أحيانا كثيرة يتعرض القادة والسياسيون والزعماء لحوادث الاغتيال والقتل العمد، لأسباب سياسية. ولكن لماذا يتعرض الفنانون للقتل أو الاغتيال أو التهديد؟ وأغرب ما يحيط بحوادث قتل الفنانين إنها غامضة، تتم بتدبير محكم بحيث يظل القاتل مجهولا، لأنه في الأغلب جهاز أو منظمة أو جهة تجيد التخطيط والتنفيذ معا، بحيث لا تترك وراءها أي أثر. جمعت الحسن والجمال من اطرافهما، ولعبت المصادفة دورا كبيرا في تقديم وجه كاميليا الجميل للجمهور على شاشة السينما، لكن رحلتها مع الفن والحياة كانت قصيرة، ونهايتها كانت مأساوية، لكن أبرز ما يميزها أنها كانت فريدة في كل شيء، في الجمال، في حب الناس لها، في نجاحها الذي حققته بسرعة، في العلاقات التي ربطت بينها وبين قمم المجتمع في عصرها، ثم في نهايتها التي جاءت بين السماء والارض، بعد عمر فني قصير لم يزد على 5 سنوات. واذا كان عمر كاميليا أو ليليان كوهين، وهذا هو اسمها الحقيقي قصيرا فإنه كان زاخرا بالاحداث الكبار، وحياتها اشبه بفيلم سينمائي مثير، لكن من يكتب قصتها سيجد نفسه مضطرا الى اخفاء جانب من الحقائق والتفاصيل الكثيرة، لأن هذه التفاصيل تمس اناسا كثيرين لم يعد من اللائق الخوض فيها بعدما غيب الموت بطلتها الجميلة.
حرب إشاعات ربما لا يعرف الكثيرون أنه بعد انتشارها الكبير بدأت كاميليا تواجه حرب الاشاعات المعروفة في الوسط الفني، وفي هذه الفترة حامت حولها إشاعات تؤكد انها تعمل لمصلحة اسرائيل، وتتبرع لها بمعظم دخلها، وتمد مخابراتها بمعلومات عن الملك فاروق الذي كانت علاقتها معه قد توطدت، وعدة شخصيات سياسية أخرى. كانت لهذه الاشاعات اسباب ترجح صحتها، منها ان كاميليا اعترفت بأن والدها كان يهوديا، لكنها أكدت أنه يقيم في قبرص، وأنها لم تذهب لإسرائيل ولو مرة واحدة، فضلا عن ذلك كانت كثيرة السفر الى الدول التي تربطها علاقات قوية بإسرائيل مثل بريطانيا وسويسرا وقبرص وفرنسا، كما كانت تسعى الى التعرف على الشخصيات المرموقة خاصة في مجال المال والاقتصاد، كذلك رغم تواضع موهبتها كممثلة اسندت اليها ادوار مهمة في افلام اجنبية آخرها »طريق السموم« في بريطانيا عام 1949. وفوق كل ذلك كانت كاميليا تعيش حالة من الثراء الفاحش، رغم أصولها الفقيرة، ويبدو انها احست بذلك، فحاولت نفي الاشاعات عن طريق الانضمام الى الحملة التي نظمها فنانو مصر للمساهمة في نفقات حرب فلسطين عام 1948، حتى قيل انها جمعت بمفردها ضعف ما جمعته كل فنانات مصر.
موعد مع القدر وكانت كاميليا على موعد مع القدر في صباح يوم 31 اغسطس عام 1950، فقد كانت تعاني بين الحين والآخر آلاما حادة في معدتها، وتطلب منها ذلك السفر الى جنيف لعرض نفسها على أحد الاطباء المشهورين، فذهبت الى مكتب شركة الخطوط العالمية لحجز تذكرة سفر بعد ان حدد لها الطبيب الموعد، ثم ذهبت وأمضت ليلتها مع الموسيقار فريد الاطرش الذي كانت قد مثلت معه آخر أفلامها »آخر كدبة«، وبعض الزملاء والاصدقاء، ولاحظ الجميع توترها، ولما سألها فريد الاطرش عن السبب روت له قصة شركة الطيران، ثم انهت حديثها قائلة: اعذروني، فأنا لا أدري هل سأكون مساء غد في القاهرة ام في طريقي الى جنيف.
حريق مفاجئ في اليوم التالي، وفي حوالي العاشرة صباحا اتصلت بفريد الاطرش، وعبدالسلام النابلسي، وصلاح نظمي وباقى الزملاء الذين قضوا معها السهرة، واخبرتهم وهي في قمة السعادة أنها وجدت مكانا بعد إلغاء أحد الركاب سفره في آخر لحظة. وفي الواحدة من صباح 31 اغسطس عام 1950 اقلعت الطائرة الاميركية من مطار الملك فاروق في طريقها الى سويسرا، وعلى متنها 55 راكبا، بينهم كاميليا وبعد 20 دقيقة، كانت الطائرة قد وصلت الى قرية دست بمحافظة البحيرة، ولاحظ قائدها ان النار قد اندلعت في احد محركاتها فحاول الهبوط اضطراريا، لكنه فشل واشتعلت النيران في الطائرة وتفحم كل من بداخلها لدرجة انه لم يتمكن البعض من التعرف على ذويهم. نهاية مأساوية بهذه المأساة انتهت قصة حياة نجمة الخمسينات كاميليا، لتطفو صورها في اليوم التالي مع خبر الحادث المؤلم، كقصة مثيرة حول نهاية جميلة الشاشة السينمائية التي لم تعمر طويلا، ويومها كان الحادث الأهم في الصحف اليومية، حيث تردد انها كانت احد عناصر الجاسوسية، وقيل ان الذي قتلها هو الملك فاروق نفسه، بعد ان تجاوزت علاقتها الخطوط الحمراء حين راحت تلك الفاتنة الساحرة تفكر في الزواج من الملك نفسه، وان كان البعض أكد ان وراء الحادث المخابرات الصهيونية بعد ان استنفدت أغراضها منها.
شجاعة صحفي كان يجب ان تموت كاميليا لكي يعرف السواد الاعظم من جمهور السينما انها ليست يهودية، ولقد حدث فعلا ان العديد من الشباب تجمعوا في يوم مأتمها واطلقوا في وجه الذين كانوا يشيعونها الى المرقد الأخير بهتافات عدائية، وقالوا لهم: إزاي تمشوا ورا اليهودية اللي اهلها قتلوا ولادنا؟ لكن صحافيا كبيرا تمالك شجاعته، فوقف مخاطبا هؤلاء الشبان: كيف تكون كاميليا يهودية، واقيمت الصلاة عليها في إحدى الكنائس؟ وفعلا هدأت الجماهير.