يتوجب علينا الوقوف بكثير من التأمل والدراسة عند التقارير التي تصدرها المنظمات الدولية المتخصصة، فهي تقارير صادرة عن خبراء بعد قيامهم بدراسات عميقة لجميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية. الآن ولى زمن كان فيه «المخزن» يقلل من أهمية هذه التقارير بل ويعتبرها مجرد مزايدات و تصفية حسابات ليس إلا. زمن أهدرنا فيه الكثير من الوقت إلى أن أصبحنا ذات يوم نتحدث عن السكتة القلبية التي تتهدد المغرب واقتصاده. الآن وقد ولى ذلك العهد، فماذا عساهم يقولون عن التقارير الجديدة والتي تدق ناقوس الخطر.. التقارير الأخيرة للبنك الدولي بخصوص نسبة بطالة الشباب بينت بحسب الخبراء أن المشكل الأكبر للشباب العاطل في المغرب، والذي يُمثّل نسبة 10 بالمئة من مجموع السكان، بعدد يصل إلى 10 ملايين نسمة، هو أن الشباب العاطل عن العمل 49 بالمئة منهم، «حوالي خمسة ملايين»، لا يدرسون ولا يعملون، أي أنهم بدون أفق وأن 5 بالمئة فقط من الشباب لديهم شهادات، فيما 95 بالمئة المتبقية لا يملكون شواهد، وغيرُ مؤهّلين من ناحية التكوين، في ظل غياب توفّرهم على شهادات تؤهلهم لولوج سوق الشغل. فالمفارقة الغريبة في المغرب بحسب ماذهب إليه الخبراء هو تلك الإزدواجية مابين النمو والبطالة بالمغرب تثير الكثير من الإستغراب فالوضع الاقتصادي في المغرب ليس سيئا جدا، بدليل أنه حقق نسبة 4 بالمئة من النموّ خلال السنوات الأخيرة، فيما حققت الشركات الكبرى المدرجة في البورصة، حسب آخر تقرير 19،5 مليون درهم من الأرباح، ووضعها ليس سيئا، فيما تقول الإحصائيات الأخيرة بخصوص الأبناك أن وضعها جيد، وأن نسبة الأرباح التي حققتها جيدة، فهناك تناقضا بين الوضع الاقتصادي والوضع الاجتماعي السائد، فهناك، من جهة، وضع اقتصادي في حالة لا بأس بها، وفي المقابل هناك وضع اجتماعي سيء يعيشه الشباب، ما يفضي إلى طرح سؤال: هل يعرف المغرب أزمة اقتصادية أم أزمة اجتماعية؟ على اعتبار أن الوضع الاقتصادي للقطاعات التي تستحوذ على نسبة مهمة من الاقتصاد المغربي ليس وضعا سيئا، رغم الأزمات العالمية، ولكن الوضع الاجتماعي هو سيء جدا خاصة بالنسبة للشباب. ويرى الخبراء أن سبب تفشي البطالة في صفوف الشباب، رغم وجود نسبة مهمة من النمو، إلى كون الاقتصاد المغربي يتحكم فيه اقتصاد الريع، الذي يدور حول نفسه ويدور في أفق ضيق، إضافة إلى وجود تهميش كبير لقطاع التشغيل، حيث تشير إحصائيات البنك الدولي إلى وجود ثلاثة ملايين عاطل في المغرب، بينما لا تعترف الدولة سوى بمليون عاطل، أي ما نسبته 9 بالمائة. إذن نحن أمام مفارقات تستوجب التحليل مفارقات تؤكد أنه يتأكد لنا مرة أخرى بأن النظام الاقتصادي المعمول به عندنا لايمت بصلة للأنظمة الإقتصادية المتعارف عليها، نظام إقتصاد ريع بالدرجة الأولى والذي ينتج عنه وضع اقتصادي واجتماعي شاذ بين فئات الشباب. إنه نظام اقتصادي مغربي محض، يشكل مجموعة من المسؤولين الكبار قطبه، وتدور في فلكهم مجموعة من العناصر، منهم من يتحرك في ارتباط مباشر معهم، وآخرون يقتاتون من فتات مشاريعهم ومؤسساتهم، وإن أوهمونا بغير ذلك.