مرت سنتان على كارثة زلزال الحوز التي شملت عدة أقاليم منها مراكشوالحوز وشيشاوة وتارودانت وورزازات. سنتان لم تكونا كافيتين لطمس معالم ما تمخض عن ثواني من اهتزاز الأرض بعد الحادية عشرة من ليلة الجمعة 08 شتنبر 2023، من دمار وخراب ومآسي وتشرد، اعتملت فيها عناصر متضاربة تتأرجح بين الوعود والخيبة، وتفاقمت فيها التناقضات فيما بين ما تعلنه الحكومة المجتهدة في رفع شعار تقدم الإنجازات وبين التذمر الواضح للسكان. في الذكرى الثانية للكارثة، مازالت أحوال المناطق المتضررة موضوع صراع لسرديتين متعارضتين، ترومان حقيقة واحدة: ما الذي يجري على أرض الواقع؟ هناك السردية الرسمية التي ترعاها الحكومة والتي تدفع بالإحصائيات كواجهة لتأكيد أن المنجز على الأرض يسير وفق الخطة المرسومة، وأن ما يحدث في الواقع منسجم مع الوعود التي أطلقت بعد الكارثة، تقابلها شكاوى السكان المتفرقين في أعالي الجبال، الذين يواصلون مطالبتهم المسؤولين بأداء أفضل، وبالكف عن سياسة الصمت والتخفي وراء الإحصائيات، والنظر مليا فيما يجري في حياة المتضررين الذين فقدوا بيوتهم، وشردوا في الخيام، منتظرين، في يأس، تحركا جديا وناجعا لتعديل مأساتهم، بل وصلت انتقاداتهم إلى حد وصف تدخلات الحكومة والإدارات التابعة لها بالعشوائية والارتباك. الخيام.. حياة في العراء تلخص تراجيديا السكان المتضررين من كارثة زلزال الحوز في كلمة واحدة: الخيام. التي تتكثف فيها كل معاني القهر والحرمان والتشرد والنسيان، فالذين اضطروا للعيش تحت خيام بلاستيكية مهترئة تعبث بها عوامل الطبيعة من رياح وأمطار وثلج وحرارة، لم يفقدوا فقط بيوتهم، بل فقدوا معها ألفتهم وكرامتهم وأسباب رزقهم. وهم حينما قبلوا مضطرين بهذا الحل، كانوا يعتقدون أنه مجرد خطوة مؤقتة في مسار إعادة الإيواء الذي سيأتي في وقت قريب. لكن الخيمة صارت علامة قاسية في حياتهم على مرارة الانتظار الصعب، والإحساس بخيبة كونهم عرضة للنسيان. التنسيقية الوطنية لضحايا زلزال الحوز، أكدت في بيان لها بمناسبة الذكرى الثانية للكارثة، أنه رغم مرور عامين كاملين على المأساة، لا تزال مئات الأسر تعيش داخل خيام بلاستيكية مهترئة، في ظروف قاسية وحاطة بالكرامة الإنسانية، وسط محاولات متكررة لتفكيك هذه الخيام دون توفير بدائل سكنية لائقة، متهمة الجهات المسؤولة بتقديم أرقام ومعطيات رسمية لا تعكس حقيقة الوضع الميداني، مما يزيد من إحباط الضحايا. عمالة إقليمالحوز حددت عدد الخيام التي ظهرت في مناطق الإقليم في الأيام الأولى بعد الكارثة في أزيد من 35 ألف خيمة، مؤكدة أن هذا الرقم خفض بعد 17 شهر إلى 3211 خيمة فقط بسبب جهود إعادة الإعمار والتأهيل، والتي مكنت من تقدم جيد في إعادة بناء نسبة مهمة من المنازل المتضررة أو المنهارة. هذا الرقم لا يُقنع المتضررين، بل إن تنسيقيتهم الوطنية تؤكد أن حرمان آلاف الأسر من التعويضات المالية المخصصة لإعادة بناء منازلها، أدى إلى « تهجير» نسبة مهمة من الأسر نحو المدن، بعد حرمانها من التعويضات، ما ضاعف من مآسيها الاجتماعية والاقتصادية. معايير التعويض .. لغز محير تؤكد عمالة إقليمالحوز أن الجهود الميدانية لتنفيذ برنامج إعادة البناء وتأهيل المناطق المتضررة من الزلزال، أفضت إلى تقدم ملموس، بما يضمن تحسين ظروف عيش الساكنة المتضررة، وتمكينها من السكن في شروط تحفظ الكرامة الإنسانية، تنفيذا للتوجيهات الملكية. وأكدت أن الساكنة المتضررة استفادت بصورة متواصلة، من الدعم المالي 2.500 درهم شهريا، المخصص للكراء والإيواء، بالإضافة إلى 140.000 درهم أو 80.000 درهم حسب الحالة، التي دعمت بها الدولة المستفيدين لإعادة بناء منازلهم. كما استفادت الساكنة المتضررة، حسب عمالة الحوز، من المساعدات والإعانات الغذائية التي تضمن معالجة احتياجاتها الآنية. وفي تفصيلها لهذا الرقم كشفت أن 27250 أسرة، حصلت على مبلغ 2500 درهم كدعم شهري من أجل الإيواء والكراء، فضلا عن استفادة 26228 أسرة من مبلغ 140000 درهم أو 80000 درهم حسب الحالة، لإعادة بناء منازلها، وتدفع على شكل أقساط بناء على نسبة تقدم الأشغال. لكن المتضررين يؤكدون أن الاستفادة لم تكن شاملة، ويواصلون مرافعتهم بخصوص ما يعتبرونه «إقصاء ممنهجا لملفات مستحقة، مقابل استفادة أعوان السلطة والمقربين منهم بدون موجب حق، ناهيك عن المطالب التي أعلنها المتضررون في العشرات من الوقفات الاحتجاجية، والمراسلات، والملتمسات، والتظلمات والشكايات التي وُجّهت للجهات المعنية طيلة العامين الماضيين»، كما تقول التنسيقية الوطنية للمتضررين، التي كشفت أن عشرات الآلاف حرموا من الدعم المخصص للهدم الكلي، والاكتفاء بالدعم الجزئي، ما اضطر الأسر إلى الاقتراض والكفاح من أجل استكمال أشغال بناء منازل "مصبوغة من الخارج" دون استكمال التجهيزات الداخلية الضرورية للسكن الكريم. وتظل معايير الاستفادة من الدعم، أمرا محيرا. فبالنسبة للذين وجدوا أنفسهم مقصيين من هذه العملية، لم يعثروا على تفسير لذلك، ولا سيما أن أسرا أخرى في نفس شروطهم استفادت. يرمي هؤلاء باللائمة على الظروف التي جرت فيها عملية الإحصاء والشوائب التي يقولون إنها طالتها. إعادة البناء.. بطء أم سرعة؟ مواصلة إقامة الخيام في بعض مناطق إقليمالحوز، يتضمن معنى مباشرا، هو أن سكانها لم يتمكنوا من العودة إلى منازلهم. وبما أنهم لم يجدوا طريقا للعودة، فمعنى ذلك أنهم تعثروا في إعادة البناء. بالنسبة لمصالح عمالة إقليمالحوز، فالعملية جرت بسرعة أكثر من المعيار الدولي المحدد في ثلاث سنوات، في حين أنه في غضون شهور قليلة انتهت أوراش بناء وتأهيل المنازل المتضررة في ظرف أقل من سنة على مستوى 10800 مسكن، علما أن عملية إعادة البناء لم تبدأ إلا في أبريل 2024. وفي غضون 17 شهرا من وقوع الكارثة عرف هذا الرقم قفزة مهمة، حيث انتهت عملية البناء بالنسبة لأكثر من 15.100 سكن أعيد بناؤه وتأهيله، أي بنسبة 60 في المائة، كما تفيد معطيات عمالة الحوز. هذه الأرقام لا تفسر الواقع الذي يجري على الأرض، بالنسبة للمتضررين. فهناك أسر مازالت تقيم في الخيام، لأنها لم تتوصل بالدعم، أو توصلت به جزئيا فقط، وهو ما حال دون استكمالها إعادة بناء وتأهيل مساكنها. وهي بذلك تتهم العملية برمتها بالارتباك والتشويه، وتعود إلى الإقصاء كقاعدة للمشكل، وتطالب بإنصات أكبر للمتضررين منها، كبداية للحل، عوض تجاهل تظلماتهم. سبق لعمالة إقليمالحوز أن اعترفت بأن أكثر من 10 في المائة من الأسر المعنية بإعادة الإعمار لم تباشر عملية البناء، وتُرجع ذلك إلى مشاكل بين الورثة، أو عدم مباشرة المستفيدين لعملية البناء رغم توصلهم بالدفعة الأولى من الدعم المرصود من طرف الدولة. مضيفة مشاكل أخرى ترتبط بالمساكن التي تقع في المناطق ممنوعة البناء أو تستلزم تدابير خاصة. على الأرض يؤكد عدد من المتضررين الذين لم يتمكنوا من استكمال بناء، أن تعثرهم لم يكن متعمدا، بل يعود إلى عوامل موضوعية تتمثل في ندرة عمال البناء بمناطق الحوز، وارتفاع أجورهم جراء ذلك، ناهيك عن الاستنزاف المالي الناتج عن صعوبة نقل مواد البناء إلى المرتفعات، وهو ما جعل أقساط الدعم غير كافية لاستيفاء عملية استكمال البناء، ومن ثمة توقفها. يصر المتضررون على أن الوضعية المؤسفة التي يعلنها الواقع بمناطق الزلزال، لا تترك مجالا للشك في فشل الحكومة في تدبير الكارثة ومخلفاتها، بل يعتبرون أن الزلزال كقوة طبيعية، ساهم في فضح مدى تهميش هذه المناطق وخروجها من حسابات المسؤولين الحكوميين. وإذا كان هناك تضارب في تقدير المشاكل وتحديد نجاعة الحلول بين المسؤولين والسكان، فلأن الحكومة لا تعرف من الواقع سوى الإحصائيات التي تستعملها كحجاب لمنع ظهوره، لكنها لا تغير شيئا في حقيقة أن أسرا مازالت تحت الخيام، وأن نفوسا أنهكها الانتظار، وأن مآسي تعصف بحياة ساكنة ذنبها الوحيد أنها تقطن بمناطق لا توجد إلا في جغرافيا النسيان الحكومي.