا بها. لكن، على العموم، يمكن أن أقول أنني أنجذب كثيرا لعوالم كتاب السيناريو: تشارلي كوفمان وبيتر شافر كاتب «أماديوس» لميلوش فورمان. لكن العمل الذي شكل تأثيرا مباشرا وذي أهمية أكبر علي هو «شعب المكانة» (2009) لهشام العسري. هذا فيلم رائع بكل المقاييس، ولعل التأثير الأبرز الذي تركه في عملي هو اقتناعي بضرورة الجمع بين فكرتين منفصلتين كانتا في ذهني داخل سيناريو واحد، الفكرة الأولى تتعلق بفيلم قصير عن شخص يعيش في غرفة واحدة مع والده المصاب بالسرطان، والثانية سيناريو عن موسيقي يحاول إنجاز قطعة فنية خارقة للعادة.
o الجمع بين فكرتين مختلفتين داخل سيناريو واحد هي من بين مبادئ الاشتغال الرئيسية عند تشارلي كوفمان أيضا. كما أن هناك رابط آخر لطريقة اشتغاله مع «ميلوديا المورفين» يتجلى في نزعته إلى بناء سيناريوهاته على التعقيدات والمفارقات نفسها التي تواجهه أثناء الكتابة، وهذا ما يظهر بشكل متجل أكثر في «اقتباس» (2002)، الفيلم الثاني الذي كتبه للمخرج سبايك جونز...
n فعلا، فيمكن أن نرى نقط تأثر كثيرة ب»اقتباس» في «ميلوديا المورفين» خصوصا منها فكرة أن شكل العمل يجسد تمثلا للمحتوى، وهذا ما عبر عنه كوفمان بالأفعى التي تأكل نفسها. لقد أسعدتني كثيرا مشاهدة فيلمه ما قبل الأخير «سينيكدكي نيويورك» (2008) لأنني شاهدته بعد انتهائي من الكتابة، فوجدت فيه تفاصيل تحضر في نصي إلى درجة التقارب، ومنها أزمة الخلق لدى الشخصية الرئيسية وتعاطيها لأدوية مهدئة.
o هناك أيضا ظروف وفاة الممثل فيليب سيمور هوفمان المأساوية (ت.م: الممثل الكبير أدى دور بطل « سينيكدكي نيويورك» الذي يجتاز فترة إحباط) التي تتغذى كما لديك من السيناريو التخييلي ولو بأثر رجعي قليلا...
n بالفعل. وبالعودة إلى التأثيرات يمكن أن أذكر أيضا شريط فوزي بنسعيدي القصير «الحافة»، خصوصا طريقة الحكي في علاقتها بالمونتاج. وهناك أفلام عديدة أخرى تجد طريقها للتأثير بالفيلم بشكل غير واع بالطبع والمتتبعون هم من يذكرونك بها.
o هل اتبع برنامج التصوير كرونولوجيا القصة؟
n لا، كان ترتيب التصوير بالأحرى رهينا بالديكور. بالحديث عن الديكور من ناحية الاختيارات الفنية، فإن الإضاءة شكلت مشكلا كبيرا بالنسبة لي ولكريستوف لاري مدير التصوير، نظرا لتعدد الألوان والشخصيات والأماكن، إلى درجة أننا استعنا بجدول نرمز فيه لكل مرحلة في علاقتها بشخصية بلون محدد، حتى نستطيع إعادة تشكيل كرونولوجيا القصة في البلاطو. خصوصا أننا قمنا باختيارات راديكالية نوعا ما، فمثلا في الغرفة المنعزلة اشتغلنا كثيرا على الظلال والجو القاتم، وحين ننتقل إلى الفيلا نصبح وسط جو مشمس. في المشهد مع بن سعيد داخل الفيلا، حاولنا صياغة إضاءة أقرب إلى عالم الأحلام، كنا نحاول كل مرة المضي في اختيار فني جريء من هذا القبيل لأن الفيلم يشكل فانتازيا تتموقع في العالم الحاضر، وهذا ما اعتبرته يسمح لنا بتجريب أشياء كثيرة ومن بينها ألوان الصورة.
o وما هي الجزئية التي شكلت لك صعوبة ،خاصة، كمبتدئ في مسار إنجاز الفيلم؟
n في الحقيقة المهمة الأصعب كانت هي الإنتاج، كتبت الفيلم في البداية كشريط قصير بشخصيات ومواقف كثيرة، وكنت أدرك جيدا أنه من شبه المستحيل أن أجد له منتجا، لأن المنتجين في المغرب، لا ينظرون في أغلب الأحيان إلى الفيلم القصير إلا كطريق للمرور إلى الفيلم الطويل بالنسبة للمخرج، وكوسيلة للحصول على البطاقة والتراخيص الضرورية، مما يجعلهم يسلكون مقاربات مقتصدة في تمويل الأفلام القصيرة، سلمت منذ البداية بأنني لن أجد منتجا لفيلمي، وقررت أن أنطلق في تمويله بإمكاناتي الخاصة، أن تكون إمكاناتك قليلة يجعل من الصعب عليك على الخصوص أن تطلب من المشتغلين إلى جانبك أن يبقوا معك وقتا طويلا، ما آلمني أكثر هو أن شح الإمكانات منعني من القيام بالأشياء كما كنت أتمناها على المستوى الفني، لكن في نفس الوقت سمح لي التأخر في إنتاج الفيلم بإمكانية الكتابة وإعادة الكتابة بصفة مستمرة، يأتي كل مرة عائق ما، أستقبله بإحباط فيترتب عنه معطى جديد يخلق جو اشتغال أفضل من لو أن الأمور استمرت من دون عوائق، أي أن العوائق تمثل في الغالب إكراها ينتج عنه تحرر أكبر على الصعيد الفني.
o ما خطوتك المقبلة ؟
n مشروعان أعتبر أنهما وصلا إلى مرحلة النضج الكافية حتى أمر إلى الإنجاز، الأول هو شريط قصير والمنتج الآن بصدد البحث عن التمويل. والمشروع الثاني الأقرب إلى التنفيذ هو مسرحية بعنوان «قطار العربي بوغابة»، وأنا حاليا أقوم بإعادة كتابة نصها، وأتمنى أن أخرجها إلى الوجود في خضم السنة الجارية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.