إيران تتوعد إسرائيل ب "تبعات مدمّرة"    إطلاق برنامج تأهيلي لفائدة شباب خلف القضبان        السفير الصيني في المغرب، لي تشانغلين، يكتب: إلغاء الرسوم الجمركية سيتيح فرصًا أكبر لإفريقيا    اسرائيل تعلن عن إغلاق سفاراتها في أنحاء العالم وتحث مواطنيها على اليقظة جراء هجومها على إيران    اجتماع وزاري لإطلاق خطة وطنية رقمية لإعادة تكوين القطيع وتحقيق الأمن الغذائي                نتائج الباكالوريا 2025 تعلن غدا بعد استكمال المداولات النهائية    78 قتيلا في هجمات إسرائيلية بإيران وطهران تتوعد بالرد    توقيف شخص بالبيضاء بشبهة سرقة رجل مسن في الشارع العام    عجز السيولة البنكية يتفاقم إلى 127 مليار درهم خلال أسبوع    ترامب محذرا إيران: إبرام الاتفاق أو الفناء    أسعار النفط ترتفع بعد ضربة إسرائيل    حرارة مرتفعة مع زخات رعدية محتملة    مازاغان يستقبل الصيف بعروض فاخرة    اللائحة الرسمية لفريق الوداد الرياضي في كأس العالم للأندية لكرة القدم    السكوري .. الذكاء الاصطناعي سيؤثر بشكل عميق على علاقة المجتمع بوقت العمل    طيران الإمارات تعلن إلغاء رحلاتها من وإلى العراق والأردن ولبنان وإيران    مبحوث عنه وطنياً.. أمن القصر الكبير يطيح بمروج مخدرات خطير    إسرائيل تستغل الذكاء الاصطناعي في اغتيال كبار العلماء النوويين الإيرانيين    السبحة.. هدية الحجاج التي تتجاوز قيمتها المادية إلى رمزية روحية خالدة    نسبة الإنجاز في الشطر الثالث من مشروع الطريق السيار جرسيف-الناظور تصل إلى 50%    وداعا للمشقة الإدارية.. مركز بلجيكي جديد يبسط طريق الطلبة نحو أوروبا    مرحبا2025.. هذه هي المنتجات الممنوع على الجالية إدخالها إلى المغرب    رئيس رجال أعمال مليلية.. معبر بني أنصار لا يخدم سوى فئة محدودة    مهرجان حب الملوك بمدينة صفرو يتوج ملكة جمال حب الملوك    أسماء غنائية عربية تعتلي خشبة موازين في دورته العشرين    لوديي يقدم ملامح خطة وطنية لحماية الفضاء الرقمي وتعزيز الأمن السيبراني    30 درهم لمتابعة قمة الجيش ونهضة بركان في ربع نهائي كأس العرش    رمزية بدون شرعية: تجاوز الرمز وخيانة المعنى في مبادرات الشباب المغاربة بإسرائيل    الرباط.. التأكيد على ضرورة تعزيز التعاون المغربي-الفرنسي، لاسيما في المجال البرلماني    الصادرات المغربية إلى الصين تسجّل نموًا لافتًا.. وآفاق واعدة بفضل الإعفاء الجمركي الشامل    مغرب الحضارة : إفريقيا اليوم لم تعد تنفع معها خطط الإرشاء والتحريف … ولم يعد يليق بها جلباب الاستعمار … !!!    الأخوان عبد الله وزكريا الوزان يلتحقان بنادي ريال مدريد    غوارديولا: "آسف ولكن لن أقول إن يامال مثل ميسي"    بطولة ايطاليا.. البلجيكي دي بروين ينتقل الى نابولي    يونايتد يكمل إجراءات انتقال ماتيوس    حسنية أكادير يتعاقد رسميا مع أمير عبدو مدربا جديدا للفريق    إسرائيل تعلن تنفيذ ضربة استباقية ضد إيران وتحذر من رد وشيك    ما أحوجنا إلى أسمائنا الحقيقية، لا إلى الألقاب!    مُحَمَّدُ الشُّوبِي... ظِلُّكَ الْبَاقِي فِينَا    هل تم إضعاف مكافحة الفساد؟    حركة تعيينات جديدة تعيد رسم خارطة المسؤوليات القضائية    ميلاد الندوة الدولية -الدورة الأولى- مغاربة العالم وقضايا الوطن    المجموعات الغنائية بحلة أركسترالية بالبيضاء.. 50 عازفا موسيقيا لأول مرة بالهواء الطلق ضمن "أرواح غيوانية"    شهادات مرضى وأسرهم..    كاظم الساهر يغني لجمهور "موازين"    مشاكل الكبد .. أعراض حاضرة وعلاجات ممكنة    فاس.. "نوستالجيا عاطفة الأمس" تعيد بباب الماكينة إحياء اللحظات البارزة من تاريخ المغرب    قانون ومخطط وطني لمواجهة ظاهرة الحيوانات الضالة بالمغرب        تفشي الكلاب الضالة في الناظور: مخطط وطني لمواجهة الخطر الصحي المتزايد    إمارة المؤمنين لا يمكن تفويضها أبدا: إعفاء واليي مراكش وفاس بسبب خروقات دستورية    متحور ‬كورونا ‬الجديد ‬"NB.1.8.‬شديد ‬العدوى ‬والصحة ‬العالمية ‬تحذر    السعودية تحظر العمل تحت الشمس لمدة 3 أشهر    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس لمدة ثلاثة أشهر في جميع منشآت القطاع الخاص    









ما بعد التخييل الذاتي

ثمة الكثير من التحولات التي تغرينا بالحديث عن نهاية الرؤية التقليدية للزمن التخييلي، على أساس هيمنة الزمن الافتراضي وملحقاته، حيث لا مناص-في السياق ذاته- من التساؤل، عن مدى تأثير هذه النهاية أيضا، على آلية اشتغال التجريد بكل مستوياته العلمية والفكرية، و الذي يتحقق عبر سلسلة تمثلات ذهنية لأشكال، وهندسات، ومعادلات، وإيقاعات دلالية، أي عبر منهجية التركيب الترميزي، الذي يلعب التخييل في إنجازها دورا أساسيا ومركزيا.
ذلك أن التقنيات الحديثة، الموظفة في مختبرات التصنيع المستقبلي، والموجهة نحو تحديث حياة الكائن، تمارس تفجيرها، وخلقها المتسارع، للمزيد من العوالم الغرائبية، التي تعودت شعوب العالم على آلية استيعابها وتملكها لها، في حدود ما يمدها هذا التملك من إمكانيات معرفية وثقافية، وبموازاة ذلك، نستحضر سحرية ما نصطلح عليه بتقنية التصوير التوليدي، الذي أعلن عن خوضه غمار منافسة شرسة مع الواقع الطبيعي، في أفق تجاوزه له، عبر تشييده لإبدالات افتراضية، شرعت في تحجيم سلطة التجريد، بفعل توليدها لأشكال جديدة، ولا متوقعة ، انطلاقا من الصورة الأصل/النواة، وهي الأشكال التي لا يمكن أن ترقى إليها عملية التخييل، مهما كانت متقدمة، بفعل ما تتميز به من حضور بصري، على درجة عالية من قوة الإشعاع والتأثير الجمالي. ولعل هذه القوة هي مصدر استعداد الرؤية للاستغناء عن سؤال التخييل، خاصة حينما أمست أولا محاطة بالمعطيات البصرية القادمة إلينا من الجهات الأربع للكون ، وثانيا من التقنيات المتطورة التي تتحفنا بها جمالية التصوير. بمعنى أن الواقع أصبح أكثر ثراء، وأكثر قابلية لتفجير كل ما يتفاعل في دواخله من تعددات واختلافات محتملة، تراجعت معها سلطة التخيل المعتمدة عادة على استيهاماتها الذاتية. وفي هذا السياق يمكن القول، إن الأشرطة الوثائقية ذات الجودة العالية، والمعدة من قبل خبراء متخصصين، مشهود لهم بكفاءتهم العلمية والفنية، أمست جد أساسية في إبداع عوالم سحرية ، تتزامن فيها أسرار الإجرام البعيدة، مع أسرار وخفايا الأمكنة المحفوفة عادة بغموضها، والتي لم تكن أبدا واردة في حسبان الذات المتخيلة، التي كانت من قبل مكتفية بالتعايش المنغلق مع ما يمدها به محيطها المعرفي من معطيات وحقائق، حيث يوجد ثمة، في الأقاصي التي كانت إلى حين غائبة عن مجال الرؤية، وعن مجال الفضول البصري والمعرفي، ما يخلخل القناعات الجاهزة ، وما يحدث انقلابات عنيفة في مؤثثات الذاكرة. تبعا لذلك، يصبح التخييل الموضوعي، هو الذي يمكن أن يتأسس على هذه المرئيات المستحدثة، وليس على ما تبدعه المخيلة بإمكانياتها البيولوجية. هذه العوالم المستحدثة، يمكن أن تكون موضوع غواية الإبداع، كما يمكن أن تكون موضع تحديات تخييلية في هذا المجال الفني أو ذاك. كما أن سلطة هذه المرئيات الجديدة، بحدها التقني والواقعي، تمارس تأثيرها على عملية التجريد الموظف في بناء المفاهيم، في البرهنة، وفي الاستدلال، وخاصة في صياغة تلك الأشكال التي نضعها تحت خبرتنا. إن هذا التوظيف وبحكم العادة، أصبح واقعا، ومسلمة باعتبار أن الكائن يمارس فعل الإبداع ليس فقط في سياق الإمتاع، ولكن أيضا من أجل تدليل العقبات التي تواجهه في حياته العملية والفكرية. إنه يوظف في مجال الجماليات، كما يوظف في المجالات الفكرية والعلمية الدقيقة، والتي لم تتوافر بعد وسائل تجاوزها على ضوء ما هو متحقق ماديا. بمعنى أن عملية التجريد، هي أيضا تتطور تبعا لاكتساح العناصر المرئية للعين، للذاكرة، وللوعي.
إن الوسائط الحديثة بمختلف مستوياتها وبمختلف أشكالها وأنواعها، شرعت في احتلال الحيز المكاني الرمزي، الذي كان من قبل خاصا بعمليات التجريد والتخييل، وعلى ضوء التبادلات السريعة والآلية، التي تتحقق على مدار الساعة بين جغرافيات العالم، فضلا عن الانفجار الهائل للخصوصيات، والتقاطر اللامحدود للطرائف البصرية، للحقائق وللغرائب، ولكل كان من قبل مندرجا ضمن حكم المستحيل، حيث أمسى التخييل باستمرار، مطالبا بتأمين فضاءات جديدة، تسمح له بالاشتغال، على ضوء التراكم المادي والبصري للحقائق والمعارف الموضوعة رهن إشارته، حتى على مستوى الإشكاليات الأكثر تعقيدا، في أفق تطوير الأسئلة وتوليدها، بما ينسجم مع الإيقاع العام للاكتشافات البصرية المتتالية.
إن تمثل الذات البشرية لحركية الظواهر في العقود الأخيرة، أمسى مقترنا بوفرة المكونات التخييلية، التي يتعرض لها المنظور للمزيد من الاختلالات البنيوية، خاصة حينما يكون مقيدا بلغة مسكوكة، ومفرغة من احتمالاتها الدلالية، التي يمكن أن تحفز المخيلة على الاشتغال بصيغ مغايرة. إن هذه اللغة الجاهزة تصطدم بالدينامية الجديدة، الناتجة عن الثراء الكبير الذي تمدنا به وسائط الاتصال الحديثة، والتي يقتضي التعامل معها استحضار المزيد من المفاهيم، والمزيد من الإشارات، ذات المرجعيات المتعددة، من أجل تغطية الفراغات التي تحدث نتيجة ذلك القصور اللغوي، الذي يصطدم بغرابة الجديد، وبالتباسات المغاير.
إن التخييل الذي يقترن بشكل أو بآخر بالتجريد، أمسى منصبا على الصورة وعلى تقنياتها المتطورة. إنها التقنية القادرة على صناعة عوالم يتداخل معها الواقعي بالتجريدي، إنها تُحدث ما يمكن أن نسميه بجمالية الالتباس، حيث تعيش العين بكل ما تملكه من انفعالات متعة ذلك التردد، وتلك المراوحة القائمة بينها وبين المرئي الذي يسمح لنا بتتبع تحولات المادة المتسمة بمواصفاتها المعلومة من قبل الذاكرة، وهي تغادر بفعل المؤثرات الجمالية والتقنية، فضاءها التقليدي الواقعي المألوف، إلى فضاء استحالة جمالية، ترتقي إلى مستوى الافتتان، خاصة حينما يتحول بدعم من المؤثرات ذاتها، إلى رؤية واقعية ملموسة ومحسوسة، في المكان والزمان، كما يتحول إلى مادة قابلة للتخزين، بوسعك أن تستعيدها، كلما دعت الرغبة والمتعة أو التأمل إلى ذلك. إن ما يعنينا في هذا السياق، هو ذلك التركيب الجمالي والتقني، الذي ينفلت بالمرئي تماما، من مرجعيته الطبيعية والحقيقية، إلى أفُق متخيلٍ قوامه العجيب والغريب، ينهض من قلب المادة الطبيعية، وقد تم تصنيعها بتقنية عالية الجودة. إنه التخييل التقني، الذي يستمد مادته من المرجعية الواقعية، ويتحقق بها، مشكِّلا بذلك تحديا حقيقيا بالنسبة للخطاب الإبداعي، وخاصة من حيث التركيب الزمني والمكاني، وأيضا، من حيث وضع بنيات إنسانية، في مواقف ذات طابع جمالي جديد ومغاير. بمعنى أن البعد البصري أمسى مهيمنا في بناء، وصياغة هذا الخطاب، على أرضية التراكم الذي تغتني به الرؤية في انفتاحها على جماليات التقنيات الجديدة، التي تشتغل عليه الأشرطة السينمائية والوثائقية، ذات المنحى الحداثي التي تشرف على إنتاجها الخبرة الغربية طبعا.
وكما هو معلوم، فإن التلقي أمسى هو أيضا، متأثرا بهذه الأبعاد الجديدة، فالنص السردي ومعه النص الشعري والتشكيلي، لن يستأثر باهتمام المتلقي، ما لم يكن متوفرا على شحنة تخييلية قوامها المرجعية البصرية المستمدة من التقنيات الحديثة. وضمن هذا الإطار يمكن القول بأن العوالم الافتراضية، بما تمتلكه من تقنيات، ومن جماليات، من عنف، ومن غرابة، تمارس تدفقها التلقائي في قلب الفضاء المعيش، كي تحكم تملكها السحري، والتلقائي على المتلقي، بتحولها تدريجيا إلى مكون مركزي من مكوناته المعرفية والجمالية، لا مناص له من اعتماده في التفاعل مع محيطه الخاص والعام، بمعنى أن ما كان يعتبر من قبل محض متخيل ذي خصوصية تقنية، شرع حاليا في حفر امتداداته على أرضية الواقع. إن التقنية في هذا السياق، تحولت بالقوة وبالفعل، إلى رحم يقترح على المخيلة آلية جديدة للاشتغال، دون أن يعني ذلك أن المخيلة فقدت مصداقيتها تماما على حساب تبعيتها للتقنية، باعتبار أن التقنية قابلة هي أيضا، لأن تكون سببا من أسباب استحداث تخييل حداثي، لا علاقة له بالتخييل التقليدي الطبيعي والفطري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.