إضاءة: خلال سنة 2015 ، نظمت «حلقة أصدقاء ديونيزوس الأدبية والفنية» ، بمطعم وحانة « لاسيغال» المعروفة بالدار البيضاء ، احتفالا كبيرا وحاشدا بتجربتي القصصية المتواضعة، و ذلك باقتراح من مؤسس الحلقة و عرابها ، الصديق الأثير، و المعلم النطاسي، الشاعر المغربي الكبير الراحل محمد عنيبة الحمري . سي محمد الذي كان يعزني ويحترمني كثيرا ، وأبادله نفس الحب و الاحترام منذ لقائنا الأول ، حتى ساعة تبديل روحه الكريمة البديعة لعنوانها الأرضي. وقد كان أول من ألقى – بمحبة العظماء – شهادته في هذا اللقاء التكريمي، الذي عرف مشاركة ثلة كبيرة من المبدعين والنقاد و الفنانين و الأصفياء . شهادة عنيبة تلك ضاعت منذ ذاك اللقاء البعيد، بعد أن سلمها لي مُحبرّة بخط يده ، قبيل فجر اليوم التالي للقاء، عقب سهرة طالت أكثر من المعتاد، فرط تمديد الغبطة، مخبرا إياي ، مقهقها ، بأنها شهادة / قصيدة منضدة بميزان و تفعيلة ..ضاعت مني الشهادة، حتى عثرت عليها، بمحض الصدفة، في بداية شهر تسعة من عام 2025، مندسة كالحجر الكريم بين ملفاتي القديمة. وها أنا أنشرها، اليوم، لأنها بالنسبة لي وثيقة أدبية تاريخية تخص مساري الإبداعي، و كذا تعبيرا عن اعترافي بالجميل لهذا الرجل الخالد ، الذي جمعتني به على الدوام عهود الوفاء الوكيدة، ومواثيق المحبة الأبدية . الشهادة : أنيس الرافعي وشغف الابتكار والذي سوف أعرضه لا علاقة تجمعه بالدراسة نقدا لأعماله، فلذلك أصحابه وذووه، إنما هو محض شهادة صدق تجاه عزيز سعدت احتفاء به صحبة الأصدقاء ، حين كان يتم اقتراح اسمه كاحتفاء به، يتحفظ مقترحا غيره من رموز الثقافة، معتبرا نفسه في بداية مشواره وتتبعت عن كثب خطوات تألقه، لست أعلم كيف استرحت بصحبته لمواقفه واهتماماته، واحترامه للسابقين وتقدير أعمالهم، ليس مثل العديد من أترابه، حيث كان الجحود شعار مسيرتهم، ومن الأنس كان اسمه، وجليسا تروقك دوما أحاديثه ، قهقهات بطعم الصفاء تؤثث جلستنا وهو يحكي معاناته مع من قطر السقف ذات شتاء بهم، بادعاءاتهم في الثقافة والفن إذ يملؤون الفضاء ضجيجا، ولن ينفع البوق صاحبه، وإن انتفخت بالبلادة أوداجه، وبدت رغبة القص للبعض مثل الجدار القصير المتاح تجاوزه، دونما دربة أو مراس، لينهال كم المجاميع علما بأن الأقاصيص تحتاج عمق خيال، ودقة لفظ وتجربة مع تقنية لا تتيسر دون اجتهاد، فالنصوص الخلاقة تحكمها آليات يظل الغموض ركيزتها تتساءل كيف تشدك ثم تعيد قراءتها من جديد، لتدرك أن الذي يصف الواقع المتجمد لا يستثير انتباها، ولا يتطلب جهدا لأن الحوادث عارية، وتتاح لكل مريد، للأدلة سيدها، والمجاميع خير اعتراف بما قدمته يداه: هي أشياء مرت ولم تترك الأثر المتوقع مثل ثقل فراشته فوق سطح الجرس، وحديث ريباخا الذي جذبته المقاهي فهام بساحاتها، غابة في الزجاجة معتقلة، ودمى في المصحة مفتقدة ، صار في ملكه شركة، تنقل الموتى جهات الوطن، علب البندورة في غفلة، وتصرف عميانه بأريج البستان، تلك بعض جرائمه وهو مسترسل ليواصل أغربها ومصر، معجم لغوي يخيط الأقاصيص بالبرشمان، تشد نصوصه قارئها فيعيد تفحصها معجبا لا يمل، ربما هي موهبة، هبة ، تتقمص من تصطفيه لها عاشقا فيظل، ومسير الكتابة ليس يسيرا لمن سار في لجه وارتضاه، ولأن الكتابة دون القراءة لا تستقيم، فقد غاص في بحر جل الفنون، يشاركنا سر متعتها، ليقول لنا قد مضى زمن القص دون الجلوس إلى الأرض والبحث عما استجد من التقنيات، للنصوص هوامشها، والحواشي نصوص موازية لتضيء مغالق أسرارها نحن في حاجة لمواكبة الفن شعرا وسردا و رسما، عسانا نساير بعض مغالق إنتاجه، أتفهم غيرة بعض الرفاق ، وأنت تواصل حصد الجوائز غير مبال بما يشعرون، تردد في السر قولة شاعرنا: اصبر على مضض الحسود فإن صبرك قاتله النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله فهنيئا لنا بك مبدعنا الفريد المغوار، ومزيدا من الخلق والابتكار…