يبدو أن رياح التغيير التي هبت على بعض البلدان العربية وصلت أصداؤها الى فرنسا التي أقدمت على تغييرات مهمة على رأس وزارة الخارجية ووزارة الداخلية والدفاع. وهو تعديل حكومي تقوم به فرنسا لأول مرة بفعل الوضع جنوب البحر المتوسط، وذلك بفعل الاداء الضعيف لوزارة الخارجية والتي تجاوزتها الاحداث التي بدأت من تونس وهي بلد قريب من فرنسا وامتدت الى مصر وليبيا. لكن الديبلوماسية الفرنسية لم تساير هذه التطورات المعقدة بالمنطقة بل إن ما عقد وضع الديبلوماسية الخارجية هو ما كشفت عنه الصحف الباريسية من علاقات قرب كبيرة بين وزيرة الخارجية السابقة آليو ماري ونظام بنعلي، والتي كانت تستفيد من كرمه أثناء العطل مما عجل باستقالتها. ما ميز خطاب الرئيس الفرنسي البارحة هو إعلانه عن التعديل الحكومي بنفسه، وهي سابقة في تاريخ رؤساء فرنسا بالإضافة الى الخلط الذي عرفه الخطاب بين القضايا الداخلية لفرنسا وبين القضايا الدولية اي التحولات التي يعرفها العالم العربي والتخوفات من تطوراتها السلبية على فرنسا. الرئيس الفرنسي الذي حيى هذه التحولات التاريخية لم يتردد في نفس الوقت في تذكير مواطنيه بالسلبيات التي يمكن أن تنتج عن هذه التحولات بالنسبة لناخبيه من اليمين «إننا نعرف التداعيات التراجيدية التي يمكن ان يؤدي إليها تدفق للهجرة ،لأن فرنسا سوف تكون في الواجهة» بالنسبة له، كما ذكر بخطر التطرف الاسلامي في حالة فشل الانتقال الديموقراطي سواء بتونس أو بمصر. هذا التعديل الحكومي المستعجل جاء بعد أسبوع من الهجومات العنيفة التي تعرض لها أداء الديبلوماسية الفرنسية، وعدم قدرتها على مسايرة التحولات التي تعرفها منطقة جنوب البحر المتوسط . وقد شارك في هذا الهجوم مجموع الصحف الفرنسية، بالإضافة الى ديبلوماسيين متقاعدين أو دبلوماسيين مازالوا في الخدمة والذين وقعوا على مقال دون ذكر اسمائهم . وأغلب المقالات كانت تعيب على الديبلوماسية الفرنسية غيابها عن التحولات التي تعرفها المنطقة ووصفت بعض المقالات هذه الديبلوماسية بالمنعدمة الافق، وأن صوت فرنسا لم يعد مسموعا بالمنطقة بالعالم رغم توفرها على ثاني أكبر شبكة دبلوماسية عبر العالم بعد الولاياتالمتحدةالامريكية، وهو العيب الذي كشف عنه على أعمدة الصحافة مقال مشترك لوزيرين سابقين للخارجية هما هوبير فيدرين وزير الخارجية السابق للحكومة الاشتراكية لجوسبان وألان جيبي عن الاغلبية، والذي عينه مساء الاحد نيكولا ساركوزي وزيرا للخارجية مكان الوزيرة السابقة واللذين تحدثا «عن ضعف لم يسبق له مثيل للخارجية الفرنسية». وتعيين ألان جيبي، وهو أحد أكبر اقطاب اليمين، يبرز الدور الذي عاد لوزارة الخارجية بعد الاحداث التي عرفتها المنطقة وموقف الوزير الجديد، يعني في نفس الوقت تراجع تدخل قصر الاليزي في قضايا الخارجية. الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي استغل هذا التعديل لإبعاد أحد أصدقائه من وزارة الداخلية وهو بيريس أورتوفوه الذي أدانه القضاء الفرنسي مرتين بسبب تصريحاته العنصرية، والذي أصبح هو أيضا يشكل مشكلا في علاقة فرنسا ببلدان الجنوب المتوسطي بسبب ذلك. نيكولا ساركوزي ذكر كذلك بالاتحاد من اجل المتوسط ،هذا المشروع الفرنسي الذي شمله الجمود منذ 2008 والذي كان إحدى اكبر الأفكار التي دافع عنها الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي بالمنطقة منذ حملته الانتخابية الرئاسية «هو إطار سيمكن الشعوب من خلق مصير مشترك، وجاءت الفرصة لإعادة تشكيل هذا الاتحاد على ضوء الاحداث التي نعيشها اليوم، وفرنسا سوف تقدم اقتراحات في هذا الاتجاه». بالنسبة للرئيس الفرنسي الاتحاد الذي تعرض للتعثر هذه فرصة لتعيد فرنسا المبادرة في التعاون بين ضفتي المتوسط بعد أن وجدت نفسها غير قادرة على مسايرة التطورات الاخيرة بالمنطقة، خاصة ان فرنسا تعيش تعثرا في سياستها الخارجية بشهادة الفرنسيين أنفسهم على جميع الواجهات، سواء في السياسة الفرنسية بإفريقيا أو الازمة التي عرفتها العلاقات بين باريس وميكسيكو بسبب تصريحات الرئيس الفرنسي على خلفية اعتقال إحدى الفرنسيات وإدانتها بالسجن بالمكسيك. ساركوزي يعول على مجموعة العشرين من أجل اعادة الاعتبار الى الديبلوماسية الفرنسية رغم أن البداية لم تكن موفقة في أول لقاء بباريس نتيجة الازمة التي اندلعت مع المكسيك . اضطراب أداء الديبلوماسية الفرنسية يعود الى دخول فرنسا الى أجواء الانتخابات الرئاسية المقبلة، فالازمة مع المكسيك جاءت نتيجة الدعم المطلق الذي قدمه الرئيس الفرنسي الى عائلة احدى الفرنسيات المعتقلة بالمكسيك، والتي أراد أن يهدي لها السنة الثقافية للمكسيك بفرنسا وهو ما ردت عليه ميكسيكو بشكل حازم، وأعلنت عن انسحابها من التظاهرة. في نفس الاتجاه سارت تصريحات الرئيس الفرنسي حول التحولات التي يعرفها جنوب المتوسط، فقد ركز على التطورات السلبية التي يمكن ان تعرفها المنطقة من هجرة سرية واستيلاء حركات متطرفة على الوضع أثناء المرحلة الانتقالية بتونس أو مصر وهو خطاب موجه الى الناخبين المحافظين لنيكولا ساركوزي. فهل ستتكرر مشاكل الديبلوماسية الفرنسية نتيجة أجواء الانتخابات التي دخلتها فرنسا أم أن تعيين وزير خارجية مجرب سيجنب فرنسا الدخول في هذا المأزق؟.