حين يغيب تكافؤ الفرص… تضيع شفافية الانتخابات    سوق الشغل في المغرب خلال الفصل الثاني من 2025.. مؤشرات متباينة وسط تداعيات الجفاف وتراجع الفلاحة    فرنسا ترحل طالبة فلسطينية إلى قطر بعد اتهامها بكتابة منشورات "معادية للسامية"    حماس تقول إنها لن تسمح للصليب الأحمر بالوصول إلى الرهائن إلا إذا تم فتح ممرات إنسانية    بطولة انجلترا: تشلسي يتعاقد مع الظهير الأيسر الهولندي هاتو    توقعات أحوال الطقس لليوم الإثنين    وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    مسيرة تناصر قطاع غزة من ساحة الأمم إلى أبواب ميناء "طنجة المدينة"    حادثة مأساوية بطنجة.. مصرع سيدة وسقوط سيارة في مجرى واد بعد اصطدام عنيف    ‬إسبانيا ‬تزيل ‬علمها ‬من ‬جزيرتين ‬قبالة ‬الحسيمة ‬دون ‬إعلان ‬رسمي.. ‬    رواج الموانئ المغربية يسجل ارتفاعا ب11,6% خلال النصف الأول من 2025    السكتيوي: الفوز على أنغولا نتيجة نضج تكتيكي واضح    المغرب.. أقدم أصدقاء أمريكا وركيزة في مسار العلاقات التاريخية    مصرع طيار وابنه في تحطم طائرة خفيفة في إسبانيا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    الجزائر تروج لوثيقة وهمية للطعن في اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء    حريمات أفضل لاعب في لقاء أنغولا    الشركات الرياضية تختبر حدود التمويل والحكامة في كرة القدم المغربية    إعفاء رئيس المجلس العلمي المحلي لفجيج..بن حمزة يوضح    السكيتيوي يكشف عن تشكيلة المنتخب أمام أنغولا    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية النيجر بمناسبة العيد الوطني لبلاده    شخصيات مقدسية تشيد بمبادرة الملك محمد السادس إرسال مساعدة إنسانية وطبية عاجلة لسكان قطاع غزة    لفتيت يقدم خطة الدولة من 7 أهداف لتعزير المسار الديمقراطي والأحزاب ملزمة بتقديم ردها قبل نهاية غشت    "3 لاءات" نقابية تواجه خطط الإصلاح الحكومية لأنظمة التقاعد المغربية    مبابي يشهد.. حكيمي يحترم النساء حتى وهو في حالة سُكر    موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بتساقط البرد وبهبات رياح من الأحد إلى الجمعة بعدد من مناطق المغرب    وزارة الداخلية الإسبانية: 361 مهاجرا يعبرون إلى سبتة في 15 يوما    الناظور..مالك كشك "شارع 80" يعلن نيته الطعن قضائياً بعد إغلاق محله    كأس إفريقيا للمحليين.. هذا التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب وأنغولا    بنغفير يجدد اقتحامه للمسجد الأقصى وسط حشد من المستوطنين المتطرفين ويؤدون طقوسا تلمودية    نازهي يسائل وزير الثقافة حول اختلالات مسرح محمد عفيفي بمدينة الجديدة    الستاتي والرحماني يُسدلان الستار على مهرجان العيطة المرساوية    الجديدة.. جريمة قتل مروعة تهز حي سيدي موسى بوسط المدينة .    جمعية أنزا الهجرة والتنمية تنظم الدورة الرابعة لمهرجان المهاجر    الشيبي وبنتايك الأفضل بدوري مصر    استياء واسع بسبب ضعف صبيب الأنترنيت باقليم الحسيمة    الدبلوماسية البيئية في مواجهة خصوم الوحدة الترابية للمغرب.. الوكالة الوطنية للمياه والغابات نموذجا    دراسة تحذر: هل يكون عام 2027 بداية نهاية البشرية بسبب الذكاء الاصطناعي؟    اختتام معرض الصناعة التقليدية بالعرائش    "عرش المحبة حين يغني المغرب في قلب تونس"    النجمة أصالة تغني شارة "القيصر" دراما جريئة من قلب المعتقلات    المركز السوسيوثقافي أبي القناديل يحتظن حفلا مميزا تخايدا لذكرى 26 لعيد العرش المجيد    السياسة وصناعتُها البئيسة !    أنفوغرافيك | جهة سوس ماسة.. تتصدر حالات إفلاس الشركات        حملة دولية للمطالبة بالإفراج الإنساني عن ناصر الزفزافي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    قافلة طبية تخفف معاناة مرضى القلب بجرسيف    تقرير: أكثر من 12 ألف رأس نووي في العالم .. 87 بالمائة منها بيد دولتين فقط    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    دراسة: مشروب غازي "دايت" واحد يوميا يرفع خطر الإصابة بالسكري بنسبة 38%    دراسة تُظهِر أن البطاطا متحدرة من الطماطم    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إشكالية دسترة اللغات في المغرب
نشر في هسبريس يوم 21 - 04 - 2011

شكل الخطاب الملكي الأخير، الخاص بالإصلاحات و التعديلات الدستورية، ثورة حقيقية من شأنها أن تعيد بناء مغرب جديد، مغرب الحرية و الديموقراطية، مغرب يقطع مع كل الممارسات السابقة التي أدخلت المغرب في متاهات متعددة، و عطلت مشاريع التنمية الحقيقية. و من بين حسنات هذه المبادرة الملكية، التي سيذكرها التاريخ بدون أدنى شك، تلكم الهزة التي حركت المشهدين السياسي و الثقافي الراكدين، وأعادت إلى الواجهة النقاش العمومي حول موضوعات مختلفة، تهم الشأن السياسي والاقتصادي و الاجتماعي والثقافي، وخاصة في شقه اللغوي. يأتي ذلك مع تعالي أصوات الجمعيات الأمازيغية المنادية بدسترة الأمازيغية، و عجز بعض الأحزاب السياسية عن تقديم تصور واضح يخص هذا الموضوع، لأسباب متعددة لا مجال لذكرها الآن، و تذبذب الأحزاب الأخرى بين الرفض المطلق لدسترة الامازيغية، وبين مؤيد لذلك، و بين واضع لشروط و قيود لدسترها.
قبل مناقشة هذا الموضوع، لا بد من التأكيد على أن موضوع اللغة و السياسة اللغوية أخطر بكثير مما يتصور البعض، لهذا ينبغي معالجته في إطار علمي عقلاني من لدن الخبراء والاكاديميين بالدرجة الأولى، بعيدا عن المزايدات السياسية، و النزعات العنصرية والعرقية والاقصائية، و بعيدا كذلك عن كل موقف انفعالي، بل يجب أن تراعى بالدرجة الأولى المصلحة العليا للوطن، مع استشراف الآفاق، و قراءة العواقب من أي سياسة لغوية متسرعة، أو خطوة مستعجلة.
تطالب كل الجمعيات الأمازيغية بدسترة الأمازيغية تحت ما تسميه بالشرعية التاريخية والحقوقية و الأكاديمية ...لن ندخل في جدل الآن حول هذه الحجج، بقدر ما نود تقديم تصور علمي يعتمد الموضوعية، و يستند على دراسة و تحليل بعض الوضعيات اللسانية، في محاولة للخروج بتصور عام يمكن أن يفيد في وضع سياسية لغوية واضحة و منسجمة وديموقراطية.
مصطلح الدسترة اللغوية مصطلح ملتبس اذ يمكن أن يحيل على أشياء من قبيل: اللغة الرسمية، أو شبه الرسمية، أو اللغة الوطنية، أو اللغة المحلية. لهذا ينبغي قبل كل شيء توضيح بعض هذه المصطلحات التي تستعمل استعمالا غامضا و مشوشا في أغلب الأحيان.
يقصد عادة باللغة الرسميةla langue officielle تلكم اللغة التي يشير إليها الدستور، وتنظمها القوانين داخل دولة أو ولاية أو إمارة أو منظمة كيفما كان نوعها، و تفرض في جميع المجالات الرسمية للدولة من قبيل مؤسسات الحكومة و الإدارات و المحاكم والمؤسسات التعليمية و الواجهات العامة و الاشهارات أو الإعلانات الموجهة إلى الجمهور، كما تستعملها كل المؤسسات الخاصة التي تتعامل مع الجمهور بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
و تختلف الوضعيات التشريعية اللغوية حسب الدول، فبضعها يعترف بلغة رسمية واحدة، وهذه حالة فرنسا و البانيا و أغلب الدول العربية، و بعض الدول الإفريقية. و يعترف بعضها الآخر بوجود لغات رسمية متعددة، كما هو حال فلندا و سويسرا و كندا ولكسمبورغ و بلجيكا و أفغانستان.
في سياقات أخرى توجد لغة رسمية على المستوى الوطني، مع وجود لغات شبه رسمية في بعض المناطق، وهذه حالة ايطاليا و الفلبين و اسبانيا و هولندا و العراق.
كما إن هناك دولا مثل الولايات المتحدة الأمريكية لا تعترف رسميا بأية لغة رسمية على المستوى الفدرالي، لكن توجد لغات رسمية خاصة بكل ولاية. في حين توجد هناك دول لها لغة أو لغات رسمية تمارس في جميع القطاعات، لكنه لا يشار إليها صراحة في الدستور، كما هو الحال في المكسيك و بوليفيا والشيلي و اثيوبيا و اريتريا و غامبيا وغينبا بساو وتانزانيا والموريس و السويد و المملكة المتحدة و الفاتكان.
و ينبغي الإشارة إلى أن وجود لغة رسمية واحدة لا تستلزم بالضرورة أن تكون لغة أما، أو إحدى اللغات الأم الموجودة، هكذا نجد في بعض الدول الإفريقية و في الفلبين أن اللغتين الرسميتين (الانجليزية و الفرنسية) اللتين ورثتهما هذه الدول عن المستعمر، ليستا لغتين وطنيتين، و ليستا اللغتين الأكثر استعمالا في هذه المناطق.
و نفس الأمر ينطبق على الدول العربية، حيث إن اللغة الرسمية في أغلب هذه الدول هي العربية الفصحى التي تختلف نسبيا عن الدوراج و اللهجات كما تختلف عن اللغتين الأمازيغية و الكردية. كما إن الجمهورية الايرلندية تبنت لغة الجياليك gealique كلغة وطنية رسمية رغم أنها لغة لا يتحدث بها، في الواقع، إلا عدد قليل من المواطنين. بينما اللغة التي تحتل المرتبة التشريعية الثانية ( الانجليزية) هي اللغة التي يتحدث بها أغلب السكان. أما في اندونيسيا فان غالبية السكان يتحدثون لغات جهوية تشكل اللغة الأم لنصف سكان اندونسيا، بالإضافة إلى اللغة المالوية.
أما اللغة الوطنية فهي اللغة التي تعتبر خاصة بوطن أو بلد ما، و التي تطورت عبر التاريخ و أصبحت مكونة للهويات المحلية، و يختلف تعريفها حسب الدول، ففي بعض الدول تحظى بعض اللغات الوطنية باعتراف الدولة و حماية القانون.
ملاحظة أولية ينبغي أن نشير إليها، إذن، هو ضرورة التمييز بين اللغة الرسمية و اللغة الوطنية إذ يمكن أن تكون اللغة رسمية دون أن تكون وطنية، و العكس صحيح. كما يمكن أن تكون اللغة رسمية و وطنية في نفس الوقت.
إذا تأملنا أغلب الوضعيات اللغوية في العالم سنخرج بنتيجة مفادها أنه لا تختار منوعة ما لتشغل وظيفة اللغة الرسمية إلا إذا كانت من اللغات التي لها تاريخ كتابي عريق، و رصيد علمي و معرفي معتبر، أو بسبب قدرتها على تحقيق الوحدة النفسية و السياسية و التقليل من حدة الصراعات العرقية و الدينية و المذهبية. و قد تعطى لبعض اللغات التي لا تتوفر فيها هذه الشروط وضعية اللغة الرسمية الجهوية أو وضعية اللغة الوطنية.
ما يطبع العالم اليوم هو ظاهرة التعدد اللغوي، فليست هناك دول أحادية اللغة إلا فيما قل و ندر. فاذا ما تأملنا الوضع اللغوي العالمي، سنجد أن 38 دولة فقط من بين 200 دولة، هي الدول الأكثر تجانسا لغويا( أي ان 90% من ساكنتها يتحدثون نفس اللغة) في حين نجد أن 92% من دول العالم هي دول متعددة اللغات. و ينبغي التنبيه إلى أن هذا التوزيع اللغوي ليس اعتباطيا، بل تحكمه ظروف سياسية و اقتصادية و اجتماعية.
وتشير بعض الإحصاءات إلى أنه توجد 120 لغة في إثيوبيا ، و توجد 77 لغة في فيتنام، و 164 لغة في الفلبين، و 117 لغة في تشاد، و 659 في أندونسيا، و 135 لغة في السودان، و 849 لغة في غينيا الجديدة، وعليه يمكن الاعتراف بعدد كبير من اللغات الموجودة في سياق لغوي ما باعتبارها لغات وطنية، دون الاعتراف بها لغات رسمية لأسباب موضوعية، منها الكلفة الاقتصادية و الزمنية و النفسية و المعرفية العالية. فلنفترض مثلا أن الهند اعترفت بكل لغاتها، التي تقدر بالمئات، لغات رسمية(في الواقع هناك لغتان رسميتان في الهند هما الهندية والانجليزية) هذا يقتضي أن يتعلم الطفل الهندي مئات اللغات في المدرسة، وأن تكتب الوثيقة الإدارية الواحدة بعدد اللغات الرسمية في هذا البلد، و ان تكتب أسماء المحلات بمئات اللغات... و هذا أمر لا يقبله العقل مطلقا، لهذا تلجأ العديد من الدول إلى الاعتراف برسمية بعض اللغات على المستوى الجهوي فقط. وهناك دليل بسيط نقدمه في هذا المقام هو أن الأمم المتحدة، و الكثير من المنظمات الدولية التي يبلغ عدد الدول المنخرطة فيها 200 دولة تقريبا، لا تستعمل إلا ست لغات رسمية، وتقصى لغات كبرى كاليابانية و الألمانية و غيرهما، نظرا للتكلفة العالية للترجمة العادية والفورية وتحرير الوثائق.
إن المغرب ليس بدعا في ذلك، و ليس شاذا عن هذا الواقع اللغوي العالمي، فمشهده اللغوي فسفسائي، إذ توجد، بالإضافة إلى اللغة العربية الفصحى، لهجات عربية و هي كثيرة ومتعددة نذكر منها: اللهجة الجبلية في الشمال، واللهجات المدينية في كل من فاس و تطوان و سلا و الرباط، و اللهجات البدوية الغربية الممتدة من الحدود الجنوبية لمدينة طنجة إلى تخوم الصحراء، مرورا بالسهول الأطلسية و مدنها الكبرى كالرباط و الدار البيضاء ومراكش، ثم هناك اللهجة الحسانية في الصحراء، واللهجة البدوية الشرقية في منطقة وجدة، بالإضافة إلى الأمازيغيات الثلاث الكبرى، الريفية و الامازيغية و السوسية، والأمازيغية المصنوعة في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، بالإضافة إلى اللغة الفرنسية الحاضرة بقوة في مجالات العلوم و الاقتصاد والإعلام. فالمغرب إذن أمام خيارات متعددة، فإما أن يجعل كل هذه اللغات و اللهجات منوعات رسمية( فلا شيء يمنع الجبلي مثلا أو الصحرواي من الدعوة إلى ترسيم لهجته بعد تقعيدها في معهد جديد للثقافات المغربية) أو أن يختار لغة رسمية واحدة، و يعترف بالباقي باعتبارها لغات ومنوعات وطنية بدون تمييز، حيث يحق لكل مواطن أن يستعملها، و يحافظ عليها، و يتعلمها ،حسب اختاره، ويسمعها في الإعلام، كل ذلك يجب أن يتم في إطار قانوني يحفظ لكل واحد خصوصيته اللغوية، لكن مع الحفاظ على لغة واحدة تجمع كل المغاربة و تميز هويتهم المغربية المشتركة في إطار التعدد ، و الا سيصير الأمر إلى كانتونات لغوية لن تساهم إلا في تمزيق الوحدة النفسية والوطنية للمغاربة، كما هو الحال في بلجيكا( المهددة حاليا بالانقسام بسبب الصراع الدائم بين الفلامان و الفرانكفون) و اسبانيا، و الكثير من الدول الإفريقية التي تتحول فيها الاختلافات اللغوية والعرقية إلى حروب أهلية مدمرة). و أعتقد أن اللغة القادرة على تحقيق وحدة المغاربة هي اللغة العربية الفصحى لأسباب منها:
1- شرعيتها الدينية: فالعربية ارتبطت عند المغاربة بالدين الإسلامي حيث لم يميز هؤلاء، كما يقول برونو بين العربية و الدين الإسلامي، فالوظيفة التعبدية، حسب الدكتور الأوراغي، مقصورة على اللغة العربية، و لا تنافسهما في ذلك، لا لغات قبلية، و لا لهجات محلية، و لا لغات أجنبية، و هذا يظهر في حاجة المغاربة اليومية و الروحية لهذه اللغة في الصلاة و الذكر و تلاوة القرآن و الدعاء.
2- شرعيتها الوطنية: تقوم العربية بدور محور الوحدة الوطنية بسبب مميزاتها السالبة للخصوصيات المحلية و الجهوية و العرقية و خلقها للوحدة النفسية و التجانس القيمي الذي يكتسب المغاربة أغلبه في المؤسسات التعليمية و الإعلامية فالطفل المغربي من طنجة الى الكويرة يتلقى قيم مشتركة من خلال المنظومتين التعليمية والإعلامية، لكنه يكتسب قيمه الخاصة من محيطه اللغوي و الاجتماعي.
3- شرعيتها التاريخية: العربية لغة عريقة في المغرب تمتد إلى مجيء الإسلام ، بل هناك من يرجعها إلى أبعد من ذلك. و قد تفاعلت لهجاتها مع اللغات المحلية دون أن تلغيها، بل ظلت العلاقة الوظيفية التكاملية هي ما يميز الوضع اللغوي المغربي على امتداد التاريخ.
4- شرعيتها الدستورية: كانت العربية دائما هي اللغة الرسمية للدولة المغربية ما بعد مجيئ الإسلام، و استمر ذلك حتى إبان حكم دول أمازيغية كالمرابطين والموحدين، و ما عرف في تاريخ المغرب الوسيط أو المعاصر من ناهض هذا الوضع الدستوري.
5- شرعيتها المعرفية: اللغة العربية لغة عالمة لها تاريخ عريق في الإنتاج المعرفي، في جميع الميادين و التخصصات العلمية و الفنية الدينية و الدنيوية، مما يجعلها لغة مؤهلة لنقل الثقافة ووصلها بين الماضي و الحاضر، و هو ما تفتقر إليه اللهجات العربية و الأمازيغية.
6- قدرتها على ضمان الحظوظ الاجتماعية لجميع المغاربة بسبب قربها من الدارجة التي تتكلمها الغالبية الساحقة من المغاربة عربا و أمازيغ، مما سيقطع الطريق على أولئك الذين لا يتدرجون في سلم الارتقاء الاجتماعي على أساس الكفاءة، بل على أساس التنشئة الاجتماعية الطبقية التي تحضر فيها اللغة الفرنسية بشكل ملحوظ.
إن الدوارج العربية و الأمازيغيات لغات نطاقية تفهم في منطقة دون غيرها، و تفتقر إلى الزخم الديني و الرصيد المعرفي و البعد الوحدوي، و بناء عليه لا يمكن أن تكون هذه المنوعات لغات الجمع، لهذا فاختيار إحداها دون غيرها لتكون لغة رسمية من شأنه أن يستفز الآخرين، و لا غرابة أن نجد يوما ما الجبلي أو الصحراوي أو غيرهما، و قد وقف أمام البرلمان محتجا، و مطالبا بترسيم لغته الأم، تحت ذريعة الحقوق اللغوية.
أعتقد أن الإصلاح الدستوري الجديد ينبغي أن يجدد البيعة للعربية الفصحى باعتبارها لغة رسمية للمملكة لأنها الضامن للاستقرار، كما ينبغي أن ينص على اعتبار اللهجات الأمازيغية، بمنوعاتها الثلاث، الريفية و الأمازيغية و السوسية، بالإضافة إلى اللهجات العربية، لغات و لهجات وطنية تسهر قوانين منظمة و معاهد متخصصة على حمايتها وصيانتها و تطويرها، بما يضمن التنوع داخل الوحدة.
*باحث سوسيولساني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.