صدر عن ديوان المظالم تقريره السنوي برسم عامي 2008 و 2009 يتضمن حصيلة نشاطه، وقد تضمن حقائق ما فتئنا نشير اليها من خلال العديد من كتاباتنا كي نلفت انتباه المفوض اليهم تدبير الشأن العام الى حل المشاكل المرتبطة بها، والتي غالبا ما يؤاخذنا البعض على إثارتها، فيما نحن مومنون بأن الوطنية الصادقة والصالحة هي الكشف عن السلبيات لتجاوزها. وإننا إذ ندرج، ملخصات لبعض المشاكل التي تعيشها الادارة ويعاني منها المواطنون، والتي جاءت ضمن تقرير والي المظالم، برسم سنتي 2008 و 2009 والتي لا نشك في نزاهة من أعدوه، فإنما لنؤكد صدق ما نكتبه عن مشاكلنا في هذا الوطن ونطالب بالحد منها ضمانا لاستمرار السلم الاجتماعي. في سنة 2004 بلغ مجموع الشكايات المندرجة في هذا الإطار 376 شكاية من اصل 12082 شكاية مسجلة مقابل 917 شكاية مسجلة في سنة 2009 من اصل 1521 شكاية. اما بخصوص الجهات الترابية المعنية بالشكايات المتوصل بها، فيبدو ان الاتجاه العام الذي كان السمة الغالبة طيلة السنوات السابقة قد عرف تغييرا نوعيا، اذ احتلت الجهة الشرقية وجهة مكناس - تافيلات المراتب الاولى ضمن الخريطة الوطنية للشكايات، عوض جهتي الدار اليبضاء الكبري، والرباط سلا زمور زعير اللتين كانتا تحتلان الصدارة من حيث عدد الشكايات المتوصل بها. واما الموضوعات والقضايا المثارة من لدن المشتكين في شكاياتهم فيبدو ان قضايا الوضعيات الادارية للموظفين وقضايا العقار والنزاعات المتعلقة بنزع الملكية من أجل المصلحة العامة والقضايا المالية والضريبية وقضايا عدم تنفيذ الاحكام القضائية الصادرة في مواجهة الادارة العمومية، قد ظلت تحتل الصدارة ولم تعرف تغييرا ذا اهمية وهو ما يؤشر الى الطبيعة الهيكلية لهذا النوع من القضايا في علاقات المشتكين بالادارة، وفي ضوء المؤشرات الاحصائية المذكورة، يبدو ان مستوى تجاوب الادارة مع مطالب المشتكين لم يصل بعد الى درجة مُرْضية، اذ لا تزال ادارات عمومية متعددة غير قادرة على استيعاب المفهوم الجديد للسلطة، الذي يعني بالضرورة مفهوما جديدا في علاقة المواطن بأجهزة الدولة، وفي مقدمتها الادارة العمومية. كما يعني التقيد بضوابط سيادة القانون، ومبادئ العدل والانصاف في كل قرار تتخذه، او تصرف تجريه، او عمل تقوم به، ولو كان الهدف من هذا القرار أو التصرف أو العمل هو تحقيق منفعة عامة او انجاز مشروع للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يكتسي صبغة المصلحة العامة. ولعل اللافت للانتباه من خلال دراسة عدد من الشكايات، ومن خلال تتبع مآلها لدي الادارة التي احيلت اليها هو بروز سلوك بعض الادارات التي يتسم بالاهمال والتقصير وعدم التجاوب مع المرتفقين، بل يصل الامر في بعض الحالات الى درجة التعنت والتمنع عن تطبيق القانون، او الخضوع لاحكام القضاء، بل والاصرار على الموقف رغم الادراك المسبق بمخالفته لقاعدته قانونية صريحة. واذا كان لزاما العمل على تغيير قاعدة او نص قانوني لعدم مواكبته للمستجدات أو لتقادمه او الحاجة الماسة لمراجعته، فإن الادارة المعنية به لها كامل الصلاحية لسلوك المساطر الدستورية والقانونية والتنظيمية لاقتراح تعديله، وإلا فإن التمادي في خرق القانون وعدم الانصياع لاحكام ا لقضاء، الذي اصبح سلوكا متبعا من قبل بعض الادارات من شأنه ان يفقدها المصداقية التي يجب ان تتمتع بها كل سلطة عمومية، ومن شأنه ان يعطي مثالا سيئا لكل المتعاملين مع المرافقا لعمومية، بل و اكثر من ذلك، من شأن هذا السلوك ان يشكل تراجعا عن المكاسب التي حققتها بلادنا في مختلف مجالات تطوير عمل الاجهزة العمومية وفي مقدمتها الادارات العمومية على الصعيدين المركزي والمحلي. إن بعض الادارات لم تستوعب بعدُ ما حققته بلادنا من مكتسبات ومنجزات، ولم تدرك بعد أن الحاجة الماسة الى تطوير الاداء ومواكبة اوراش الاصلاح لم تعد مسألة رغبة يعبر عنها هذا المسؤول أو ذاك، أو مجرد أماني وتطلعات. وانما هي اختيار مبدئي لا محيد عنه ولا رجعة فيه. وهو أمر يفرض الانخراط الفعلي في مسار العمل التنموي الوطني بكل ابعاده ومجالاته من أ جل انجاحه وتوفير الشروط اللازمة له. فالادارة العمومية تعتبر محركا اساسيا وفاعلا استراتيجيا في نجاح او فشل اي سياسة عمومية تروم تحقيق التنمية الوطنية وتحسين جودة الخدمات العمومية. وفي المقابل، فإن مؤسسة ديوان المظالم تسجل بكامل الارتياح المساهمة الفاعلة والدور الايجابي والمتميز الذي تضطلع به بعض من الادارات العمومية في تسريع وتيرة اصلاح اوضاعها الداخلية وتبسيط مساطرها الادارية، وبلورة مشاريع استراتيجية في مجال تدخلها اسهاما منها في اوراش التغيير والاصلاح. وفي الوقت ذاته تلاحظ المؤسسة وتسجل بأسف عميق تقاعس بعض الادارات العمومية عن الاضطلاع بدورها، وعن تطوير ادائها، وعدم اتخاذها للاجراءات الادارية والقانونية والتقنية الكفيلة بتنمية التواصل وتحسين جودة الخدمات التي تقدمها للمواطنين،وفي مقدمتها الجماعات المحلية وبعض القطاعات الوزارية ذات الطابع الاجتماعي التي تقدم خدماتها للمواطنين عن طريق المصالح التابعة لها على الصعيد المحلي في ظروف غيرمناسبة وغير لائقة. ويلاحظ من خلال دراسة الحالات التي يقدم فيها المواطنون طلباتهم الى المؤسسة، ولا سيما على صعيد مكاتب الاستقبال، ان ثمة ظاهرة بنيوية تتمثل في تقديم طلبات ذات بعد اجتماعي صرف ولا علاقة له به بنزاعات او خلافات او قرارات أو اعمال ادارية اصابتهم بحيف او شطط، بقدر ما يتعلق الامر بنوع من التشكي من الاوضاع المزرية التي يعيشونها، والتي تدفعهم الى تقديم طلبات الحصول على شغل او وظيفة او سكن، او رخص للاستغلال، من اجل الحصول على دخل قار يحميهم من ضائقة العيش ويوفر لهم المرونة اللازمة لمواجهة مصاريف واعباء الحياة اليومية. ولعله من اللافت ايضا ان نسجل كون عدد من هذه الحالات التي توصلت بها المؤسسة تتعلق، على غرار السنوات الماضية، بالتشكي من سلوك بعض مساعدي القضاء من محامين ومفوضين قضائيين، ومن بطء الاجراءات الخاصة بتنفيذ الاحكام، وهو أمر يفرض تحليله بشكل معمق لما له من انعكاس على مصداقية مؤسسة القضاء ببلادنا ومستوى ثقة المواطن فيها فضلا عما يستلزم من معالجة شمولية للمنظومة القضائية بكل مكوناتها، وما يتطلب من اصلاح جذري ونوعي لقطاع العدالة، وللمهن المرتبطة به، وبالنظر لما يشكله العدل من ضمانة للمواطن في حماية حقوقه من كل اعتداء وما يغرسه في نفسه من اطمئنان وما يشيعه في المجتمع من استقرار وثقة في المؤسسات.