لفت الاستاذ أحمد بريسول، في تقديمه للخطوط العريضة والإشكالات التي ستتناولها ندوة» العربية والتعدد اللغوية بالمغرب»، التي انعقدت ضمن فعاليات المعرض الدولي للكتاب في دورته 25، الى أنه يجب التمييز منذ البداية بين تعدد لغوي أساسه الاختلاف وهو محرك للنمو والارتقاء وطريق للتلاقح المعرفي الذي لا يتحقق إلا بتلاقح لغوي بما يخدم السلم اللغوي داخل المجتمعات، وبين تعدد لغوي لا يخدم الاندماج والهوية وهو المفروض والمقترن بإدخال لغة لتقوم بوظائف اللغة الوطنية، وهذا النمط من التعدد اللغوي يأتي ليقصي اللغة التي من المفترض أن توكل إليها الوظيفة الافيد بالنسبة للمجتمع، على المستوى المعرفي أو الاقتصادي، مشيرا الى أن هذا الأخير يهمش اللغة الوطنية، ويننتج تبعا لذلك انعدام استقرار لغوي وهو ما تكون له انعكاسات نفسية. ونبه بريسول الى أن كل سياسة لغوية تتغيا السير نحو التقدم، عليها تفادي الأحادية اللغوية غير الايجابية، لهذا فالتعدد اللغوي لا يجب أن يهمش اللغة الوطنية بل أن يكون مصدرإثراء وإغناء لها. محمد الفران، مدير المكتبة الوطنية والمدير السابق لمعهد الدراسات والأبحاث والتعريب، لفت الى المغالطات العديدة التي تثار عند تناول السياسة اللغوية بالمغربية، مشيرا الى أن الحديث عن التعدد اللغوي والعربية يتم على مستويين: الموقف الرسمي والموقف غير المصرح به، محيلا الى بداية مطلب التعريب الذي تمت الدعوة إليه غداة الاستقلال، حيث حُمّل هذا المصطلح أي «التعريب» أكثر مما يحتمل، بين فريق يرى اعتماد لغة المستعمر وآخر يحاول نقل نماذج الدول العربية في ما يخص وحدة اللغة العربية وأفضليتها، وهو نقاش يخفي الكثير من حقائق ومعطيات الواقع اللغوي آنذاك، والذي اتسم بازدواجية لغوية بين العربية والفرنسية في التعليم والاعلام ، حيث أن المؤسسات الرسمية اعتمدت في تلك الفترة على اللغتين معا في ظل وجود نخبتين تستعمل كل منها لغة على مستوى المنطوق والخطاب، وهو ما يؤكد أن الوضع اللغوي في مغرب بعيد الاستقلال لم يكن أحاديا، وما إحداث معهد التعريب في 1961 إلا بغاية التقريب بين اللغتيىن خاصة في قطاع الادارة الموروثة عن الاستعمار، والتي كانت في جلها مفرنسة وتحتاج في عملها اليومي الى ملاءمات لغوية في تعاملاتها ، وهو ما عمل المعهد انذاك على إيجاد حلول له عبر إنجاز معاجم لقطاعات متعددة تترجم من الفرنسية الى العربية، قبل التوجه بعد ذلك الى الانجليزية. كل هذه المعطيات تؤكد، حسب المتدخل، أن الحديث عن التعدد اللغوي بالمغرب ليس وليد دستور 2011 الذي تحدث عن لغات الهوية ممثلة في العربية والأمازيغية، ولغات الانفتاح ممثلة في الفرنسية والاسبانية والانجليزية، مشيرا الى أن الوضع اللغوي اليوم تغير على المستوى السياسي والثقافي وانتقل من تعايش لغتين الى مشهد يتسم بفسيفساء لغوية وبالتالي، يضيف الفران، فإن التحديات التي كانت تطرح على اللغة العربية والتعدد اللغوي، اختلفت اليوم وأصبحنا مطالبين بوضع سياسة لغوية واضحة الملامح تقطع مع التذبذب الذي ساد منذ السبعينات، خصوصا داخل المنظومة التعليمية التي ظلت تتبنى تارة وتتراجع أخرى قضية تعريب المواد العلمية .ففي عشر سنوات فقط ، تم تبني او التراجع عن التعريب أربع مرات !، وهذا التذبذب كان نتيجة غياب سياسة واضحة كما كان خاضعا لمزاجية النخب السياسية ومرتبطا بمشاريعها السياسية التي تحملها أو تقصيها من مركز صناعة القرار. وخلص الفران الى أن دستور 2011 وبترسيمه للغة الامازيغية، خلق واقعا لغويا مغايرا بتنصيصه على لغات الانفتاح والدوارج كتمثلات ثقافية دون تحديد طبيعة هذه الدوراج وارتباطها باللغة العربية الفصحى أو اعتبارها لغات مستقلة، وهو ما ينسحب على اللغة الامازيغية أيضا بلهجاتها الثلاث: تشلحيت، تمازيغت، تاريفيت، اضافة الى الحسانية، داعيا الى تفعيل الهدف الدستوري وهو دمقرطة اللغات عبر نسيج يجعلها تخدم بعضها البعض عوض منطق الصراع الذي لا يعمل إلا على مزيد من التفكيك. من جهته، انطلق الاستاذ والباحث أحمد الشارفي ، الفائز بجائزة المغرب للكتاب 2018 في فئة الدراسات اللادبية واللغوية عن كتابه « اللغة واللهجة»، من كون الحديث عن التعدد اللغوي اليوم ينسجب أساسا على اللغة المعيارية وعلاقتها باللغات الاخرى التي أصبحت اليوم جزءا من النسيج اللغوي المغربي، لافتا الى أن ما يجب التركيز عليه هو التخطيط لمستقبل اللغة والذي يرتبط بالإرادة الجماعية التي تتصل حتما بمجال الايديولوجيا والتي لا تتكئ الى يقينيات، ما يجعلنا في حالة شد وجذب حول النموذج اللغوي الذي نريد. الشارفي نبه أيضا الى عنصرين مهمين اعتبرهما قطب الرحى في الصراع الايديولوجي حول التعدد اللغوي: أولهما عنصر البراغماتية والفائدة من اللغة أي لغة المستعمر والحاجة الاقتصادية الماسة إليه أو تعويضها بالانجليزية بالنظر لما تفتحه من إمكانات الاستفادة من العلوم والتقنيات والثقافة. أما العنصر الثاني المحرك للصراع فربطه بمسألة الهوية وهو ما يرتفع الى مستوى الصراع السياسي حينما يتم ربط اللغة بالهوية المجتمع. ودعا في هذا الصدد الى تكوين رأي ناضج من طرف النخبة بمفهومها الواسع للادلاء برأيها في هذا الموضوع الشائك بما تضمه من رجال سياسة واقتصاد وأدب. وعند حديثه عن الأمازيغية ، ميز الشارفي بين مستويين: الخطاب حول الواقع ويعني به أن الامازيغية تشكل كلا متصلا داخل هويات محلية أمازيغية تحاول بعض الحركات إعادة صياغتها لتعويض الهويات الامازيغية المتقرقة ، وبين الواقع الذي يقر بغياب لغة أمازيغية معيارية خاصة في مجال النحو والصرف بمعنى عدم حصول إجماع حول أمازيغية معيار واحدة.