تدبير الغيابات غير المبررة للمستشارين الجماعيين على طاولة لفتيت    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تدعو إلى انفراج سياسي وإصلاحات عميقة خلال اختتام مؤتمرها الوطني السابع    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تطالب بالسحب الفوري لمشروع قانون تنظيم مجلس الصحافة    غزة تنعى 5 قتلى في ظرف 48 ساعة    الادعاء العام الأوروبي يوجه تهم الاحتيال والفساد لمسؤولة السياسة الخارجية السابقة    بنعطية: صراع النادي والمنتخب طبيعي    مونديال 2026… قرعة النسخة الأكبر على الإطلاق الجمعة في واشنطن    الصحافيون شركاء استراتيجيون لإنجاح المونديال    تعليمات ملكية تطلق "عملية رعاية"    "العرجات 1" يوضح وضعية زيان    "تبّان كقناع".. ظهور غريب لعمر لطفي في مراكش يثير جدلا واسعا    المدينة الحمراء : من جامع الفنا إلى قصر المؤتمرات .. ألف عام من الفرجة!    شكري في ذكرىَ رحيله.. وعزلة بُول بَاولز في طنجة وآخرين    التعب أثناء السياقة يضاهي تأثير تناول الكحول    فحوصات طبية جديدة لحمزة الهنوري لتحديد طبيعة إصابته    عدول استئنافية الحسيمة يرفضون مشروع القانون المنظم للمهنة ويطالبون بسحبه    المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ينوه بلقاء تطوان الحاشد والركاني يكسب الرهان        إسرائيل تعلن أن معبر رفح سيفتح "في الأيام المقبلة" لخروج سكان غزة إلى مصر    التقدم والاشتراكية يدعو الشباب للتسجيل في اللوائح الانتخابية وينتقد الحكومة بخصوص ملف الصحافة ويُحذّر من تزايد العنف ضد النساء    أسعار اللحوم الحمراء تواصل الارتفاع ومهنيون يوضحون..        الإنفاق العالمي على شبكات الكهرباء قد يتجاوز عتبة 470 مليار دولار    عائلات المختفين مجهولي المصير تتهم الدولة بالتلكؤ في الكشف عن مصير ضحايا الاختفاء القسري    توظيف مالي لمبلغ 4,9 مليار درهم من فائض الخزينة    بورصة البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الأخضر    مولودية وجدة يكتفي بالتعادل مع رجاء بني ملال وجاره الاتحاد يحقق فوزه الثاني تواليا على حساب "الراك"    ألونسو: "مستوى ريال مدريد مقلق.. ونسعى لكسر سلسلة النتائج السلبية خارج الديار"    كأس أمم إفريقيا.. حسام حسن يكشف لائحة منتخب "الفراعنة"    يسرا : فخري الأكبر هو الرصيد الفني الذي ستتناقله الأجيال القادمة    استمرار ارتفاع أسعار المحروقات رغم التراجع الدولي يُعرض الحكومة للمساءلة البرلمانية    كيوسك الأربعاء | المغرب يراهن على الجمع بين التحلية والتكنولوجيات لبناء مستقبله المائي    أمن مراكش يوقف شابا بحوزته هاتف سائحة تعرضت للسرقة بالخطف    مسؤولون يدعون إلى تعزيز الاستثمار وتسريع وتيرة تجديد الوحدات السياحية في سوس ماسة        رقم قياسي.. المغرب يستقبل 18 مليون سائح خلال 11 شهرا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    أمريكا تعلّق جميع طلبات الهجرة لرعايا 19 دولة    مهرجان مراكش يكرم راوية ويمنحها "النجمة الذهبية" اعترافا بمسار حافل    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    جماعة المحمدية.. اتهامات لأيت منا بالتناقض في ملف النخيل.. "الواقع يكشف عكس تصريحاته"    الاتحاد الأوروبي يطوق الغاز الروسي    نصائح صحية: هذه الأغذية تهددك ب"النقرس"!    إسرائيل تتوصل برفات غير مطابق    سامسونغ تُفاجئ العالم بهاتف ثلاثي الطي .. والسعر يصدم الجميع!    بيليغريني: أمرابط لم يعد إلى التداريب    زنقة الفارابي بطنجة تتحول لفوضى.. عاملات "سبا" يعتدين على شرطي ويهرّبن مشتبهاً فيه وسط غضب السكان!    مراكش تحتفي براوية .. ليلة تكريم لمسار فني استثنائي    وصول السفير الأمريكي الجديد ريتشارد بوكان إلى الرباط    التوزاني: فيلمي "زنقة مالقة"عودة إلى الجذور والأكثر حميمية في مساري    الحصبة تتراجع عالميا بفضل التطعيم    "الصحة العالمية" توصي بأدوية "جي إل بي-1" لمكافحة السمنة    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب «نهاية المثقف الفرنسي، من زولا إلى هولبيك» لشلومو صاند هل انتهى المثقف الفرنسي؟
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 13 - 04 - 2016

هل مازال هناك مثقفون بفرنسا؟ هذا السؤال أصبح اليوم مطروحا بحدة بهذا البلد. في السابق، كان المثقفون الفرنسيون في جميع المعارك من أجل مساندة كل المقهورين والمعذبين ببلدهم أو عبر العالم، كانوا دائما في صف الدفاع عن الأقليات الثقافية والدينية، اللاجئين، المهاجرين والطلبة والعمال، ومن أجل المساواة في الحقوق بفرنسا وباقي العالم. كانت باريس ومثقفوها في الطليعة العالمية من أجل الدفاع عن عالم أفضل. وكانت باريس تستقطب المثقفين والفنانين من مختلف بقاع العالم من أجل هذه المعارك النبيلة، الجميع كان يحلم بباريس.
من فولتير إلى بودريو دون أن ننسى فيكتور هيغو وإيميل زولا، جون بول سارتر وفوكو، كانت كلها أسماء ترمز لفرنسا وباريس على الخصوص، لكن ما يسمى اليوم بالمثقفين بفرنسا أصبحوا رجعيين، ومعادين للإسلام وعنصريين، يبررون الميز والعنصرية بفرنسا وبعضهم لا يخفي دعمه لليمين المتطرف والانطواء الهوياتي، وأهم هذه الأسماء يمكن تلخيصها في زمور، هولبيك وفينكلكراوت ... وآخرين غير معروفين.
هذه الملاحظة الصادمة حول الوضع بفرنسا وصل إليها المؤرخ شلومو صاند في كتابه الجديد «نهاية المثقف الفرنسي، من زولا إلى هولبيك». هذا الكتاب يلخص تراجع مثقفي فرنسا ومكانة باريس الثقافية عبر العالم، التي كانت تلعب دورا أساسيا في السابق في عالم الفن والأفكار وفي الدفاع عن التنوع والكونية. وهو ما بدأ مع عصر الأنوار «هذه الأنوار الفرنسية نشأت مع فلاسفة متميزين مثل فولتير، روسو وديدرو، وهو وجه جديد للمفكرين اللائكيين الذين لهم علاقة خاصة ونقدية مع السلطة...»
المؤلف في كتابه قدم بالعديد من الملاحظات، منها أن المثقف الفرنسي يفضل اليوم أن يكون رجعيا على أن يكون في مسار المثقف الثوري، كما أشار الى الدور المركزي جدا للعاصمة باريس في الحياة الثقافية الفرنسية.
صاند شلومو لاحظ أيضا أن النظرية الوجودية والبنيوية لم تنشأ بفرنسا، بل بمدينة باريس، ويقارن هذه الوضعية بوضعية بلدان أخرى عرفت حركات ثقافية لكن في مدن غير العاصمة، مثل مدرسة السوسيولوجيا بشيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية، وفي ألمانيا المدرسة النقدية التي نشأت بفرانكفوت، وبإنجلترا حيث تتنافس عدد من المدن حول الصدارة في العديد من العلوم. ويتحدث الكاتب أيضا عن العلاقة الخاصة في باريس بين الكتاب والسلطة، بغض النظر عن الانتماء الإيديولوجي.
بالنسبة للمؤلف فإن مكانة باريس في الغرب كفضاء للثقافة والمثقفين قد انتهت «باريس فقدت هيمنتها، كانت على المستوى الثقافي تلعب دور أثينا العصرية، اليوم تتراجع أثينا.. لتترك مكانها لروما، الولايات المتحدة، ما وراء المحيط الأطلسي التي استحوذت على هذه المكانة الثقافية والفكرية حيث تعرف جامعاتها فكرا نقديا أكثر من باريس
بالنسبة لصاند باريس لم تعد لها المكانة التي كانت لها في السابق لدى المثقفين العالميين: «سارتر وفوكو، ثقلهما الحقيقي يكمن في الأعمال الفكرية ومؤلفاتهم، وهما غير مدينين بأي شيء لوسائل الإعلام، وظهورهما على الشاشة الصغيرة جاء بعد أن أصبحا معروفين على الساحة الثقافية. وهما يرمزان إلى قمة التقاليد الفرنسية للفكر النقدي.» واليوم، التلفزة بفرنسا، حسب الكاتب، هي التي تحدد المثقف من غيره، ويعطي لذلك مثالا بالكاتب بيرنار هنري ليفي: « في اعتقادي، كتبه ليست لها آية قيمة، لكن يتم التوجه إليه باحترام، لماذا لا يتم استجواب المختصين الحقيقيين؟ لماذا لا تمنح لهم فرصة التعبير عن مواقفهم؟».
مؤاخذة الكاتب في مؤلفه «نهاية المثقف الفرنسي، من زولا الى هولبيك» للمثقفين الرجعيين بفرنسا اليوم هي احتلالهم الكامل لوسائل الإعلام. وهم لا يغادرون مختلف شاشات التلفزة الفرنسية ويرددون مقولة اندحار فرنسا، وهو خطاب إيديولوجي محبط. في السابق كانوا ضد العنصرية، اليوم أصبحوا في خانة المعادين للإسلام.
في هذا الكتاب يواجه المؤلف كل أشكال الإسلاموفوبيا، ويقارن ما تعرضت له الأقلية اليهودية بفرنسا وما تتعرض له الأقلية المسلمة اليوم، وهو ما كان يسمى معاداة اليهودية لدى المثقفين الفرنسيين في سنوات الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي. ما يقع اليوم يمكن مقارنته بالماضي ويعطي مثلا كتاب «الخضوع»، رواية ميشيل هويلبيك التي كان بإمكانها أن تحدث موجات من الاستنكار لو تم تعويض المسلم باليهودي. ولم يفته التطرق إلى الكتاب حول شارلي إيبدو لفيليب فال الذي كان يتهكم على الإسلام كما كانت تقوم بذلك الجرائد الفرنسية المعادية للسامية ما بين الحربين ضد اليهودية. والكاتب في تحليله، ذهب بعيدا عندما قارن شعار «أنا شارلي» الذي كان يخفي طريقة غير أخوية للقول «أنا فرنسي» بمقولة «أوربا البيضاء». و بالنسبة للكاتب فإن معاداة الإسلام هي التي دفعت بالملايين إلى التظاهر.
اعتبار الإسلام عدوا لفرنسا هو نتيجة تراجع الفكر النقدي بباريس: « فينكيلكراوت لا يتردد في القول إن الإسلام يشكل خطرا على الثقافة الفرنسية... إنها كارثة أن نهاجم الأكثر ضعفا. في مجتمعنا، المسلمون يوجدون في أسفل السلم الاجتماعي. وهذه هي الحقيقة التي لا يريد أن يراها المثقفون الباريسيون
في هذا الكتاب يطارد صاند مختلف المثقفين الفرنسيين المعادين للإسلام، وذلك تحت يافطة اللائكية، وهي نفس الممارسات التي تمت ضد الأقلية اليهودية، وبالنسبة للكاتب فإن التاريخ يعيد نفسه.
الصحافة الفرنسية في استقبالها لكتاب «نهاية المثقف الفرنسي، من زولا الى هولبيك» لم تكن ودية، واعتبرته كتابا يبحث عن إثارة الجدل أكثر من بحثه عن التحليل، واعتبرت أن مقارنته لوضعية الأقلية اليهودية ما بين الحربين بما تعانيه الأقلية المسلمة اليوم مبالغة، لأنه يذكر بالماضي الأسود لفرنسا ما بين الحربين. وما يزعج بعض الصحف في صاند شلومو هو أنه إسرائيلي ويدافع عن القضية الفلسطينية، ويقارن ما يقع للمسلمين بفرنسا بما وقع لليهود بين الحربين، وينتقد المثقفين الرجعيين ووسائل الإعلام الفرنسية التي تتيح لهم مساحة جد كبيرة للتعبير دون أن تفتح الباب لمثقفين آخرين.
طبعا كتاب «نهاية المثقف الفرنسي، من زولا الى هولبيك» ينتقد هذه المنابر الإعلامية التي تفتح أبوابها لمثقفين معادين للإسلام ورجعيين وتبرزهم أكثر من حجمهم للرأي العام. وبعضهم يتوفر على منابر لرأي وبرامج أسبوعية وهو ما يساهم في نشر الإحباط في الحقل الثقافي الفرنسي وتمجيد الماضي بين الحربين وحتى فترة الاحتلال النازي .
النظام الإعلامي بفرنسا الذي لم يعد يعطي مساحة للمثقفين مثل سارتر، فوكو وبورديو يشرعن سؤال: هل هناك مثقفون مثلهم حاليا بباريس؟. ذلك أن المثقفين من طينتهم لا تمنحهم وسائل الإعلام الفرنسية الفرصة للتعبير، حيث نرى بمختلف وسائل الإعلام الفرنسية نفس الأصوات التي تكرر نفس الخطاب المحبط الذي يبكي ماضيا مفترضا لفرنسا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.