تكلف 20 مليارا.. هل توقف "زيادات" الاتفاق الاجتماعي نزيف تدهور القدرة الشرائية    فتح بحث قضائي لتوقيف مشتبه بهم في محاولة تهريب أكثر من 5 أطنان من المخدرات    إيداع اليملاحي سجن تطوان وأولى جلسات محاكمته تنطلق الإثنين المقبل    النشرة الأسبوعية .. إصابات جديدة ب "كوفيد-19"    التعبئة تضامنا مع قطاع غزة تمتد إلى جامعات جديدة حول العالم    العرض ما قبل الأول لفيلم "الثلث الخالي" للمخرج فوزي بنسعيدي بالدار البيضاء    عكس برنامج حكومة أخنوش.. مندوبية التخطيط تكشف عن ارتفاع معدل البطالة في المغرب    بوريطة تلاقى نظيره الموريتاني وهدرو على الوضع فغزة وقضايا الساحل ونزاع الصحرا    "فاو": ارتفاع أسعار الغذاء عالميا    إسبانيا تستقبل أزيد من 16 مليون سائح خلال الربع الأول من العام 2024، ما يعد رقما قياسيا    المغرب يكسب 15 مرتبة في التصنيف العالمي لوضعية الممارسة الصحافية    مسبار صيني غير مأهول ينطلق نحو الجانب البعيد من القمر    حكومة فرنسا تفرق داعمي غزة بالقوة    كوت ديفوار تكتشف أكبر منجم للذهب    العصبة دارت وقت لمؤجل بركان وتطوان فالبطولة وبرمجت ربع نهائي كاس العرش    أمين عدلي وأيوب الكعبي تختارو فأحسن تشكيلة فدومي فينال اليوروبا ليگ والكونفيرونس ليگ    الحقوقي عبد العزيز النويضي في ذمة الله    الملك محمد السادس يهنئ رئيس بولندا    بدعم من هولندا.. برامج رياضية غادي تبدا فلحبسات لإعادة إدماج النزلاء بعد الإفراج عليهم    أغراف ندونيت إيخصات أغاراس.. تنظيم بحال مونديال 2030 خاصو المعقول والجدية اللي دوا عليها سيدنا    ملاحظة الانتخابات امتداد طبيعي للرصد المنتظم لحقوق الإنسان    ريم فكري تكشف عن معاناتها مع اغتيال زوجها والخلاف مع والديه    اليوم العالمي لموسيقى الجاز… طنجة تتألق بحفل تاريخي عالمي    واش السلطة منعات اجتماع مجموعة العمل المغربية للتضامن مع الشعب القبايلي؟..الفرياضي ل"كود": اللا وها علاش تأجل للسيمانا جايا بحضور قيادي فحكومة القبايل وحنا مجتمع مدني حر وكنعبرو على رأينا وفق الدستور    منتخب إفريقي يفرض على الجزائر خوض تصفيات مونديال 2026 بالمغرب    المغرب يفكك خلية كانت تحضر لتنفيذ اعمال إرهابية    بعدما أوهموهم بفرص عمل.. احتجاز شباب مغاربة في تايلاند ومطالب بتدخل عاجل لإنقاذهم    بنموسى: إصلاح المنظومة التربوية الوطنية ورش استراتيجي يتطلب انخراط جميع الفاعلين    بعد إلغاء موريتانيا الزيادة في رسومها الجمركية.. أسعار الخضر والفواكه مرشحة للارتفاع    المضيق تحتضن الدورة الثالثة لترياثلون تامودا باي بمشاركة مختلف الجنسيات    سعر الذهب يواصل الانخفاض للأسبوع الثاني على التوالي    الوزير آيت الطالب يعطي انطلاقة خدمات 14 مركزا للرعاية الصحية الأولية بجهة فاس مكناس (صور)    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    جدول مواعيد مباريات المنتخب المغربي في أولمبياد باريس 2024    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    تركيا توقف التبادل التجاري مع إسرائيل بسبب "المأساة الإنسانية" في غزة    حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الاسلامي يعلن ترشح رئيسه للانتخابات الرئاسية في موريتانيا    مراسلون بلا حدود عن 2024.. ضغوط سياسية على الاعلام والشرق الأوسط "الأخطر"    بركة يعلن عن خارطة طريق للبنيات التحتية استعدادًا لكأس العالم 2030    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    اختتام الدورة الثانية لملتقى المعتمد الدولي للشعر    المكتب المركزي للأبحاث القضائية يعلن تفكيك خلية إرهابية من 5 عناصر    عدلي يشيد بتألق "ليفركوزن" في روما    بنك المغرب…66 في المائة من أرباب المقاولات الصناعية المغاربة يعتبرون الولوج إلى التمويل "عاديا"    شمس الضحى أطاع الله الفني والإنساني في مسارها التشكيلي    تكريم حار للفنان نعمان لحلو في وزان    الدوري الأوربي: ليفركوزن يعود بالفوز من ميدان روما وتعادل مرسيليا واتالانتا    هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟    إقليم الصويرة: تسليط الضوء على التدابير الهادفة لضمان تنمية مستدامة لسلسلة شجر الأركان    مهرجان أيت عتاب يروج للثقافة المحلية    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المرأة الأطلسية» كفاح ضد مائة عام من الثلج!

كلما حل فصل الشتاء وعمت الثلوج الجبال، تظهر قوة سيدة استثنائية من سيدات العصر الحديث، رغم صلابة المناخ وضعف الإمكانيات، والعزلة المريرة ونقص الخدمات الأساسية، إلا أنها ظلت مستمرة في كفاحها اليومي من أجل قوت الاسرة كاملة، رغم ضخامة مسؤولياتها التي فرضتها عليها الطبيعة وضعف البنايات التحتية عبر تعاقد أبدى طيلة الحياة...
انها المرأة الأطلسية التي أخذت من الجبل شموخه، ومن قساوة الطبيعة قوتها، متحدية بشاعة الفقر، وضعف البنيات التحتية، رغم نحافة جسمها أحيانا إلا أنه تحمل من عبء الحياة مالم تتحمله تلك الجبال التي قدر لها يوما ان تولد في محيطها...`
إذا كان سكان المدن باختلاف طبقاتهم الاجتماعية يشدون الرحال الى المناطق الجبلية في فصل الشتاء، للاستمتاع بجمالية بياض الثلج الممزوج باخضرار الطبيعة، وقضاء يوم استجمامي في ممارسة هوايات اللعب بالثلوج، يلتقطون صورا توثق لحظاتهم الجميلة، فانهم يجهلون حقا ما تخفيه تلك الجبال وما تختزنه من معاناة نساء وأطفال منحهم الله جمال أخاذ، يشبه جمال طبيعتهم، لكن كتب لهم أيضا أن يعيشوا في عزلة تامة عن ضروريات الحياة، ما ساهم في تعدد أدوار نسائهم, فهن يعيشن على هاجس يومي اسمه «الحطب» لمواجهة حر برد تحت الصفر، يتحملن مشاق الطرقات الوعرة والمقطوعة أحيانا لأجل جلب ما ستلتهمه النار لتدفئتهم أولا ثم لطبخ ما سيطفئ جوعهم ...
الماء والحطب إكسير الحياة...
هو صراع مؤلم يومي تعيشه المرأة الأطلسية طيلة أيام البرد، ولا يحق لغيرها من النساء أن تتحدث عن قساوة الطبيعة وسوء المناخ والتهميش الممنهج، فهي رغم كل ذلك وقفت صامدة، لتتحمل أعباء الاسرة عبر مهام يومية شاقة حتى وان غلبها العياء فليس من حقها الراحة، وان ألم بها المرض، فليس بقربها الطبيب، هي تكافح على الأقل لتوفير «النار» والماء فهما سبب الحياة...
على بعد مسافة اربع كيلومترات فقط من إقليم إفران, حيث يوجد دوار «تيغبولا» لتظهر الهوة الشاسعة بين السكن الراقي الذي تملكه الطبقات البورجوازية، والتي اغلبها من الأجانب عن افران وعن المغرب أحيانا، بالإضافة إلى أن أغلبهم لا يسكن بشكل رسمي وانما يأتي في العطل من أجل الاستفادة من الطبيعة الخلابة والهواء النقي، وعلى بعد كيلومترات قليلة فقط، تظهر طبقة سفلى تعيش على الفقر المدقع مثل ساكنة دوار تيغبولا، حيث تشتد معاناتهم مع بدء التساقطات الثلجية و يضطرون إلى قطع مسافة تقدر بحوالي ست كيلومترات مشيا على الأقدام وسط الثلوج التي يصل علوها إلى ما يقارب متر ونصف للوصول إلى مدينة إفران، بعدما أصبحت الدواب عاجزة عن ذلك، لجلب حاجياتهم الأساسية...
حيث أغلب الطرق المؤدية إلى دوارهم تكون مقطوعة، وقد يتسبب ذلك في إلحاق أضرارا بليغة برؤوس الماشية، حيث يموت ما بين 10 و12 رأسا في اليوم بسبب البرد وقلة العلف، إضافة الى معاناة المرضى خصوصا منهم الأطفال والحوامل، فهم يبقون محاصرين طالما لم تظهر احدى المبادرات الطبية لبعض المتطوعين لتقديم الخدمات المستعجلة...
«الزاهية» احدى النساء النشيطات من دوار آيت لحسن وابراهيم أدغداغ التابعة لجماعة «تركيت»، سألنها عن كيف تدبر النساء معيشهن اليومي أمام هذا الواقع المزرى، فكان ردها جد مقتضب «الماء ولعواد والباقي على لجواد» فهمنا من خلال هذه العبارة الحكيمة، أن المهم عندهن هو أن يتوفر الماء والحطب، وهو الشيء الدي يثقل كاهل المرأة الاطلسية، مضيفة أن انقطاع الطرق بسبب الثلوج لا يخيفهم الا في حالة انقطاع الماء والحطب لان المرأة الأطلسية حسب قول الزاهية تستعد للبرد كما تستعد للحرب، فهي تحضر له شهورا مضت، وهي تملأ خزينة مطبخها برزمة القطاني اليابسة، دقيق القمح والشعير لأجل الخبز والنشا واللحم الجاف «الخليع»...
حيث لابد للمرأة الأطلسية من ذخيرة فصل الشتاء ومن لا تملك ذخيرة معرضة هي وافراد أسرتها للموت بسبب الجوع، بالإضافة الى هذه الأطعمة تدخر المرأة الأطلسية أيضا رزمة من الأعشاب الضرورية التي تعتبر صيدلية العائلة المستعجلة وهي تتكون من «فليو والزعتر والخزامة واليازير ،كأدوية للزكام والسالمية واللويزة لصنع شاي مهدئ ويساعد على دفئ الذات من الجمود الذي قد يشل الأطراف في حالة انعدام المشروبات الساخنة وأغلب تغذيتهم أيضا «البصارة» كما يعتمدون على توابل مسخنة تستعمل في الطبخ، ومن بين أغذيتهم «الرفيسة»...
ولضعف امكانياتها لازالت المرأة الأطلسية تنسج افرشتها واغطيتها وكذا لباس الاسرة الصوفي الذي يحفظهم من البرد فترة الثلوج، فهي وقريناتها لا يعرفن معنى محلات الملابس، ولا جديد الاثواب والاقمشة، ولا وقت الفراغ طيلة اليوم وهن منشغلات إما خارج البيت حيث تجدهن يخرجن أفواجا، أفراد وجماعات، للبحث عما يساعدهن على التدفئة من حطب أو أخشاب من أشجار ميتة، وقد تحصل على بعضها أو ترجع بخفي حنين، وإن وفقت في العثور عليها بعد معاناة البحث والتقطيع تحملها المسكينة على ظهرها مهما كانت ضخامة حجمها دون اعتبار للإحساس بالتعب ،فالخوف ليس من شعور ما قد يسببه لها الألم، وانما من الشعور الذي سوف ينتابها و أطفالها في غياب تلك الاعواد ،فهي مصدر سعادتهم ،أما المياه فإما يسقونها من السواقي او يعتمدون على إذابة الثلوج حيث يتناوب أفراد العائلة على تجميعه كويرات و وضعه في اناء وتسخينه عند الحاجة...
المرأة الأطلسية وغياب الأساسيات في الحياة...
من المعلوم أن المرأة الأطلسية عاشت محرومة من حقها في التعليم نظرا للعزلة التي عانتها العديد من المناطق النائية، ونظرا أيضا للفقر الذي دفع بعض الاسر الى تصدير بناتهم كخادمات البيوت الى المدن أو تزويجهن قاصرات، وقد ساهم ذلك في حرمان حتى الأجيال الحديثة من الفتيات بالقرى الاطلسية من ممارسة حقهن في الدراسة ،رغم الجهود المتواضعة لخلق أشباه أقسام التعليم ،لكن لازالت لم تعرف اقبالا لتشعب الأسباب...
كما لاحظنا أن جل سكناهم إما خيام تقليدية أو اكواخ صنعت من بقايا قصدير واخشاب تغطيها أكياس بلاستيك أو بيوت طين متفرقة، ما يؤكد انعدام المرافق الصحية، وهم لازالوا منسجمين مع تلك الحياة البدائية، وان أصيب أحد أفراد الاسرة بمرض فالأم تتقمص دور الطبيب لتلجأ الى صيدليتها الطبيعية التي حشت أعشابها بأناملها من تحت التراب، أو تلتفت الى بعض الادوية العصرية التي قدمت لهم من احدى البعثات الطبية التي قد زارتهم يوما مع جهل تام لملاءمة الدواء مع الداء...
أما اذا اشتد الحبل عند المرأة الاطلسية في النفاس وعجزت قابلتها عن مساعدتها لتيسير الولادة فعليهم حملها على نعش أو على دابة مشيا على الاقدام مدة طويلة لتستعد هي وجنينها لمقاومة الحياة، فان كانوا من حظ الدنيا فسيقابلهم الطبيب او الممرض المسؤول عن المستوصف لتقديم الإسعافات الأولية، وان وجدته خارجا أو مشغولا بأخرى قد سبقتها، فما عليها سوى الانتظار، لان التنقل الى مستشفيات المدينة مكلف جدا وهي لا تملك امكانياته المالية...
ولان المرأة الأطلسية لا تعرف معنى مراحل الحمل فهي لا تزور الطبيب الا عند عسر الولادة وهي لا تعلم حتى عدد أيام جنينها ولا جنسه فأحيانا تكون قد قضت يومها وليلة وصول الحول في احدى المهام الشاقة ولا تخلد للراحة إلا حين يغمى عليها من شدة التعب وضعف المقويات، وقد سجلت السنوات الاخيرة حالات عديدة لوفيات الأمهات والأطفال في موجة الصقيع التي عرفتها مناطق الاطلس كما تتبع الجميع حالة منطقة «أنفكو» وما جوارها من دواوير كا دوار بوتغبالوت ، أيت حديدو، أيت ابراهيم ودوار تيغاغيشت، وتيلمي وتغادوين ودوار تدارت نبوحلو .. انمزي كل هده الدواوير شهدت مأسي بسبب سقوط الثلوج و «الجريحة التي تسببت في وفاة بعض الأطفال ومعاناة السكان...
لمعرفة ما تعنيه المرأة الأطلسية يكفي أن تقضي يوما واحد فقط بجبال الاطلس المتوسط، فهو كاف لتتأكد أن المرأة الأطلسية لا تقارن بنساء العالم عموما ونساء الحواضر خصوصا...
فمهما اشتكت المرأة وصرخت المنظمات النسائية لأجل الحصول على المزيد من الحقوق، فان واقع المرأة بالأطلس ينم عن انعدام كافة الحقوق ،كما ينم عن قوة الصبر الذي يميز هذه المرأة عن كل النساء والذي جعلها صامدة وشامخة أمام سوء الطبيعة وانعدام التنمية ،فهي تشكل المحور الأساسي لعيش الاسرة بحيث يظهر دور الرجل ثانويا بالبيت لأنها المعيل الحقيقي فهم جميعا يعيشون على ما ابدعته يداها من زرابي تقليدية بسيطة، تباع في الأسواق الأسبوعية ،أو ما سهرت على تربيته من مواشي بالإضافة إلى انها هي من تتسلق الطرق الوعرة وتجول الغابات غير خائفة بحثا عن اعواد النار التي تعتبر مصدر نور حياتها وحياة أسرتها...
فإذا سجلت المرأة بالأطلس لحظات تاريخية في أدوارها البطولية التي خاضتها ضد المستعمر الغاشم، فإنها لازالت اليوم تقاوم بنفس الإصرار والعزيمة، مستمرة في مقاومة سوء أوضاعها الاجتماعية ،حيث تواجه تحالف الطبيعة والمسؤولين عن تعثر التنمية بمنطقتها، لتقول للعالم بأنها موجودة ضمن معادلة الإنتاج رغم التهميش والاقصاء,بل رغم العدم...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.