هناك منطلقات ايجابية وأخرى سلبية لمقاربة هذا الموضوع : فالايجابي هو عندما يدرس التلاميذ التاريخ أو التربية الوطنية كما كانت تسمى أيام زمان ، فانه يتعلم السياسة، وعندما يحيي العلم في ساحة المدرسة فانه يعمل السياسة و كذا عندما يصاحب الأطفال آبائهم الناخبين يوم إدلائهم بأصواتهم عند الانتخابات، وأما السلبي فعندما يستعمل الاطفال في الحملات الانتخابية كأذرع بشرية للتجمعات والمظاهرات وكأيدي عاملة رخيصة لتوزيع المنشورات وكحاملين للعلامات الانتخابية على قمصانهم وطرابيشهم ، بل وحتى من باب اصطحاب الاطفال للفرجة السياسية التي لا تخلو من موسيقى ورقص ، وهذا لا يمكن الاختلاف حول رفضه وهناك من يطالب بمنعه ، وعندما نفرغ المدارس وفصولها من التلاميذ لاستعمالها في الانتخابات ونعلق على باب المدرسة لافتات مراكز التصويت وفي كل فصل علامات وأدوات وتجهيزات فهل يعي الأطفال/التلاميذ ماذا يجري ولماذا وكيف تمر الأمور؟ وحتى عند انتخابات ممثلي الأقسام وانتخابات مجالس تدبير المؤسسات وانتخابات برلمان الاطفال بالشكل الذي تأخذه صيغ تدبيرها وتمريرها، يصبح أمرا مقرفا لدى عامة التلاميذ/ الأطفال لعدم إشراكهم في كل المراحل وعدم تحسيسهم بالعملية نفسها وأهميتها ، ثم القيام بها بدون حماس وكأنها مفروضة على الساهرين عليها يجب انجازها بسرعة حسب المذكرات بدون اقتناع ولا حب وزيادة على المنوط بهم من مهام أخرى، فمن قال أن الأطفال لا يمارسون السياسة ؟ إنهم في صلبها، بل إنها تأتي إليهم و الأبواب موصدة الآن، ولكن يمكن أن نفتحها لهذا، والسؤال الحقيقي هي كيف يمكن يمارس الأطفال السياسة وكيف نفقههم وندرسهم إياها بدون أن ندخلهم الى عرين الكبار حتى يكبروا، اقتراحنا هو استبعاد للأطفال من حمأة الانتخابات الى التربية على الديمقراطية والمواطنة الحقة بمعايشة إحدى محطاتها الرئيسية وإظهار الجانب المنير في العمليات الديمقراطية، وعلى المناهج التعليمية والتربوية عموما استكمال ذلك من خلال دروس أخرى وزيارات ميدانية واستطلاعات واستضافة المنتخبين، وتدريس سير المناهج الديمقراطية ودور المؤسسات المنتخبة و رهانات الانتخابات، فكيف نحدث الاطفال عن السياسة ولماذا؟ هل سألنا أنفسنا قبل أن نساءل الآخرين لماذا التهرب من السياسة والقرف منها ليس فقط عند الشباب بل والكهول كذلك، هل فقط لأن الاكتئاب والملل والمتاجرة وظواهر أخرى ترافق التسفيه المقصود للعمل السياسي الذي يسود حاليا ، بل من الناس من يذهب بعيدا ويرى أن المبالغة في حدة الخلافات بشكل غير واضح وغير مبرر بالأساس بين العاملين في الحقل السياسي هي التي تسبب هذا القرف، وأن خلط المفاهيم والمبادئ والأوراق أصبح عملة واحدة لكل العاملين، ألا يمكن أن نضيف الى ذلك أساسا عدم تربية الأجيال على التعود على المساهمة وإدراك دور المواطن الفعلي. لقد أدرجت في البرامج التعليمية مقررات تدرس مبادئ حقوق الإنسان وقيم المواطنة ولكنها تبقى قاصرة على الوصول إلى الهدف الأساسي وهو غرس هذه القيم وتحويلها الى سلوك لا مجرد مقررات تعليمية لأنه لا تصاحبها إجراءات أخرى عملية وتدريبية، ومن ضرورة أن تشمل المناهج الدراسية مواد عن التربية الديمقراطية، وتشجيع وتقوية الحوار و إشراك التلاميذ عمليا فى إدارة المدرسة والممارسة العملية للديمقراطية من خلال مجالس الأقسام وغيرها من الوسائل التربوية التي أبانت عن نجاعتها، وهناك من التجارب لدى الآخرين ما يعيننا ومن ذلك نوع من المشاركة في فك بؤر العنف والتوتر ومظاهرها بين التلاميذ وسط المدارس من طرف التلاميذ أنفسهم، والاستعمال العقلاني للشبكة العنكبوتية بتأسيس بوابات تفاعلية للأطفال حول هذه المحاور. فانطلاقا من أن أطفال اليوم تنضج مداركهم وقدرتهم على الاستيعاب أكبر و أسرع بكثير مما كان يحدث فى السابق، بالنظر أساسا للوسائل المتطورة للتواصل الفردي والجماعي. وانطلاقا من استعمال المدارس والفصول الدراسية للعمليات الانتخابية في مختلف أنحاء البلاد. مقترحنا - للمناقشة بين العاملين في الحقول التربوية والحقوقية والسياسية - هو تنظيم اختيار ممثلي الأقسام للحضور كملاحظين في الانتخابات المزمع القيام بها سواء جماعية أو تشريعية، حيث تنظم زيارات بالنسبة لأطفال الابتدائي محدودة في الزمن ولتلاميذ الإعدادي تنظيم حصص الملاحظة نصف يوم وأما تلامذة الثانوي فيدمجون كملاحظين في مكاتب الانتخابات منذ فتحها والإشهاد على فراغ الصناديق وتحضير البطائق واللوائح وتنظيم حضور الملاحظين الحزبيين الى كل العمليات التي تلي ذلك حتى إعلان النتائج ، ويكون مطلوبا منهم تحرير تقارير ونشرها على المجلات الحائطية في كل مدرسة وغيرها من وسائل التبليغ للآخرين والمناقشة وعهم ، ويكون هذا العمل بتنظيم جمعيات المجتمع المدني التربوية والحقوقية والمدرسية، ويعمم على كافة المناطق بنشر دوريات ومذكرات تنظيمية والقيام بعمليات تحضيرية وتحسيسية مسبقة لدى الأطفال / التلاميذ قبل مرحلة الانتخابات لتوضيح كل المراحل القانونية ودلالاتها وأهميتها ومقاصد العمليات الانتخابية وجديتها في المشاركة المواطنة. وبناء عليه لنا أن نتصور ونأمل زيارة الأطفال للإدارات والمؤسسات والمعامل التي يشتغل فيها أولياؤهم لحضور انتخابات ممثلي المستخدمين في اللجن الثنائية وغيرها من تمثيليات ديمقراطية، حتى يتعرف الأطفال على هذه العمليات وعلى نوعية اشتغال واهتمام آبائهم، ويتعلموا ممارسات ديمقراطية ويكتشفوا ميكانزمات ومنهجيات متبعة. ومن ثمة يمكن أن نتصور أحاديث وحوارات بين الأطفال والمنتخبين تنقل على شاشات التلفزيون وأمواج الإذاعة تهتم بالقضايا العمومية من وجهة نظر الأطفال ويؤطرها مربون ومختصون. فإذا كانت المواطنة هي ثقافة وقيم وسلوك فإن أساسها كقيم مجتمعية قائمة على حق الاختلاف واحترام الآخر والعيش المشترك واحترام حقوق الآخرين والقيام بالواجبات الفردية والجماعية و تنمية القدرة على المشاركة الإيجابية، يمكنها أن تنمو في وجدان الأطفال بتربية حثيثة منذ الصغر وبمصاحبة وتعلم يأخذ الطابع الذي تأخذه التربية عموما من تنشئة تعود وتحسيس وتعبئة . والاعتزاز بالانتماء إلى الوطن والمشاركة الفاعلة في بنائه والذود عنه لا تتأتى للراشدين عند لحظة بلوغهم سن الرشد ، بل تتكون عبر تراكم سنوات التكوين والمشاهدات والقناعات والممارسات ، فلنفتح إمكانية الملاحظة المباشرة والممارسة غير المباشرة لأطفالنا من أجل مستقبلهم ومستقبل الوطن . إن التربية تشمل كل مناحي الحياة فلا ضرر في أن نربي الاطفال على السياسة بمفهومها الواسع/ وليس التحزب بالمفهوم الضيق، وفي كل المستويات بما يليق بها، وأن يكون عصب هذه التربية هو المواطنة والديمقراطية، إذا أردنا أن يكون المواطن فاعلا ومسؤولا وألا ندفع أبنائنا الى الانعزالية والأنانية في الحياة والى الاستعداد للعنف فكريا كان أو غيره لحل خلافاته مشاكله، فالتعود على عدم قبول الاختلاف وسوء فهم المنهجية الديمقراطية هو ما يدفع الكثير الى قبول ارتكاب الأخطاء واعتبار ذلك من ضمن اللعبة السياسية.