سيام 2024.. فتح سوق الاتحاد الأوروبي أمام واردات العسل المغربي    المالية العمومية: النشرة الشهرية للخزينة العامة للمملكة في خمس نقاط رئيسية    تتويج المغربي إلياس حجري بلقب القارىء العالمي لتلاوة القرآن الكريم    مكناس .. تتويج 12 زيت زيتون من أربع جهات برسم النسخة 14 للمباراة الوطنية    رسميا.. الجزائر تنسحب من البطولة العربية لكرة اليد المقامة بالمغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    المغرب يصدر 2905 تراخيص لزراعة وإنتاج القنب الهندي إلى غاية أبريل الجاري    الوكالة الوطنية للغابات تخرج عن صمتها بخصوص ظهور "القط الأنمر" في إحدى غابات طنجة    بحر طنجة يلفظ جثة شاب غرق خلال محاولته التسلل إلى عبارة مسافرين نحو أوروبا    غدا تنطلق أشغال المؤتمر الثامن عشر لحزب الاستقلال    الفروع ترفع رقم معاملات "اتصالات المغرب"    مطار مراكش المنارة الدولي .. ارتفاع حركة النقل الجوي خلال الربع الأول    ارتفاع أرباح اتصالات المغرب إلى 1.52 مليار درهم (+0.5%) بنهاية الربع الأول 2024    تظاهرات تدعم غزة تغزو جامعات أمريكية    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    المعرض المحلي للكتاب يجذب جمهور العرائش    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    14 ألف مواطن إسباني يقيمون بالمغرب    تحويل الرأسمالية بالاقتصاد اليساري الجديد    بسبب تعديلات مدونة الأسرة.. البرلمانية اليسارية التامني تتعرض لحملة "ممنهجة للارهاب الفكري"وحزبها يحشد محاميه للذهاب إلى القضاء    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    نجم مغربي يضع الزمالك المصري في أزمة حقيقية    بوغطاط المغربي | محمد حاجب يهدد بالعودة إلى درب الإرهاب ويتوّعد بتفجير رأس كل من "يهاجمه".. وما السر وراء تحالفه مع "البوليساريو"؟؟    الدراجات النارية وحوادث السير بالمدن المغربية    عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش الاسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر من نتانياهو    واشنطن طلبات من إسرائيل تعطي إجابات بخصوص "المقابر الجماعية" ف غزة    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد منصور، الرجل ذو القبرين (14) : قصة عملية تفجير القطار الفرنسي بين الدار البيضاء والجزائر العاصمة يوم 7 نونبر 1953
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 16 - 07 - 2019

تقول عنه زوجته، ورفيقة درب حياته، في رحلة عمر امتدت لأكثر من 70 سنة، السيدة فريدة آكاردي كالودجيرو منصور:
«لو سمح الله للملائكة أن تمشي في الأرض وتتزوج، لكان سي محمد منصور واحدا منها».
إنه المقاوم والوطني والمناضل التقدمي الراحل محمد منصور، الذي سنحاول هنا رسم ملامح سيرة حياته، بما استطعنا إليه سبيلا من وثائق ومعلومات وشهادات. فالرجل هرم بكل ما تحمل الكلمة من معنى، حكم عليه ب 3 إعدامات و مؤبدين في الإستعمار واعتقل وعذب في الإستقلال من أجل الكرامة والديمقراطية.
هو المساهم والمنفذ لأكبر عمليات المقاومة ضد الإستعمار الفرنسي (عملية القطار السريع بين الدار البيضاء والجزائر يوم 7 نونبر 1953. وعملية المارشي سنطرال بالدار البيضاء يوم 24 دجنبر 1953)، أول عامل للحسيمة سنة 1957، وأول رئيس للغرفة التجارية بالدارالبيضاء سنة 1960.
محمد منصور، هرم، يصعب جديا الإحاطة بسيرته بالشكل المنصف تاريخيا، على الأقل لسببين:
أولهما أن الرجل كان صموتا جدا، يرفض بحزم، البوح أبدا بالكثير من التفاصيل الدقيقة كشهادة أمام التاريخ، بسبب من ثقافته السلوكية، التي ظلت تتأسس على أن ما كان يقوم به، كان يقوم به بنكران للذات من أجل الصالح العام.
ثانيهما طبيعة السرية التي حكمت عمله النضالي ضد الإستعمار وفي أجزاء كثيرة من زمن الإستقلال من أجل العدالة الإجتماعية ودولة الحق والقانون والحريات.
وإذا كانت هناك من خصلة ظلت مميزة عند محمد منصور فهي خصلة الوفاء. الوفاء لرفاق الطريق الخلص، الوفاء للفكرة الوطنية، الوفاء لقرار نظافة اليد، الوفاء للمبدئي في العلائق والمسؤوليات، مما يترجم بعضا من عناوين الجيل الذي ينتمي إليه رحمه الله، الذي يتصالح لديه الإلتزام السياسي مع السقف الوطني، وأن السياسة ليست مجالا لبروز الذات، بل مجالا لتطوير الجماعة في أفق بناء، تقدمي وحداثي (الحداثة هنا هي في تلازم المسؤولية بين الحق والواجب).
محمد منصور، ستكتب عنه كل صحف فرنسا الإستعمارية (ونقلت صدى ذلك صحف باريس أيضا)، يوم وقف أمام القاضي العسكري بالمحكمة العسكرية بالدار البيضاء سنة 1954، كي يفند التهم الموجهة إليه ويفضح تهافت جهاز الأمن الفرنسي في كافة مستوياته الأمنية والعسكرية والمخابراتية، حين أظهر لهم كيف أنهم يحاكمون سبعة مواطنين مغاربة ظلما بتهمة تنفيذ عملية «القطار السريع الدارالبيضاءالجزائر»، بينما هو منفذها، مقدما تفاصيل دقيقة أخرست القاعة والقضاة والأجهزة الأمنية. وقدم مرافعة سياسية جعلت مستشارا قضائيا فرنسيا يجهش بالبكاء، حين رد على القاضي، الذي اتهمه بالإرهاب: «سيدي القاضي، نحن وطنيون ندافع عن بلدنا، ولسنا إرهابيين، نحن نقوم فقط بنفس ما قام به الشعب الفرنسي لمواجهة النازية الألمانية لتحرير فرنسا. فهل ما قام به أبناؤكم إرهاب؟».
هنا محاولة لإعادة رسم ذلك المعنى النبيل الذي شكلته سيرة حياته، من خلال مصادر عدة، من ضمنها عائلته الصغيرة (زوجته السيدة فريدة منصور، ونجله الأخ زكريا منصور، وابنته السيدة سمية منصور)، وعشرات الوثائق الموزعة بين مصادر عدة فرنسية ومغربية، دون نسيان الأيادي البيضاء المؤثرة للأخ الدكتور فتح الله ولعلو، في تسهيل إنجاز هذه السيرة كوثيقة تاريخية.

حين ندقق، بمجهر التحليل، في الكتلة الزمنية التي استغرقتها العمليات الكبرى المؤثرة للمقاومة المسلحة المدينية، ضد الإستعمار الفرنسي، سنجدها جد قصيرة. مع تسجيل معطى تطوري خاص بها يمكن تحديده كالآتي:
كل الوقائع تبرز أن حجم وقوة وفعالية تلك العمليات المسلحة المقاومة، التي أفرزها تطور النضال الوطني التحرري للمغاربة، بالمدن، قد تحقق بعد 20 غشت 1953. أي بعد تنفيذ باريس لقرار عزل ونفي السلطان الشرعي للمغرب محمد بن يوسف وعائلته، إلى جزيرة كورسيكا في البداية، ثم إلى جزيرة مدغشقر في أقصى أقصى جنوب القارة الإفريقية على المحيط الهادي بعد ذلك. مما يجعلنا نجزم، على هذا المستوى، أن هناك ما قبل وما بعد 20 غشت من حيث قوة ونوعية عمليات المقاومة.
أن الكتلة الزمنية التي تحققت فيها تلك العمليات الكبرى النوعية، هي جد قصيرة، تمتد ما بين 7 نونبر 1953 ويناير 1954. أي أقل من ثلاثة أشهر. بل، حتى عملية سقوط أكبر شبكات المقاومة المنفذة لها، ستقع في ذات المرحلة الزمنية، وكان من ضمن معتقليها محمد منصور ومجموعته في بداية يناير 1954.
ما الذي يعنيه ذلك؟
المعنى الأبرز، ضمن سياق التطور التاريخي للنضال الوطني التحرري للحركة الوطنية المغربية، هو ميلاد جناح مركزي جديد ضمنها، سيمتد أثره على تطور العملية السياسية بالمغرب لسنوات طويلة حتى بعد الإستقلال، هو «جناح المقاومة». الذي جاء ليعضد «الجناح السياسي» لتلك الحركة الوطنية، قبل أن يولد في سنة 1955 «الجناح النقابي» (الذي كان يتأسس تراكميا منذ بداية الأربعينات، خاصة بمناجم جرادة ومناجم خريبكة، وبالأحياء الصناعية بالدار البيضاء). فأصبح قدر السياسة بالمغرب يصنعه لسنوات التفاعل والتنسيق (والإختلاف أيضا) بين هذه الأجنحة الثلاث في ما بينها، وفي علاقتها ب «القصر».
هنا نطرح السؤال:
ما الذي جرى بالضبط، عملياتيا، في ما بين نونبر 1953 ويناير 1954، بالمغرب على مستوى أشكال النضال الوطني، العنيف، ضد تصعيد الإستعمار الفرنسي لمواجهته لحركية المطالب المغربية في الحرية والإستقلال، في الدولة (القصر) وفي المجتمع (الحركة الوطنية)؟.
ما يسجل بداية، أن الجغرافية التي ولدت ونفذت فيها أشكال ذلك النضال الوطني العنيف والمسلح، هي مدينة الدار البيضاء، مما منحها شرعية سياسية مقاومة، وهبتها أن تصبح رمزيا، هي قائدة ذلك النضال وحاملة مشعل صنع القرار السياسي المغربي، بعد أن كان ذلك المشعل في يد نخب وطنية مغربية، مدينية، أخرى بمدينة الرباط أساسا. مع تسجيل معطى تاريخي دال، هو صيرورة انتقال ذلك المشعل منذ العشرينات، ثم الثلاثينات، ثم الأربعينات، ثم الخمسينات، بالتواتر من المدن الإمبراطورية التاريخية للمغرب التي كان يصنع فيها قدر السياسة المغربية لقرون التي هي فاس ومراكش (النخبة السلفية المتنورة)، إلى مدينة الرباط (النخبة السياسية الحداثية)، وبعدها إلى مدينة الدار البيضاء (النخبة العمالية).
بالتالي، لا يمكن فهم الخلفية المؤطرة لجيل محمد منصور، في مدينة عمالية مثل الدار البيضاء، بدون استحضار معطى هذه التطورات المغربية المخصوصة. بل إن سيرة الرجل، حتى وفاته رحمه الله سنة 2015، تقدم نموذجا مثاليا، لمعنى تلك الصيرورة المغربية، سياسيا واجتماعيا وقيميا، التي ولدت في الأربعينات، بأجنحتها الثلاث (السياسية، المقاومة، النقابية)، وبقي فعلها مؤثرا في طريق حفر «ماء السياسة المغربي» لطريقه في تربة واقع المغاربة لعقود، لا تزال آثار خرائطه متواصلة إلى اليوم. فمحمد منصور ليس حالة خاصة معزولة، إذن، بل هو قيمة ضمن صيرورة تحول مجتمعية كاملة بالمغرب.
هكذا، فحين خرج محمد منصور وسعيد بونعيلات وعبد الله الصنهاجي ودابلعيد، ثم تلاقيهم الطبيعي والسلس مع خروج قوة شخصية أخرى كبيرة ومؤثرة، كانت تتحرك في ذات اللحظة الزمنية وبذات اليقين الوطني والمرجعية الفكرية العمالية والحرفية، وبذات القرار في أن المواجهة لا يمكن إلا أن تكون نوعية وعنيفة (هي قوة شخصية الشهيد محمد الزرقطوني).. أقول حين خرج محمد منصور ورفاقه هؤلاء، إلى ساحة الفعل، فإنهم لم يركبوا الصعب كترف، بل كترجمان لتبلور وعي واضح حول دورهم في صناعة التحول بمستقبل المغرب، ضمن أفق للحرية والإستقلال، وعبر الوفاء للموقف الرجولي والوطني لرئيس الدولة، الجالس على العرش، الممتلك للشرعية السياسية والتاريخية، الملك الوطني محمد الخامس. لقد كان أولئك الشبان والرجال، مدركين تماما لحجم الخطر الذي كانوا يلجون إليه، ولنوعية حقل الألغام السياسية الذي اختاروا الخطو فيه (وهو في المحصلة خطو للتاريخ مغربي صرف). لهذا السبب تعاملوا بالجدية اللازمة مع العمليات المسلحة التي قرروا تنفيذها لمقاومة الإستعمار.
كانت بنية الخلايا مضبوطة، بما يستوجبه ذلك من شروط لضمان السرية والحماية لأعضاء الشبكة وقيادتها. بديل، أن كل الأسماء حركية، وأن العناصر التي تعرف هويات بعضها البعض هي فقط العناصر القيادية، وهي المجموعة الأولى التي ضمت منصور، بونعيلات، الزرقطوني، الصنهاجي، دا بلعيد، مولاي العربي الشتوكي وحسن العرايشي. مع التمييز بين مستوى مجموعة التفكير والتخطيط، وبين مستوى مجموعة الإعداد، وبين مستوى مجموعة التنفيذ. كانت المجموعة المركزية المحدودة العناصر، التي أشرنا لأسمائها فوق، تفكر وتخطط، وبعد الإتفاق على الغاية من العملية ودلالة توقيتها والغائية السياسية منها والرسالة المطلوب توجيهها من خلالها، تبدأ مرحلة الإعداد التي يتكلف بها مسؤول أو اثنين من تلك المجموعة المركزية، اعتمادا على عناصر منفذة من ضمن الخلايا السرية لا يعرف عنها الجميع أي شئ. وبعد مرحلة الإعداد يأتي سيناريو التنفيذ الذي يتم عبر عناصر أخرى لا يعلم عن هويتها الباقون أي شئ.
أول تلك العمليات الكبرى، التي كان محمد منصور طرفا مركزيا فيها، هي عملية القطار السريع الدار البيضاءالجزائر العاصمة، صبيحة يوم السبت 7 نونبر 1953، التي نفذها منصور شخصيا (لدقة العملية وخطورتها) رفقة المقاوم محمد السكوري (الذي كان من عناصر الخلايا التابعة له مباشرة). ومما يؤكده الرجل في تصريح له نشر بالمجلد السابع ل «حوليات المغرب» (Memorial du Maroc)، الذي أنجزه الزميل الصحفي المغربي الراحل العربي الصقلي، في الصفحة 26 منه، أن المجموعة المركزية للمقاومة التي كان عضوا فيها بالدار البيضاء، بدرب السلطان، قد اختارت ذلك القطار بالضبط، لأن المغاربة عادة لا يركبونه كثيرا، وأن السلطات الإستعمارية كانت تعتبره خطا شبه مخصوص بالأروبيين وعلية القوم، عسكريين ومعمرين فرنسيين. وأن رحلة نهاية الأسبوع (السبت) تكون عادة مزدحمة بتنقل الجنود والضباط الفرنسيين. وأنه قرر المشاركة في تنفيذها رفقة محمد السكوري، بعد أن تم تهييئ قنبلتين وضعتا بعناية في حقيبتي سفر عاديتين، وهي قنابل ذات أنبوب حديدي من نوع أربعة أصابع، مع غطاء لولبي به ثقبان يتدلى منهما فتيلان (ضمانا لنجاح العملية أكثر في حال انطفأت نار أحد الفتيلين، مثل ما حدث لهم في عملية سابقة فاشلة لتفجير تمثال الماريشال ليوطي، وكذا تمثال الحصانين الذي كان قبالة إقامة رئيس الناحية فلليب بونيفاص). علما أن من هيأ القنبلتين بإشراف كامل مباشر من محمد منصور، هو المقاوم أحمد الجمالي رحمه الله، الذي كان يقطن بحي عين الشق بالدار البيضاء، وهو من حكى لي تفاصيل تهييئها بإحدى الضيعات الصغيرة بعين الذئاب غير بعيد عن ضريح سيدي عبد الرحمان (كانت المنطقة خلاء حينها).
كان سعيد بونعيلات هو الذي تكلف بأمور اللوجستيك، حيث إنه هو من اختار من سيذهب لاقتناء تذكرتي سفر في رحلة يوم السبت 7 نونبر 1953، بذلك القطار من محطة الدار البيضاء المسافرين، واحدة خاصة بالدرجة الأولى والثانية خاصة بالدرجة الثانية. وهو من حمل محمد منصور ومحمد السكوري صباحا إلى محطة القطار تلك بسيارة مولاي العربي الشتوكي «ستروين تراكسيون»، ثم أخد الطريق صوب الرباط لانتظار خروجهما من محطة الرباط المدينة والعودة بهما إلى الدار البيضاء. ومما يحكيه محمد منصور في المجلد السابع ل «حوليات المغرب»، أنه:
«ما أن شارف القطار مدينة الرباط حتى توجهت صوب المرحاض الخاص بالدرجة الأولى، ونفس الأمر كما اتفقنا على ذلك من قبل، قام به محمد السكوري بالدرجة الثانية. وضع كل واحد منا القنبلة التي معه بداخل المرحاض، وانتظرنا ساعة إشعال الفتيل المتفق عليها، حيث كان مخططا أن تنفجرا إما في نفق القطار بعد محطة الرباط المدينة أو على أبعد تقدير فوق قنطرة نهر أبي رقراق. لكن الذي حدث هن أن الإنفجار وقع مباشرة بعد تجاوز تلك القنطرة في الطريق إلى محطة مدينة سلا. كنا نحن حينها قد غادرنا محطة الرباط المدينة، ووجدنا سعيد بونعيلات في انتظارنا بحديقة صغيرة مجاورة للمحطة وعدنا بالسيارة إلى الدار البيضاء. ولم نعرف أي شئ عن العملية سوى في الغد، بعد أن اطلعنا على تفاصيل نتائجها بجريدة «لوبوتي ماروكان»، حيث أدركنا نجاحها الكامل».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.