شكّل البيان الثلاثي الصادر في 19 ماي عن بريطانيا وفرنسا وكندا، والذي حذّر من عواقب توسيع حكومة نتنياهو عملياتها العسكرية في قطاع غزة، ومن تنفيذ مخطط "عربات جدعون»، واستمرار منع تدفق المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين، منعطفا مهما في مواقف بعض الحكومات الغربية تجاه إسرائيل. وقد أعقبه بيان آخر صادر عن 21 دولة غربية يدعو حكومة الاحتلال الإسرائيلي إلى رفع جميع القيود المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية. في ضوء ذلك، بدأت بعض الحكومات الغربية باتخاذ إجراءات فعلية ضد حكومة الاحتلال، إذ أعلنت الحكومة البريطانية تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل، وفرضت عقوبات جديدة على مستوطنين إسرائيليين متطرفين. العقوبات البريطانية شملت تجميد الأصول وحظر السفر بحق ثلاث بؤر استيطانية غير قانونية وأربع منظمات تدعم وتمول العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، بينما أكد رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، أن الوضع في غزة «لا يحتمل»، مطالبا بوقف فوري لإطلاق النار والسماح بدخول المساعدات دون عوائق. الموقف البريطاني يأتي في سياق الضغوط المتزايدة على الاحتلال من قبل المجتمع الدولي، وفي وقت تتعالى فيه الأصوات داخل الاتحاد الأوروبي المطالِبة بتعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، على خلفية الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي الإنساني، وباتخاذ موقف أوروبي واضح بحظر تصدير الأسلحة لإسرائيل، ومع توجهات حقيقيه لقيام عدد من الدول الغربية التي لم تتخذ حتى الآن قرارا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية بالانضمام إلى الدول التي قامت بذلك . تلك التطورات تتزامن مع تصدع سياسي داخلي متزايد في إسرائيل، عبّر عنه يائير جولان، رئيس الحزب الديمقراطي، الذي حذر من أن "إسرائيل في طريقها إلى أن تصبح دولة منقسمة ومنبوذة، إذا لم تعد إلى رشدها كدولة عاقلة"، وأضاف: "الدولة العاقلة لا تشن حربا على المدنيين، ولا تقتل الأطفال، ولا تتبنى هدف طرد السكان"، ووجه انتقادا لاذعا لحكومة نتنياهو، واصفا إياها بأنها مليئة بأشخاص انتقاميين، يفتقرون إلى الذكاء والأخلاق، وعاجزين عن إدارة البلاد في وقت الطوارئ، ودعا إلى استبدال الحكومة "بأسرع وقت ممكن، حتى يمكن إنهاء الحرب". المعارضة الداخلية للحرب داخل إسرائيل لم تقتصر على الشارع المدني، بل طالت أيضا أوساطا من داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية، فقد وجه عدد من القادة السابقين انتقادات علنية للحكومة، مؤكدين أن أهداف الحرب غير قابلة للتحقيق، وأن استمرارها يضعف موقع إسرائيل الاستراتيجي ويهدد وحدتها الداخلية، وتتقاطع هذه الآراء مع مواقف وزير الدفاع السابق يوآفجالانت، الذي عبر عن تحفظه تجاه غياب خطة سياسية لما بعد الحرب فيما بدا رفضا ضمنيا لاستراتيجية نتنياهو، كما عبر عدد من أعضاء الائتلاف الحكومي عن استيائهم من انفراد سفاح الدماء بإدارة الملف الأمني، ما يعكس تصدعات داخل الحكومة نفسها . إنه ورغم أن جزءا من الرأي العام الإسرائيلي لا يزال يؤيد استمرار العمليات تحت ذرائع أمنية تتعلق باستعادة الردع، فإن المؤشرات الميدانية والاقتصادية، إلى جانب العزلة الدبلوماسية المحتملة، تدفع بالمزيد من الإسرائيليين إلى إعادة النظر في جدوى هذه الحرب، ومع استمرار سقوط الجنود، وتزايد التكلفة الاقتصادية، وتنامي الشعور بالإحباط من غياب أفق سياسي، حيث تزداد يوما بعد يوم حدة المعارضة وتراجع شرعية حكومة الاحتلال، يبدو أن حكومة نتنياهو لم تعد تواجه فقط تحديا ميدانيا، بل أزمة شرعية داخلية وخارجية متصاعدة قد تفضي إلى تحولات سياسية جذرية، إذا استمر الوضع على ما هو عليه. (*)سفير الإعلام العربي في فلسطين رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية