شركات كبرى تحتكر سوق الدواجن بالمغرب والجمعية الوطنية لمربي الدجاج تحمّل الحكومة المسؤولية    صندوق النقد الدولي يرفع توقعاته للنمو في آسيا رغم التوترات التجارية الصينية الأمريكية    إسرائيل ترجح إعادة فتح معبر رفح الأحد وحماس تؤكد "حرصها" على تسليم جثامين بقية الرهائن    الفلبين: زلزال بقوة 6,1 درجة يضرب جنوب البلاد    نقابة تنتقد أوضاع متصرفين تربويين    الهلال يجدد عقد بونو حتى 2028    أفاية يفصل في محددات المسؤولية وتحولات النقاش العمومي بالمغرب    كرة القدم المغربية .. من شغف الملاعب إلى قوة ناعمة واقتصاد مزدهر    طنجة.. توقيف أزيد من 20 مرشحًا للهجرة غير النظامية بمحطة القطار    أمن طنجة يوقف ثلاثة قاصرين بعد تداول فيديو يوثق تراشقًا بالحجارة قرب مدرسة    إصابة 11 شخصا جراء غارات إسرائيلية عنيفة على جنوب لبنان    ادحلي تستقبل الوزير المستشار بالسفارة الصينية لبحث سبل تعزيز التعاون البرلماني بين المغرب والصين    المغرب يستعد لإطلاق رحلات جوية مباشرة بين الدار البيضاء وسانت بطرسبورغ    نادي نهضة بركان يحط الرحال بالقاهرة    بورصة البيضاء ترتفع بنسبة 1,31 بالمائة    السعدي يحفّز الحوار الاجتماعي القطاعي    الصحف الشيلية تحتفي بإنجاز المغرب    كأس العالم 2026.. بيع أكثر من مليون تذكرة خلال مرحلة البيع المسبق لحاملي بطاقات "فيزا"    أمن طنجة يوقف مبحوثًا عنه في حالة تلبس بسرقة دراجة نارية باستعمال العنف والسلاح الأبيض    الدريوش تعطي انطلاقة أشغال الورشة الدولية حول: "الأسماك السطحية الصغيرة في ظل الإكراهات المناخية والصيد المفرط.."    مربّو الدجاج بالمغرب يتهمون لوبيات القطاع بالاحتكار ويحمّلون الحكومة مسؤولية فشل الإصلاح    المندوبية السامية للتخطيط: تحسن سنوي في ثقة الأسر المغربية    محمد وهبي: سنواجه الأرجنتين بنفس الحماس لانتزاع كأس العالم    المؤتمر الاستثنائي الاتحادي العام 1975 مؤتمر متوهج عبر امتداد الزمن    في صلب النقاش المفتوح بخصوص الورقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. شعار المؤتمر …. الاختيار الموفق    جيل زد في المغرب: بين الكرامة وخطر الهجرة    جيل 2022 فتح الباب .. جيل 2025 يعبر بثقة من مونديال قطر إلى كأس العالم U20... المغرب يصنع مدرسة جديدة للأمل    قطاع التعليم بين حركية الإصلاحات وثبات الأزمة    تهم اقليم الحسيمة ومناطق اخرى .. نشرة انذارية تحذر من امطار رعدية قوية    محمد سلطانة يتألق في إخراج مسرحية والو دي رخاوي    عاصمة البوغاز على موعد مع الدورة أل 25 من المهرجان الوطني للفيلم    أبناء الرماد    قطاع غزة يتسلم جثامين من إسرائيل    لوكورنو ينجو من تصويت بحجب الثقة    "جنان الجامع" يحترق في تارودانت    "الزمن المنفلت: محاولة القبض على الجمال في عالم متحوّل"    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    نتانياهو: "المعركة لم تنته" في غزة والمنطقة    مجموعة "سافران" الفرنسية تثمن بيئة الاستثمار في المغرب وتوسع أنشطتها بالنواصر    رفع التصنيف السيادي للمغرب محطة مفصلية للاقتصاد الوطني    فرحة عارمة بمدن المملكة بعد تأهل المنتخب الوطني لنهائي مونديال الشيلي    الأمم المتحدة.. المغرب يجدد تأكيد دعمه "الثابت والدائم" لسيادة الإمارات العربية المتحدة على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى    طقس حار نسبيا بأقاليم الجنوب مع سحب غير مستقرة وأمطار متفرقة اليوم الخميس    "إيزي جيت" تراهن على المغرب بإفتتاح أول قاعدة لها في إفريقيا بمطار مراكش عام 2026    كنز منسي للأدب المغربي.. المريني تكشف ديوانا مجهولا للمؤرخ الناصري    ريتشارد ديوك بوكان.. رجل ترامب في الرباط بين مكافأة الولاء وتحديات الدبلوماسية    قصص عالمية في مهرجان الدوحة    الدين بين دوغمائية الأولين وتحريفات التابعين ..    هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخا بديلا عن الإنسان ؟    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حالة إنسانية تحالف عليها الفقر والموت والسلطة بآسفي .. قصة بّا براهيم عسّاس المرحاض في « درب الحبس» وسلالته المنقرضة ..!!
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 05 - 02 - 2012

عندما يتحدث الرسميون عن محاربة الهشاشة والإقصاء الاجتماعي .. يضحك الفقر ساخرا من الكلام الرسمي ..!..
الواقع أقوى بكثير من التصريحات والأرقام .. والحالات الإنسانية التي تعيش تحت مستوى الفقر أكبر علامة وبصمة على فشل السياسات العمومية في إدماج المهمشين والمقصيين .
مناسبة هذا الكلام مرتبطة بحال أسرة فقيرة في المدينة العتيقة بآسفي ، تحالف عليها الزمن وضيق ذات الحال و المرض والنحس أيضا .. ليحيل حياتها وحياة الأب والأم والأبناء إلى جحيم يومي .. يبدأ بالجوع وينتهي عند المستشفى والمقبرة ..!
في صباح من صباحات آسفي الغارقة في روتينيتها ، وصل الخبر الأول إلى سمع ابراهيم جاريفي الأب الذي يشتغل حارسا و «مسؤولا» عن ثقب يسمونه مرحاضا عموميا بباب الشعبة .. لقد صدم القطار المتوجه من الميناء إلى المركب الكيماوي الابن الصغير اسماعيل .. كانت الصدمة قوية ، لم يتردد التدخل الطبي في بتر رجلي الصغير اسماعيل أو القرد البشري كما كان يسميه أقرانه في المدينة القديمة لآسفي.. «بيجّو» القرد البشري الذي كان يجوب المرسى صباحا .. يضاحكه الرّياس ( قباطنة مراكب الصيد التقليدي) ..وينفحونه خبزا أو سمكا مشويا ويطلبون منه الابتعاد.. لكن كان له دوما رأي آخر. الانسلال بين الأرجل وصناديق السردين لعبته المفضلة التي يتقنها بامتياز.
كان الصغير فقط مهتما بما ستطحنه فكاه ويتذوقه لسانه الأبيض والخارج من فمه على الدوام .. كما كنا نراه .. بيجو أيضا تعايش مع إعاقته وحَوّل الركض والجري إلى يديه وكتفيه ، بسرعة غريبة وطراوة ملحوظة في جسمه الصغير .. كان يخترق كل الأماكن والثقوب الصعبة في مرسى آسفي وقصر بحرها البرتغالي .. وكان لا يأبه لصاحب دعوتو كما يقال .. أي القطار الذي بتر رجليه وتسبب في إعاقته الدائمة رحمه الله .. لقد كان يقلده ويرفع عقيرته بالصياح كلما مرت الماشينة ذاهبة أو عائدة .. في ضحك وابتسامة وأسنان بيضاء وعيون بلهاء مفتوحة على المجهول.
أب بيجو أو اسماعيل الذي يمشي على يديه هو حارس المرحاض والسيارات.. رجل أمي وزوجته تقتات وتتسول بضع سردينات في الميناء بشكل يومي وتبيع الميكا طامعة في دريهمات تغلق بها الأفواه التي تنتظرها في الخربة الموجودة في درب الحبس بنفس تلك المدينة القديمة التي يتحدثون اليوم عن هيكلتها وإعادة ترميم معالمها التاريخية.. والتي قدمت لملك البلاد في زيارته لها ..مشاريع وماكيطات وأموال مرصودة.. لم يظهر منها لحدود اليوم سوى أخشاب وشمسيات وبضعة مصابيح وحيطان مكشوطة بالتوفنا والتراب الأصفر وأحجار مرصوفة في بعض الأزقة .. هل كل هذا يساوي الملايير المرصودة ..!
هذه الأسرة التي رزئت في وفاة إسماعيل الذي صدمه القطار بعد إصابته مرة ثانية بحمى شديدة .. لم يمهلها الحزن والموت وقتا طويلا وعاد ليداهم ابنا آخر أصغر من الفقيد الأول.. عبد الرحيم الصغير الذي كان يأتي إلى المرسى ومعروف بوجهه الطفولي عند بحارة آسفي .. لا يسرق ولا يشتم.. بوجه أسمر يطلب فقط ما يأكل .. هو الآخر رحل إلى دار البقاء بعد أن بدأه الأمر في رجله بصديد بسيط.. ليحال على موريزكو كازابلانكا .. و من هناك جثة هامدة إلى مقبرة آسفي .
با إبراهيم الفقير المعدم وبدزينة من الأولاد وبيت آيل للسقوط ووضع اجتماعي مزر وقاتل، يقف اليوم أمام سلطة آسفي وبلدية آسفي .. وراسل كل المسؤولين من أجل تسجيله في لوائح الذين سيستفيدون من السكن الاجتماعي و التعويض عن «المغادرة الطوعية» لمنازل المدينة القديمة في إطار مشروع الهيكلة العظيم ..!..لكن كل هؤلاء كان لهم رأي آخر هو التجاهل المعيب والمقيت..
الولوج إلى المدينة القديمة له أبواب عدة .. لكن كل تلك الأبواب تفضي إلى التهميش والعدوانية والبطالة والانحراف والتوترات ، تلك هي المياسم التي تطبع تفاصيل عيش وحياة هذه المدينة العتيقة بآسفي التاريخية .. في درب الحبس حيث يوجد منزل با براهيم الذي وصلناه عبر تعرجات يعرفها ويحفظها أبناء المدينة ، هو حفرة حقيقية بدون أي شروط للعيش، أثاث يشبه الأثاث .. و حياة تشبه الحياة.. والخلاصة.. وضعية لا تشتهيها لعدوك.
إذا كان هذا الرجل وتينك العائلة توأمان لصيقان للفقر والحاجة والفاقة.. ولم تفتح السلطة عينها وقلبها لمثل هاته الحالات الإنسانية .. فلمن ستفتحها يا ترى ..؟؟؟
لا نريد الدخول في تفاصيل الفساد والرشوة المعششة في جيوب بعض أعوان السلطة ورجالها ممن لا يفهمون ولا يريدون أن يفهموا أن التاريخ المغربي قام بانعطافة أخرى نحو التغيير الحقيقي .. ولا يزالون يتعاملون مع الفقراء في المدينة القديمة والمسحوقين بمنطق الأتاوات ، إذا كنت تريد أن تصبح «ساكنا» و قاطنا في اللوائح قبل الواقع .
العساس الفقير الذي تعرفه كل اسفي ومدينتها القديمة بفضل «حكمه» الذي طال لسنوات على مرحاض عمومي يوجد في خاصرة تل الخزف التاريخي ، زارنا أكثر من مرة وطلب منا كصحافة نشر معاناته بأدب جم وهدوء مدهش.. خصوصا عندما ينخرط في سرد معاناته مع الموت والمرض والجوع .. غريب أمر بعض البشر ..وقوي صبرهم أيضا!!
«راني كتبت لكلشي ، الوالي والرايس ديال البلدية .. حتى شي واحد ما جاوبني ، غير تا نقدر وصافي ، عايشين بوالو والحمد لله، دابا باغي غير فين نتسترو مع ولادنا، ولينا خايفين تطيح علينا الدار في أي وقت .. الله يرحم الوالدين إلى ما كولوها ليهم «.
ذاك جزء من كلام طويل قاله الرجل و صرح به وأمدنا برزمة من شكايات زارت مكاتب المسؤولين ودواوينهم ، لكن يبدو أنها استقرت بالأدراج الباردة عندهم . أما مسلسل حديثه عن موت ابنيه والإهمال الذي لاقاه في المستشفيات، فإنه يصلح كسيناريو في فيلم درامي حقيقي.
حالة با ابراهيم وأسرته لا تتطلب الكثير من الفلسفة والفهم .. والكلام الكبير والفارغ والتحجج بالمساطر والقوانين والإشكالات العقارية.. حالة هذا الفقير تتطلب الحسم وقليلا من الإنسانية ..
غدا سيسقط ما تبقى من سقوف خربة با ابراهيم، وبدل أن يفرح بسكن جديد لسلالته .. ربما سيموت من يموت وسيعوق من تبقى من أبنائه وبناته.. فقط لأن السلطة وأجهزتها لا تحب الفقراء والمعدمين..!..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.