وزارة الداخلية تراهن على لقاءات جهوية في تحديث النقل بسيارات الأجرة    المغرب يستثمر التحالفات التقليدية والشراكات الاستراتيجية في الأمم المتحدة    تراجع الطلب يؤدي إلى انخفاض نسبي في أسعار اللحوم بمجازر البيضاء    المغرب يوسع شبكة الخدمات الجوية في إفريقيا باتفاق جديد مع رواندا    ترامب: مستعد لرفع العقوبات عن تركيا    "أولتراس الجيش" تقاطع لقاء بانجول    أخنوش: الملك يرعى أوراش المونديال    "كاف" تؤجل بيع تذاكر "كان المغرب"    عامل الرحامنة يحفز مؤسسات التعليم    "المعتدي على إيمان" أمام قاضي التحقيق    الارتشاء يطيح بأمنييْن في بني ملال    نبيل يلاقي الجمهور الألماني والعربي    طنجة تستعد لاحتضان الدورة 14 لمهرجان الفيلم الدولي                    رامي عياش يسترجع ذكريات إعادة "صوت الحسن" وصداها العربي الكبير    ساركوزي بعد حكم بسجنه خمس سنوات: "سأنام في السجن ورأسي مرفوع"    مطالب لوزارة الخارجية بالتدخل العاجل وحماية المغاربة المشاركين في أسطول "الصمود" وسط تحذيرات من هجوم وشيك    مبيعات الإسمنت بالمغرب تقفز بأكثر من 10% في نهاية غشت 2025.    "الكاف" يؤجل إطلاق المرحلة الأولى لبيع تذاكر كأس إفريقيا 2025 بالمغرب    مباحثات مغربية إماراتية لتعزيز التعاون الأمني    الاتحاد الأوروبي يوافق بشروط على علاج جديد للزهايمر    "فيفا" يكشف عن التمائم الرسمية لكأس العالم 2026    بنيويورك، وزراء خارجية تحالف دول الساحل يشيدون بالمبادرة الأطلسية لجلالة الملك    أسطول الصمود يرفض عرض لإسرائيل        في سياق اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على صحرائه، الحكومة الأمريكية تعلن أنها تشجع الاستثمارات الأمريكية في الأقاليم الجنوبية            الاتحاد الأوروبي يجيز دواء "كيسونلا" لداء الزهايمر        الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    ميكرونيزيا تؤكد أن الصحراء كانت على الدوام جزءا لا يتجزأ من تراب المغرب    700 ألف فلسطيني نزحوا من مدينة غزة وفقا لجيش الاحتلال    مئوية بي بي كينغ… صوت الجموع الخاص    البيضاء على وشك ثورة في مجال النقل بعد قطارات القرب    زيدان يدعو إلى دعم المقاولات السياحية الصغرى وتطوير منتجات خضراء تنافسية    ردا على جرائم الحرب.. سلوفينيا تمنع نتانياهو من دخول أراضيها    حكيمي يكسر صمته: "تهمة الاغتصاب أقوى شيء حدث لي.. لقد شوهوا صورتي واسمي"    تنديد بفض وقفة احتجاجية لساكنة "كيش لوداية" بالقوة ومطالب بسراح الموقوفين وإنصاف المتضررين    "محطات الوقود" تقاطع بنعلي وتتهم الوزارة بالتغاضي عن العشوائية    الذهب يرتفع وسط إقبال على الملاذ الآمن وترقب بيانات أمريكية    بيان حقيقة: ولاية أمن مراكش تنفي مزاعم منسوبة لعناصر الأمن الوطني بمطار مراكش المنارة تم نقلها على لسان مواطنة أجنبية    طقس الخميس.. زخات رعدية فوق الريف وانخفاض في درجات الحرارة شمال المملكة    حموشي يجري زيارة عمل إلى الإمارات العربية المتحدة    عمر عزيمان يتوج بالجائزة الدولية "ذاكرة من أجل الديمقراطية والسلم"    "لامورا..الحب في زمن الحرب" للمخرج الراحل محمد اسماعيل يدخل سباق القاعات السينمائية    مؤسسة الدوحة للأفلام تسلط الضوء على الأصوات الفلسطينية في مهرجان الدوحة السينمائي    منظمة الصحة العالمية: لا علاقة مؤكدة بين الباراسيتامول والتوحد    دراسة: تلوث الهواء قد يضر ببصر الأطفال    دراسة: غثيان الحمل الشديد يرفع خطر الإصابة بأمراض نفسية        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كرة القدم هي الشيء الوحيد الذي يوحّدنا
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 08 - 12 - 2022

في كتابه «كرة القدم وبناء الأمة»، قال المؤرخ بيتر جي. واتسن: «كرة القدم هي الشيء الوحيد الذي يوحّدنا»، أما الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس، فقد سعى، في خطاباته، إلى استخدام كرة القدم ل»إنجاح الاندماج بين الدولة والأمة»، حيث اعتبرها «منفعة عامة».
وبهذا المعنى، فإن كرة القدم ليست فقط «لحظة تنافسية»، بل موضوعا عميقا للتأمل في ميتافيزيقا السلوك الجماهيري، كما يقول الكاتب الإنجليزي، ستيفن مامفرود، في كتابه: «فلسفة كرة القدم: ما وراء اللعبة»، ذلك أنه لاحظنا، مع الأداء المبهر للمنتخب المغربي في مونديال قطر، أن «القيمة الحقيقية» للعبة ليست في الفوز أو الخسارة، بل في الاتحاد في ما ننتمي إليه جميعا، في الانتماء والهوية واللغة والأسماء والأشياء. نشعر بأن «اللعبة» تمتلكنا، وتخاطب ما هو عميق فينا على نحو لا يمكن تجاهله أو القفز عليه، بل تجعلنا مجردين من الزمان والمكان وغارقين، بشكل أفضل، في «الشعور العام».
لقد لاحظنا، مثلا، أن مشجعي إسبانيا استعاروا التاريخ والأسطورة لممارسة «الاستفزاز» على المشجعين المغاربة، قبل المباراة الحاسمة التي انتهت بتأهل الأسود إلى ربع النهائي. وهذا ما أكدته صحيفة «إلكونفيدونسيال ديجيتال» الإسبانية، حين أفادت بأن الأجواء السائدة في المناطق الإسبانية التي يقيم فيها عدد أكبر من المهاجرين من أصول مغربية، وخاصة مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، لا تبدو مثالية». ذلك أن التدوينات، التي تم نشرها على نطاق واسع على الشبكات الاجتماعية من قبل مشجعي المنتخب الإسباني، تستفز المشجعين المغاربة. حيث اقترح بعض هؤلاء حمل قميص مطبوع عليه شرائح لحم الخنزير أمام سكاكين وشوكات اللاعبين الإسبان. كما اقترح آخرون حمل زي الحرس المدني. بينما ذهب طرف ثالث إلى اقتراح حمل قميص عليه تشكيلة إسبانية من المقاتلين التاريخيين أو الأسطوريين الإسبان(دون بلايو، دون رودريغو، لوكيد كوبيادور (القائد البطل)؛ وهي كلها مقترحات تسخر من المنتخب المغربي.
في المقابل، سخر المشجعون المغاربة كل خيالهم من أجل تصوير «مصارعي الثيران» عاجزين وخائفين أمام «أسود الأطلس»، كما تحول اللاعبون المغاربة بقميصهم الوطني إلى مصارعين يلاعبون برشاقة «الثيران الإسبانية الهائجة»، فيما اكتفى البعض الآخر بضرورة «رد الصاع صاعين» للمنتخب الإسباني، في إشارة إلى خروج المغرب من المنافسة في مونديال روسيا بعد تعادله مع «الثيران» بهدفين لمثلهما.
إنها مجرد لعبة؛ هذا صحيح. لكن الأصح أنها أكثر من ذلك، لأنها تمحو كل ارتياب في «الهوية» و»الاتحاد»، وإلا ما معنى خروج المغاربة إلى الشوارع في القارات الخمس؟ وما معنى خروج الأفارقة للاحتفال بالمغاربة كجذر إفريقي رابح؟ وما معنى خروج العرب لإعلان عن «انتماء» المغاربة إلى دماء بني يعرب وبني قحطان؟
لقد علمنا «كرة القدم» أن المغاربة كلهم إخوة وأخوات»، وأن انتماءهم يمتد إلى كل إفريقيا، وكل العرب (ألم يرفع الفريق الوطني علم فلسطين في كل لقاءاته؟). كما علمتنا أنه يمكن «بناء الأمة» ب»مشجعين موحدين ومتضامنين»، ولديهم إحساس كبير وغير قابل للتشكيك بوطنيتهم. ألم يخرج الملك محمد السادس إلى الشارع للاحتفال بفوز منتخب بلاده، ألم يخض في الزحام متدثرا بالعلم الوطني، ليتقاسم الفرح مع شعبه، في سلوك يمكن وصفه ب «تدعيم الإحساس بالتضامن الوطني»؟
وتبعا لذلك، فإن الحجم الطبيعي لكرة القدم ليس 22 سم، كما قد نتخيل. إنها ليست كرة مطاط وملعبا معشوشبا وفريقين يتباريان وحكام وجماهير. إنها قياسٌ أكبر يقع خارج الحساب الرياضي، وإدمانٌ تمتزج خلال التعاطي جرعات السياسة بجرعات السياسة والثقافة والمال والجمال. وبهذا المعنى، فإن «الإنجاز المغربي» في مونديال قطر سردية جمالية تسمح لمفردات أخرى من خارج جنس كرة القدم أن تشارك في تفكيك بنيته الداخلية، ولعل المفردات الأهم، في هذا المحفل الكروي، هي «بناء الأمة» و»تلحيم الصفوف» و»رص البنيان»، لأن الفوز على الكبار الكلاسيكيين خروج واضح عن المألوف، ولا يمكن تأويله إلا بقدرة «المستضعفين في الكرة» على التحول إلى بؤرة متفجرة في وجه الأقوياء، وعلى الوقوف بندية الشجعان أمام كل الخصوم. هذا هو الاستثناء المغربي الذي لم يعجب بعض إخوتنا «في الدم والتاريخ والمصير المشترك»، فصمتوا عن هذا الإنجاز قهرا وغما وحسدا وكمدا وحقدا. صمتوا بإحالات تكتنز بالاستخفاف والإحساس الفاضح بالتفوق، ونسوا أن الانتماء مساحته مترامية، ليس بين أقدام اللاعبين، بل في القلب والتاريخ والجغرافيا واللغة والثقافة. نسوا أن شعبهم ليس ضالا، وأنه يعرف أن دماءه تجري كلما زأر أسد من الأسود على أرضية الملعب، ويدرك تمام الإدراك أن الغل الضاغط لن يساهم إلا في بناء أمة منحنية ذات تعبيرات تنتمي إلى الأسفل.
لقد أدركنا مع المنتخب الوطني، بينما الشوارع تغص بالهتاف والأقدام والأعلام وأسباب الفرح، أن كرة القدم شكل هندسي معقد على نحو كبير، وأن سرها كله يكمن «خارج الحقل» باللغة السينمائية، كما أن أي محاولة لتفكيك اللعبة برهنها فقط بوحدة المكان (الملعب) وجمالية اللعب ومكانيزماته، لن تفضي إلى المعنى الدقيق للحظة الكروية. تلك اللحظة التي تنتج بلاغة بخطابات متقاطعة كلها تصب في «بناء الأمة» بطريقة حاضنة للجمال والسلام..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.