مر على المغرب حين من الدهر لم يكن التراب الوطني يحتاج إلى حكم مباشر أو ادارة مباشرة، بل إلى علاقة ثلاثية تجمع الساكنة والسلطان و.. الدين (إمارة المؤمنين والبيعة، بما فيها البند الترابي). وبتلخيص شديد، يستفاد من الترافع الدولي،أمام محكمة العدل الدولية في تحديد مصير التراب الوطني أن المغرب انفتحت أمامه فرصة دولية وقتها، فتحها القانون الدولي نفسه وصادقت عليها محكمة العدل الدولية «التي رأت إمكانية ضم «هيكلة خاصة- تنظيم خاصstructure propre» إلى الأنماط الموجودة للحكم وللتعبير عن السيادة. من خلال تاريخ الدولة المغربية.. 1 إذا كان الاستعمار سجن البلاد في ثنائية «بلاد السيبة بلاد المخزن،» والتي شكلت حيثية من حيثيات الترافع دفاعا عن التجربة المغربية المميزة في تدبير السيادة وارتباط الشعب بسلطان البلاد، فالواضح أن البلاد لم تعد اليوم سجينة هذه الثنائية وصارت تخضع لسلطة «المخزن» او الدولة الحديثة بأعراف الدولة الأمة. كما هي متعارف عليها دوليا. ولهذا نجازف بالقول إنه ستصبح الثنائية الجديدة هي ثنائية بلاد الحكم الذاتي…. وبلاد «المخزن» وسيكون خيار «التنظيم الخاص» الذي ورد في وثائق محكمة العدل الدولية، «الثغرة» التي يتداركها الحكم الذاتي في بناء نظرية للدولة خارج التصور المهيمن للدولة الوطنية.. وهو المنطق الذي غلب في خلق الازدواجية التي خرج بها قرار محكمة لاهاي.. استغلها الخصوم للترويج لاطروحتهم وتلك قصة أخرى! هل تم تجاوز تلك الفترة ومرافعاتها ..الآن؟ من الوارد أن المغرب سيلجأ الى تأصيل مقترحاته، بناء على تاريخه الخاص في الدولة، ومنها «هيكلتها الخاصة» وعلى نشاط الدولة باعتبار هاته الهيكلة او النظام الخاص من «دلائل السيادة».. 2 تبين مقترحات الحكم الذاتي، في وضعها الاصلي، وكما تقدم بها المغرب منذ 18 سنة أن مقومات «التنظيم الخاص»، حتى لا نقول الموازي موجودة. ولا شك أن التحيين والتفصيل سيزيدان من رسوخها وحضورها ولا يمكن أن ننتظر العكس. ومن ذلك من ورد من حديث في مشروع المقترح، التي تحول الى خطة عمل عن «يتولى سكان الصحراء، وبشكل ديمقراطي، تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية».. ومعناه أن لتنظيم السياسي والمؤسساتي للحكم الذاتي سيتضمن حكومة وبرلمانا وسلطة قضائية الخ الخ إلى جانب البرلمان والحكومة والقضاء الوطني، وهو ليس تابعا له ولا تحت سلطته بل تابع لسلطة السيادة! 3 في استحضار هاته الأبعاد، سيكون علينا أن ننظر إلى السيادة كما يطرحها المغرب في علاقتها بالحكم الذاتي.. ونستحضر أولا أن الدستور يضع لنفسه حدودا بالقول إن «التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي».. واللافت للنظر أن المقترح في أصله لا يستند الى الدستور المغربي حصريا، بل يقول حرفيا بأن المبادرة مستلهمة من «من الأحكام الدستورية المعمول بها في الدول القريبة من المغرب جغرافيا وثقافيا». ولعل الذي حصل ضمن الدستور الجديد الذي جاء بعد مقترح الحكم الذاتي سيتضمن نفس الحمولة في التنظيم… كما أننا لا يمكن أن نغفل أن النظام المعبر عنه بالحكم الذاتي كان حاضرا في النقاش السياسي، في إطار تدبير مغرب ما بعد المسيرة وأيضا في تدبير مغرب الوحدة وما طرحه تحرير الارض في علاقة بالنزاع المفتعل حولها، وذلك من خلال دعوة إحدى مكونات الحقل الوطني الأكثر ارتباطا بجيش التحرير والمقاومة و هو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، إلى «نظام لا مركزي واسع يقوم على ديموقراطية سياسية واجتماعية وثقافية»، وهو سابق لكل المقترحات الدولية ونصائح الأصدقاء.. كما تطرح قيادة الاتحاد اليوم المورضوع من زاوية تقوية السيادة ومصداقية المبادرة والوحدة وتأمينها بتقوية المؤسسات ودمقرطتها من أجل مغربها بعد الحكم الذاتي .. مبا يمكن أن نسميه «ثورة الحكم الذاتي المؤسساتية»… 4 -عمليا سنكون أمام ملكية. واحدة وسيادة واحدة ….بنظامين في تدبيري التراب وسياسة التراب ومؤسسات الحكم ! فهل علينا أن نتخوف من سيناريو مثل هذا؟ اعتقد بأن المغرب، كلما كان له دور اقليمي وقاري متين، ودولة واسعة الإشعاع ، كلما كان من بين ممكنات تدبيره هذه الثنائيات التي يبدع بها تعددية في التنظيم والتدبير. بل يمكن أن نقول بأن من التميز والأصالة المغربية هو قدرة البلاد على الجمع بين سجل الدولة الأمة، Etat Nation والتي حقق منها الكثير الكثير ، بما في ذلك ملىء البياضات التي سجلتها محكمة العدل الدولية منذ 50 سنة، و بين سجل الدولة الشريفة العريقة التي تجر وراءها 12 قرنا من قرون التاريخ العربي الاسلامي لوحده.. وبدون أن يخلق ذلك تشنجا. ولم تكمن هناك ضرورة الي ان تفسح الدولة الامبراطورية بلغة الانثروبولوجيين والمؤرخين، مكانها للدولة الوطنية بل أن يتعايش زمن الأولي مع زمن الثانية في تجربة فريدة تمثل بالفعل درسا في التاريخ وفي الدولة وفي السياسة …