بوانو: "الترشح المستقل للانتخابات يقوض الأدوار السياسية للأحزاب".. والسكوري: "الدولة لا تتصادم مع الأحزاب بل تسعى إلى توسيع قاعدة المشاركة السياسية"    تقرير يسجل ارتفاع معدل التضخم مقارنة ب2024    تراجع أسعار بعض الخضر واستقرار الفواكه بسوق الجملة بالدار البيضاء    مشروع قانون المالية 2026.. الحكومة تراهن على إصلاح ضريبي متدرج لدعم النمو الاقتصادي    جوائز الكاف.. أشرف حكيمي وأسامة لمليوي مرشحان للفوز بالكرة الذهبية    أخبار الساحة    بالفيديو | الرباط تتزين لأشبال الأطلس.. استقبال أسطوري لأبطال العالم    دار الراوي تحتفي برواية «حساء بمذاق الورد» للكاتب سعيد منتسب    في الذكرى80 لرحيل الشاعر العراقي معروف الرصافي    بتعليمات ملكية.. ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس حفل استقبال "أشبال الأطلس"    بلاوي يشيد ب"خط التبليغ عن الابتزاز"    العدوي تبرز مجهود المحاكم المالية    نصف طلبة الجامعات المغربية يدرسون العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية    لقاءات تجارية تجمع تعاونيات مغربية وفعاليات دولية بمعرض أبوظبي للأغذية    نادي الوداد يتوصل إلى اتفاق مع زياش    المجلس الأعلى للسلطة القضائية يفصل بيانات قضايا الطلاق في المغرب    الدعم العمومي لغاز البوطان يتجاوز نسبة 55% من سعر البيع بالمغرب    "سخاروف" تكرم صحافيين مسجونين    تشييع جنازة مطاع في مقبرة الشهداء    التنافس يطبع نهائيات "تحدي القراءة"    "المدى" تحتفي بخريجي أكاديمية الفنون    أمير المؤمنين الملك محمد السادس يضع "فتوى الزكاة" رهن إشارة العموم    الإعلام الدولي يشيد بقوة أكاديمية محمد السادس لكرة القدم كنموذج مغربي يصنع أبطال العالم    تكريم "جمال سليمان" وعروض أولى وخاصة بمهرجان الدوحة السينمائي    رسميا.. ملعب الأمير مولاي عبد الله معقل مباراة الجيش الملكي و حرية الغيني    "تسحرني" تُعيد Mocci إلى الواجهة.. مزيج بين التراب سول والأفرو راي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    التكلفة الإجمالية للنظام الأساسي الجديد الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية بلغت ما يفوق 17 مليار درهم (برادة)    260 سنة سجنا في حق 33 متهما بأحداث العنف التي رافقت احتجاجات "جيل زِد" بسوس ماسة    الملك محمد السادس يأذن بنشر فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة    الصين تختبر أسرع قطار فائق السرعة في العالم ب 453 كيلومتر في الساعة    بكين تستضيف جلسة خاصة لتخليد ذكرى عودة تايوان إلى الوطن الأم    الدار البيضاء.. مصرع شخصين وإصابة اثنين آخرين بجروح في انهيار منزل بالمدينة القديمة (سلطات محلية)    وزير الصحة يرد على جدل ارتفاع أسعار الأدوية والخدمات الطبية    محكمة العدل الدولية تصدر حكمها الأربعاء بشأن التزامات إسرائيل تجاه المساعدات إلى غزة    الإمارات: طبعنا العلاقات مع إسرائيل لتغيير طريقة التفكير في المنطقة    التخريب يستنفر أمن مرس السلطان    كيوسك الأربعاء | المنتجات المغربية تدخل 24 سوقا إفريقيا بدون رسوم    هزيمة ثانية للمنتخب المغربي ضد نظيره الإيطالي في مونديال الفتيات    متحف اللوفر في باريس يعيد فتح أبوابه أمام الجمهور ثلاثة أيام بعد تعرضه لعملية سطو    لجنة مشتركة بين المغرب وإسبانيا والبرتغال لتعزيز أثر تظاهرة مونديال 2030    مجلة ليكسوس تدخل تصنيفات معامل التأثير والاستشهادات المرجعية العربي"    اصطدام حافلتين يسلب حياة العشرات في أوغندا    كتاب فرنسي جديد: المهدي بن بركة قُتل غرقاً في حوض الاستحمام بإشراف الدليمي وبتنسيق مع "الموساد"    فنانون من 12 دولة يثرون الدورة 14 لمهرجان العرائش الدولي    سانشيز يطالب الاتحاد الإوروبي بإلغاء التوقيت الصيفي نهائيا    انطلاق المنظومة الجديدة للدعم المباشر للمقاولات الصغرى والمتوسطة في 2026    إسرائيل تتعرف على "جثتي رهينتين"    تخفيضات الميزانية تهدد جهود الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان بالعالم    إدريس لشكر… قائد التجديد وواضع أسس المستقبل الاتحادي    ندوة تبرز الاحتفاء القرآني بالرسول    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    ساعة أمام الشاشة يوميًا تخفض فرص التفوق الدراسي بنسبة 10 بالمائة    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقترب الانقسامي للمجتمع القروي بالمغرب - التحليل و الحدود -
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 17 - 05 - 2013

شكل المجتمع المغربي عموما، والقطاع القروي منه على الخصوص ? منذ فترة ليست بالقصيرة? موضوعا للعديد من الدراسات و الأبحاث التي لا يمكن، الجدال في مدى قوتها وجودة و غنى المعطيات التي ساهمت في تجميعها و عرضها. و الدراسات المذكورة، كما هو معلوم، تنتمي لقطاعات معرفية و تخصصية متعددة و متباينة : كالسوسيولوجيا، والاثنولوجيا، واللسانيات، والأركيولوجيا، والسيكولوجيا، و التاريخ، والأدب.
وقد تمخض عن هذه الدراسات الخصبة و المعمقة في الوقت عينه العديد من الآثار oeuvres، و الكثير من الوثائق، تراوحت بين المونوغرافيات، و النشرات، و التقارير، و البحوث و المذكرات ... ما زالت تثير في وقتنا الراهن شهية الدراسة؛ و الاطلاع، و تدعو إلى المزيد من التساؤل بصدد مناهجها، وإشكالياتها؛ و الخلاصات التي توصلت إليها بغرض مراجعتها، وتقويمها أو من أجل رسم حدودها.
ارتبط مسلسل الدراسات الأولى، التي اتخذت فيما بعد سمة الكولونيالية في المغرب، باحتلال الجزائر سنة 1830. وتعود أسباب ذلك إلى كون فرنسا في تلك الآونة كانت بصدد التفكير في الانفلات من المصيدات التي سقطت فيها في بلدان أخرى، و التي اتخذت شكل المواجهة المسلحة العنيفة الشيء الذي جعلها تفكر في إرساء استعمار على قاعدة علمية تقطع مع كل أشكال إراقة الدماء التقليدية. ولربما هذا هو ما حدا بأحد منظري الاستعمار ألا وهو رايمون طوماسي كيما يؤكد بأن العلم و العلم وحده هو أول سلاح يلزم توظيفه بوصفه العامل الحاسم المعبد للأرض التي يتعين الزحف عليها. هكذا إذن لاحت في الأفق؛ وبالضبط إثر هزيمة المغرب في موقعة إيسلي سنة 1844 سلسلة من النشاطات الاستكشافية بلغت ذروتها سنة 1880 مع الأب شارل دوفوكو.
وتبعا لذلك حظي المجتمع المغربي باهتمام الزوار و المستكشفين الذين ما انفكوا يدونون أدق التفاصيل عن الجهات التي كانوا يعبرونها؛ حيث اهتموا بأنماط عيش السكان، و أنشطتهم، وأزيائهم، وتقاليدهم، وعاداتهم، ومؤسساتهم، وقيمهم، ونمط تفكيرهم نظير اهتمامهم بالمدن العتيقة، والتاريخية.
و إذا كانت التقارير الأولى قد اهتمت بالعالم الحضري على الخصوص، فإن العالم القروي لم ينل حظه من الدراسة إلا مع بداية القرن التاسع عشر حيث انطلق مسلسل الاستكشافات ذات الطابع السوسيولوجي، والأنتروبولوجي، والتاريخي التي أشرف عليها الحاكم العام في الجزائر: جول كامبون سنة 1890 فأثمرت على يد كل من مولييراس ودوتي اللذين قاما معا بجمع، و وصف، وتأويل كل ما يتعلق بالحياة الاجتماعية من تغذية، ولباس، وأعراف، وطقوس قروية. كما تميزت أعمال أخرى بغلبة الطابع السردي، و النمط الحكائي، و الوصفي الطافح بمعلومات على قدر كبير من الأهمية سياسيا، وسوسيولوجيا، و أنثروبولوجيا. نشير هنا مثلا إلى التقارير التي كان يدونها هاريس مراسل جريدة التايمز أساسا.
ومن بين المناطق المغربية التي حظيت باهتمام البحاثة الأجانب، نذكر المناطق الصحراوية، والحدود المغربية الجزائرية. فقد أثارت هذه المناطق اهتمام الباحثين وضباط الشؤون الأهلية بالجزائر.
فحينما أيقنت فرنسا أن المغرب، آيل إليها لا محالة قامت بإعداد دراسات مفصلة حول السكان، والثروات، والتاريخ المحلي. وتمثلت اللحظة الحاسمة التي عاشتها البلاد في احتلال واحة توات سنة 1899. ويمكن القول بأنه بدء من هذه السنة أعطيت الانطلاقة للقيام بما سيعرف لاحقا «بالدراسات النسقية» حول طبيعة المجتمع المغربي التي نشطت مع حركة «البعثة العلمية» التي توجت أبحاثها بنشر: المحفوظات المغربية، و المحفوظات البربرية، و مجلة العالم الإسلامي بالإضافة إلى ترجمة، ونشر العديد من الوثائق المتعلقة بتاريخ المغرب، و الدين الإسلامي؛ كما اهتمت هذه الدراسات الشمولية بالمخزن، والنسق القبلي، وظاهرة الزوايا المرابطية إلى جانب الاهتمام بالعالم القروي، والتربية، والثقافة السائدة.
1- النسق المخزني:
أكد اغلب الباحثين الأوربيين؛ خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ؛بأن ثمة تشابها إلى حد كبير بين المجتمع المغربي وباقي بلدان شمال إفريقيا التي كانت تخضع لنفوذ الخلافة العثمانية. كما ذهبوا إلى أن المغرب يتوفر على عناصر تنظيم بيروقراطي إلى جانب تنظيم قبلي قوي ومحكم البناء ؛ وعلى هذا الأساس عمدت هذه الدراسات إلى الاهتمام بالهيئة المخزنية في علاقتها بباقي القبائل المغربية. وضمن هذا السياق تم النظر إلى السلطان باعتباره قطب رحى النسق السياسي المغربي. ومن أهم الأعمال التي ركزت على ذلك دراسة إيركمان الموسومة ب « المغرب الحديث» . فقد اجتهدت هذه الدراسة في إعطاء تفاصيل مدققة حول البلاط السلطاني والجيش المغربي فضلا عن وصف كتاب المخزن في «البنيقات » ومختلف الإداريين والأعيان كما اهتمت بوصف مميزاتهم ومستوياتهم الثقافية.
هذا من جهة؛ومن جهة ثانية انتبه ايركمان؛ومن لف لفه، إلى الصراع الذي كان يطبع علاقة القبائل بالمخزن. فقد استنتجوا؛ من دراساتهم؛ أن سلطة السلطان لا تعدو أن تكون سلطة دينية محض لا سلطة زمنية نظرا لأن القبائل تعترف بالسلطان كرئيس ديني؛ وكرجل مكلف من قبل الله بالدفاع عن التراب ضد الغازي الأجنبي؛ و لأجل هذا تقام الصلوات باسمه.
2- النسق القبلي والعالم القروي:
خلص الباحثون الأجانب من دراساتهم للقبائل المغربية ؛وفي إطار تدشينهم للقول بثنائية بلاد السيبة وبلاد المخزن، المغرب النافع والمغرب غير النافع ؛التي ستفعل فعلها القوي فيما بعد سنة 1912 إلى أن سلطة المخزن لا تمارس سوى في جزء ضئيل من العالم القروي ؛وهو الجزء الذي يشمل أطراف المدن، والسهول، في حين ان المناطق الجبلية والمتاخمة للصحراء تعد مناطق الفوضى العارمة، والثورات، والقلاقل، والاضطرابات المستمرة.
3- الزوايا والمرابطية :
استرعت الظاهرة الدينية في المغرب اهتمام الباحثين الأجانب والرحالة الذين زاروا مغرب القرن التاسع عشر فرادى أو زرافات. وقد انتبه هؤلاء المستكشفون إلى وجود نوعين من الإسلام في المغرب:الإسلام الأول هو إسلام رسمي اورثوذكسي يتمركز في المدن وهو إسلام العلماء، والشرفاء، والفئات الارستقراطية المدينية. والإسلام الثاني هو إسلام شعبي ينتشر في العالم القروي ؛ويتضمن هذا النوع من الإسلام تقديس الأولياء الذي يعود بأصوله إلى التأثير الرمزي والسياسي لبعض الشخصيات المرابطية ذات الحظوة الكبيرة .
وقد أفاضت الدراسات الاثنولوجية في إعطاء تفاصيل حول المقدس بالمغرب . وفي هذا الصدد أكدت تلك الدراسات بأن المرابط يعتبر مصدرا أو سببا في الممارسة الطقوسية الشخصية أو الجماعية إذ إن الجماعة المحلية باعتبار حاجتها إليه؛ تطلب توسطه في كل ما يتعلق بالشؤون الدينية والاجتماعية الاقتصادية. يضاف إلى هذا أن الولي يتدخل في العالم الطبيعي قصد جعله ملائما للناس وقصد طلب الفأل الحسن فضلا عن أنه يتميز بحضوره الفاعل في السير العادي لشؤون الجماعة. ولربما هذا ما يفسر الإخلاص الجماعي/ القبلي؛ والجهوي بل وحتى الوطني لكبار المرابطين. وبمكنتنا أن نستشف من ذلك اختلاف وتنوع الالتزامات، والواجبات، ورموز الاعتراف بقوة هؤلاء الأولياء بمناسبة الزيارات أو التظاهرات الموسمية أو السنوية.
على أن هذا التبجيل لا يقتصر على الأولياء والمرابطين الذين يتمتعون ب « البركة » فحسب ؛بل يتعداهم إلى تقديس ظواهر طبيعية أخرى كالقبور، و المزارات، والمغارات، وعيون المياه،وبعض النباتات....
إن هذه الممارسات التي أشرنا إليها تدخل، كما هو واضح ؛في سياق إسلام شعبي يشكل مزيجا من المعتقدات الموروثة المتجذرة في التاريخ؛ وخليطا من العقائد الإسلامية الأورثوذكسية...
4-سيكولوجية الإنسان المغربي:
انصب اهتمام البحث الغربي أيضا في المغرب على طبيعة الشخصية المغربية القاعدية personnalité de base وبأسس تربيتها، وبنسقها القيمي، والتقليدي كمحاولة للإحاطة بسيكولوجية الإنسان المغربي؛ولأجل هذا اتجه البحث صوب التأمل في طبيعة« العقلية الإسلامية » والأهلية للكشف عن مميزاتها وخصوصيتها. و الملاحظ أن هذه الأبحاث كرست مقولات الاستشراق التقليدي وأنثروبولوجيا الفكر الغرائبي الذي تحكمه المرجعية الأرومركزية كمنطق؛ وتفكير إذ تم تقديم «عقلية الإنسان المغربي » بوصفها عقلية ميالة إلى الإفراط في التدين؛ وقاصرة عن القيام بالاستدلال التدريجي، والتأمل النظري الخالص. بالإضافة إلى كونها عقلية تنفر من محاولات التركيب والتحليل ...إلى غير ذلك من النعوت المعيارية والقيمية التي وصفت بها «عقلية الإنسان المغربي».
أوردنا في ما سبق نظرة مقتضبة لمجموعة من الدراسات التي قام بها الفرنسيون من مستكشفين وباحثين حول المجتمع المغربي؛ وذلك خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ومما لا شك فيه أن هذه المساهمات السوسيولوجية والأنثروبولوجية تشكل في الواقع وثائق أساسية لا غني عنها لكل باحث في العلوم الاجتماعية؛ والتاريخية، والأنثروبولوجية تتوق إلى دراسة المجتمع المغربي.
غير انه بعد «الثورة المالينوفيسكية» في مجال علوم الإناسة تم التصدي للأفكار التطورية، و التاريخانية بسبب طرحها لمشكلة العلاقات بين المؤسسات الاجتماعية البريطانية من منظور تعادل الوظائف. ففي هذا الصدد بحث مالينوفسكي بمعية زميله رادكليف براون عن طريقة ما لتأسيس «علم طبيعي للمجتمع» ويهدف هذا العلم ، من بين ما يهدف إليه، حسب مالينوفسكي، إلى إنجاز دراسات إختبارية حول الشعوب البرية/ المتوحشة Sauvages، ترتكز على مصادرة أساسية تتمثل في اعتبار مؤسسات تلك الشعوب أنساقا ثقافية بالدرجة الأولى، وأن دراسة الإنسان البدائي من شأنها أن تكون سبيلا لدراسة الإنسان عامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.