1«أسامينا شو تعبو أهالينا حتى لاقوها وشو افتكروا فينا الأسامي كلام.. شو خص الكلام، عينينا هنّي أسامينا» شعر جوزيف حرب وغناء فيروز يا اسمي، يا ظلي الملتبس بي يا رسمي الأول المنقوش على جدران الكهوف، أواني الزخرف البديع، وجه الغيمة، سُرّة الله في معبد.. كيف تكبر معي مثل جلدي.. تعلوني مثل الصليب؟ خمسة عقود ونيف وأنا أحمله كالوشم، به أكون.. خمسة عقود ونيف وأنا أغير إيقاع خطوي ولغتي ليليق بي وأكون به جديرا. خمسة عقود ونيف صرتُ به وصار بي سِرتُ في اسمي – كما خلاء موحل – مسْرى الدم وسار فيّ – كما وجع الحنين- مسْرى السم والاسم يكبر معنا أو يتيه.. فلنا من اسمنا نصيب. أسماء الخلود، أسماء الحلول وأسماء التقمّص التي تبيد أسماء غامضة للإشارة أو للعبارة وأخرى للما بين.. أسماء تقودنا لما نصير وأخرى تنقاد لما نكون. خمسة عقود ونيف وأنا أتدثّر باسمي مثل الظلال الوارفة.. وحده يقول الوصايا، يزرع النثر في ثنايا الوجود والأسماء تكبر معنا.. تينع وتشيخ ألا زلت جديرا بحمل اسمي بعد كل هذا العمر؟ والاسم هل يموت؟ هل تدفن معنا أسماؤنا.. «المسمى قيد حياته» أين ترحل الأسماء بعد فناء الأجسام فينا؟ والأسماء تليق بنا أم نليق بها؟ اسم مفرد بصيغة الجمع، أو اسم جمع بصيغة المفرد والاسم ذاتي نرجسي به نكون ولا يزول.. له وحده بهجة الخلود، الحلول أو التعدد والأسماء أوّل ما تعلمنا، وبها اختلفنا وحُزنا استحقاق الخلافة وأول النشيد. بعد كل هذا العمر صرتُ شبحا.. كم تقاسمت واسمي ورد الحياة، رعشة أول النور، أحلام الفراشة أسرار النحل في تويج وردة، ورتّبنا أمانينا على أنامل من نحب. «في الكون شيء يسمى الحضور وشيء يسمى الغياب» فأيّنا الحضور يا اسمي وأيّنا الغياب؟ أيُّنا الخصب وأيّنا اليباب؟ من السجين فينا ومن السجّان؟ أيُّنا المدى وأيّنا الصدى؟ ويا اسمي المحظوظ الذي ترتله الحبيبة – مثل ناسك في محراب الله – كل لحظة انتشاء، يغدو بهيّا صوتها، يغزل من عرقنا نجمة بهجته. ويا اسمي الذي يعرف مخبأ أسراري ورؤاي.. يحتفي كل ميلاد، يَشم شاهدة قبري، به أتعب وأشقى، بلا لهو ولا لعب، ليبقى اسمي حيّا بعد غياب، حاضرا بعد أن أمضي نحو العدم. منطويا داخل جسمي مثل حلزون نائم. نظر إليّ اسمي نظرة الند للند، وقال بما يشبه حفيف الهباء: «يا صاحبي، في البدء كانت الكلمة قبل أن تغدو نشيدا، ما كنتَ أنت شيّا، بي صرتَ وأناك، تميزك، بحثك عن نجمة عالقة في السماء حين علّمك الواحد الذي لا أحد غيره، الأسماء كلها.. لولاي، ما أحببت ولا غويت، وظللت بلا ماض، بلا حاضر ولا أفق مستقبل.. أنا السابق على صرختك الأولى، حين تحولت النطفة إلى علقة فمضغة، قبل أن تكون سعيدا أو عزيزا.. أنا أول من نطق به الله، بين حرفي الكاف والنون.. فكنت روح الحق، وبي ابتدأ نشيد التاريخ، أول الكلام، قلق الملائكة، احتراب الصلصال والنار، حتى صرت تسمي الأشياء وتبتهج بالصدى.. أنا اسمك، جوهرك الذي يحدد لك مكان الوطن وغربة المنافي.. لولاي ظللت عماء أبديا كحبات الرمل، قطرات الندى، يجلّلك الغموض وتزحف حولك العتمة.. أنا عنوانك، تعيش بي وفي تبيد. أهبك إشعاع الحضور، بهجة الخلود، التجلّي الأسمى للوجود المجاز والاستعارة، أجعلك تميز وجهك في المرآة ولا تتيه.. أنا دالّك يا مدلولي… من تكون بلاي؟ قربة فارغة، مومياء، شبح بلا ذكريات، هيولى عمياء.. من أعطاك إياي، من سمّاك؟ من أخرجك من عتمة السديم نحو شعاع الشمس.. سواي؟ من جعلك بهيّا مثل مرآة مجلوة بلا حجاب؟» حين يغفو حرس اسمي، أتسلل إلى داخلي، حيث أجد الشبه عميقا بيني وبين اسمي مثل قمر على صفحة ماء.. يا لخطورة المرء حين يُسمَّى وحين يُسمِّي! في البدء كنت أنا أنا وهو هو، فكيف سقط الفارق الدقيق حتى غدونا أنا هو وهو أنا؟ يا اسمي الذي له حق الحضور في كنّاش الحياة ودفاتر الموتى، يا وسمي الذي صرت به.. لنجرب أن ننفصل بلا وجع، لنقتسم ذاكرتنا بالتساوي ونفترق كل منا يجرب الذهاب نحو تفاحة غده ويرتقي السماوات التي اشتهاها لوحده.. لنجرب أن نكون بلا كلينا. لنفترق بلا حقد ولا رائحة حرب، بلا صراع على الماضي وأفقه، بين اسم وجسد، بين روح واسمها.. لنتدرّب على اقتسام التاريخ وهواء الوجود، وكل ما كان لنا واحدا مشتركا.. بلا حنين ولا ندم.. يا اسمي الذي أفْناني وما زال.. كيف نجرب محو الأثر؟ أريد التلاشي بلا صدى لأكسب المعنى/ اللامسمى.. متأرجحا بين الصوت والصدى، الوجود والعدم بلا وجع. أريد أن أرى العالم بلا اسمي في هذا اللامرئي. عند المنعطف الأخير تعانقنا أنا واسمي كما يلج الليل في النهار والنهار في الليل، كان كل منا منطو في صدفته على نفسه كالحلزون كل واحد يفكر في مصيره بلا اناه أو آخره.. حتى امّحا ظلانا، قبل أن تكمل الشمس دورتها وتنام في سرير الأبدية.. وذبنا في كثافة أفق من ضباب.