دورتموند يهزم مونتيري بالموندياليتو    محسن متولي يُجدد عقده مع اتحاد طنجة لموسم إضافي    أطفال يفترشون الأرض أمام المركز الوطني للتخييم بالغابة الدبلوماسية.. مشاهد صادمة تستدعي تدخلاً عاجلاً!    سكان كتامة وإساكن يعيشون في ظلام دامس منذ أسبوعين.. والأجهزة معطلة بسبب انقطاع الكهرباء    31 قتيلا و2862 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    خمس سنوات حبسا نافذا في حق محمد بودريقة بتهم تتعلق بالنصب والتزوير    ملتقى فني وثقافي في مرتيل يستكشف أفق البحر كفضاء للإبداع والتفكير    إيلون ماسك يتوعد بتأسيس حزب جديد في أمريكا وترامب يهدد بقطع الدعم الفيدرالي    كاريكاتير في مجلة "LeMan" في تركيا يشعل حالة غضب ويؤدي إلى اعتقالات واسعة    عدد المستفيدين من برنامج دعم السكن بلغ 54 ألف شخص ضمنهم 3 آلاف في العالم القروي    مليون شاب دون تكوين أو تمدرس أو شغل... السكوري: أعداد "NEET" تشهد تراكما مقلقا    كأس أمم إفريقيا للسيدات (المغرب-2024): لاعبات المنتخب الوطني "متحمسات لانطلاق المنافسات" (خورخي فيلدا)    حكيم زياش مهدد بالسجن وحجز الممتلكات.. اكتشف السبب    الصويرة.. إحباط محاولة تهريب ثلاثة أطنان و30 كيلوغراما من مخدر الشيرا وتوقيف ثلاثة أشخاص    عاجل.. المحكمة تدين محمد بودريقة ب5 سنوات حبسا نافذا    ساكنة حي اشماعو بسلا تستنجد بالسلطات بسبب سيارة مهجورة    انطلاقة قوية للمناظرة الوطنية الأولى حول الذكاء الاصطناعي تُبرز طموح المغرب للريادة الرقمية (صور)    مهرجان موازين يستقطب أكثر من 3,75 مليون متفرج ويحتفي بأزيد من 100 فنان عالمي    حزب الاستقلال يكتسح الانتخابات الجزئية بإقليم الحسيمة    غبار كثيف يرافق هبوط طائرة بوينغ 747 بمطار الحسيمة ومصدر يوضح    نشطاء حقوقيون ينتفضون ضد "تعديلات تقييدية" على المسطرة الجنائية    الريال يتخطى اليوفي بمونديال الأندية    الحكومة تفلت من الإسقاط في فرنسا    المغرب يُعزز موقعه كشريك موثوق في مكافحة الاستغلال الجنسي داخل عمليات الأمم المتحدة    ميتا تعلن إحداث مختبر للذكاء الفائق    جلالة الملك يهنئ رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية بمناسبة العيد الوطني لبلاده    المنظمة العالمية للأرصاد الجوية .. على الجميع التأقلم مع موجات الحر    تأكيد الحكم بالسجن خمس سنوات بحق الكاتب الجزائري بوعلام صنصال    عبد اللطيف حموشي يستقبل رئيس جهاز الاستخبارات الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    المغرب والسعودية عازمان على توطيد التعاون الاقتصادي    السغروشني: الذكاء الاصطناعي لم يعد خيارا تقنيا بل ضرورة سيادية للمغرب    شيرين عبد الوهاب تتعثر فوق مسرح "موازين" وغادة عبد الرازق تصفق للظلّ    الكشف عن الأغنية الرسمية لكأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025    تقارير تفتيش تكشف تلاعبات مالية في شراكات "وهمية" بين جماعات ترابية وجمعيات يترأسها أقارب وزوجات المنتخبين    شيرين تهدد باللجوء الى القضاء بعد جدل موازين    عاجل.. بودريقة يشبّه محاكمته بقصة يوسف والمحكمة تحجز الملف للمداولة والنطق بالحكم    غوارديولا: بونو وراء إقصاء "السيتي"    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    بعد انخفاضات محتشمة... أسعار المحروقات تعود للارتفاع من جديد بالمغرب    "أونروا": 500 قتيل و4000 جريح أثناء محاولتهم الحصول على الطعام بغزة    الهلال السعودي يواصل الحلم بقيادة ياسين بونو.. مباراة ملحمية وبصمة مغربية حاسمة    أكادير تحتضن أول مركز حضاري لإيواء الكلاب والقطط الضالة: المغرب يجسّد التزامه بالرفق بالحيوان    العصبة تحدد موعد فترة الانتقالات الصيفية وتاريخ إجراء قرعة البطولة الاحترافية    فتح بحث قضائي في ملابسات تورط أحد أفراد القوات المساعدة في قضية تحرش وابتزاز مادي    آسفي... كأس الفرح وصرخة المدينة المنسية    وقت الظهيرة في الصيف ليس للعب .. نصائح لحماية الأطفال    حرارة الصيف قد تُفسد الأدوية وتحوّلها إلى خطر صامت على الصحة    إصلاح نظام الصرف يندرج في إطار الإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى تعزيز مرونة الاقتصاد الوطني    إبداع بروكسل يفك الحصار عن غزة    الصويرة تحتضن مؤتمر المدن الإبداعية 2026    أكثر من 900 قتيل في إيران خلال الحرب مع إسرائيل    الخطوط الملكية المغربية توسع شبكتها الدولية بإطلاق أربع وجهات جديدة    الصحة العالمية تحذر: الهواتف ووسائل التواصل تعزز مشاعر الوحدة        ضجة الاستدلال على الاستبدال    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القطاع غير المهيكل والنقل الجوي يفرملان تنمية السياحة بالصويرة

بمبادرة من غرفة التجارة والصناعة والخدمات، احتضنت مدينة الصويرة لقاء تشاوريا حول راهنية القطاع السياحي بالإقليم بحضور المجلس البلدي، المجلس الإقليمي للسياحة،جمعية أصحاب المطاعم، جمعية حماية المستهلك، مهنيو القطاع وثلة من ممثلي الهيئات المدنية ووسائل الإعلام.
اللقاء الذي يهدف إلى إجراء تشخيص تشاركي حول قطاع السياحة بالصويرة افتتح بكلمة لهشام جباري رئيس المجلس البلدي للصويرة، حرص من خلاله على إبراز الاهتمام الخاص الذي توليه مؤسسته للقطاع السياحي باعتباره قاطرة اقتصاد المدينة التي لا تتوفر على كثير من البدائل. حيث ركز على أهمية القطاع على مستوى المداخيل وتوفير فرص العمل. وفي هذا الإطار أعلن عمدة الصويرة تخصيص مبلغ مليون درهم، 300 ألف درهم منها مخصصة للترويج للوجهة، لمصاحبة أنشطة المجلس الإقليمي للسياحة بالصويرة. كما عدد مجموعة من المشاريع المهيكلة التي ستدعم دينامية تنمية القطاع وعلى رأسها مشروع تأهيل المدينة العتيقة والساحات المجاورة وتكملة إعادة تهيئة الكورنيش إضافة إلى مشروع توسعة الميناء.
المندوب الإقليمي لوزارة السياحة بالصويرة أكد بداية على التطور الذي عرفته المدينة على مستوى الطاقة الإيوائية التي بلغت 6 آلاف سرير وعلى مستوى عدد الوحدات الفندقية التي انتقلت من 50 وحدة سنة 2011 إلى 140 وحدة فندقية سنة 2015 وهي معطيات تعزز ترتيب المدينة سابعة على المستوى الوطني مباشرة بعد الوجهات السياحية الكبرى. مندوب وزارة السياحة استعرض محاور مخطط تنمية القطاع بداية بمحور التراث والموروث الثقافي ، فمحور السياحة الطبيعية والقروية الذي سيستفيد من مخطط تنموي بكلفة 63 مليون درهم ، محور السياحة الداخلية عبر إنشاء محطة بلادي بمنطقة سيدي كاوكي على مساحة 24 هكتار بهدف إحداث منتوج يستجيب لطبيعة احتياجات السياح المغاربة، مشروع للاستغلال المعقلن والمستدام لجزيرة موكادور في احترام تام للمجال البيئي، ثم مشروع لدعم تنافسية المؤسسات السياحية من خلال آليتي «مساندة سياحية» و « Renovhotel «. مندوب وزارة السياحة أكد على العائق الكبير الذي يشكله النقل بالجوي أمام دينامية القطاع السياحي حيث أعلن بالمناسبة عن قرب إطلاق خط الصويرة- الدار البيضاء وربطه برحلات جوية دولية مع برمجته بأثمان تفضيلية خلال عطلة نهاية الأسبوع تشجيعا للسياحة الداخلية. من جهة أخرى، ركز المسؤول عن القطاع بالإقليم على ضرورة تأهيل محيط السياحة بالصويرة مبرزا أهميته في تعزيز سمعة الوجهة بداية من المطار فوسائل النقل الداخلي والوطني، إلى الطرق، إلى التشوير إلى مواقف السيارات.
رضوان خان، رئيس المجلس الإقليمي للسياحة بالصويرة، أكد كل ما سبق مع إعلان قرب إطلاق خطين جويين يربطان الصويرة بكل من برشلونة وألمانيا. كما أثار صعوبة الظرفية الدولية وحتمية تأثيرها على القطاع السياحي الذي استفاد وطنيا من معطى الاستقرار الأمني بالمغرب.
إسماعيل الديكي، فاعل سياحي بالصويرة، أكد على ضرورة الاستغلال الجيد والمستدام لمجموعة من المواقع الثقافية والايكولوجية التي لم يتم توظيفها بشكل مناسب ضمن العرض السياحي للإقليم مسجلا تراجع الاشتغال على منتوج الرياضات البحرية . من جهة أخرى، دعا المتدخل إلى تقنين عمل الفاعلين السياحيين وتفعيل ادوار لجان المراقبة مع وضع معايير واضحة لضمان جودة خدمات الفنادق والمطاعم والأنشطة الترفيهية.
وتفاعلا مع سؤال لجريدة الاتحاد الاشتراكي حول إشكال القطاع غير المهيكل الذي يفرض منافسة غير متكافئة على الفنادق والمطاعم المرخصة حيث تتكبد خسائر سنوية فادحة في مقابل عدم استفادة خزينتي الدولة والجماعة الحضرية من الضرائب والرسوم،ركز عبد الرحيم الزاهر، فاعل سياحي بالصويرة، على التراجع الذي عرفته نسبة ملء المؤسسات الفندقية المرخصة بالصويرة بسبب القطاع غير المهيكل، حيث تراجعت من 70 إلى 35 في المائة في ظرف عشر سنوات. مثيرا النشاط غير القانوني لمجموعة من المطاعم وداعيا المجلس البلدي إلى تعليق تسليم الرخص الجديدة إلى غاية تسوية الوضعية الحالية.
وفي هذا الإطار ، أعلن رئيس المجلس الإقليمي للسياحة بالصويرة عن إحصاء 30 مؤسسة فندقية غير مرخصة سيتم إتباع المسطرة القانونية إزاءها.
الحاضرون اجمعوا على طموح تنمية القطاع بالمدينة وتنويع منتوجها السياحي والعمل على تعزيز النقل الجوي وتأهيل محيط النشاط السياحي.
جمعية أصحاب المطاعم بالصويرة ما فتئت تطالب بدورها بضمان احترام القانون وحماية مصالح المهنيين الذين تضرروا كثيرا من الظاهرة
« الوضع لا يطاق، المحلات غير المرخصة والمرخصة منها التي لا تلتزم مقتضيات التراخيص المسلمة لها تفرض تنافسية غير قانونية، غير شريفة وغير متوازنة على المطاعم المرخصة. حيث نتحمل العبء الضريبي الذي يصل إلى مئات الآلاف من الدراهم سنويا، إضافة إلى كتلة الأجور والتحملات الاجتماعية في مقابل عدم استفادة خزينتي الدولة والجماعة الحضرية من درهم واحد من الأرباح التي يحققها القطاع غير المهيكل. نطالب المصالح المختصة بحماية مصالحنا لأن الكثير منا يفكرون حاليا في إغلاق محلاتهم نهائيا» احتج صاحب مطعم بالصويرة في تصريح الجريدة.
لم يعد ممكنا دسَّ الوجه في الرمال إسوة بالنعامة. فالرمال ملتهبة، والرماح نواهل. ولم يعد ممكنا التقنع والتبرقع، فما القناع إلا وجه آخر لا يخفي قدر ما يكشف ويعبر عن قبح وذمامة، وصورة تبعث على الضحك إلى حد القهقهة.
لم يعد ممكنا ولا مستحبا، ولا لائقا، ولا مقبولا، أن نعلق إخفاقنا وهزيمتنا وأخطاءنا على مِشْجَب الغير، أو على سَهْو وقع، أو خطإ تافه ارتكب في غفلة منا، وشرود اعترانا غِبَّ دوخة أو دوار أحسسناه، وأخذ مِنَا كل مأخذ، فإذا الأمور تسير وحدها، من دوننا، وإذا الأشياء تنمو و تكبر ونحن غياب.
هل تساءلنا لحظة- عما أعمانا عن رؤية ما يقع ويحدث تحت أعيننا؟ وعما أذهلنا عن مسير ومسار حيوات وعلائق، انشبكت وتلولبت حتى تحقق الذي تحقق، وتبلور الذي تبلور؟
ما اللعنة التي لازمت خطانا، وصاقبت رؤانا حتى صار ما صار حيث انكمشنا، ونكصنا وتراجعنا؟
هل ساءلنا أنفسنا عما أتته أيدينا، وَقَارَفَتْهُ معاملاتنا وعقم تواصلنا وارتباطنا بالناس، بالطبقة التحتية من الناس، أولئك الذين لا ظل لهم ولا سقف، ولا مهاد، ولا سرير، ولا رغيف ساخن، وماء عذب، وشاي منعنع لذيذ؟ أولئك الذين لا يراهنون على شيء لأنهم يحلمون باللاشيء، الذين فقدوا طعم الحياة، وَتَجَوَّفَ –في نَاظِرِهِمْ- حاضرهم، وتغبش مستقبلهم، وأي مستقبل لمن لا يملك أرضا ولا سماء، لمن لا يملك شجرا ولا ثمرا ولا قدرا؟
نتحدث عن «الريع» بأشكاله وأصنافه وألوانه، وعن «الثروة الوطنية» «الهلامية»، وعن الصناديق السوداء، وعن القلة الفاسدة المُتْرفة الغارقة حتى الأذنين في بحبوحة العيش، وعن الكثرة الكاثرة الشريفة المعدمة الغائصة حتى فروة الرأس في الشظف والطوى، وأين منها، وأينَ هي من العيش الكفاف؟ ففي الكفاف وسط واعتدال واكتفاء، وجوع مخلوط بالشبع، وشبع موهوم يبلسم الروح، وينعش الحشاشة، ويروي الجمرة الملتهبة، ويداوي الجراح المثخنة. كثرة تملك الصلابة والقوة والشبوبية، وتملك القناعة، الكنز الذي لا يفنى كما قيل، وقلة تَتَنَعَّمُ حد التخمة، وتَتَفَرْدَسُ.
فماذا كنا نملك نحن الأنتلجنسيا الخاسرة، السياسية و الثقافية على حد سواء؟
ماذا صنعت لها الأحزاب السياسية الوطنية الديمقراطية؟ وإذا كانت صنعت فماذا صنعت؟ ولِمَ أحجمت عن ذلك الصنيع اليوم؟ لماذا تأخرت وتقاعست، و تركت الحبل على الغارب، ودخلت في دعة ومصالحة وتهدئة وسلم اجتماعي مع الحكم والنظام. وهي تعرف تمام المعرفة، أن الطغمة المحسوبة على النظام، جماعة شرسة، ذات أنياب زرق، وسموم. مجموعة من حيتان القرش المفترسة الدامية، ورهط من الكواسج السغبة والعطشى القاتلة؟
كأنما كنا مخدرين، مُسَرْنَمين، أو محشورين –وقد جف نَبْع الحياة في دمانا وأنفاسنا- في مدافن ديماسية، دونها طبقات، تمنع من وصول أصواتنا وابتهالنا إلى الأسماع. لكن هل لجرح بِمَيْتٍ إيلام؟ وما المعجزة التي بطوقها ومقدورها بعث الدبيب في الأرض الموات، وفي الجسد الهامد، والوقت اليابس الراكد؟
وها قد أفقنا بعد فوات وموات، بعد أن تغير الحال، وتحول الزمام، نحن من فَرَّطَ في المِقْوَدِ والسياسة والكياسة والانخراط في الشأن العام، ومعمعان الواقع الرغام. أهملنا التنظيم والحضور، وتكالبنا على المغانم والموائد والأنفال، وتأرجحنا بين فوق وتحت، بين أمام ووراء، فضاع الطريق، وتغبش الضوء إليه، و»تلخبط» الخيط الدال عليه.
لقد ظل فكر اليسار وقيم اليسار، وفلسفته الإنسانية التي تمجد الآدمية، مطلق الآدمية بغض النظر عن لونها وجنسها ولغتها، ودينها، وجغرافيتها، مجرد كلام، وسجل حافل بالهَذْرِ طُوِّلَتْ خُطَبُهُ على رأي الشاعر. كلام جميل، فاتن، رفيع يملأ السلال فاكهة وأَبًّا وَقَضْبًا وثمارا من كل نوع. يلون الحاضر بالورد ويضع الشمس في يد العمال، والسنابل الثقال في يد الفلاحين، وينمق الغد بالتزاويق والوعود الجذلى المتراقصة الهفهافة التي تنسج للفقراء والمعدمين، خياما من طوبى الحرير، وطوبى المساواة والتساوي والسواسية بين الناس حيث لا فاضل ولا مفضول، لا رئيس ولا مرؤوس، لا حاكم ولا محكوم، لا طاغوت ولا خنوع.
غد فردوسي عَدَنِي يموج خضرة ويتهادى زرقة، ويترقرق مَنًّا وعسلا وسلوى.
غير أن منطق الأشياء، وتقسيم العمل، واستشراء الطبقية والتنائي المادي بين الفئات والشرائح المجتمعية، واستفحال قيم السوق، وانتشار الوفرة، وطغيان الاستهلاك، وتطوير ذئبية الإنسان، عملت جميعها –متشابكة متعالقة ومتقاطعة- على سحب البساط من الفكر الطوباوي، من الفكر اليساري الذي اسْتكان –مطمئنا- إلى أَمْثَلَةِ الفكر إياه، والإنحباس في ديباجته، وعوالمه الرمزية من دون إعمال الحيوية فيه، ولا الدينامية المفترضة في حامليه بعد صدْمه بصخرة الواقع في سعي لتحكيكه، وامتحان صلابته من رخاوته، وقوته وتماسكه حيال ضعفه وهشاشته.
كان فكرا مُنْبَتًّا عن الواقع ولا يزال، في كثير من متونه وصياغاته على رغم جمالية هذه المتون، وروعة تلك الصياغات طالما أنها تحمل في أعطافها الحلم بتقليص إن لم يكن بمحو التفاوت الطبقي، وتعميم خيرات وعوائد الثروة الوطنية على أبناء الوطن الواحد.
إذ لا معنى لِوَطَنَيْن اثنيْن ضمن وطن واحد، ولا معنى لمواطنين منقسمين بين مالكين ومحتاجين، إن لم يكن معنى الظلم والاستغلال، وموت القيم، واندحار المحبة، واستئثار رهط قليل بالأكل والشرب والمرعى الباذخ الفائض، مقابل جيش عرمرم محروم من الحد الأدنى للعيش الكريم، العيش الكفاف.
هل كان على حملة الفكر الماركسي – اللّينيني، والمؤمنين بمبادئه وفلسفته ويُوطُوبْيَاهُ، تليين خطاباتهم، وقَصْقَصَة أجنحة الفكر الاشتراكي ليوائم المحلية، ويساوق الخصوصية، ويندمج في الوطنية، ويتشرب، بمقدار، أبعاد ثقافة ودين البلد المُسْتَقْبِلِ، البلد الذي استوطن وَوَطَّنَ هذا النوع من الفكر، في أفق نجاحه وإنجاحه، والسير به نحو تركيز رايته، وإرساء تطبيقاته، وبلورتها على مستوى المعاش اليومي للجماهير الشعبية، ما يعني تقليص الفوارق، وتوزيع ثروات البلاد عليها في عملية إعادة للآدمية، وإعادة للكرامة الإنسانية، وتثبيت لمقوم العدل الاجتماعي.
لا نشك –لحظة- في أن هذا الرأي كان الشاغل الأساسي لليساريين، وديدنهم في المؤتمرات، وبعد ذلك –في الحملات التي تصاحب عادة الاستحقاقات الانتخابية.
وسمعنا كثيرا، عن انحرافات يسارية معينة، وقرأنا عن مرض الطفولة اليساري، أي اليسار المتطرف، و اليسار الإصلاحي «المنبطح».
وهي التوصيفات التي أطلقها من اعتبر نفسه حامل قيم اليسار الحقيقي، اليسار غير المهادن للنظام، الذي لا يَني يندد باختياراته في السياسة والاقتصاد والاجتماع، وبسجل طويل من الخدمات الاجتماعية المتدهورة.
كانت العقبة الكؤود في وجه هذا الفكر الحالم –ولا تزال-: هي الطبقة المالكة وهي طبقة وارثة تاريخيا- بالمكر، والخديعة، واستغلال الفرص، وركوب الدين مطية إلى الاستحواذ والاستنقاذ، والتغلغل في عقول مُصْمَتَة نَغَلَتْ فيها الأمية، وعشش فيها الفقر والجهل. وكان الحاجز الأصلب والأشرس باتجاه الفكر الاشتراكي الديمقراطي، هو النظام ممثلا في الدولة بكل مؤسساتها القمعية بوصفها حامي الحرامي الذي هو الطبقة الأوليغارشية المستأسدة، وبوصفها راعي الرعية العريضة منزوعة الأنياب والأظافر، ومنزوعة الحاضر والمستقبل، بوصفها كذلك بحسبان التعاقد الاجتماعي، وبحسبان واجب وحقوق الطرفين التي هي قسمة ضيزى لعامة الشعب، بينما هي حصة أسد وثورين للطبقة النافذة المتنفذة، ذراع الدولة وامتدادها، ويدها العليا. وليس ذلك بمستغرب ما دام أن مصالحهما الاقتصادية و المالية والسياسية، تَنْصَهِران وتتماهيان.
لم يكن الذين يرغبون ويتحينون الفرص المواتية لارتفاع الشعب، إلى مستوى إدراك قوته الكامنة، وقدراته الدفينة الرهيبة، وجبروته المستكن والمضمر، قد تفطنوا إلى ضرورة تغيير اللغة والخطاب، وقراءة الواقع الفائر، قراءة عارفة محايثة ومتحولة. فلم يكن من سبيل إلى هذا الإدراك سوى الانخراط في اليسار، والاندراج ضمن فكرiه ووعده وأفقه.
ولئن كانت بعض المحطات التاريخية قد شهدت –فعلا- تصريفا لهذه القوة الشعبية المترامية والمتراحبة، في كثير من البلدان في الشرق والغرب، فإن محطات أخرى و لعلها أن تكون كثيرة ومتراكمة، شهدت –بالمقابل- انتكاسه لهذه القوة، كطليعة للنضال الجماهيري، وتراجعا لفكر انْتِلِجَنْسَيَاهُ، وانكفاء لنمائه، وصيرورته وسط الطبقة الاجتماعية المستهدفة، صاحبة المصلحة في التغيير كما يتردد في أدبيات اليسار.
وتفسير ذلك –في نظرنا- يكمن في عائق الأمية، بما هو عائق ثقافي- حضاري، يُعَقِّدُ عملية الاستيعاب، ومهمة التفاعل مع فكر ورؤية معرفية – سياسية، بُنِيَتْ له، وخُلِقَتْ من أجله. ومن ثمة، تأتى للدين المسخر – فرصة الانقضاض على الفريسة السهلة المستكينة.
ولا يساورنا أدنى شك، في أن الدين كمجلى روحي، ومقوم خلقي وأخلاقي، وحافز تربوي وتهذيبي، ومهماز إيماني تعلقي، وفكر إلهي علوي، يجد مرتعه الخصب في تربة الأمية، ودار الأميين، لأن خطابه يخترق بالمباشر الحس والوجدان و»العقل» باعتباره رسالة سماوية لَدُنية، أي باعتباره كلام الله في البدء والختام. رسالة سماوية قدسية في مواجهة رسالة بشرية مدنسة، عَنَيْتُ : الفكر اليساري أو أي فكر آخر ليبيراليا كان أو يمينيا ديمقراطيا. وإذا كان العلم يتكئ على التقليب والشك والسؤال، فإن الدين يتكئ على التسليم والإذعان ، ومبدأ الإيمان، بما يملأ الوجدان طمأنينة وراحة بال، وهدوءا وسكينة روحية غامرة. الدين سماوي، والفكر الإنساني أرضي، وشتان بين الأرض والسماء، شتان بين الذكر والأنثى، من منطلق أسطوري يُذَكِّرُ السماء، ويؤنث الأرض. أقول من منطلق أسطوري موغل في القدم ينحدر وينحل في ليل الحضارات البدئية العتيقة. ولعل اللاتينية- ومنها الفرنسية أبقت على ذكورية السماء : Le Ciel، وأنثوية الأرض: La Terre، ارتكانا إلى هذه الثنائية الأسطورية القديمة، وارتكانا إلى سر اللغة بما هي وعاء التاريخ والفكر والحضارة.
والحق أقول إنه لن ينجح اليسار في مسعاه للوصول إلى رضا شعبي واحتفاء بأفكاره لبرمجتها على مستوى التقرير والقرار، ولوضعها رهْنَ استراتيجية الأجرأة، والإعمال والتفعيل، ما لم يتخذ له وضعا آخر مختلفا، وضعا يتسم بالمرونة، وعرض فلسفته ورؤاه و مطامحه ، ومبتغياته، على الواقع، على اليومي، على عقلية شعبية سائدة، على حقيقة طُفُوِّ الأمية، وتحكمها، واستحكامها في السواد الأعظم من الناس، بِوَجَهَيْها البَشِعَيْن: الأمية الأبجدية، والأمية الثقافية. أما كيفيات ذلك، فلعلها أن تعمل على احتضان واقع وأفق هذه الذهنية الجماهيرية، من حيث الاستناد –إسوة بالإسلاميين السياسيين- إلى المرجعية الإسلامية لكن في منجزها ومنتوجها العقلاني التنويري. والأمثلة من الكثرة بحيث يعسر إيرادها في هذا المقال. إذ أن وفرة من الممارسات الإسلامية التاريخية في مجالات الفكر والفلسفة وعلم الكلام، وبعض التوجهات المذهبية الدينية تتيح إمكان الاغتراف، و الاتكاء، والحجية، عند تحليل الواقع المعيش وتفكيك بناه، وتفنيد «تُرَّهَات» وخُزَعْبلات بعض القوى الفقهية الغيبية المأجورة التي تؤول النص تأويلا خادما لمقعدها، تأبيدا لصولتها ونفوذها، واستغلالا لبساطة السواد من الشعب، و»نيته» الطيبة والحسنة. فالمرء/ المناضل المثقف اليساري الاشتراكي والليبرالي والعلماني، لا يعدم الأجوبة المنطقية والعقلانية التي أجابت، وبِمُكْنَتِها الإجابة –حاليا- على مجموعة من الأسئلة الشائكة والحارقة المرتبطة بواقع ومعيش ويوميات الإنسان. وهي أجوبة وَلَّدَتْها سياقات اجتماعية مُعينة، ولحظات تاريخية محددة، لكنها متجوهرة لأنها تحمل من العمق ونور العقل والاجتهاد الإنساني، ما يجعلها تتخطى وقتها وَزَمَكَانها.
ليس في الأمر تلفيق –البتة-، ما فيه ينشد مقترحا تغذية الفكر اليساري التحرري التحريري بما هو عصارة اجتهادات الإنسان- ، بالفكر الديني التنويري الذي عرفته حقب تاريخية. وهو الفكر الذي نهل من النص القرآني، والحديث النبوي المسند الصحيح، وباقي الممارسات الفكرية العظيمة الوافدة على حاضرة المسلمين: بغداد آنئذ، والأندلس على الضفة الأخرى الغربية من جغرافية الخلافة – الأصل. حيث تلاقى الفكران: الديني السجالي المشذب من زعانف الغيبيات والتُّرَّهات، المسنود بالفكر الاجتهادي والإطلاع والترجمة و التضايف، والفلسفي- الأدبي الضيف الذي حَلَّ أهلا وَوَطِئ سهلا سرعان ما أينع وأزهر وأعطى في تعانق ثقافي قيمي إنساني رفيع المستوى، وتصاهر سلالي بديع بَوْتَقَهُ الإسلام، وأطلقه في العالمين.
فَإذاً، لا معدى لنا من الاغتراف والاتكاء والعودة إلى الفكر الإسلامي في بُعْدَيْه: الديني والفلسفي لرفد وتطعيم المدونة الماركسية- اللينينية بعد إخضاعها للمقومات البانية للأمة، والخصوصيات الثقافية بمفهومها الأنتروبولوجي، إذا شئنا مزاحمة التيار الإسلامي والسياسي وإزاحته، وسحب هيمنته، وتحرير الجموع العطشى إلى الغد الأفضل، والمستقبل الديمقراطي الذي لا يفاضل بين المواطنين أيًّا كانت ديانتهم أو لاَ أَدْرِيَتُهم، وأيا كان جنسهم، ومحتدهم، ومنحدرهم الطبقي. وعندما تنزاح الأمية، وتستأصل بفضل العلم والمعرفة، والتثقيف، وهمة «الدولة»، والنسيج الجمعياتي بالبلاد، يمكن آنذاك، الإطمئنان إلى الغد «اللاطبقي»، أو تخفيفا من غلواء الإيديولوجيا ، نقول: الغد الكريم حيث التفاوت بين الفئات قليل، والهوة بينها واضحة الضفتين.
فهل نقول –على غرار علاء الأسواني الذي يختم كان مقالاته باللازمة الحق البديعة – الديمقراطية هي الحل : التعليم هو الحل.
إشارات :
1)-الفقر مع الأمية، سبب رئيس في فوز الإسلاميين في البلدان العربية التي شهدت هبات جماهيرية، والوصول إلى السلطة السياسية.
فالجماهير الغاضبة، وهي تدلي بأصواتها لفائدة اللِّحى والتكبير، إنما تعطى تلك الأصوات –في اعتقادها ودخيلة نفسها- لله، من منطلق أن الحزب الإسلامي المسيس، لسان الله ووسِيطُه، وشَفِيعُهم إلى الحق سبحانه. ففي عرفهم –أو كما لُقِّنُوا وشُحِنُوا- الله الحاكم والإسلاميون خَدمه وممثّلوهُ القيمون على شرْعِه وأوامره ونواهيه، ضدّ الطغاة، والشياطين والأبالسة و»المرتدين». هذا عامِلٌ حاسم في نجاح الحركة الإسلامية المسيسة، زِدْ عليه عامل التراخي اليساري، والغيبوبة التنظيمية، والبطِر الإيديولوجي الصّفيق، والبُوليمِيكْ الصالوني والمقهوي، والانعزالية البرجية، والابتعاد عن انتظارات الجماهير وبغيتَها وتطلعاتها. وإلاَّ، فلا صدقية لمن يقول بأن «الإسلام السياسي» هو الحل في الحال والمآل. لن يكون الحل إسلاميا أبدا، لانبهام تصور الدولة ومؤسساتها ودواليبها لديه. فالحركة الإسلامية بعيدة عن الفكر المؤسسي والاقتصادي والتدبيري بما هو آليات تُسْعِفُ ذوي التكوين العلمي والوضعي، إذا الأمر يتعلق بالفقه الدستوري والقوانين الوضعية، وعلوم الإدارة والسياسة لا علوم الدين. ومن ثمَّ، فالمستقبل –حتما- للديمقراطيين يساريين كانوا أو ليبراليين، اشتراكيين أو علمانيين.
2- الاستعانة بالفكر الديني المتنور في حوارنا مع الناس، في استقطابنا المشروع لهم، لجهة تصوراتنا في بناء الدولة والمجتمع، وكيفيات تدبير شؤونهم، ومعالجة قضاياهم، والإفادة المثلى الديمقراطية من خيرات البلاد. ولن نعدم –في هذا الصدد- حزمة أحاديث نبوية نيرة ومستنيرة، وآراء ومواقف لبعض الصحابة الأجلاء الأفذاذ كأبي ذر الغفاري، والمتن الكلامي من خلال المعتزلة، و»العلماء المقتولين»، والفلاسفة الإسلاميين جميعا، لأن المواطن العادي، الذي حرم من نعمة التعليم والعلم، يستجيب، على الفور، لكل دعوة مُزَنَّرة بالفكر الديني، والشاهد السلفي: (السلفي هنا، بمعنى السلف الصالح).
فلنصارع مُمْتَهِني الدين المُغْرضِين الذين يَقْصُرُونَه على الجنة والنار، والثواب والعقاب. لنصارعهم بشبيه سلاحهم، ونفس عتادهم. ولْنَتَصَدَّ لتأويلاتهم، وتَأَوُّلاَتهم السياسوية، بِتَأَوُّلاتنا العلمية المعرفية والمقاصدية المدموغة بالواقعية والملموسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.