استقبل عبد السلام بكرات، والي جهة العيون الساقية الحمراء، اليوم الجمعة، جيسيكا موتوني غاكينا، السفيرة الكينية المعتمدة بالرباط، التي تقود وفدا اقتصاديا رفيع المستوى، في زيارة دبلوماسية خاصة تتزامن مع الاحتفالات المخلدة للذكرى الخمسينية للمسيرة الخضراء ومع صدور القرار الأممي 2797 الذي جدد التأكيد على أن مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي أساس التسوية السياسية للنزاع. وتندرج هذه الزيارة، التي تعد الأولى من نوعها لمسؤولة كينية بهذا المستوى إلى الأقاليم الجنوبية، في إطار الدينامية الجديدة التي تشهدها العلاقات الثنائية بين الرباطونيروبي، والتي تعززت مؤخرا بتغير واضح في الموقف الكيني تجاه قضية الصحراء المغربية ودعمها الصريح للمبادرة المغربية باعتبارها الحل الواقعي والعملي للنزاع. وضم الوفد الكيني، الذي قدم إلى العيون، شخصيات اقتصادية من القطاعين العام والخاص بكينيا؛ من بينها كارولين كاريونو كاريوكي، المديرة العامة لتحالف القطاع الخاص الكيني، ولينوس غيتاهي، رئيس مجموعة Diamond Trust Bank وشركة Home Afrika، إضافة إلى مسؤولين كبار في قطاعات الطاقات واللوجستيك والتمويل والصحة والصناعات الغذائية. وخلال المحادثات، قدم والي العيون عرضا مفصلا حول التحولات التنموية الكبرى التي تعرفها الجهة بفضل النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، مبرزا الاستثمارات الاستراتيجية التي شملت الطاقات المتجددة والاقتصاد الأزرق والبنيات التحتية المينائية وتطوير الخدمات اللوجستية. كما توقف المسؤول الترابي عينه عند مشروع توسعة ميناء المرسى بالعيون الذي يشكل رافعة محورية لربط الجهة بالأسواق الإفريقية والدولية، مع الإشارة إلى التكامل المنتظر مع مشروع ميناء الداخلة الأطلسي. وأكد بكرات أن جهة العيون الساقية الحمراء أصبحت منصة اقتصادية صاعدة وجاذبة للمستثمرين الأفارقة، مستفيدة من مناخ مستقر وبنيات جامعية وتكوينية متقدمة؛ أبرزها كلية الطب والصيدلة ومدينة المهن والكفاءات، التي تستقطب طلبة ومتدربين من دول إفريقية عديدة في إطار رؤية التعاون جنوب–جنوب التي تنهجها المملكة. كما ذكّر المسؤول الترابي ذاته بالمسار التنموي المتسارع الذي تعرفه جهة العيون الساقية الحمراء خلال السنوات الأخيرة، مشيرا إلى انطلاق الجيل الجديد من برامج التنمية المندمجة انسجاما مع التوجيهات الملكية الداعية إلى إرساء مقاربة أكثر نجاعة والتقائية في تدبير البرامج الترابية، لافتا إلى أن "هذا الورش التنموي يشكل محطة نوعية لترسيخ العدالة المجالية وتعزيز جاذبية الأقاليم الجنوبية كمجال استثماري صاعد يواكب التحولات الاقتصادية والدبلوماسية التي تشهدها المنطقة". ومن جانبها، أعربت السفيرة جيسيكا غاكينا عن تقديرها لمستوى التقدم الذي تعرفه الأقاليم الجنوبية، مؤكدة أن "كينيا تتابع باهتمام كبير الدينامية التنموية التي تشهدها المنطقة، وتحرص على تعزيز شراكة اقتصادية قوية مع المغرب، خصوصا في مجالات التجارة واللوجستيك والاستثمار الزراعي والطاقات المتجددة والنقل". وأبرزت الدبلوماسية الكينية أن الوفد المرافق لها، الذي يضم كبار المستثمرين والمديرين التنفيذيين، يعكس رغبة نيروبي في فتح آفاق استثمارية جديدة وربط شراكات مباشرة مع الفاعلين الاقتصاديين بالجهة. كما اعتبرت السفيرة أن زيارة العيون في هذا التوقيت تحمل دلالة سياسية واضحة؛ بالنظر إلى الموقف الكيني الداعم للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، مشيرة إلى أن بلادها "تقدّر الجهود المغربية الرامية إلى تحقيق الاستقرار والتنمية في الصحراء، وتعتبر أن المبادرة المغربية تشكل أساسا واقعيا للمضي قدما في المسار الأممي". وعلى صعيد آخر، عقد الوفد الكيني اجتماعات عمل بمجلس جهة العيون الساقية الحمراء والمركز الجهوي للاستثمار، حيث قُدمت لهم عروض مؤسساتية شاملة حول مناخ الأعمال وفرص الاستثمار في جهة العيون الساقية الحمراء، إلى جانب مشاريع البنيات التحتية الحضرية التي تعكس التطور العمراني للمدينة. كما قام الوفد لاحقا بزيارات ميدانية إلى عدد من المؤسسات الاقتصادية المشاريع التنموية للاطلاع عن قرب على الإمكانات الكبيرة، التي توفرها العيون كقطب اقتصادي صاعد على الصعيد الإفريقي. وفي هذا الصدد، قالت جيسيكا موتوني غاكينا، السفيرة الكينية المعتمدة بالرباط، إن الهدف الأساسي من زيارة الأقاليم الجنوبية للمملكة يتمثل في استكشاف فرص التعاون التجاري والاستثماري بين البلدين. وأضافت غاكينا، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "هناك العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك؛ أبرزها قطاع الصيد البحري والاقتصاد الأزرق، إلى جانب قطاع الفوسفاط والأسمدة، حيث تمتلك كل من كينيا والمغرب موارد في هذا المجال يمكن الاستفادة منها لإنتاج الأسمدة ومنتجاتها الثانوية". وأبرزت السفيرة الكينية المعتمدة بالرباط أن بلادها مهتمة أيضا ب"الطاقات المتجددة والخضراء"، لا سيما الطاقة الشمسية والرياح، فضلا عن مشاريع "الهيدروجين الأخضر"، مشيرة إلى أهمية الزراعة في المنطقة نظرا للنمو السكاني والحاجة المتزايدة لإطعام الشباب في إفريقيا؛ بينما تشهد بعض دول العالم تباطؤا سكانيا". وأكدت الدبلوماسية الكينية أن إفريقيا تمتلك حوالي 65 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم؛ ما يجعل القارة والمغرب تحديدا مناطق استراتيجية للتنمية والشراكات الاقتصادية. وشددت المتحدثة على أن "هذه الزيارة تهدف إلى تعزيز تبادل المعرفة والخبرات، ورصد الفرص الاستثمارية، مع التركيز على تخصيص مناطق محددة لكل نوع من القطاعات، بما يحقق شراكة فعّالة بين المغرب وكينيا، رغم صغر حجم كينيا مقارنة بحجم المغرب". وتبحث هذه الزيارة، التي تندرج في إطار الدينامية الدبلوماسية والاقتصادية بين الرباطونيروبي، توسيع قاعدة التعاون الثنائي في مجالات الاستثمار وتبادل الخبرات وتعزيز حضور كينيا في المشاريع التنموية بالأقاليم الجنوبية. كما تكتسي هذه الخطوة أهمية خاصة لكونها الزيارة الأولى من نوعها لمسؤولة كينية رفيعة المستوى إلى العيون. وكانت نيروبي قد عبرت، في مناسبات عديدة، عن دعمها الصريح لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتبارها الإطار الواقعي والعملي لتسوية النزاع الإقليمي. كما تنسجم هذه الزيارة مع تصريحات رسمية صادرة عن أعلى مستويات صُنّاع القرار في كينيا، الذين شددوا على أن المقترح المغربي "يمهد الطريق نحو تقدم حقيقي" ضمن المسار الأممي. حري بالذكر أن هذه الزيارة، التي تأتي بعد أيام من القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي، تعد إشارة سياسية مهمة من بلد مؤثر في شرق إفريقيا يحاول توسيع شراكته الاستراتيجية مع المغرب ويسعى إلى انخراطه في الدينامية الدولية المؤيدة لمبادرة الحكم الذاتي.