رحل عنا أخيرا، في صمت، وبعد مرض عضال، أحد مِؤسسي مجموعة إزنزارن، الفنان المرحوم عبد العزيز الشامخ الذي انتقل إلى عفو الله بعد أن تم نقله، برعاية ملكية، إلى المستشفى العسكري بالرباط حيث لم يمهله المرض طويلا. وقد تربى الراحل، الذي تنتمي عائلته الى قرية سيدي بوسحاب، بضواحي أكادير، في مناخ فني يطبعه بشكل كبير فن الروايس. فخلال عقد الستينيات، وعقب انتقال عدد من الروايس، من إنزكان إلى الدشيرة، نظرا لارتفاع أثمنة كراء البيوت بإنزكان، سيسكن عدد منهم بالدشيرة، وتحديدا ب»درب آيت الشامخ» الذي كانت تمتلك به عائلة الراحل بيوتا اكترتها لبعض هؤلاء الروايس، والذين نذكر منهم المرحوم الحاج محمد الدمسيري، وروايس آخرون كالمرحومين سعيد أشتوك، وعمر واهروش، والمهدي بنمبارك، ومبارك أيسار، وغيرهم. في هذا الفضاء المفعم فنيا تحددت الإيقاعات والألحان التي سيخضع لتأثيرها المرحوم عزيز الشامخ الذي سيبدأ مساره الفني بالإقبال، وبنسبة كبيرة، على أداء أغاني أعمدة فن الروايس الكبار كالحاج بلعيد، وبوبكر أزعري، وبوبكر أنشاد. وقد حاول المرحوم أن يعمل على تأسيس مجموعة غنائية اتخذت عدة صيغ قبل أن تستفر في صيغة مجموعة «إزنزارن». فهذه المجموعة الأخيرة جاء تكوينها، في البداية، إثر اندماج بين مجموعتين، هما مجموعة «جيل سيدي المكي»( أسسها الشامخ وبوفرتل) من جهة، وبعض الأسماء نذكر منها مولاي ابراهيم الطالبي، وعبدالهادي إيكوت، وداعلي باوسوس، والمختار كماي ، ومجموعة «لقدام» (= الهدية) من جهة أخرى، والتي كان قد تفرق أعضائها، والذين نذكر منهم المرحوم العربي بايبان، والمرحوم الحسين الشرعي، والشاعر محمد الحنفي، والأخوين محمد وحسن بايري. وهكذا، فمجموعة إزنزارن الأولى كانت في بدايتها تتدرب على ريبرتوار مجموعة «لقدام»، لينسحب منها، بعد مدة قصيرة، عدد من الأعضاء ويبقى في المجموعة كل من حسن بايري، والحنفي، رفقة الشامخ، وعبد الهادي إيكوت، وبوفرتل، ومولاي ابراهيم ، وداعلي باوسوس. ولخلاف طارئ بين مكونات هذه المجموعة الجديدة انسحب المرحوم الشامخ ليؤِسس مجموعته الخاصة المعروفة بإسم «إزنزارن الشامخ» التي كان لها أسلوبها الخاص، وكانت تركزعلى إحياء تراث الروايس من خلال أداء روائع الحاج بلعيد، وأنشاد، ويوبكر أزعري. ويتبين من خلال هذا المسار أن المرحوم عزيز الشامخ الذي كان مهووسا بالفن الأمازيغي الأصيل، شكل إسما لا يمكن شطبه من تاريخ الفن الأمازيغي بسوس، ومن دينامية تاريخ المجموعات الغنائية التي عرفتها منطقة سوس، وعم تأثيرها طول وعرض الوطن منذ عقد السبعينات من القرن الماضي. وقد أكد لنا هذا عبر شهادته، أحد مؤسسي مجموعتي «لقدام» و»إزنزارن» محمد بايري من خلال شهادة في حق الفقيد يقول فيها : « كان عبدالعزيز الشامخ، رحمه الله، صاحب نمط فني متميز. وكان يشبه نفسه بساعي البريد الذي يحمل رسالة خاصة تتمثل في التحرر من قيود الماضي، وتحرير الجيل الذي كان ينتمي إليه، جيل الستينات، من القيود التي كانت تكبله اجتماعيا وسياسيا، وفنيا كذلك. وكان رحمه الله يعتبر أن من لم يحرر نفسه لا يمكن أن يحرر مجتمعه. فنيا كان الفقيد ذو صوت متميز، ويتميز ببحة كانت تعطي لأدائه رونقا خاصا. وكان مولعا بإحياء التراث الأمازيغي الأصيل. كما قام بأداء أغاني خاصة به من كلمات للشاعرين محمد المستاوي ومحمد الحنفي. وكانت آخر أغنية قام رحمه الله بأدائها هي أغنية «بوغابة» التي تتعلق بموضوع البيئة. « وكان المرحوم رجل مبدأ. وكان من القلائل الذين يعترفون بالتاريخ القريب والحقيقي لمجموعة إزنزارن، والذي للأسف يسكت عنه الكثيرون. «