صور وأشباه ، رواية للكاتب الأديب ، والباحث أحمد زيادي. صدرت في الآونة الأخيرة عن إحدى مطابع الدارالبيضاء بالصخور السوداء . صورة الغلاف لوحة تشكيلية لنجيب الوردي . على ظهر الغلاف مقتطف من التصدير الذي كتبه الدكتور عباس أرحيلة ، نورد منه هذه الفقرة « ...شدني إليها بناؤها السهل الممتنع ؛ الذي نسج بطريقة فنية شفافة ما ضاع من آمال في طريق نهضة لم تتم،وكيف قدم زيادي من خلال أسرة كمال بنية اجتماعية فقدت « كمالها « و»إكرامها» داخل رؤية جمالية تتواشج فيها الأحداث والشخوص من قلب الدارالبيضاء ، وترسم في الآن نفسه منحنيات ما افتقدته مرحلة في تحولاتها وتشكلاتها « . بقي أن أشير في هذه البطاقة التقنية إلى أن حجم الرواية متوسط ، وأن عدد الصفحات هو167 صفحة .عنوان الرواية جملة تضمنت مكونين اسميين متعلقين باسم إشارة محذوف هو «هذه «؛ ومن ثَمَّ نقرأ العنوان على هذا النحو : هذه صور وأشباه . العنوان يوحي ، ولا يفصح عن دلالته ، خاصة « أشباه « التي يكتنفها بعض الالتباس . هل تعود على صور ؛ أي أشباه صور؟ لم يظهر أثر للعنوان إلا في الصفحات الأخيرة من الرواية. زال اللبس بعد أن أخذت الجملة مكانها في السياق . يتضح ذلك من خلال مخاطبة المهدي لنفسه يحدثها عن ابنه كمال . هذا الأخير الذي تضاربت الآراء حول غيابه وموته : «...مرة أخرى تتناسخ هوية ولد ما كدنا نفرح به حتى فقدناه ، وحين لمعت بارقة أمل لاسترداده تمثل لنا في صور وأشباه حتى تعذر علينا الاهتداء الراشد إليه ، والجزم القاطع بحقيقته ، والاقتناع المطلق بأنه هو دون سواه». [ ص : 159 ] في نفس الصفحة يقول : « فمن يكون ابني كمال من بين كل هؤلاء الكماليين؟»قسم الكاتب المتن المحكي إلى ثمانية عشر فصلا ، تحمل عناوين دالة ، وتحيل إلى ما يُفترض قراءته في الفصل. تبدأ الرواية بفصل « الغائب «، وتنتهي بفصل « ذو القبرين»، وما بينهما فصول تحكي عن معاناة عائلة المهدي الشهيدي المتقاعد من العمل البريدي . بين الغياب والقبر قرابة ؛ لأنه كما جاء في الرواية » وجود بلا عنوان «. بؤرة هذه الرواية هي أسرة تقطن في أحد الأحياء الشعبية في مدينة الدارالبيضاء . تتكون من أفراد هم المهدي ، وهو رب الأسرة ، و شامة زوجته ، والأبناء محسن الأستاذ والابن الأكبر، وكمال ، ويوسف ، وعلي ، وعثمان الابن الأصغر ، ثم البنت الوحيدة إكرام ، التي ماتت بسب الربو ، وهي دون العشرين سنة . نتعرف في الجملة الأولى من الرواية على شخصية شامة الأم ذات سبعين سنة ، وهي قبالة البحر تترقب عودة ابنها كمال ، الذي طال غيابه ، وانقطعت رسائله ، كما أخباره . دأبت على ذلك كلما هزها الشوق والحنين لرؤية ابنها المسافر: كمال ابن المثقف السياسي المهدي الشهيدي الذي اضطر بعد أن سدت الآفاق أمامه إلى الهجرة ، وذلك لعدة أسباب أهمها أنه مطارد باستمرار بسبب أفكاره الثورية، ولأنه كان « مشاركا في الإضرابات الطلابية التي عمت المغرب احتجاجا على إبرام اتفاقية كامب ديفد ، وأنه اعتقل وضرب وعذب مرات ،وأنه قضى سنته الأخيرة في المغرب مطاردا من قبل الأجهزة الاستخبارية ...» [ ص: 16 ] ، كما أنه من جهة أخرى اضطر للسفر « من أجل التخصص في علم الاجتماع الممنوع في بلده .» [ص:117] . غيابه الذي قارب ثلاثة عقود خلق ارتباكا ، وشرخا داخل الأسرة ، خاصة الأم ، التي تحدثها نفسها باستمرار بأن ابنها لن يعود أبدا، لأن مكروها ما قد أصابه في بلاد الغربة. ركز الكاتب على هذه الأسرة ، وجعل منها الخيط الرابط بين فصول الرواية ، ومن خلال أفرادها تناسلت عدة أحداث سلط الكاتب فيها بذكاء وفنية عالية الضوء على عدة ظواهر اجتماعية سلبية منها ما مس الأسرة مباشرة،وجعل أوضاعها المتأزمة تتأزم أكثر. النازلة الأولى تتعلق بعصابة تنصب باسم المهجرين يتزعمها المدعو جون مورو ، الذي نصب على الأسرة ، وسلب منها مبلغا ماليا محترما اقترضه رب الأسرة من صديقه الحاج الروداني . ادعى هذا النصاب الذي يعرف كل شيء عن الأسرة أنه مبعوث من طرف ابنهم في المهجر ، وأن بحوزته رسالة للاطمئنان على صحته وأوضاعه ، كما أن هذا الأخير وهذا صلب النصب يطلب من أسرته مساعدة من أجل شراء سيارة « لأنه يشتكي من تعب المواصلات وإرهاق العمل .» [ ص: 28 ] يخبرنا السارد أن « ما كل مرة تسلم الجرة « ؛ إذ بالصدفة سقطت هذه العصابة في قبضة أمن الدارالبيضاء . النازلة الثانية تتعلق بابن العائلة علي ؛ التلميذ المحترم من طرف أفراد أسرته ، لأنه مجتهد حريص على التفوق ، وشغوف بالمطالعة . استغل أولاد أسرة العسلوج العائدين صيفا من إيطاليا براءة هذا المراهق الغرير في إنجاح عملية جلب كمية مهمة من المخدرات من الشمال ، دون أن يعرف بخطورة جرم لا علم له به .[ الحيزلا يسمح بالتفاصيل. أحيل القارئ على الفصلين : السابع : تجاذبات ، والفصل العاشر: دواء الوالدة ] تضمنت الرواية عدة حكايات مؤلمة أحيانا ، ومسلية تارة أخرى ، ولكن لا نشعر بأنها مقحمة ، بل موظفة بحذق خدمة للمسار العام للرواية،والبناء الفني الجمالي لها. هذه الحكايات ساهمت في تكسير السرد الواقعي ، وجعلتنا أقرب من واقع يفوق الخيال . حكايات تسرد محن شخوص هم : حمادي ، ومريم الرمزي،وعمرالسكوري ، وحسين الراغي ، والرجل المسن . تضمنت الرواية أيضا رؤية الكاتب للعديد من القضايا التي أثارت نقاشا واسعا كالمغادرة الطوعية ، التي تناولها في فصل « المغادرة « ، من خلال نقاش في المقهى شارك فيه المهدي رب الأسرة وأصدقاؤه : جعفر الخياط والحسن الوعدودي ،وعبد الحق الزموري،وعمر المرجاني ، وإسماعيل العربي، وعبد الهادي الراجي، والمختار فنان . لم يفتهم الحديث عن زميل لهم وصف بأنه « رجل وطني مخلص ، وموظف مثالي [ ص: 87 ] . هذا الموظف محمد العائدي المتفاني في العمل انتهى به التيه والطواف بلا جدوى إلى مصحة نفسية ، لأنه كان ضحية فراغ قاتل . تطرقت الرواية أيضا إلى ظاهرة البطالة ، وما عرفه المجتمع من تحولات سلبية ، وسلوكيات رعناء كما هو في الصفحة 128 . بقي أن أشير إلى أن الشاعر في الأستاذ زيادي كان ينفلت بين الفينة والأخرى من بين أصابعه ليخط لحظة شعرية بهية ، أو شذرة تحتاج إلى وقفة تأمل بدل الاسترسال في التهام السرد . أكتفي بإيراد هذين النموذجين . « أيتها الموجات السابحات النابحات هل من خبر لديكن عن غائبي ؟» [ ص : 12 ] و قوله في الصفحة الموالية « البحر هو البحر، أينما كان وكيفما كان، ليس وراءه غير الغربة والهم والكمد والموت .» تنتهي الرواية بعودة كمال المهاجر في صندوق خشبي ، بعد أن مات في أحد مستشفيات بروكسيل.، أما الأم شامة المتألمة إلى أقصى حد فقد أصبح لابنها شاهدة ، وهي العنوان الذي يسمح لها بزيارته ، والتحدث إليه كلما انتابتها ذكراه . الأب المتألم أيضا بعد أن قرأ الفاتحة على التابوت همس لنفسه: «هذه هي حقيقة علاقتنا بأروبا والغرب عامة . نبعث إليهم بالعقول والسواعد والآمال ، فيرجعونها إلينا توابيت وحطاما وأحزانا .» [ ص :162 ].