كثيرا ما كان المرحوم عبد الرزاق مكوار، الرئيس الأسبق لفريق الوداد البيضاوي، في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وهو المسير، العارف، المطلع على الإمكانيات التقنية الفطرية التي يتوفر اللاعب المغربي، يتساءل في تصريحاته وتدخلاته الإعلامية الكثيرة آنذاك، عن أسباب تدني المستوى التقني لمعظم اللاعبين الشباب المغاربة، كلما تم إلحاقهم مباشرة بفريق الكبار، بعد أن يكون هؤلاء اللاعبون، طيلة المسيرة «التكوينية» الكروية، قد أقنعوا الإدارة المسيرة والجماهير العريضة، وقبل ذلك، الأطر التقنية المشرفة على الفئات الصغرى، الشبان والأمل، بجدوى اعتمادهم تقنيا وبدنيا.. كخلف صالح مقتدر يطعم فرق الكبار، ومن ثمة النخبة الوطنية .. تساؤل طالما أرقني عدم إيجاد أجوبة شافية عنه في ذات الفترة، من منطلق أنني كنت متتبعا وفيًّا، بل مهووسا للتظاهرات الكروية، ليس لدوريات فرق الكبيرة ( القسم الأول، الثاني..) وحسب، وإنما لدوريات الفئات الصغرى بعصبة الدارالبيضاء أو الصعيد الوطني، التي غالبا ما كانت تفرز، هنا وهناك، لاعبين صغارا ذوي مهارات تقنية عالية كانت تضاهي، في جوانب كثيرة منها، حسب ما كنا نتتبعه تلفزيونيا.. التقنيات والمهارات التي يتوفر عليها لاعب كرة القدم في أمريكا اللاتينية.. مهارات يمتلكها اللاعب المغربي بالفطرة منذ نعومة الأظافر، اكتسبها بدءا بالممارسة العشوائية في «الحواري»، الأزقة والفضاءات الواسعة والمفتوحة التي كانت تتوفر عليها معظم المدن المغربية.. كانت تشكل مشاتل حقيقية تغذي العديد من الأندية المغربية الصغيرة منها والكبيرة لأجل الصقل و تطعيم الصفوف، لكنه مهارات غالبا ما ينطفئ بريقها كلما تمت «ترقيتها» إلى فرق الصفوة، ويكفي هنا مثلا تذكر، وبكل أسف، على طول وعرض تاريخ الكرة المغربية، العديد من الأسماء التي كان مسارها الكروي في الفئات الصغرى للأندية والنخب الوطنية لافتا مبهرا.. لنفاجأ بعد ذلك أن هذه المهارات الاستثنائية، بعدما اشتد عودها، تبخرت بعوامل ذاتية أكثر منها موضوعية، منها ما يتعلق ب«تذوق» حلاوة العامل المادي لأول مرة بعد «حرمان»، ومنها ما يتعلق بالجانب النفسي، بفعل إهمال التأطيرالسيكولوجي من قبل الأندية والعقلية الهاوية وعدم نضج اللاعبين والآفاق الخادعة لمتع زائلة التي يفتحها الإلتحاق بفرق الصفوة التي غالبا ما تكون عامل تخريب للذات وارتكاس وأفول كلي للمهارات بعد الحصول على الدريهمات الأولى لمنح التعاقد و الفوز بالمباريات.. ذلك، على الأقل، ما كنت شاهدا عليه، وحَدَّ من شدة أرقي الذي طال سنين عديدة، فعوض أن يشكل الالتحاق بفرق الصفوة عامل تحفيز للعمل بجد ومثابرة وكِدٍّ للحفاظ على اللياقة والمنافسة وصقل الموهبة.. ، شكل ذلك للكثيرين عامل الانغماس في الملذات و المتع وسهر الليالي وعدم الانضباط.. لتكون النتيجة في النهاية الغياب عن الساحة الكروية في سن مبكرة، مع ضياع مستقبل مهني و فشل «حياتي» غالبا ما تكون نتائجه كارثية.. وأبرز نموذج في هذا السياق ما كنت متتبعا له، بالصدفة الزمنية - المكانية، وأنا أشاهد موهبة كروية منتمية لأحد الفرق البيضاوية الكبرى في بداية الألفية الثانية، كان قد تنبأ لها العديد من المؤطرين والمتتبعين بمستقبل كروي كبير، وهي تشق مسارها الناجح مع الفئات الصغرى للنادي ومع المنتخبات الوطنية (الفتيان و الشبان) بلعب رجولي لافت في مراكز الدفاع وفي تطعيم الهجوم بكرات «مقشرة» كما يقول التعبير الكروي الدارج، يتم إقحامها في سن مبكرة بقسم الكبار، الذي عوض أن يكون «فألا» حسنا عليه« كان وبالا، فما أن حصل اللاعب المعني على المنح الأولى للتوقيع وذاق «إكراميات» الفوز بالمباريات حتى انغمس في عالم الملذات. بل أكثر من ذلك، إنه اكترى إحدى «الشقق» في أحد الدواوير العشوائية المنتشرة على طول شواطئ دار بوعزة القريبة من الدار البيضاء ليطلق العنان للإدمان والعربدة، والمجون (تدخين وكحول و .. ) مصحوبا بشلة متكونة من بعض زملائه في الفريق، بل من الفريق الغريم في المدينة، وأحيانا تجتمع «اللمة البحرية» مباشرة بعد الحصص التدريبية أو المباريات الرسمية.. و النتيجة أن الموهبة بدأت تأفل رويدا رويدا، فبدل استمرار اللعب فوق مستطيل الملعب، كان المصير بداية، الجلوس إلى دكة الاحتياط، ومن ثمة الانتقال، اضطرارا، إلى فريق من القسم الثاني، وبعد ذلك إلى أقسام الهواة.. فالتسكع أخيرا في الأزقة والشوارع..