المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    توقيف سارق ظهر في شريط فيديو يعتدي على شخص بالسلاح الأبيض في طنجة    افتتاح مهرجان تطوان المتوسطي ب"بنات ألفة"    مرصد الصحراء للسلم والديمقراطية وحقوق الإنسان يندد بالإعدامات التعسفية في حق شباب محتجزين بمخيمات تندوف    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    بمشاركة خطيب الأقصى.. باحثون يناقشون تحولات القضية الفلسطينية    ما هو صوت "الزنّانة" الذي لا يُفارق سماء غزة، وما علاقته بالحرب النفسية؟    عاجل.. مؤتمر "الاستقلال" يختار نزار بركة أمينا عاما لولاية ثانية    "دكاترة التربية الوطنية" يطالبون بتعويض المتضررين من عدم تنفيذ اتفاق 2010    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    بعد تداول الفيديو.. توقيف شخص بطنجة لتورطه في قضية تتعلق بالسرقة و اعتراض السبيل    انتخاب نزار بركة بالإجماع أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    حزب "الاستقلال" يختتم مؤتمره.. في انتظار الحسم في اختيار أمينه العام واتجاه لتزكية بركة لولاية جديدة    قيادة الاستقلال تتوافق على لائحة الأسماء المرشحة لعضوية اللجنة التنفيذية    بدء أشغال المجلس الوطني لحزب "الميزان"    بعد إعادة انتخابه زعيما ل"الميزان".. بركة يتطلع إلى تصدر المشهد السياسي    أولمبيك آسفي يتعادل مع ضيفه اتحاد طنجة    حكيمي ينقذ فريقه من هزيمة قاسية أمام لوهافر    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    الجيش الملكي يستنكر "الأخطاء التحكيمية" في مباراة الحسنية ويشكو الرداد للجنة التحكيم    حكيم زياش يبصم على أداء كبير رفقة غلطة سراي التركي    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    اجتياح إسرائيل لرفح قد يكون "خدعة" أو مقدمة لحرب مدمرة    صحيفة "النهار" الجزائرية: إتحاد العاصمة الجزائري يتجه إلى الإنسحاب من مواجهة نهضة بركان    وزان ..تحديد أفق إطلاق مشروع دار الاقتصاد الأخضر    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    انطلاقة مهرجان سينما المتوسط بتطوان    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الرئيس الفلسطيني وزعماء دوليون يعقدون محادثات بشأن غزة في الرياض    بفضل فوائده وجودته.. منتوج العسل المغربي يطرق أبواب السوق الأوروبية    بعد مشادات مع كلوب.. صلاح: حديثي سيشعل الأمر    الأمثال العامية بتطوان... (584)    زلزال قوي يضرب سواحل جاوا بإندونيسيا    توافد غير مسبوق للزوار على المعرض الدولي للفلاحة بمكناس    اتحاد العاصمة باغيين يلعبو وخايفين من الكابرانات: هددو ما يلعبوش ويرجعو فالطيارة اليوم للجزائر وفاللخر مشاو يترينيو    بعد تلويحه بالاستقالة.. مظاهرات حاشدة بإسبانيا دعما لرئيس الوزراء    صافرة كونغولية لمباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    وزير الصحة يدشن مستوصفات جديدة    "حماس" تعلن ارتفاع عدد القتلى في غزة    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    نادية فتاح: المغرب يتيح الولوج إلى سوق تضم حوالي مليار مستهلك بإفريقيا    جاري القروض الصغرى المستحقة يصل إلى 8,4 مليار درهم في متم 2022    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    مجلس الأمن .. حركة عدم الانحياز تشيد بجهود جلالة الملك لفائدة القضية الفلسطينية    ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالمغرب    تفاصيل وكواليس عمل فني بين لمجرد وعمور    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأدب المغربي من الوعي بالكتابة إلى فعل القراءة 2/2 في مشروع مؤلف «الكتابة والرؤية» لأحمد زنيبر
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 20 - 04 - 2022

« لست أدري جيدا لماذا أعتقد أن الكتاب يحمل إلينا إمكانية السعادة، لكني أعترف بجميل هذه المعجزة علي»
خورخي لويس بورخيس
لقراءة المكان في علاقته بالذاكرة، يستدعي الناقد أحمد زنيبر خمس تجارب شعرية معاصرة، كلها تحتفي بالرباط كمدينة تاريخية، وكمكان وفضاء من نوع آخر، لذلك يضع «الخطاطة السينوغرافية» التالية لهذه العلاقة، وهي على الشكل التالي:
محمد عزيز الحصيني ومتخيل الأثر.
أحمد العمراوي والمنزع الصوفي.
حسن نجمي وشعرية اليومي.
محمد الأشعري والعنف التاريخي.
عبد الرفيع جواهري والذاكرة المستعادة.
إن مدينة الرباط التي تم التعامل معها كفضاء، لم تكن إطار إسمنتيا فحسب، بل استثمرت من خلال ربطها بالذاكرة المتخيلة، وبحضور الرؤية الصوفية البرزخية، وبشغب الراهن وتفاصيل اليومي، والصراع الإيديولوجي الذي دونته الذاكرة في سنوات الجمر والرصاص، وباستحضار الزمن الجميل واستعادة جماليته وأنفته.
إن موضوعة البحث في بنية المتخيل في شعر الشاعر محمد الشيخي، دفعت الباحث إلى استثمار كل ما له علاقة بضبط المصطلح أولا ومحاولة معرفته وفق أنساقه الثقافية ثانيا، فالشاعر محمد الشيخي يبدأ «صناعته الشعرية» بتعبير القدامى، من تحققات شعراء الحداثة الشعرية، الذين يسطرون العنوان وبعده متنه ويزرعون فيهما الروح رؤية ودلالة، لذلك « لم يكن متخيل الشاعر محمد الشيخي منحصرا في مجال بعينه، وإنما استمد حضوره من الذات والذاكرة والطفولة حينا، ومن قضايا المجتمع وأسئلة الراهن والمستقبل حينا آخر. لذلك وجدنا أن الشاعر الحديث يقدم تجربته في نوع من الوفاء إلى الذات في بعديها الفردي والجماعي»12.
يختتم الباحث ضيافته الأولى الخاصة بالشعر بدراسة القصيدة المعاصرة في بعديها الإنساني والجمالي، وبما أن هناك تباعدا بين العنصرين، فإن العلاقة التي تجمع بينهما تتمثل في الانتقال من «تركيب ودلالة العنوان الشعري، باعتباره عتبة بدئية جنينية عدها عالم الشعرية المعاصرة جيرار جينيت نصا مصغرا وعتبة أساس للدخول إلى عالم النص الأكبر»13، إضافة إلى الحضور اللافت للذات ولمظاهر الحياة ولقضايا الكينونة والهوية، والآخر والمكان واللغة، إلى أن يختتم بالقيم الجمالية، هكذا يستعيد الباحث قوة القصيدة المعاصرة بعد أن كادت تضيع وسط خراب الذات ودمار محيطها، يؤكد هذا قوله:» إن قدر القصيدة المغربية ألا تتوقف عن النبض، جيلا بعد جيل، ما دام الشعر تجديدا للحياة وتطويرا للفكر وانتصارا للجمال. فما أن يصيب القصيدة بعض من الفتور لسبب من الأسباب إلا وانبرى نفر من الشعراء ليجددوا دماءها برؤاهم واقتراحاتهم، سواء بالاتكاء على الموروث الشعري القديم ومحاورته، أم برفضه واقتراح البدائل الملائمة للراهن والمرحلة»14.
ينتقل بنا الناقد أحمد زنيبر من ضيافته الشعرية الباذخة، إلى ضيافة ثانية تحلق بنا في سماوات عوالم السرد، وإذا كان قد قارب الشعر في الفصل الأول من العمودي إلى الأفقي، ففي الفصل الثاني سيهتدي به المطاف إلى الانتقال من الحكاية إلى المحكي، قارئا بذلك رواية «السيل» لأحمد التوفيق من زوايا متعددة، ذات نزوعات متفردة، تهتم بالدلالة، وثيمات القدرية والذات والمصير لينتهي بذلك إلى النزوع الجمالي، موظفا تقنيات فنية متنوعة تسبر أغوار التعالق بين سردية النص وعناصر الوصف التي زادته جمالا، يقول:» وبين هذا الاختيار أوذاك، أفاد الكاتب من معارف ومجالات عدة تخللت عوالم المحكي، عبر لغة إيحائية رمزية أحيانا، وتقريرية مباشرة أحيانا أخرى، مثل ما نجد في توظيفه للتاريخ السياسي والاقتصادي واستثماره للمخيال الشعبي والاجتماعي واستحضاره للخطاب الديني الإسلامي وغيره مما أسهم في تعميق الرؤية العامة المشكلة لأطروحة الرواية»15، أما دراسته لرواية «أبنية الفراغ» لمحمد عز الدين التازي، فقد ركز فيها على ثنائية الواقعي والمتخيل، باعتبار أن الواقعي يشاكس الراهن والأسئلة الوجودية التي تجعله مأساويا وقلقا شقيا، في حين يرى المتخيل هو ذلك الوعاء الصدري الحارق الذي يلهب رئة النفس، عبر رحلة قامت على أنقاض مواجع ومآس، من الدار البيضاء إلى طنجة، ثم العودة إلى المدينة الغول.
أما قراءته لرواية « الحواميم» لعبد الإله بن عرفة، فقد ربطها بكتابة مخصوصة، تدخل في إطار ما يسمى بالرواية العرفانية، أو الكتابة بالنور، ولعل هذه الخصوصية تتجلى في العتبات النصية، التي اختارها الروائي، ك(جبل قاف2002)، و(بحر نون2007)، و( بلاد صاد 2009)، و( الحواميم 2010)، و( ابن الخطيب في روضة طه 2012)، ومن خلال هذه المنعطفات التي شهدتها تجربة الروائي على مستوى البحث والتنقيب في مجالات متعددة تراثية وتاريخية وفنية جمالية، دفعته بالتالي إلى اهتمامه بالجانب الإبداعي، ولعل هذا المبحث هو ما مكنه من الإلمام بتقنيات تهتم بالسرد والوصف والحوار واللغة، والدلالة المتمثلة في المعجم المكاني وثقافة الألوان وأنثروبولوجية الشخصيات، وخصيصتيها النفسية والاجتماعية، إلا أن رواية « أن أكون .. « لوفاء مليح، يصنفها الناقد ضمن السير الغيرية، تبعا لما تحمله من صور ذاتية لمرحلة اتسمت بالقهر والتغول في مرحلة من تاريخ المغرب الأليم، يقول الباحث:» فهذه القاصة والروائية وفاء مليح في عملها الجديد تحت عنوان: « أن أكون ..» تعرض لتجربة إنسانية وتنتصر لها داخل عمل روائي جديد، يمكن تصنيفه ضمن السير الغيرية. يتعلق الأمر بالتعريف بإحدى الشخصيات النسائية، التي عاشت فترة من حياتها في ظل ما أطلق عليه ب( سنوات الجمر والرصاص)، هي شخصية المناضلة سعيدة المنبهي»16،إذ يستند أحمد زنيبر في قراءته للمؤلف إلى فعل الكتابة من خلال علاقاته بالسيرة الغيرية، وإبراز الخصوصية السردية في تعالقات بناء الحكاية الإطار، هذه الأخيرة التي تتشكل من أفق التخييل الغيري وتواشجه بالذاكرة، والميتا حكي، ليخلص في النهاية إلى سؤال الهوية، الذي بات يؤرق بال الناقد والشخصية الرئيسة، بحيث يمكن اختزال هذه السيرة الغيرية بتوصيف الناقد، في سيرة الألم، وهي الصورة التي جمعت بين البطلة، وثيمة النضال والمواجهة، أما دراسته لرواية « إمارة البئر» لمحمد سالم الشرقاوي، فقد أعاد قراءتها من منظور ثنائية الثابت والمتحول، لكن تم التركيز على الشخصية كأفق للتدليل على إمكانية فهم المحتوى، والرامية إلى تأويل سيميائي يدرس العلامة ويعيد بناءها ضمن النسق الثقافي، إذ يبدأ بدراسة العنوان، وأقسام الرواية، ثم ينتقل إلى الشخصية باعتبارها مكونا سرديا، والشخصية الثابتة في صورة القبطان منصور، والمتحولة ونموذجها الخادم لمغيفري، ليؤكد بذلك أن الشخصية ليست هي المحور الأساس في المتن الروائي، بل يمكن استحضار الماء، والمكان الصحراوي الذي ساعد في تثبيت الربط بين الإبداع والواقع، وفي ما يخص دراسته لكتاب» أرخبيل الذاكرة» لعبد الرحيم مؤدن، فقد حاول أن يستفيد من أدبية الكتابة عند الكاتب، خاصة في مجال الأدب الرحلي، وبهذا تم تأصيل مفهوم الرحلة كمفهوم دال يحمل مدلوليته ضمنه، كما اعتبر أن مؤلف» أرخبيل الذاكرة»، يمكنه أن يثير جملة من الأسئلة من ضمنها سؤال الكتابة، بحيث يصبح المفهوم الرحلي يطرح في سياق المنحى الأدبي، وعلى الرغم من خصوصيته النوعية، فإنه يندرج ضمن المجال الأدبي، وهكذا فعبد الرحيم مؤدن، من خلال وعيه بالرحلة في سياقها المتعارف عليه، فإنه كان دائما مشدودا إلى تأصيلها وتحديد نوعها، وهذا يبرز في المميزات التي تتميز بها النصوص الرحلية، وما تتوفر عليه من خصائص أدبية متنوعة.
وفي دراسته ليوميات « القاهرة كما عشتها» لرشيد يحياوي، يتحدث الناقد عن السفر في السرد، باعتباره نوعا من أنواع أدب الرحلة، فبعد تمهيده للموضوع وتأطيره لمحكي السفر من زاوية وصفية، وذلك بخصوص أن هذا الموضوع يمكنه أن يترحل في أجناس متعددة، أسطورية وخرافية وسيرية ومغامرات وملاحم، إلا أن ما استرعى انتباه الكاتب في هذا الشأن هو أن « … الكتابة في مجال الرحلة تعد شكلا من أشكال انفتاح الثقافات واندماج الحضارات البشرية»17، لينتقل بذلك إلى مصاحبة اليوميات من خلال مدارسة العتبات النصية بالتركيز على العناوين الداخلية لليوميات، وهي: وصولا إلى القاهرة:1984 1986، والعودة إلى القاهرة 1987 1988، والقاهرة أيضا 2001 2002، ولعل هذا التقسيم جعله يسم عمله بنوع من الاحتفاء بالمكان، وذلك بمساعدة العين والذاكرة، وهو ما خلق تجانسا بين كل المرجعيات التي استند إليها ليبرز علاقته القوية بالموضوعات الرحلية، التي سيدرسها في ما بعد، معددا نسق أدبيتها وجماليتها الفنية، من خلال استحضاره لمقروئه الأدبي والثقافي والتاريخي والرحلي، وغير هذا كله، ثم ينتقل إلى موضوعة التقاطعات السردية ويحللها من زاويتين، هما: الزمن والمكان، ليختتم دراسته بالحاجة إلى هذا النوع من الكتابة، خاصة أنها تستمد نسغها من الشعور باللذة والرغبة في المشاركة من طرف المتلقي، قصد خلق ما يسميه الكاتب ب « حياة المعنى ومعنى الحياة»18، ونفس العمل قام به في دراسته ليوميات « أن تفكر في فلسطين» لعبد الله صديق، خاصة أنه استعان باستعمال آليات المعاينة والاستذكار، بالاستناد على العين والذاكرة، أما في قراءته لسيرة « .. إلا أن يموت الشاعر» لمصطفى الشليح، فقد اهتم بشخصية الأديب الراحل أبي بكر المريني، عارضا بذلك أهم المراحل التي جعلت من هذا العلم نبراسا يقتدى به، وذاكرة لها مرجعيتها في الأدب المغربي الحديث، والفاعلة فيه من منطلق ديني لا تحيد عنه، ومهتما بأدب الأطفال، ويمتاز بحس رقيق وعفوية ندية في ما كتبه من أشعار في الرثاء وغيره، وباحثا في الموروث الثقافي المغربي الديني الإسلامي، من خلال أطروحته الجامعية « الأمثال في القرآن».
وفي دراسته لتجربة القاص محمد غرناط القصصية، ركزالناقد على بناء الشخصية من منظورات شاملة، يتغيا بذلك الوقوف على أن تجربة القاص لم تكتف باستدعاء شخصيات بعينها فقط، بل بخلق علامات دالة تعبر عن معنى معين، وهو ما نجده مضمرا في جل نصوص تجربته القصصية، يؤكد هذا الناقد قائلا:» لقد تنوعت شخوص محمد غرناط القصصية بتنوع المقامات السردية القصصية التي اندرجت في سياقها. كما تعددت أسئلتها ورؤاها الإنسانية بتعدد وجهات النظر التي انطلقت منها، في بناء سيرورتها وصيرورتها أيضا في الزمان والمكان. ومن ثمة بدا النص القصصي، في هذه المجموعة أو تلك، رغم قصر حجمه غنيا بالمعاني والدلالات. نص لا يقف كاتبه عند موضوع معين، بل يسعى جاهدا، من خلاله، إلى تجديد قيمه وخلق دهشته الجمالية»19.
وفي ضيافته الثالثة والأخيرة في المؤلف، التي يخصصها الناقد لموضوعة النقد المغربي المعاصر، ولثيمة الانتقال من النص إلى الخطاب، إذ يقف مفسرا جملة من المفاهيم النقدية والأدبية عند مجموعة من النقاد المغاربة المعاصرين، خاصة أن السمة المميزة لهذا المشهد النقدي، تتمثل في التنوع والتعدد، وقد بسط بذلك فرشا نظريا عميقا رصه بمدماك نقدي إجرائي وهو يدرس تجربة المرحوم الشاعر محمد بنعمارة، التي قارب فيها التعالق بين الصوفي والنقدي، في كتابه» الصوفية في الشعر المغربي المعاصر»، واعتبر أن ما قام به الشاعر هو تركيزه على مبدإ الحوارية، بين الصوفي والنقدي، وأن الكتاب يمكنه أن يندرج ضمن المقاربات التحليلية التي تهتم بالخطاب الشعري، مستجليا في الوقت نفسه الأفق المنهجي التأويلي، وعارضا أهم الأفكار التي انتظمت وفق التسلسل المنتقى من طرف الشاعر، أي الانتقال من المفاهيم إلى التجليات، مع الإشارة إلى مفهوم الصناعة الشعرية، ومفهوم التجربة، والتجربة الشعرية، والتجربة الذاتية، و مفهوم الوعي الصوفي ومبدأ التحول، هكذا بنى الشاعر محمد بنعمارة مؤلفه النقدي، وهو أطروحة جامعية تعتبر من الأطاريح التأسيسية في حقل الكتابات النقدية التي راهنت على التجربة الصوفية في الشعرية العربية، وكانت دراسة الناقد أحمد زنيبر لكتاب بنعيسى بوحمالة» أيتام سومر في شعرية حسب الشيخ جعفر»، باعتبار أن هذه الأطروحة أيضا تتشكل من خلفية مرجعية ثرة معرفيا، وعميقة قراءة وتأويلا، معتبرا أن تجربة الشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر، تتبنى الفعل الرؤياوي في الكتابة الشعرية، الباني لحداثتها الشعرية، وترجع إلى الستينيات من القرن المضي، إذ تأثرت بالتحولات التي عاشتها الأمة العربية، الشيء الذي دفع هذا الجيل بأن يؤمن بالتجاوز والتطور والإضافة، ذلك أن القطيعة التي تبنوها كانت من مسببات عدة، تجلت في شعورهم باليتم في علاقاتهم بذواتهم وفقدانهم لهويتهم، وهو ما وسمهم بأيتام سومر، كأرض ينتمون إليها دون أوراق إقامة، أو اعتراف، وقد كانت القراءة المنهجية متوسلة بالمناهج الغربية، خاصة في مجال الشعر، مع الانفتاح على اللسانيات والأسلوبية، وهكذا جاءت الرؤية المنهجية متكاملة، ومسلحة بلغة وصفية وتحليلية تخضع المادة المدروسة إلى المساءلة والحجية.
أما في كتاب « الرؤيا والقناع « للباحثة ثريا ماجدولين، فتكتفي بدراسة تجربة الشاعر المغربي محمد الميموني، من مستويين اثنين،هما: الأول نقدي، والثاني فني جمالي، وبما أنها اشتغلت على النص الشعري، ككتابة شعرية تجرب أنواعا متعددة من البنيات اللغوية والأسلوبية والدلالية، فقد حاولت أن تحلل النص من زوايا مغلقة حينا، وأخرى مفتوحة، وهذا راجع إلى أن تجربة الشاعر محمد الميموني مكتنزة بالمعاني والدلالات، ولعل هو ما دفع الباحثة من أن تستند في دراستها إلى قراءة بلاغية غربية مطعمة بمرجعيات عربية، الشيء الذي منحها تأويلا إبداعيا، راعى شكل الكتابة الشعرية نصا عند الشاعر، وغاص في مضامين شعرية خطابه، لهذا نجد أن تمثل نوعية الكتابة عند الشاعر أحمد الميموني، ظهرت من خلال البلاغة وتمظهرات الأسلوبية، ومواضعات الدلائلية، وبدت متوازنة بين استخدام النظرية النقدية الغربية، مع رومان جاكبسون، وتزفيتان تودوروف، وجون كوهن، وجوليا كريستيفا، ومايكل ريفاتير من خلال استثمار( القراءة الاستكشافية) في كتابه (دلائلية الشعر)، دون نسيان اجتهادات النقاد العرب القدامى، كابن طباطبا العلوي، وعبد القاهر الجرجاني، وأبي هلال العسكري، وعمرو الجاحظ 20، إضافة إلى هذا يمكن الإشارة إلى القراءة الاسترجاعية التي ركزت عليها الباحثة في الفصل الثاني، فإذا كانت الأولى: أي القراءة الاستكشافية قد راهنت على الفهم، فإن الثانية: القراءة الاسترجاعية توخت الوقوف على جوهر المتن الشعري واستكناهه من زاوية تأويلية.
وبعد تعداد مؤلفات الناقد عبد العالي بوطيب الوفيرة والمتنوعة في المجال السردي، يركز الباحث أحمد زنيبر على مؤلفه « الرواية المغربية من التأسيس إلى التجريب»، مبرزا بذلك خصوصية التجربة النقدية للناقد، ومظهرا أهم مميزاتها التنظيرية والتطبيقية، خاصة أن الناقد عبد العالي بوطيب كباحث أكاديمي رصين، لم ينغلق أمام النظريات الغربية المتنوعة في السرديات الحديثة والمعاصرة، بل استعان بمرجعيات معرفية تناولت الرواية بالدرس والتحليل من زوايا متباينة، بدءا بالعتبات وطرائق السرد، وزوايا النظر والتناص والحوارية والرؤى السردية والتهجين، متنقلا بذلك من انفتاح النص وامتداده في الزمان والمكان، إلى الخطاب وتجلياته الدلالية من خلال الإرصاد و العرض والتأويلية، يتبدى هذا في المنجز النقدي الروائي المغربي، الذي قسمه إلى ثلاث مراحل، الأولى حاكت الشرق والغرب، والثانية ظهرت في فترة عانت فيها الرواية من خيبات التركة العربية نتيجة الهزيمة1967، والثالثة تراجع فيها الشعور بالاجتماعي وارتبطت بالتجريب، وفي المنهج فقد استند الناقد عبد العالي بوطيب إلى قراءات تحليلية تنوعت وتعددت فيها السرود المغربية بين عبد الكريم غلاب في روايته ( شرقية في باريس)، و(غيلة) لعبد الله العروي، و( عام الفيل) لليلى أبو زيد، و(المخدوعون) لمحمد المديني، وقد خلص الناقد بعد مدارسته لهذا الكتاب إلى جملة من الأسئلة التي تبحث عن تفسير لدواعي اختياره هذه المتون الروائية دون غيرها، وتوفقها في بناء صورة موحدة لعدد من الروايات المغرية غير المدروسة.
يختتم الباحث أحمد زنيبر مؤلفه ( الكتابة والرؤية) بقراءته لكتاب « الزرافة المشتعلة» لأحمد بوزفور، من خلال وضع استراتيجية للقراءة، تلتزم بتفسير العلاقة بين النقد والإبداع في القصة القصيرة، خاصة أن أحمد بوزفور كاتب قصة، وفي الوقت نفسه دارس وناقد أكاديمي حصيف، ومتخصص في الشعرالعربي القديم، إلا أن مؤلف بوزفور يوضح من خلاله أحمد زنيبر الحس الإبداعي والنقدي، بتحليل جدلية المبدع الناقد، لينتقل بذلك إلى اعتبار أن القصة كأفق للتجريب، يمكنها أن تساير تحولات الحداثة، وهو ما يمنحها رصد جميع المنعطفات الظاهرة والمضمرة المجتمعية وغيرها، سواء في اجتهاداته الخاصة بالقصة القصيرة، أو في حواراته مع مجموعة من كتاب القصة، يقول الباحث أحمد زنيبر:» تكمن أهمية كتاب « الزرافة المشتعلة قراءات في القصة القصيرة المغريبة» لأحمد بوزفور في ما حققه من انسجام واتساق بين حسه الإبداعي وحسه النقدي، في ملامسة النص القصصي القصير، عبر محطاته وتحولاته المختلفة، من ناحية، وبما شمله من إضاءات واقتراحات دقيقة وعميقة، تطال مستويات التلقي والتداول، وتنتصر للجدة والجودة الفنيتين، من ناحية أخرى»21.
خلاصة
نستنتج مما سبق، أن كتاب الناقد أحمد زنيبراستطاع أن يدافع بقوة عن استراتيجته القرائية، وذلك باستخدامه لمرجعيات متنوعة ومتعددة إبداعا وسردا ونقدا، وبفعل من خلال الآليات المنهجية التحليلية الدقيقة، التي ساعدته في تحقيق هدفه من الدراسة، فالكتاب، إذن، يعتبر ذاكرة للدرس النقدي المغربي، والمشبع بالتعاليم الحديثة والمعاصرة، والخادم لأفق ثقافي يتسم بدينامية تتمتع بكامل الحيوية، وهو قراءة متأنية للمتن الإبداعي في إبداعيته، والنص السردي في منجزه، والنقدي في تمظهراته ومضمراته، لذا نلاحظ أن قيمة الكتاب تتجلى في ما وصل إليه من إثارة أسئلة ، وإنارة مقصديات لا يقينية، وهو بذلك أعاد رغبة قراءة الأدب المغربي الحديث المعاصر إلى مكمن اشتعالها من جديد، فهنيئا للباحث والناقد والشاعر أحمد زنيبر بهذا المجهود القيم، الذي يمكن اعتباره إضافة نوعية للخزانة الثقافية المغربية.
إحالات
1 أحمد زنيبر، الكتابة والرؤية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، الطبعة الأولى 2020.
2 نفسه، ص 7.
3 4 5 نفسه، ص 16.
6 أحمد الطريسي أعراب، الرؤية والفن في الشعر العربي الحديث بالمغرب، المؤسسة الحديثة للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، الدار العالمية للطباعة والنشر، بيروت لبنان، بدون ذكرالطبعة وسنة النشر.
7 أحمد زنيبر، الكتابة والرؤية، مرجع سابق، ص21.
8 نفسه، ص 33.
9 نفسه، ص 41.
10 نفسه، ص 55.
11 نفسه، ص 97.
12 نفسه، ص 142.
13 نفسه، ص 146.
14 نفسه، ص156.
15 نفسه ، ص 169.
16 نفسه، ص 189.
17 نفسه، ص228.
18 نفسه، ص 240.
19 نفسه ، ص255.
20 نفسه، ص 290.
21 نفسه، ص 318.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.