أعلنت صحيفة لوموند أن الشاعرالفرنسي المتميز، الذي يعتبر أشهر شعراء فرنسا المعاصرين، إيف بونفوا توفي يوم الجمعة الماضي عن سن يناهز 93 سنة. بونفوا لم يكن شاعرا فقط، بل مترجما وناقدا فنيا كذلك وفي نفس الوقت. وقد خلف أكثر من مئة كتاب لم يستمتع بلذة الإبحار بين صفحاتها قراء الفرنسية فحسب، بل قراء حوالي لغة أخرى تُرجمت لها المؤلفات المعنية. اسم إيف بونفوا حضر في مناسبات عديدة كمرشح لنيل جائزة نوبل للآداب، لكن أكاديمية استوكهولم لم تنصفه. أما فرنسا الأدبية، فتوجته بجائزة الشعر الكبرى الممنوحة من لدن الأكاديمية الفرنسيةسنة 1981 وبجائزة غونكور للشعر في عام 1987. وإذا كان بونفوا قد حاز أيضا جائزة سينو ديل دوكا العالمية في سنة 1995، فإن بيت الشعر في المغرب منحه جائزة الأركانة العالمية للشعر في دورتها الثامنة برسم عام 2013. وكانت لجنة التحكيم التي توجت بونفوابالأركانة قد قالت وقتذاك عنه إنهمنح الإنسانية،من خلال تجربته الفريدة، شعرا ذا بعد إنساني عميق. مضيفة أن بونفوا شاعر الحكمة والتجديد، وأنه تمكن عبر أعماله الشعرية والنقدية، منذ انضمامه إلى السورياليين الفرنسيين إلى حين منحه الجائزة، من تجسيد صورة الشاعر الحقيقي المهووس بكتابة لا تخلو من المخاطر والتحديات. وإيف بونفا، الموسوم بصانع اللغة، أثار قيد حياته، بصفة المحاضر والناقد الجمالي، أسئلة حارقة حول الشعر، بل تعدى الشعر ليشمل سؤاله الحوار الذي يقيمه هذا الجنس مع الأجناس الإبداعية الأخرى كالموسيقى والفن التشكيلي، ففي خضم هذا التفكير الجريء، تمكن بونفوا، بنجاح، من تحقيق كتابة منسجمة ومتجددة باستمرار. ولدبونفوا في 24 يونيو1923 في مدينة تور الواقعة في وسط فرنسا الغربي. واعتباراً من العام 1943 وبعد دروس في الرياضيات، درس في باريس تاريخ الفلسفة والعلوم.وكان في فترة من الفترات من أتباع السريالية، إلا أنه انتقدها وطوى صفحة الانتماء لأهلها بسبب اعتباره إياهامبتعدة عن الواقع، أفقهابناء عالم مغلق مبني على الرموز والصور. وإذا كانت شهرة بونفوا قد انطلقت وهو في الثلاثين من العمرمع صدور ديوانه الثالث في سنة 1953 : «حركة وسكون في دوف» الذي تميز بالتجرد وبسعي داخلي، فإنه ظل نشطاً خلال السنوات الأخيرة رغم تقدمه في السن، حيثأصدر خلال العام الحالي «الوشاح الأحمر» و «الشعر أو الغنوسيس». كما أنه ترجم الأدب الإنجليزي إلى الفرنسية، لا سيما مسرحيات شكسبير وييتس، فضلاً عن ترجمته لبعض أعمال الشعراء: الإيطالي بيتراركا، واليوناني يورغوسسيفيريس، والأيرلندي وليام بتلرييتس، والإنجليزي جون دون. كانبونفوايقول إنه حاول من خلال شعره البحث عن «ما هو مباشر في الحياة»، وذلك من خلال الحفاظ على الوفاء للحقيقة باللغة. ويعتقد أن وظيفة الشاعر تكمن في أن «يرينا شجرة، قبل أن يخبرنا عقلنا ما هي الشجرة». وعمل إيف بونفوا في تدريس الشعر المقارن في كوليج دو فرانس بين 1981 و 1994، بالإضافة لتدريسه في عدد من الجامعات الأمريكية. ومن المعلوم أن الكثير من قراء اللغة العربية اكتشفوا وتذوقوا شعر إيف بونفوا عن طريق الترجمة التي أنجزها لأعماله الشاعر العربي الكبير أدونيس. احتفاء بشعرية بونفوا ونفَسه الشعري النادر، نقترح على القراء قصيدته «صيف الليل» كما ترجمها أدونيس: 1 يُخيّل إليّ، هذا المساء، أنّ السماء المكوكبة، إذْ تتسع، تقترب إلينا، وأن الليل، وراء نيران كثيرة، أقل ظلاماً. وأوراق الشجر أيضاً تتلألأ تحت أوراق الشجر، الأخضر، ولون الثمار الناضجة، البرتقاليّ، تنَامى، مصباح ملاكٍ قريب، نبضَ نورٍ مُخبأ يستحوذُ على الشجرة الكونية. يُخيّل إليّ، هذا المساء، أننا دخلنا في الحديقة التي أغلق الملاك أبوابها دون عودة. 2 سفينةُ صيفٍ، وأنتِ كأنكِ في صدرها، وكأن الزمن يكتمل، تنشرين أنسجةً مرسومةً وتتحدثين بصوتٍ خافت. في حلم أيار، كانت الأبدية تصعد بين ثمار الشجرة وكنت أقدّم لكِ الثمرةَ التي تجعل الشجرة بلا حدّ دونَ هَمٍّ ولا موت، ثمرةَ عالمٍ مشترك. بعيداً في الصحراء الزّبد يجول الموتى، لم تعد ثمة صحراء لأن كلّ شيءٍ فينا ولم يعدّ ثمة موت لأن شفتيّ تلامسان ماءَ تشابهٍ مُبعثرٍ على البحر. يا كفاية الصيف، ملكتك نقيةً كالماء الذي غيّرته النجمة، كضجيج زبدٍ تحت خطواتنا حيث يعلو بياض الرمل ليبارك جسمينا غير المُضائين