مقدونيا الشمالية تعتبر مخطط الحكم الذاتي الأساس الوحيد لتسوية النزاع حول الصحراء    كيف تحولت الشرفة الأطلسية بالعرائش لمسرح للجريمة !    المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تستنكر الاعتداءات العنصرية على المهاجرين المغاربة بإسبانيا    وزارة الخارجية الأرجنتينية: المغرب يتموقع كسوق استراتيجية بالنسبة للأرجنتين    المغرب.. مؤسسات الإيواء السياحي المصنفة تسجل أزيد من 11,88 مليون ليلة مبيت عند متم ماي (مرصد السياحة)    البنك الإفريقي للتنمية يمنح المغرب 100 مليون أورو لدعم الفلاحة التضامنية للنساء والشباب        طاطا…إحباط محاولة للتهريب الدولي للمخدرات    مصرع شخص وإصابة آخرين في حادث سير بإقليم الدريوش    هشام البلاوي: العقوبات البديلة ليست خيارا قانونيا فقط بل اختيار حضاري لحماية أطفالنا    مجموعات تراثية في فن لوناسة تضيء سماء تارودانت    ما حقيقة إصابة الفنانة أنغام بسرطان الثدي؟..بيان رسمي يوضّح        اتحاد يعقوب المنصور يعلن عن تعاقده مع 6 لاعبين    جدل بين صيادلة المغرب وجامعة المستهلك بسبب مرسوم تخفيض أسعار الأدوية    المغربي نائل العيناوي ينضم رسميا إلى نادي روما الإيطالي    الأغلبية والمعارضة تقترحان التراجع عن منح "مجلس الصحافة" صلاحية توقيف المطبوعات والصحف    حملة ميدانية مكثفة لمراقبة المطاعم بالحسيمة لحماية صحة المواطن والمستهلك    "يوم الصفر".. الولايات المتحدة الأمريكية تتعرض لهجوم سيبراني غير مسبوق    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين بمختلف مناطق المملكة    هل تخلص مولودية وجدة من إرثه الثقيل؟    مارسيليا يرفض عرض جيرونا لضم أوناحي ويصفه ب"السخيف"    حاجيب يُتوّج النسخة الثالثة من ليلة العيطة بالرباط    "المهرجان السوسيو ثقافي لمقريصات في دورته التاسعة..منصة لإبراز تنوع وغنى الموروث الثقافي للمنطقة "    نبيل الأيوبي يتوَّج بلقب "نجم العيطة" في أولى محطات مهرجان العيطة المرساوية بالجديدة    مقتل 93 فلسطينيا ينتظرون المساعدات في غزة بنيران إسرائيلية    كيوسك الإثنين | 390 سجينا استفادوا من البرنامج التأهيلي "مصالحة"    عندما تتظاهر العرائش دفاعا عن هويتها الجمالية!    أمام أعين والدتها.. فتاة مراهقة تلاحق فلوغر كوري وتعرض عليه الزواج    في البيان الختامي للمؤتمر الإقليمي الخامس .. من أجل تعاقد تنموي جديد يعيد الاعتبار لإقليم فجيج    تير شتيغن يخضع لجراحة في الظهر تُثير الشكوك حول استمراره مع برشلونة    صحيفة إسبانية تسلط الضوء على المغرب كنموذج للاستقرار الاقتصادي في إفريقيا        غدا، الكاتب الأول إدريس لشكر يترأس المؤتمر الإقليمي السابع للحزب بتطوان        في صمت بعيدًا عن الضجيج.. المغرب يواصل إغاثة غزة    مصرع خمسة أشخاص في حريق عبارة    مصرع 18 شخصا بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية    مكتب نتنياهو يٌعلن إصابته بتسمم غذائي.. والصحافة العبرية تتهمه بافتعال المرض للتهرب من محاكمته    أولمبيك آسفي يتعاقد مع عماد عسكر    أمريكا تتسلم زعيم عصابة مخدرات    الديكتاتورية العائلية تفتك بحزب أخنوش في طنجة .. والانهيار بات وشيكاً!    غزة: تنفيذ المرحلة الثالثة من حملات الإغاثة المغربية        بالصدى .. «الإدارة المغربية» وثقافة الإنصات    آسفي .. ليلة فنية تحتفي بأصالة العيطة وتجذرها في الهوية الوطنية    تظاهرة حاشدة في الرباط تندد بعدوان اسرائيل على غزة وتجويع أهلها(صور)    دراسة تكشف العلاقة بين سمات الشخصية والرياضة المناسبة    لماذا تختلف القدرة على تحمل الألم من شخص لآخر؟    الحسيمة تحتفي بانطلاق مهرجان الشواطئ بأمسية للفنان رشيد قاسمي    الملتقى الدولي لفناني القصبة بأليكانتي: الفن في خدمة التبادل الثقافي والتنمية الإنسانية    ترامب يغيّر وصفة "مشروب القمامة" وسط تحذيرات من مخاطر "كوكاكولا"    البيت الأبيض يعلن إصابة ترامب بمرض مزمن    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات الماريشال ليوطي عن المغرب 1926-1912
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 17 - 06 - 2012

هذه مذكرات هامة جدا، كونها تعنينا كمغاربة، عن كيف تشكل المغرب الحديث بعد احتلال فرنسا وإسبانيا لبلادنا، إثر توقيع معاهدة الحماية يوم 30 مارس 1912، والتي مرت عليها الآن 100 سنة. وأهمية هذه المذكرات، ليس فقط أنها وثيقة تاريخية، بل كونها كتبت من صانع قرار، لم يكن عاديا قط في تاريخ المغرب الحديث، أثناء وبعد صدمة الإستعمار، الماريشال هوبير ليوطي، أول مقيم عام لفرنسا بالمغرب.
لقد جاء إلى المغرب بعد سنوات قضاها في مدغشقر ثم وهران بالجزائر، ليمارس مهام المقيم العام ل 14 سنة كاملة. وهي أطول فترة قضاها مقيم عام فرنسي بالمغرب. ليس هذا فقط، بل أهميتها التاريخية أنها كانت مرحلة تأسيسية لشكل الإستعمار الفرنسي في إمبراطورية لها منطقها الدولتي في التاريخ، في كل الشمال الغربي لإفريقيا، هي الإمبراطورية الشريفية المغربية. وأن كل أساسات الدولة الحديثة قد وضعت في تلك المرحلة، على مستوى إعداد التراب، أو التنظيم المالي، أو القضاء، أو التعليم أو الفلاحة. ومن خلال ما دونه في مذكراته نتتبع بدقة كيف ولدت كل تلك الترسانة التنظيمية للدولة المغربية الحديثة، بلغة صاحبها التي لا تتردد في وصف ذلك بالعمل الإستعماري، المغلف بالدور الحضاري. وهي شهادة فيها الكثير من جوانب الجرأة الأدبية التي تستحق الإحترام. ثم الأساسي، أنه كرجل سياسة كتب شهادته وأرخ للأحداث عبر مذكراته الخاصة، من وجهة نظره، ولم يلد بالصمت، بل كان له حس تاريخي، يتأسس على إدراكه أنه يسجل كلمته للتاريخ.
لقد صدرت هذه المذكرات أول ما صدرت سنة 1927، أي سنة واحدة بعد مغادرته المغرب (بقي مقيما عاما بالمغرب من 1912 إلى 1926). ثم أعيد نشرها سنة 1944، قبل أن يعاد نشرها من قبل كلية الآداب بالرباط منذ سنة إحياء للذكرى 100 لاختيار الرباط عاصمة للمغرب. لنستمع لصانع من صناع التاريخ المغربي الحديث والمعاصر، كيف يروي قصة الأحداث من وجهة نظره. أو كما قال الزعيم اليساري الفرنسي فرانسوا ميتران عن مذكراته الخاصة هو: «هذه هي الحقيقة من الجهة التي كنت أنظر منها». أي أن للحقيقة دوما جهات أخرى للرؤية والنظر، يكملها عمليا المؤرخون.
الدارالبيضاء: 14 يوليوز 1914 (تتمة 1)
حقا، لقد عملنا الكثير. فبتحد لضعف الإمكانيات والمنافسة الشرسة، لم يتوان المعمرون الفرنسيون والصناعيون والعمال من مختلف الآفاق من بدل جهد منتج. أما موظفوا الحماية، فإنني ملزم أن أعترف لهم، أنهم كانوا دوما السند لمخططاتنا. وإن مشهد العطاء الذي رأيناه أمامنا، لم يكن ليفاجئنا، هو حقا يفاجئ الغرباء الزائرين الذين يلجون أول مرة إلى أرض المغرب، أو أولئك الذين يعودون إليها بعد غياب طويل. وإذا ما اكتفى الواحد منا بالفرح، فقط، بملاحظات أولئك الزائرين، لتسرب إلينا الكسل الذي يوهمنا أن كل شئ على ما يرام. وصدقوني، ليس هناك أخطر من الإكتفاء بسحر تلك الملاحظات المجاملة، التي تحكمها المعلومات الفضفاضة السريعة. إن الواجب الأول للسلطة أن تحتاط من أن يتم تخديرها بتفاؤل خادع، بل أن تكون منصتة بشكل جيد وبأذان دائمة العمل لصوت المشاكل، الذي يكون في الكثير من الأحيان المعلم الصادق غير المجامل.
إن حكمنا على حال صحتنا لا يستقيم سوى بالتيقن من حال القلب. أي حال الوضع الإقتصادي للبلد. والحال أنه لا يمكننا نكران أن تمة نزولا في سلم إنتاجيتنا الإقتصادية. وهو أقرب في الحقيقة، لما يشبه فقر الدم. والتحدي هو: مهما كانت درجة جهودنا، كيف يمكن جعل تنمية المغرب وفية للوعود التي أغرتنا بها من قبل؟. أو كما قالها منذ سنة، بسخريته المعتادة، أكبر مساعدي المقربين، السيد دوسانت أولير (de Sainte-Aulaire): «إنكم تكبرون بسرعة تجعل مقاييس اللباس تضيق حتى قبل أن تلبسوها». إن الهجرة ترمي كل شهر بالآلاف على شواطئنا، ضمنهم عدد من حاملي الأموال، وضمنهم أيضا عدد أكبر من الباحثين عن المال. وعدد منهم يبقون في المراسي، يعلون من أثمنة المواد الأساسية، ولا يجدون فيها مورد رزق. وبعضهم الآخر، يهيم في داخل البلاد مقدمين خدماتهم، لكن أغلبهم يحبطون لأنه ليست هناك لا طرق معبدة ولا سكك حديدية، توسع من أسباب التنمية. والنتيجة أن احتياطات استهلاك كبيرة تخزن في فصل الشتاء، تبقى مخزنة بلا فائدة. وهذا دليل على أزمة في النمو. والأساسي هو مواجهتها. والوصفة الناجعة الفعالة، أنا متأكد أنكم تعرفونها، هي: الإنجاز السريع للأشغال الكبرى العمومية بالمغرب. فأين نحن من ذلك وما الذي علينا التخطيط له؟.
الأكثر استعجالا هو التمكن من الدخول إلى الدار، أي: المغرب. والحل هو فتح موانئ جديدة. ودعوني أقول بدون ادعاء تفاؤل كاذب، أننا في هذا الباب بالضبط حققنا الكثير المجيز للرضى. لقد خرجنا من شرنقة مرحلة التجريب والنقاش والدراسات الأولية. وبخصوص ميناء الدارالبيضاء، ما زلتم تتذكرون، حين وصولي منذ سنتين، أن مجرد التفكير فيه كان تهمة بالجنون. وللإنتصار على كل أشكال المقاومة والرفض، كان لابد من مواقف غاية في الشجاعة، وهنا علينا واجب التنويه بدور مديرنا العام للأشغال العمومية السيد دولير. واليوم القضية ربحت. فمنذ ستة أشهر وأنتم تتتبعون التطورات المتحققة، رؤية عين مباشرة. فالحاجز الحامي بني، وهو يحتضن قواربكم وآليات الشحن والتفريغ. فيما الرصيف الرئيسي للميناء يتوسع ويكبر، وإذا ما سمحت الظروف بمواصلة الاشغال بذات الحيوية، لنا الحق أن نأمل في اتساع حجم البواخر الواصلة خلال الشتاء القادم. لقد تمت مضاعفة حجم الأرصفة خلال سنة واحدة، وكذا الفضاءات المغطاة والمخازن التي تحمي أعمالكم وسلعكم من التلف ومن الفوضى. فيما مينائي الصويرة والجديدة في ورش كبير للإصلاح والتطوير. أما بخصوص الرباط والقنيطرة، فإن المفاوضات جارية بخصوص ميناءيهما، وقد بلغت درجة جد متقدمة وهي واعدة على مستوى شروط التحقق والإنجاز.
حقا، إن هذه الموانئ، وضمنها ميناء الدارالبيضاء، لن تكون جاهزة في الغد القريب، وطيلة مدة الأشغال الطويلة، سنظل نعاني من مشاكل الإستقبال غير المشجعة في شواطئ هذه البلاد. لكنكم، مدركون أكيد لحجم ما تتطلبه مثل هذه الأشغال من وقت وجهد، وهي تتطلب حنكة ودربة خاصتين. الأساسي هو التيقن أنها في طريقها للتحقق، وكل يوم عمل فيها خطوة جبارة في طريق التنمية.
أصل الآن للطرق..
مشهد الإنجازات هنا، أقل اغتباطا. ففي كل المغرب لا تزال قليلة جدا الطرق التي شرع في شقها، بل نحن لا نزال أمام ممرات غير معبدة، تلك الممرات الصعبة، التي مهما كان، بهذا الشكل أو ذاك، تسمح لنا بجهد، منذ سنتين أن نجول في المغرب. بل، وأن نهيئها لعبور السيارات بشكل أفضل بكثير مما تحقق في بلاد أخرى غير المغرب. وهنا أستسمحكم أن أوجه التحية للسلطات العسكرية ولجنودنا، الذين بدلوا جهدا خارقا من أجل إعادة تهيئة هذه الممرات الصعبة والبدائية. وصدقوني، لا يمكننا التغاضي عن ذلك، وأنا أولكم، أنها مجرد طرق غير معبدة، كم هو متعب العبور منها بسبب حجم الإهتزازات والميلان الذي يجعلها غير لائقة ولا مساعدة لأي استعمال تجاري واقتصادي.
علي أن أعترف لكم، وكل مصالحي تعرف ذلك، أنني الأكثر حماسة والأكثر غضبا لبطء الأشغال في مجال الطرق، الذي لم يساعد بعد في أي تنمية اقتصادية، وذلك هو الشرط الأول للنجاح. لكنني، إذا كنت حانقا مثلكم، على هذه الوضعية، فإنني أيضا مدرك لحدود الواقع كما هو. ففي بلد لا وجود لخريطة واحدة فيه، فإن الطريق لا ترتجل، حتى لا نقع في خطايا مدمرة سوف تعطل عجلة تطور اقتصادنا المرجوة. فإبداعية الطرق، الواجبة لتحقيق فعاليتها، تستوجب منا بالضرورة الدراسات العلمية الدقيقة والجدية. ثم لا بد لنا من توفير مصادر التمويل، ونحن لم نتوصل بالقرض المالي سوى حديثا، وحتى في هذا الباب نحن خاضعون لنص القوانين الدولية، وأنتم أعلم حجم التماطل الذي يصاحبها. لكن، بجد، أعتقد أننا هذه المرة نمسك فعليا بقرون البقرة. وليس هناك أي سبب يمنعني من التتبع المباشر للمشروع. لكن، إليكم تفاصيل التحديات:
الشطر الأول من مشروعنا للطرق يتضمن 1500 كلمتر، ضمنها 780 كلمترا منتهية دراساتها، أي أكثر من النصف. وأن المناقصات تمت بشأنها وأن الأشغال ستنطلق بها مع مطلع شهر أكتوبر القادم (1914). وهي تضم:
الطريق الشاطئية الكبرى الرابطة بين الجديدة، الدارالبيضاء، الرباط، القنيطرة. ثم الطريق الرابطة بين الصويرة ومراكش والأخرى بين الجديدة ومراكش، ثم مراكش - الدارالبيضاء، والقنيطرة - فاس. وأخيرا الطريق بين وجدة وتازة، التي سترتبط بالطريق التجارية الكبرى بين تونس والجزائر العاصمة وفاس والدارالبيضاء.
وبعد المناقصات وبداية الأشغال، أستطيع أن أؤكد لكم أن قطار العمل قد انطلق بشكل لا رجعة فيه. ودورنا الآن هو تتبع إنجاز هذه المشاريع بالسرعة اللازمة، وثقوا أنني سأكون مشرفا بشكل شخصي على ذلك، وأنني سأكون رسول مطالبكم الملحة في سرعة العمل والإنجاز، لأنها ببساطة هي ذات مطالبي تماما. أما بخصوص باقي المشروع الأول للطرق فقد قدمت لي الضمانات الراسخة أن الدراسات حولها ستنتهي في شهر أبريل القادم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.