الفحولة، الذكورة، تعددت المسميات والفكرة هي نفسها التي تسكن أفكار الرجال، خاصة في المجتمعات العربية، بل والتي تشغل بالهم وتفكيرهم وتؤرق مضجعهم وتخلق لهم مخاوف شتى، تجعلهم يسقطون في وساوس يومية، سواء منهم الأصحاء/الأسوياء أو الذين يعانون من خلل ما قد لايكون بالضرورة عضويا وإنما نفسيا مرتبطا بعارض ما، فيلجؤون أمامها إلى أساليب ووسائل شتى، المنطقية منها وغير السوية، بشكل سرّي في الغالب الأعم للحفاظ على هيبتهم «الرجولية» أمام زوجاتهم في فراش الزوجية وصورتهم أمام غيرهم حتى لاتخدش! الخلل الجنسي وإن كان للمرأة دخل فيه ، سواء من خلال معاناتها هي من مشكل مباشر، أو لتداعيات عجز زوجها، فإنه يقترن في السواد الأعظم من النقاشات بالرجل، والحال أنه مشكل مزدوج يتعين حين البحث عن تفاصيله الحديث مع الزوجين معا لتحديد طبيعته وكيفية علاجه. وأكثر ما يتم الوقوف عنده هو مشكل ضعف الانتصاب، في الوقت الذي يتم فيه القفز على مشاكل أخرى من قبيل القذف السريع، المشاكل في الرغبة، مشكل الإيلاج عند المرأة وغيرها، وما يؤكد ذلك آخر دراسة أجريت من طرف الجمعية المغربية للمسالك البولية، التي جاءت أرقامها لافتة، خلقت نقاشا واسعا، بالنظر إلى الرقم الذي وقفت عنده والمتمثل في كون 45 في المئة من المغاربة يعانون من ضعف الانتصاب، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة، وذلك ما بين مؤيد ومعارض لهذه النتيجة السوداء عن واقع الفحولة في المغرب. الضعف الجنسي الذي يفضل متخصصون الحديث عنه ووصفه بالمشكل الجنسي، وذلك لعدم المس بتوازن شخصية المعني بالأمر، يدفع البعض إلى الالتجاء إلى وسائل طبية، والبعض الآخر إلى أعشاب وخلطات وأنواع معينة من الأغذية، ومنهم من يفضل الإدمان على أفلام بعينها قصد تحقيق الإثارة والرغبة في الممارسة الجنسية، أو البحث عن شريك خارج العلاقة الزوجية للتأكد من فحولته من عدمها والوقوف على مصدر الخلل، هذا في الوقت الذي يبادر المتخوفون من الوقوع ضحية لهذا الضعف إلى تناول حبوب لاتوصف لهم من طرف أطباء متخصصين زيادة في الاحتياط رغم الخطورة التي ينطوي عليها هذا الأمر، بينما يجهد البعض نفسه في الإكثار من الممارسة الجنسية مع زوجته في كل وقت وحين بغية تحقيق إشباع لها نتيجة لحالة البارانويا التي يعيشها هو نفسه؟ وبين كل هذا وذاك، يؤكد المتخصصون على أن المشاكل الجنسية تكون في غالب الأحيان بدافع نفسي أكثر من دافع عضوي، اللهم بنسب قليلة، وبالتالي وجب التركيز على معالجة الظروف المعيشية اليومية التي تحد من الفعالية الجنسية للشريكين، الأمر الذي يستوجب نقاشا وتبادلا للرأي بين الزوجين، وقبلهما حب وتفاهم، والعمل على عيادة الطبيب المختص عوض اللجوء إلى المشعوذين والدجالين والإيمان بالخرافات المبنية على «الثقاف» وغيره، على اعتبار أن كل حالات المشاكل الجنسية هي قابلة للحلّ والعلاج. 20% يطغى الانفعال على سلوكهن بالبيت كما في خارجه 60 في المئة من المغربيات يتسلحن بالصبر لمواجهة الضعف الجنسي لأزواجهن بداية ، ما المقصود بضعف الانتصاب عند الرجال ، وما هي أعراضه؟ الانتصاب هو ظاهرة معقدة تنتج إثر تفاعل متناغم ومتكامل بين العوامل المادية والنفسية . والمقصود بضعف الانتصاب هو عدم القدرة المستمرة أو المتكررة لتحقيق الانتصاب أو المحافظة عليه بصفة كافية للحصول على علاقة جنسية مُرضية. وتتمثل أعراضه في عدم القدرة على الحصول على الانتصاب بشكل مطلق، أو عدم القدرة على الحفاظ على الانتصاب بعد الإيلاج، أو العجز عن الحفاظ على ذلك إلى حين نهاية العلاقة الجنسية، ومن أعراضه كذلك وجود انتصاب غير ثابت لايمكن من الإيلاج. ماهي الأسباب التي تؤدي إلى هذا الخلل الوظيفي؟ هناك أسباب طبية وعضوية، كالإصابة بداء السكري، وجود اضطرابات هرمونية، بالإضافة إلى أسباب عصبية من قبيل السكتة الدماغية، إصابات الحبل الشوكي وتلف الأعصاب بفعل داء السكري أو نتيجة لإدمان الكحول، وكذا مرض بيروني ، وهو تليف أنسجة الانتصاب. إلى جانب أسباب تتعلق بتناول الأدوية، كما هو الشأن عند العلاج الكيميائي، ومكافحة الأندروجين، وتناول «الفيبرات» والمهدئات، فضلا عن أسباب مرتبطة بالسموم كتدخين التبغ وإدمان الكحول. دون إغفال أسباب بسيكولوجية نفسية ترتبط بوضع عائلي أو مشكل مادي، أو طارئ في العمل، ومجمل ضغوط الحياة اليومية، على أن أغلبية الضعف الجنسي يكون عابرا مرتبطا بعامل عابر، وقد تفتقد الرغبة الجنسية كما يفتقد الإنسان الرغبة في الضحك، أو النوم أو الأكل. لماذا دراسة حول الصحة الجنسية للمغاربة؟ الدراسة هي جد مهمة، بالنظر إلى أهمية الموضوع وحساسيته، لكون العلاقة الجنسية تلعب دورا أساسيا في توازن الحياة الزوجية ، وهي تخص طرفي العلاقة، فهي تهمّ الرجل كما المرأة وليس واحدا دونا عن الآخر. كما سعينا لأول مرة من خلال هذه الدراسة التي أجريت، إلى معرفة رأي المرأة في الضعف الجنسي عند الرجل، لأنه في السابق كانت هناك أبحاث موجهة للرجل الذي يعاني من المشكل الجنسي لوحده. على ماذا اعتمدت دراستكم وأين أجريت ؟ هذه الدراسة أجريت بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد داخل مجموعة تتكون من 202 سيدة، أعمارهن تعادل أو تتجاوز 20 سنة، متزوجات ويمارسن نشاطا جنسيا منتظما، وكما أشرت فهي جاءت لتملأ فجوة حقيقية من خلال تقديم مساهمة علمية هامة تمكن من فهم أفضل لضعف الانتصاب عند الرجال في المغرب، وقد تم تقييم هذا الضعف عند 202 من الشركاء استنادا إلى المتغيرات الديموغرافية المتمثلة في العمر، الأصل، مدينة الإقامة، والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية من قبيل المستوى التعليمي والوضعية المهنية، وكذا السوابق الطبية والجراحية كمرض السكري، أمراض القلب والأوعية الدموية، والكولسترول، إضافة إلى العادات السامة من قبيل التدخين وإدمان الكحول، وكذا أخذ الدواء بانتظام. وقد حاولت الاستمارة المتعلقة بالدراسة تسليط الضوء على درجة الرضا الجنسي عند المرضى الذين تمت مقابلتهم، وعلى شدة الرغبة الجنسية لدى النساء المعنيات بالدراسة، وكذا اللجوء إلى الاستشارة الطبية والأدوية لعلاج ضعف الانتصاب من عدمه، فضلا عن معرفة موقف الرجال من اضطراب وظيفة الانتصاب وكذلك موقف النساء. ما هي النتائج التي تم التوصل إليها؟ النتائج التي خلصنا إليها كشفت أن 45.05 في المئة من الشركاء يعانون من ضعف الانتصاب باعتبار جميع مراحل هذا الاختلال، منها 13.19 في المئة من الحالات كانت في مراحل شديدة، بينما 40 في المئة من الحالات كانت خفيفة، 26 في المئة ما بين خفيفة ومتوسطة، و 21 في المئة هي في مرحلة متوسطة. وهي نسب وأرقام ليست مؤشرا على الخطر، لأن هناك تباينا في حالات الضعف الجنسي ما بين الخفيف والمتوسط والشديد، كما هو الشأن بالنسبة لشهية الأكل نموذجا، وبالتالي فإن نسبة 15 في المئة هي التي تبين أنها تعاني من مشكل كبير في هذا الصدد يتمثل في ضعف جنسي مطلق. كما تبين أن 91 في المئة من الشركاء/الأزواج الرجال الذين يعانون من ضعف الانتصاب 5 منهم فقط سعوا إلى الاستشارة الطبية بمعدل 5.4 في المئة، 24 شخصا منهم أي ما يعادل نسبة 26.37 في المئة ، استخدموا الدواء عن طريق الفم. الجانب الآخر الذي كشفته الدراسة يكمن في كون 80 في المئة من النساء المعنيات بها تفاوتت مواقفهن وردود فعلهن، إذ أن 30 في المئة صرّحن بأن الأمر لايشكل لهن أي عائق، مقابل 30 في المئة من نفس العينة اللواتي لم تخفين ضررهن لكنهن تسلحن بالصبر والعزيمة لمواجهة هذا الواقع والتعايش معه وقررن التكيف مع الوضع والاستمرار في الحياة الزوجية، بينما 20 في المئة من المعنيات تعاملن مع الوضع بتوتر وتشنج وأضحي الانفعال يطغى على سلوكهن بالبيت كما في خارجه، في حين أن نسبة 20 في المئة المتبقية من النساء ناقشن الموضوع مع أزواجهن بعيدا عن الانفعال وقُمن بِحثِّهم على استشارة الطبيب سعيا وراء العلاج. أين تكمن أهمية التشخيص والاستشارة الطبية في هذا الصدد؟ يعتبر ضعف الانتصاب موضوعا حساسا يؤثر على الشريكين معا في أية علاقة، وفي حال استمرار عدم الرضا، فمن المنطقي أن يسعى المريض لمعرفة ما إذا كان ذلك يرجع إلى أسباب عضوية أو نفسية، وهنا تصبح الاستشارة الطبية ضرورية. أولا مع الطبيب العام الذي سيوجه المريض إذا ما اقتضى الحال إلى طبيب المسالك البولية أو المتخصص في علم الجنس أو علم النفس، حسب الحالة الطبية لكل شخص على حدة. ويمكن أن يمثل ضعف الانتصاب إنذارا عند الرجال الذين يعانون من اضطرابات متعلقة بالقلب والأوعية الدموية، لذلك تعد الاستشارة الطبية الأولى خطوة أساسية، إذ يمكن للطبيب تشخيص المرض من خلال تساؤل بسيط وفحص سريري، يؤدي إلى تحديد مدى أقدمية الاضطراب، وكيفية ظهوره، هل هو تدريجي أو مفاجئ. وتكمن أهمية الاستشارة الطبية أيضا في تحديد عناصر تشخيص الأمراض العضوية، وكذا المشاكل النفسية المحتملة التي يمكن أن تؤدي إلى انطلاق أو تفاقم اضطرابات الانتصاب، إذ يمكن للأحداث النفسية -العاطفية أو الوظيفية أن تتداخل مع النشاط الجنسي، وبالتالي يمكن للطبيب أن يقوم بتأكيد حالة ضعف الانتصاب باستبعاد فرضية سرعة القذف أو العجز الجنسي الناتج عن أسباب أخرى من قبيل انخفاض الرغبة الجنسية، وكذا تحديد متى بدأت صعوبات الانتصاب، ونوع المشكلة وعواقبها على الزوجين، إضافة إلى التحقق من الأسباب المحتملة العكسية كالأدوية، الإجهاد، الاكتئاب، الهرمونات، التدخين، الكحول، المخدرات، والمشاكل المتعلقة بالشريك. فضلا عن تحديد صعوبات الانتصاب بناء على السوابق الجنسية والطبية والفحص البدني والاختبارات المعملية. وهنا أود أن أؤكد على أن لأطباء أمراض النساء دورا أساسيا، إذ عليهم أن يبادروا إلى طرح أسئلة حول العلاقة الجنسية بين الشريكين، كما هو الشأن بالنسبة لباقي الأسئلة العضوية، وكذلك الأمر بالنسبة للأطباء العامين حتى وإن لم يتطرق المريض للأمر خجلا، لأن العلاج متوفر والأمر متعلق بمرض يمكن علاجه. هل هناك أية حلول علاجية لهذا المرض؟ بالفعل ، فالأدوية اليوم هي متوفرة على نطاق واسع وبأثمنة في المتناول، ويجب في البداية التركيز على علاج الجانب النفسي عند الشخص حتى يعود إلى طبيعته، وبخصوص المرض العضوي هناك أقراص متعددة، ويمكن في حال عدم نجاعتها استعمال حقن، او اللجوء إلى تدخلات علاجية أخرى وفقا لكل حالة على حدة بالنسبة للحالات الصعبة، إلا انه مهما كانت الحالات معقدة وصعبة فيجب التأكيد على أن العلاج ممكن جدا وبنسبة 100 في المئة. ما هي التوصيات التي خلصت إليها دراستكم؟ لقد وقفنا من خلال ممارستنا الميدانية على حالات سعت إلى الطلاق بفعل الضعف الجنسي للشريك، هذا في الوقت الذي يتفادى عدد كبير من الرجال الحديث عن وضعهم الصحي صونا لما يعتبرونه هيبة وكرامة ورجولة لايجب أن تخدش صورتها، هذا في الوقت الذي توجد نساء لاتقمن علاقة جنسية مع الشريك إلا في كل 6 أو 9 أشهر، وبالتالي فالانتصاب هو مقياس للصحة، وهو جهاز إنذاري ينبئ عن العديد من الأمراض. وبعيدا عن التأثير الطبي فضعف الانتصاب له تأثير سلبي مستمر على الانسجام ورفاهية الزوجين. وبالتالي وجب وضع استراتيجية للمعلومات والتوعية ليس فقط بين العاملين في مجال الصحة، ولكن خصوصا لدى الرأي العام، إذ يجب اعتبار اضطرابات الانتصاب مشكلة تدخل في إطار الصحة العمومية، كما أنه من المهم الدفع بالعلاج الطبي لضعف الانتصاب، والتذكير بأهمية الاستشارة الطبية، والدعوة للفحص والتشخيص لإفساح المجال لتلقي العلاج. إن علاج ضعف الانتصاب ليس من الترف أو ذو قيمة مضافة ، بقدر ما هو ضرورة ومن الاحتياجات الطبية الأساسية، والذي يجب أن يستعيد قيمته التي حجبها غبار المحرمات الاجتماعية والثقافية السائدة. أستاذ بكلية الطب والصيدلة رئيس الجمعية المغربية لجراحة المسالك البولية بالمنظار