يعتمد أسلوبه على البعد التخيلي الواسع، من خلال شاعرية اللون وتقلباته، والأشكال و تمواجاتها، والتعمق في الذات البشرية كجسد، بلغة بصرية يحكمها الاختزال والتكثيف، يتمتع بمكانة متميزة وخاصة بين فناني جيله، كما تعتبر أعماله من بين أرقى الأعمال في الساحة الوطنية والدولية، إنه الفنان التشكيلي « محمد حميدي « من مواليد مدينة الدارالبيضاء سنة 1941، تابع دراسته بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بالعاصمة الاقتصادية قبل أن يتوجه إلى فرنسا لاستكمال تكوينه الأكاديمي بمدرسة المهن والفنون بباريس، حيث تمكن من التعرف على كل المدارس التشكيلية وأبحر في عوالمها، ليعود بعدها لموطنه الأصلي، حيث بدأ الاشتغال على التشخيص كأول تجربة له، طورأساسياتها بباريس انطلاقا من الرسم على نماذج حية أو ميتة من الطبيعة، لأن في ذلك تربية للعين كما يقول. بانضمامه لألمع الفنانين الذين كان لهم الفضل في رسم الذاكرة التشكيلية المغربية وبوابة لاكتساح العالمية، من قبيل محمد المليحي وفريد بالكاهية ومحمد حفيظ، استطاع أن يفرض تواجده من خلال أعماله التي كانت محط انتباه من زائري أول معرض له رفقة هذه المجموعة بساحة جامع الفنا سنة 1969، ليشتغل على التجريدي المشبع بأبعاد تعبيرية ورمزية بالإضافة إلى تيمة اللون المحفر وبعض التراكيب العجائبية يتناسق فيها اللون الحار مع البارد في توليفة تضادية موظبة بشكل أدائي رفيع، يغلب عليها لون الأرض من تربة وطبيعة خلابة. يقول عنه الفنان التشكيلي بوشعيب خلدون كأحد تلامذته في مادة الفنون التشكيلية بثانوية جابر بن حيان بالدارالبيضاء سنة 1986 « من لم يعرف محمد حميدي الفنان عن قرب، سوف لن يعرف شخصيته الصارمة خصوصا عندما يتعلق الأمر بعمل فني من إبداعه، فأعماله تمتاز بالتناسق والتناغم اللوني وأيضا الهندسي الصارم تارة والجانح للفوضى في أعمال قليلة، وهو ما ظل يحافظ عليه في مساره الإبداعي هذا، معتكفا على فلسفة البحث والنهل من مفردات تراثية ورموز ثقافية شعبية، كما أن بسطه للجسد في اللوحة بكل تفاصيله الدقيقة، لتبقى بذلك أعماله ذات حمولة تاريخية تمثل رائدا من رواد الحداثة في الفن التشكيلي المغربي المعاصر.» فهو كفنان نجد في تجربته إشراقات تلقائية جردت من صفاتها الأصلية، خالقا بذلك توليفة جعلته متميزا عن باقي الفنانين التشكيليين، كما أنه لا يقوم باستنساخ الأشكال المتداولة لكي يفسر ما هو مفسر بل يحرر الشكل من حيرة المتداول ليصبح متخيلا، بإمكان المتلقي التفاعل معه و يرى خلاله الصورة في أبعد ملامحها الجمالية انطلاقا مما تحمله من رموز و دلالات تعمق لديه مفهوم المعرفة التي نستلهمها من واقعنا، فهي بذلك أعمال تدخل في ملامسة علاقة الذات بالعالم. فالشكل بالنسبة لمحمد حميدي لم يعد ركيزة أو غاية لذاته، بل أضحى رمزاً متصلاً بالذاكرة الشعبية و التراثية الزخرفية والمعمارية التي ألهمت وجدانه، ومن خلال التمعن في أعماله الفنية تتراءى لك تقاطعات المراحل التي مر منها كأي فنان ينتقل وهو يحمل معه تأثير المرحلة التي سبقتها. فمن التشخيص للطبيعة إلى الوحدات الهندسية من مربعات ومستطيلات وأقواس ثم توظيف عدد من الرموز والإشارات التي تحيل على الإنسان ككائن فاعل ومتفاعل ضمن هذه التوليفة، ليشتغل على المزاوجة بين الفن الإسلامي والفن الإفريقي لما يجمعهما من نقط التقاء، تغطيها زخات من الأضواء والظلال اللونية، التي تنحو باتجاه التدرجات اللونية القاتمة لما تحمله من روحانية ممزوجة بالنفحة الصوفية، مع نغمة الصمت والتأمل، كما اشتغل حميدي على الجسد الأنثوي كشكل وليس كصورة إيروتيكية، كما يصفها البعض، يقول عنه الفنان التشكيلي و الناقد عزيز أزغاي « وضمن الروح التأملية ذاتها، الحافلة بالإشارات، تكاد مجمل أعمال حميدي لا تخلو من حضور يحيل إلى الإنسان، ليس بشكل طاغ أو بسيط، وإنما كوجود يؤشّر إلى عناصر المتعة والإخصاب. ويظهر ذلك، أحياناً، على هيئة أثداء نسائية تشبه قباباً منتصبة، وأحياناً أخرى على هيئة أجساد ذكورية هلامية، إلى جانب توظيف أشكال كائنات لا يخفى طابعها الأفريقي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الكائنات، أو أجزاء منها، لا تحضر في أعمال حميدي وفق توظيف شكلي بسيط، وإنما بعد تأمّل عميق تنتج عنه صورٌ تساعد في خلق تناغم تشكيلي وإيقاع جمالي يوحيان بفرحٍ. إنه توظيف يعكس نوعاً من الغوص في النفس وفي الوجدان على شكل حكايات تستقري الدواخل أكثر من اعتدادها بالمظاهر أو تعلّقها بالمشاعر السطحية.» عرض بمجموعة من القاعات داخل المغرب وخارجه كفرنسا وألمانيا والجرائر وإسبانيا ومصر والامارات العربية وسوريا، منها الفردية و التي كان أولها بباريس سنة 1962 والجماعية التي كانت انطلاقتها بساحة جامع الفنا 1969. عن علاقته بآزمور التي تعتبر قبلته الثانية بعد مدينة الدارالبيضاء ومكان استقراره شبه الدائم، فعشقها دفين لديه لارتباطه الكبير بها، فهي في القلب كما يقول، لما لها من تأثير قوي على أعماله من ألوان وظلال وهو ما جعل اللون الأخضر بنسبة كبيرة يطغى على جل أعماله كلون مشبع بالطبيعة و الهدوء والسكينة، لدرجة أنه يعود إليه الفضل في إطلاق مبادرة لتنمية أزمور عبر الفن، حيث وجه الدعوة سنة 2005 إلى حوالي عشرين فنانا تشكيليا من داخل المغرب ومن خارجه لإنجاز جداريات في مدينة أزمور العتيقة، مازالت معالمها شاهدة لليوم. عموما يبقى أسلوب الفنان محمد حميدي متميزا ومنفردا بشهادة كبار الفنانين التشكيليين على المستوى الوطني والعالمي، أسلوب تشهد به أعماله كتجربة لونية فريدة وعميقة، وعلى قيم جمالية تخترق العالم الفني، فهو يشتغل على القماش و الورق و كل ما تفرضه ظروف الاشتغال سواء بالصباغة المائية كمسحوق أو الصباغة الزيتية، محولا إياها لعمل إبداعي له قراءات متعددة وغامضة أحيانا لما تحمله من إضاءات خفية وانعكاسات وهمية لأشكال و خطوط لونية وضوئية تشد المتلقي، وتبعث الحيرة فيه، كيف لا وهو اشتغل كأستاذ للفنون التشكيلية وله أنشطة وعضويات مهمة وجوائز و ميداليات تنويه عالمية في الحقل الفني، مما ينم عن كونه فنانا له وزنه ومصداقيته وحضوره القوي في المشهد الفني التشكيلي.