أستحضر هنا تقريرا مرحليا سابقا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، بشأن تشغيل الشباب، اشتغلت عليه اللجنة الدائمة المكلفة بشؤون التكوين والتشغيل والسياسات القطاعية ، حيث عمد التقرير إلى توصيف دقيق لوضعية تشغيل الشباب في المغرب. التقرير استحضر مجموعة من الإحصائيات التي سبق أن عرضتها المندوبية السامية للتخطيط حول نسب بطالة الشباب في المغرب، حيث سجل باهتمام نسبة بطالة فئة الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و29 سنة التي تصل إلى 16.7 في المائة مقارنة مع نسبة البطالة على المستوى الوطني ، التي تقدر بنسبة 9.1 في المائة. كما شكلت نسبة بطالة الشباب حاملي الشواهد العليا ، 41 في المائة. وخلص التقرير إلى أن تشغيل الشباب يتميز بالهشاشة وعدم الاستقرار، وربط هذه النتيجة بالوظائف منخفضة الأجور التي تشكل وجهة رئيسية للشباب الباحث عن عمل، مشيرا في ذلك إلى عدم وجود أي إطار تعاقدي بين الشاب والجهة المشغلة، بالإضافة إلى انعدام التغطية الاجتماعية في حالات كثيرة. تقرير رسمي بأرقام مضبوطة توازيه تقارير أخرى دولية حول المغرب، فتقارير البنك الدولي بخصوص نسبة بطالة الشباب بالمغرب، بينت ، بحسب الخبراء، أن المشكل الأكبر للشباب العاطل في المغرب، والذي يمثل نسبة 10 بالمئة من مجموع السكان، بعدد يصل إلى 10 ملايين نسمة، هو أن الشباب العاطل عن العمل 49 بالمئة منهم، «حوالي خمسة ملايين»، لا يدرسون ولا يعملون، أي أنهم بدون أفق وأن 5 بالمئة فقط من الشباب لديهم شهادات، فيما 95 بالمئة المتبقية لا يملكون شواهد، وغير مؤهّلين من ناحية التكوين، في ظل غياب توفرهم على شهادات تؤهلهم لولوج سوق الشغل . فالمفارقة الغريبة في المغرب، بحسب ماذهب إليه الخبراء، هو تلك الإزدواجية مابين النمو والبطالة بالمغرب، والتي تثير الكثير من الإستغراب، فالوضع الاقتصادي في المغرب ليس سيئا جدّا، بدليل أنه حقق نسبة 4 بالمئة من النموّ خلال السنوات الأخيرة، فيما حققت الشركات الكبرى المدرجة في البورصة، حسب آخر تقرير، 19،5 مليون درهم من الأرباح، ووضعها ليس سيئا، فيما تقول الإحصائيات الأخيرة بخصوص الأبناك أن وضعها جيد، وأن نسبة الأرباح التي حققتها جيدة، فهناك تناقض بين الوضع الاقتصادي والوضع الاجتماعي السائد، فمن جهة، وضع اقتصادي في حالة لا بأس بها، وفي المقابل هناك وضع اجتماعي سيء يعيشه الشباب، ما يفضي إلى طرح سؤال: هل يعرف المغرب أزمة اقتصادية أم أزمة اجتماعية، على اعتبار أن الوضع الاقتصادي للقطاعات التي تستحوذ على نسبة مهمة من الاقتصاد المغربي ليس وضعا سيئا، رغم الأزمات العالمية، ولكن الوضع الاجتماعي هو سيء جدا خاصة بالنسبة للشباب؟ ويرى الخبراء أن سبب تفشي البطالة في صفوف الشباب، رغم وجود نسبة مهمة من النمو، يعود إلى كون الاقتصاد المغربي يتحكم فيه اقتصاد الريع، الذي يدور حول نفسه ويدور في أفق ضيق، إضافة إلى وجود تهميش كبير لقطاع التشغيل، حيث تشير إحصائيات البنك الدولي إلى وجود ثلاثة ملايين عاطل في المغرب، بينما لا تعترف الدولة سوى بمليون عاطل، أي ما نسبته 9 بالمائة. إذن نحن أمام مفارقات تستوجب التحليل ، مفارقات تؤكد أنه يتأكد لنا مرة أخرى بأن النظام الاقتصادي المعمول به عندنا لايمت لليبرالية ولا لقانون حرية الأسعار ولا للإشتراكية أو أي نظام اقتصادي، بصلة. إنه نظام اقتصادي مغربي محض، يشكل مجموعة من المسؤولين الكبار قطبه، وتدور في فلكهم مجموعة من العناصر، منهم من يتحرك في ارتباط مباشر معهم، وآخرون يقتاتون من فتات مشاريعهم ومؤسساتهم، وإن أوهمونا بغير ذلك. يتوجب علينا الوقوف بكثير من التأمل والدراسة عند التقارير التي تصدرها المنظمات الدولية المتخصصة، فهي تقارير صادرة عن خبراء بعد دراسات عميقة لجميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية. الآن ولى زمن كان «المخزن» يقلل من أهمية هذه التقارير ويعتبرها مزايدات و تصفية حسابات ليس إلا، زمن أهدرنا فيه الكثير من الوقت إلى أن أصبحنا ذات نهار نتكلم عن «السكتة القلبية» التي تتهدد المغرب، الآن وقد ولى ذلك العهد، فماذا عساهم يقولون عن التقارير الجديدة والتي تدق ناقوس الخطر؟