الأخ محمد إنفي، الكاتب الإقليمي للحزب بمكناس، الأخوات والإخوة، أعضاء الكتابة الإقليمية، وأعضاء المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية، وكتاب الأقاليم المجاورة، الأخوات والإخوة من الشبيبة الاتحادية المشاركين في الملتقى الحضور الكريم يشرفني أن أبلغكم تحيات الكاتب الأول، للاتحاد الاشتراكي للقوت الشعبية، الأخ إدريس لشكر، والمكتب السياسي، لكل المشاركات والمشاركين في هذه الجامعة الربيعية، التي تنظمها الشبيبة الاتحادية، والتي تشكل أحد المحطات النضالية والعلمية المميزة لهذا التنظيم الشبيبي، الذي يظل باستمرار مشتلا لإبراز الكفاءات والأطر التي تغذي المسيرة الاتحادية، التي تتواصل، وفية لتاريخها المتوهج ولالتزامها إلى جانب الجماهير الشعبية. كما لا يفوتني هنا، التعبير عن مشاعر الامتنان، للأخوات وللإخوة في الكتابة الإقليمية، لمكناس، ولأعضاء الشبيبة الاتحادية، في هذا الإقليم، ولكل الذين عملوا على إنجاح تنظيم هذه الفعالية، التي ننتظر منها المساهمة في إغناء النقاش حول كل القضايا الهامة والأسئلة الكبرى، التي تهم الوضع السياسي في بلادنا، وآفاق البناء الديمقراطي، ومستقبل الشبيبة المغربية، في محيط إقليمي ودولي متحول، بشكل لم يسبق له مثيل، تتراوح ملامحه، بين تطور المطالب الديمقراطية، وبين الانتكاسات التي تجهض عملية النضج الديمقراطي، من طرف الأنظمة الاستبدادية والتيارات الأصولية المتشددة، والجماعات الإرهابية، ولوبيات المصالح والمنافع، والتدخلات الأجنبية... هَدْرُ الموارد البشرية إن الشبيبة المغربية، ومن أهم مكوناتها، الشبيبة الاتحادية، مدعوة للمساهمة في تقديم أجوبة، على مختلف القضايا، التي تشكل تحديات حقيقية للمغاربة، على مختلف المستويات الداخلية والخارجية. وقد كانت الشبيبة الاتحادية، ومازالت، قوة فكرية واقتراحية، طليعية، في تَمَثُلِها للإشكالات الحقيقية، التي تواجه بلادنا، وفي تقديم البدائل الحقيقية والجذرية والشاملة. إن التحديات التي تواجه بلادنا، وخاصة مستقبل الشبيبة المغربية، كثيرة وعميقة، و من واجب أي تنظيم سياسي، أن ينكب على دراستها وعلى تقديم البرامج واقتراح الحلول، وسنحاول في هذه الكلمة، تقديم بعض النماذج، التي نعتقد أنها تستحق التفكير والاجتهاد، والفعل في الميدان، من أجل المساهمة في معالجتها. التحدي الأول، يتعلق بأهم عنصر في بناء أية أمة، وهو الرأسمال البشري، الذي يمثل الشباب أهم خزان إنساني له، وعلى هذا المستوى، فإن المعطيات العلمية التي تميز واقع بلادنا، تظل مخيفة، حيث أنه بالرغم من بعض المجهودات والميزانيات المرصودة للتربية والتعليم، فإن النتائج تظل متواضعة. وحسب المعطيات الواردة في التقرير حول الميثاق الوطني للتربية والتكوين، فإنه ما بين سنة 2000 و2013، غادر الدراسة دون تأهيل، ما يعادل 72 في المائة، من المتمدرسين. إنه هدر كبير، والسؤال الذي يظل مطروحا، هو إلى أين يذهب هؤلاء الذين لم يتمكنوا من متابعة دراستهم؟ هذا على المستوى الكمي، أما على المستوى الكيفي، فإن حوالي 60 في المائة، من التلاميذ في الابتدائي والإعدادي، يدرسون في مدارس تسودها مشاكل الانضباط والغياب والتأخر عن المواعيد، والغش والغوغائية... كما سجل التقرير تراجع النقاط والمعدلات في مواد الرياضيات والعلوم واللغتين العربية والفرنسية. ناهيك عن ضعف وضحالة بعض مضامين ما يُدَرَّس. إذا كان هناك حوالي 7 ملايين تلميذ في مختلف الأسلاك، فإن أقل من 20 منهم يجتازون امتحان الباكالوريا، وأغلب الذين لا يتمكنون من الحصول على هذا الشهادة، هم من الفئات الفقيرة ومن الوسط القروي ومن البنات. إننا أمام مشاكل بنيوية، تؤدي إلى إنتاج أجيال تعوقها المعرفة وينقصها التكوين، حيث أن التربية غير النظامية، لا تستوعب سوى 30 في المائة من الذين لم يتأهلوا، وجزء بسيط منهم يعاد إدماجه في المنظومة التربوية. لا تنمية بشباب مُهَمَّشٍ إن الشبيبة المغربية، لا يمكنها المساهمة الفاعلة، في التنمية والتطور الاقتصادي والبناء الديمقراطي، بهذه الملامح التي تغرقها في مستنقعات الجهل والتهميش، وهذا الواقع يعتبر من أكبر التحديات، التي تواجه مستقبل بلادنا. وبالإضافة، إلى هذا التحدي، فإن الجامعة المغربية، تعاني بدورها، على مختلف المستويات، من أهمها الأجواء غير المدنية، التي تعيشها البعض منها، حيث يسود العنف اللفظي والجسدي، وتغيب الثقافة الديمقراطية، والانفتاح على مكتسبات حرية الفكر والإبداع والحوار الحضاري. غير أن المشاكل الكبرى، التي تعاني منها الجامعة المغربية، تكمن أيضا في ضعف المنتوج، في مجال العلوم الحقة، مقارنة مع تونسوالجزائر، ونفس المعطى يسجل أيضا على العلوم الإنسانية والاجتماعية. إن الإسقاطات، تؤكد أن أعداد الطلبة، سيصل إلى المليون، في سنة 2021، مما يتطلب مضاعفة الميزانية، في ظل نفس معايير التأطير الحالي، الذي يتسم بالضعف، كما سجل ذلك التقرير الرسمي، الذي ذكرته. ويمكن القول، إن أخطر ملف يواجهه المغرب، هو موارده البشرية، حيث أن هذه الثروة، لا تعادلها أية ثروة أخرى، وعلى أساس التقدم في معالجتها، تمكنت الأمم من بناء حضارتها. لذلك اهتم اليسار، دائما، بموضوع التعليم والجامعة، وكانت هذه المجالات من أهم الروافد التي طعمت تنظيماته وأفكاره ونظرته إلى المستقبل. ومن المؤكد أن الشبيبة الاتحادية تولي لهذا الملف ما يستحقه، وعليها أن تضاعف العمل في مختلف جوانبه ومستوياته، نظرا لأهميته البالغة، ولما له من تأثير على مستقبل المغرب. طفرة شبابية في سوق الشغل الأخوات والإخوة، إن أول معضلة تواجه الشباب هي معضلة التشغيل، حيث تبين المعطيات الديمغرافية، أن الطفرة الكبرى التي عرفتها الولادات بين سنة 1960 و2007، قد وصلت إلى سوق العمل، وسيتزايد هذا الزخم، إلى منتصف عشرينيات القرن الحالي، حسب الإسقاطات التي نشرتها المندوبية السامية للإحصاء، حتى لو انخفضت الخصوبة، لأن عددا كبيرا من النساء سيغادرن أيضا البيوت للبحث عن عمل. وإذا انطلقنا من الإحصائيات التي تقدمها هذه المندوبية، فإن بطالة خريجي الجامعات، تصل إلى حوالي 23 في المائة، بينما النسبة العامة للبطالة، في المغرب، وصلت إلى 10 في المائة، في آخر رقم قدمته المندوبية، كما أكد المركز المغربي للظرفية، أن السوق المحلي لم يغط سوى 37,5 في المائة، من حاجيات التشغيل، بين 2004 و2014. غير أن مناصب الشغل للفئة العمرية، ما بين 15 و35 سنة، تظل بنيتها هشة وغير مستقرة، حسب المركز، كما أنه ما بين 2015 و2024، سيزداد عدد الأسر في الوسط الحضري، بمقدار 195 ألف أسرة، سنويا، حسب الإحصاء الوطني، لسنة 2014، أي أن الطلب على الشغل سيكون حادا أكثر من قبل. نورد هذه المعطيات، لنؤكد أن التوتر الذي سيزداد اتساعا في مجتمعنا، سيهم بالخصوص الفئة العمرية، الشابة، التي تعاني من مختلف المشكلات التربوية والتعليمية وانسداد الآفاق الاجتماعية والاقتصادية. لذلك، ينبغي أن يحظى هذا الملف بأولوية الأحزاب المناضلة، وشبيبتها، لمراقبة السياسات العمومية، في هذا الشأن، وانتقادها، وتنظيم فعاليات واحتجاجات لفرض سياسة وبدائل حقيقية تستجيب لطموحات الشباب، في إطار عدالة اجتماعية ومساواة في الفرص، بين كل الطبقات. توترات ديمغرافية وسوسيولوجية وهنا لابد أن نشير إلى أن الدراسات السوسيولوجية والديمغرافية، تضع بلادنا ضمن مجموعات البلدان، التي ستشهد طفرات وتوترات، كبيرة، بعد أن عرفت بنيتها السكانية تحولات كبيرة، وأشكال العائلة فيها، تغيرات، من عائلة ممتدة إلى عائلة نووية، تلعب فيها المرأة دورا هاما، كما أن أعداد المتعلمين المتزايد، ينتج طلبات ومطامح جديدة. هذه البنية التي تتطور في المغرب، بشكل متفاوت، بين المدن والبوادي، بين المناطق الغنية والفقيرة، بين الطبقات الميسورة والمتوسطة، من جهة والطبقات الفقيرة، من جهة أخرى، وينتج عنها توتر كبير لدى فئات واسعة من الشباب، يتمظهر في سلوكات منحرفة، بسبب التهميش وغياب التأطيرالتربوي والثقافي والرياضي والنفسي، والعيش ضمن أسر تعاني من مشاكل الجهل والأمية وأحيانا التفكك. لقد أصبحت هذه الظواهر مؤلمة وتتسع باستمرار، وينبغي على السياسات العمومية، أن توليها الأهمية البالغة، خاصة وأن من بين تمظهراتها أيضا زراعة التطرف الديني، في أوساط الشباب. خطاب متشدد بأساليب تختلف الأخوات والإخوة، إن بعض النماذج التي قدمناها تُبَيِنُ إلى أي مدى نحن مطالبون، بتقديم الأجوبة، على معضلات كبرى، ترهن مستقبل بلادنا، ومن بينها انتشار الفكر المتطرف، الذي تتضافر في بثه عدة جهات لها المصلحة السياسية في انتشاره، على مستويين، الأول هو أنه يشكل خزانا بشريا وإيديولوجيا، لتجار الدين والسياسة، وثانيا لأنه يستعمل كفزاعة، للحصول على تنازلات، بطرق غير ديمقراطية، لابتزاز الدولة وكل المشهد السياسي. إن ما يمكن تسجيله في هذا الصدد، هو أن أغلب مكونات التيارات الإسلاموية، تتوافق في تصريف نفس الخطاب، بأساليب تختلف في الشكل، غير أنها لاتختلف في الجوهر، فهي لها نفس الموقف السلبي من الاجتهاد الفكري، ونفس المنهج النصي/التكفيري، في مواجهة منتقدي هذا الخطاب، ونفس التهجم على الحقوق الفردية، ونفس التشنج تجاه تحرر المرأة... إنها مرجعية واحدة، تختلف في كيفية التعبير والتوظيف، حيث أن الذي يرتكب الفعل الإرهابي، و يلتحق بالجماعات الإرهابية، لا ينطلق من فراغ، بل ينطلق من هذا الخطاب، الذي يمكن أن نجده حتى لدى أولئك الذين يطلقون على أنفسهم «معتدلين». لذلك، فإن المعركة الثقافية، والتسلح بسلاح العلم والمعرفة، والانفتاح على الحضارة الإنسانية الراقية والمتقدمة، ومواجهة الفكر الخرافي، ينبغي أن يتحول إلى برنامج قار، لدى الشبيبة الاتحادية، لأن هذه المعركة، هي التي سترسم ملامح المستقبل، وهي مرتبطة بتطوير مناهج التربية، وإصلاح المنظومة التعليمية، والعمل على نشر ثقافة الحرية والإبداع والاجتهاد، بدل ثقافة الانعزال والتزمت والتخلف الفكري. قَرْصَنَةُ الديمقراطية أيتها الأخوات، أيها الإخوة، إننا اليوم في قلب المعركة الديمقراطية، التي قادها حزبنا منذ تأسيسه، والتي قدم من أجلها الشهداء والمعتقلين والمنفيين، ويشهد التاريخ المغربي، منذ الاستقلال، أننا كنا باستمرار قوة طليعية، في هذه المعركة، سواء على مستوى الفعل النضالي، في الساحة السياسية والنقابية والحقوقية، أو على مستوى الصراع الفكري والإعلامي. أغلب وأهم الأسماء الكبرى، في السياسة والنضال والفكر، بالمغرب، خرجت من رَحِمِ هذا الحزب، الذي مازال يواصل مسيرته، في ظروف مختلفة. نعم إن الظروف تغيرت، والأجيال تتعاقب، والأوضاع تتحول باستمرار. ونحن كحزب، مطالبون بالتلاؤم الإيجابي مع هذه التحولات، فهناك من جهة التغيرات الديمغرافية والسوسيولوجية العميقة التي عرفها المغرب، في العشرين سنة الأخيرة، وهناك أيضا التطورات المتسارعة التي يعرفها المحيط الإقليمي والدولي. فالهجرة من القرى للمدن، خلقت واقعا سوسيولوجيا وثقافيا واقتصاديا جديدا، كما أن النمو الديمغرافي الكبير الذي شهده المغرب، خلال الأربعين سنة الأخيرة، غَيَّرَ الكثير من المعطيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، مما انعكس على المجال السياسي، بوضوح، حيث تغيرت المعايير وسادت قيم تجمع بين النفعية والمحافظة، في ظل هجمة منظمة ومتواصلة، على القوى الديمقراطية وعلى الفكر التقدمي. ولقد جاء ما سمي بالربيع العربي، الذي شارك فيع الشباب بكثافة، من أجل التغيير الجذري وبناء الديمقراطية، ليس لأن الشباب الذي شارك فيه، كان تابعا لأحد أو مُضَلَلًا، بل لأنه يتوق إلى الحرية والتقدم والمساواة والعدالة. غير أن ماحصل، في مجموع العالم العربي، هو أن هذه الانتفاضة الديمقراطية، تمت قرصنتها من طرف القوى الرجعية، في بعض البلدان، كما تم تحريفها في بلدان أخرى، بفعل التدخل الأجنبي، لتتحول إلى حروب أهلية ومواجهات طائفية. و في المغرب، يمكن القول، إن المكتسبات الديمقراطية، التي حملها دستور 2011، تم إجهاضها، من طرف حكومة، يتزعمها حزب، أصبح شغله الشاغل، هو أن يتموقع تجاه المؤسسة الملكية، تارة بتصريف خطاب الخنوع، وتارة أخرى بمحاولة لعب دور حامي هذه المؤسسة. وفي كلا الخطابين، هناك تجاوز واضح للدستور، الذي ينظم العلاقات، بين مختلف السلط والمؤسسات، بدون تبعية أو وصاية أوحماية، من أي طرف. لقد بدا واضحا أن البرنامج الذي اشتغل عليه هذا الحزب، داخل الحكومة، هو إجهاض التوجه الديمقراطي لدستور 2011، سواء في العلاقات بين المؤسسات الدستورية، أو في العلاقة مع المؤسسة التشريعية، أو في تأويل كل ما يتعلق بالهوية، التي اختزلت في منظور رجعي ضيق، لا يوافق النص الدستوري، بالإضافة إلى كل ما يتعلق بالمساواة بين الجنسين أو بالحريات الفردية والجماعية... ما يهمه هو استمراره على رأس الحكومة، لتنفيذ مشروعه المجتمعي، الرجعي، الذي هو أيضا مناقض لروح الدستور، والذي لا يستجيب لمتطلبات التطور الديمقراطي ولطموحات أغلبية الشباب في التقدم والحرية والمساواة. أما ما يتعلق بمحاربة الفساد واقتصاد الريع، والبطالة وبناء اقتصاد وطني قوي، وتلبية مطالب الشغيلة، فالمعطيات واضحة، وهي سلبية، وأرقام المديونية وجمود الأجور، وأزمة العديد من المقاولات وارتفاع الضرائب، شاهدة على الفشل. مواجهة مخطط التجزئة بالديمقراطية والحداثة الأخوات والإخوة، إن عملية القرصنة التي حصلت، لما سمي بالربيع العربي، جاءت في إطار مخطط شامل يهدف إلى تغيير خارطة العالم العربي، ونحن نشاهد اليوم، كيف تجري المساعي والمؤامرات من أجل تمزيق البلدان وزرع مزيد من الفتن فيها، وتشجيع التطرف وخلق شروط انتعاش الإرهاب. و ما المعركة التي تخوضها بلادنا من أجل الدفاع عن وحدتها الترابية، إلا جزء من هذا التحدي، حيث أن نفس القوى التي تسعى إلى التجزئة والتمزيق، في المشرق، هي التي تشتغل في المغرب، بأقنعة مختلفة، يلعب فيها جنرالات الجزائر، دور المُناوَلَةِ، وانفصاليو البوليزاريو، دور الكومبارس. لذلك فإن التحديات، التي تواجه الشبيبة المغربية، تعتبر معركة حضارية كبرى، يخوضها حزبنا وشبيبتنا، من قناعة راسخة، وهي أن التقدم في بناء الديمقراطية وتحقيق مجتمع الكرامة والمساواة والعدالة، وصيانة الوحدة الترابية، لا تنفصل عن قيم الحداثة والحرية والعقلانية وسيادة الفكر النقدي، وهو ما ستشغلون عليه، خلال هذه الأيام، ونحن متيقنون، من أنكم ستقدمون النموذج الأمثل في الاجتهاد والانضباط . شكرا لكم ولكل الذين ساعدوا على نجاح هذا الاجتماع.