هدوء حذر عند الحدود الهندية الباكستانية بعد أعنف تصعيد منذ 1999    إسرائيل تستعيد رفات جندي من سوريا    بوتين يستقبل حفتر في الكرملين    الأقراص المهلوسة تورط زوجين بوجدة    لفتيت والمنصوري مطلوبان في البرلمان بشأن فاجعة انهيار عمارة فاس    ميسي يتلقى أسوأ هزيمة له في مسيرته الأميركية    ارتفاع ملحوظ للدرهم المغربي أمام الدولار وتراجع طفيف أمام اليورو    ريمي ريو: الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو بالأقاليم الجنوبية المغربية    عيد الأضحى.. مجازر الدار البيضاء تكشف برنامجها لاستقبال وذبح الأضاحي    طلبة الإجازة في التربية يصعدون ضد الوزارة ويعلنون إضرابا وطنيا    "الاتحاد" يتمسك بتلاوة ملتمس الرقابة لسحب الثقة من الحكومة    مزور: الكفاءات المغربية عماد السيادة الصناعية ومستقبل واعد للصناعة الوطنية    "أشبال الأطلس" في مواجهة حاسمة    شاهد.. سائحات يطلبن من لامين يامال أن يلتقط لهن صورة دون أن يعرفن من يكون    رفع تسعيرة استغلال الملك العام من 280 إلى 2400 درهم للمتر يغضب المقاهي ويدفعها للإضراب    إسبانيا تفشل عملية تهريب شحنة قرقوبي ضخمة نحو المغرب    كلاسيكو الأرض.. برشلونة يسعى لحسم الليغا وريال مدريد يبحث عن إحياء الأمل    بوتين يقترح إجراء محادثات مباشرة مع أوكرانيا في إسطنبول انطلاقا من 15 ماي    الصحراء المغربية.. الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو    زيلينسكي: روسيا تدرس إنهاء الحرب    تحريك السراب بأيادي بعض العرب    غ.زة تعيش الأمل والفلسطينيون يحبسون أنفاسهم    القاهرة.. تتويج المغرب بلقب "أفضل بلد في إفريقا" في كرة المضرب للسنة السابعة على التوالي    أجواء احتفالية تختتم "أسبوع القفطان"    سلا تحتضن الدورة الأولى من مهرجان فن الشارع " حيطان"    طقس الأحد: زخات رعدية بعدد من المناطق    زلزال بقوة 4,7 درجات يضرب جنوب البيرو    في بهاء الوطن… الأمن يزهر    موريتانيا ترغب في الاستفادة من تجربة المغرب في التكوين المهني (وزير)    بعد فراره لساعات.. سائق سيارة نقل العمال المتسبب في مقتل سيدة مسنة يسلم نفسه لأمن طنجة    الوكالة الفرنسية للتنمية تعلن تمويل استثمارات بقيمة 150 مليار بالصحراء المغربية    جناح الصناعة التقليدية المغربية يفوز بجائزة أفضل رواق في معرض باريس    الأشبال: الهدف التأهل إلى المونديال    المغرب – السعودية .. افتتاح النسخة الثانية من معرض "جسور" بمراكش    ريال مدريد يعلن قائمته للكلاسيكو بحضور دياز ولخديم    التعاون الفلاحي يتصدر إعلان نواكشوط    الأسهم تحفز تداولات بورصة البيضاء    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    الناظور غائبة.. المدن المغربية الكبرى تشارك في منتدى "حوار المدن العربية الأوروبية" بالرياض    من الرباط إلى طنجة.. جولة كلاسيكية تحتفي بعبقرية موزارت    مهرجان "كان" يبرز مأساة غزة ويبعث برسائل احتجاجية    ديستانكت ومراد يرويان خيبة الحب بثلاث لغات    الموت يفجع الفنان المغربي رشيد الوالي    مهرجان مغربي يضيء سماء طاراغونا بمناسبة مرور 15 سنة على تأسيس قنصلية المملكة    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    الفيفا يرفع عدد منتخبات كأس العالم للسيدات إلى 48 بدءاً من 2031    المغرب يدفع بصغار التجار نحو الرقمنة لتقليص الاقتصاد غير المهيكل    تطور دينامية سوق الشغل في المغرب .. المكتسبات لا تخفي التفاوتات    افتتاح فعاليات المعرض الدولي السابع والعشرون للتكنولوجيا المتقدمة في بكين    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تخييل في حالة حلم

تتأكد ملحاحية التخييل، حينما تضيق إمكانية تعايش الذات مع واقعها، حيث تتصاعد الرغبة في إبداع ما يتعذر رؤيته ومعايشته، أي حينما تنتفي إمكانية العثور على الاختيارات التي تتفاعل معها أسئلة الذات. وخلافا لذلك، فإن الواقع حينما يكاشف الذات بثراء ما يمتلكه من إمكانيات واحتمالات، فإنه لا يدّعُ لها مجالا لممارسة فعل التخييل الذي يكون عادة البديل الموضوعي لما تعذر تحقيقه. وما نعنيه بالواقع تحديدا، هو كل ما يوضع رهن إشارة الحواس والإدراك، بما في ذلك ما هو إبداعي، و أيضا ما هو نتاج العوالم الافتراضية. كما أنه وفي السياق الذي نحن بصدده يشمل التجارب الجمالية، الفنية والإبداعية، أي كل ما يكون موضوع اهتمام وتفاعل وموضوع حياة، فاللوحة التشكيلة التي تعتبر عملا فنيا بامتياز، ومهما كانت تجريدية وموغلة في رمزيتها، فإنها تتحول إلى مكوِّن من مكونات الواقع، دون أن تتنكر لخصوصيتها باعتبارها عملا فنيا. كما أنها إلى جانب ذلك، تكون قابلة للتحول إلى موضوع تخييلي بامتياز. فما هو موضوع معرفة، وموضوع حياة فإنه ينتمي حتما إلى الواقع الذي لا يفتأ يجدد بموجب ذلك فضاءاته الدلالية. إن كل خطاب ثقافي يشتغل على الواقع، وعلى غرار كل منتوج يتم تصنيعه وإبداعه بمواد مستقاة منه، يصبح امتدادا فعليا له. ومرد ذلك، هو تعاملنا مع الفضاءات الافتراضية على سبيل المثال لا الحصر، باعتبارها مكونا من مكونات الواقع، الذي يتطور بتطور الظروف المحايثة له. وبالنظر إلى المكانة التي يحتلها العالم الافتراضي في حياتنا العامة والخاصة، فإنه يأخذ شكل واقع ذي طبيعة احتمالية. إنه بهذا المعنى مستقبلُ حاضرٍ، وقد أمسى مرئيا ومعيشا، بعد أن كان موضوع استنزاف من قبل المخيلة، بغاية تمثله والاشتغال على منواله. إنه مجال تعايش وتفاعل مغاير لمجال الواقع البسيط الذي أمسى متجاوزا من قبل المتطلبات الجديدة التي تستلزمها إيقاعات الحداثة، حيث لا يلبث هو أيضا أن يفقد طراوته ، حالما يستكمل اندماجه، في عمق الصيرورة المادية التي يتميز بها اليومي ، كما لو أن الأمر يتعلق بحالة انتشاء، تتمثل في مقاربة واقعٍ يبدو لغير المتمرس في حكم المستحيل، بسبب تماسه التام والكامل مع تخوم المخيلة، التي تبدو كما لو أنها تحلم وهي مستيقظة تماما بفضل تقدم الإواليات التقنية، التي تُحرِّر المتخيلَ من سريته وفردانيته المنغلقة، كي يتحول إلى شان عام. وكما هو معلوم، فإن أية بنية ذهنية حينما تعجز عن استيعاب ظاهرة علمية ما، أو فنية، فإنها تتخلص منها بإدراجها ضمن إطار الواقع الافتراضي، بوصفه واقعا ينتمي إلى زمن الاستحالة، بفعل تمنعه على الفهم وغرابته بالنسبة للوعي، الذي لم يكن له سابق معرفة به. فما لم تتعود عليه العين يكون في حكم الغيب ، كما يكون في حكم المتخيل البعيد عن الإدراك المنطقي والموضوعي. وبتعبير أكثر وضوحا، إن ما يكون واقعيا وطبيعيا بالنسبة لبنيات ذهنية معينة ،قد يكون في حكم المتخيل بالنسبة لأخرى.
إن الوسائط الحديثة، تسمح لنا بمعايشة هذه المفارقة، أي إننا وفي كثير من الحالات، نجد أنفسنا نتعامل مع ظواهر، هي بالنسبة للشروط التي نعيش فيها وعليها، في حكم المتخيل، خاصة حينما تتجاوز أفق تلقينا ،فأنت مثلا حينما تنتزع شخصا من أعماق الصحاري أو من أعماق الأدغال، ثم تضعه في قلب عاصمة كبيرة من عواصم العالم، سوف يحتاج إلى زمن طويل كي يتأكد من تواجده في واقع طبيعي وحقيقي ،وليس في عالم تخيلي. وبالنظر إلى تسارع الوتيرة التفاعلية القائمة بين المجتمعات، وبين ما تباغتنا به سلطة الحداثة تباعا من مستجدات، فان العالم ككل، أصبح يأتمر بأمر التقنية، فما من نقطة في جغرافياته، إلا وقد أضحت خاضعة لتعاليمها وقوانينها ،مع فارق طبيعي في جرعة التمثل والتفاعل ،الشيء الذي يخول لها إمكانية اختراق المجتمعات الأكثر عزلة ،كي تستوطن إدراكها ،وقيمها، وتصبح جزءا لا يتجزأ من إيقاعاتها الشعورية واللاشعورية. هذا المكون يجعل المخيلة تشتعل بصيغة مغايرة، إنها تصبح عملية وواقعية، ومطبوعة بمسحة مادية، إنها لا تشتغل في دائرة مغلقة وخفية، بل في قلب المسارات التظهيريه، أي في سياق هندسة بنيات مادية وملموسة، تكون الفضاءات العامة المجال الطبيعي لتواجدها، حيث تسمح للجميع بتبادل تجارب تخييلية تشتغل بمنطق النمذجة ،التي يمكن اعتبارها امتدادا لتلك التي كانت تشتغل بالوسائل التقليدية ،على غرار العمليات الكامنة في صياغة حكايات وخرافات ووقائع تخييلية شفوية أو مدونة، لأن النمذجة هي الأفق الذي تشتغل فيه، وبه عملية التخييل، وذلك حينما ترقى إلى إنتاج مادة قابلة للتداول والتعميم، كي تتحول في نهاية المطاف، وبإرادة الذاكرة الجماعية أو المتخصصة، إلى رأس مال تخيليي، يقترن بهوية شعب، أو أمة ، مع تباينٍ في مستويات الفوارق القائمة في الغايات وفي الوسائل المعتمدة لدى هؤلاء و أولئك، لأن التعميم التقليدي يختلف جملة وتفصيلا عن التعميم الحديث، الذي من أهم سماته إغراق الرؤية بطوفان من النماذج الواقعية، والتي أمست من فرط غرابتها ذات بعد افتراضي يجعلها قريبة من عوالم المتخيل، باعتبار أن العرف في التأطير الواقعي للأشياء ،يقتضي حضور نسبة ملموسة من التوازن، الذي يضفي حالة من الألفة على العلاقة القائمة بين ما هو مكرَّس وبين ما هو طارئ، وبالنظر إلى هذا الطوفان من الأشكال والعلامات ،والتطبيقات الذي يخترق العقل، العين، والبصيرة، فان التلقي يصاب بعدوى العادة، التي تشحنه بقوة الممانعة تجاه الكثير من الوقائع والأحداث والمواقف ، حيث لا يتأثر ولا ينفعل إلا بالأكثر تدميرا، وبالأكثر عنفا، وبالأكثر إثارة، كشرط أساسي من شروط اندماجه بشكل مباشر، ضمن ما يبدو متخيلا ، كما لو أن ما يُرى، لا يعدو أن يكون مشهدا منقطعَ الصلة بأي واقع محتمل، ومنتميا بشكل جذري إلى زمن المخيلة، والتخييل.
غير أن المفارقة تكمن أيضا في هذا التعدد، الذي يتجاوز بحكم الوفرة والتنوع، ميكانيزمات اشتغال المخيلة، طبعا حينما يتعلق الأمر بالتعدد الذي ينطوي على ما هو جديد، ومغاير، بما يعفي التخييل من مهامه، حيث يتراجع مؤقتا كي يترك المجال لتبلور حالة الإشباع المنتقمة من مأساوية الفقر التي يصاب بها الواقع في ظروف عدة ،والتي بموجبها تكون المخيلة مجبرة على مضاعفة حركيتها بإبداع ما يتجاوز إمكانات وقدرات الواقع.
إن تراجع التخييل في حالة هذا التعدد ،هو تراجع مرحلي ومؤقت، إذ كلما تم استنفاد واستهلاك ما يقترحه علينا قانون التعدد، إلاَّ وتشرع المخيلة في الاشتغال بإيعاز من تلك الحاجة العضوية والبيولوجية، لدى الشعوب المتقدمة ،والمسكونة بهاجس توسيع مجال البحث، بما هو مجال تساؤل ومجال إبداع، بخلاف الشعوب المحرومة من إواليات التفكير، التي تطمئن إلى الإقامة داخل الحدود البسيطة التي لا تحيد مخيلتها عنها، خاصة في ظل حالة العمى التي تصرفها كليا أو جزئيا، عن التأمل في إمكانية توسيع مجال الكينونة. من هنا فقط، يمكن الحديث عن المخيلة بوصفها إشكالا فكريا وجماليا، على درجة كبيرة من الالتباس، الذي يستعصي معه الخوض في القضايا المتعلقة بأبعادها الكونية. لكن دون أن يمنعنا ذلك ،من طرح التساؤل الكبير حول السبل الكفيلة بوضع التخييل في إطاره الموضوعي، الذي يمكن أن يخفف نسبيا من مضاعفات التيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.