منذ عدة أيام، ينزل شباب الجيل زد إلى شوارع المغرب للمطالبة بحقهم في دولة اجتماعية: تعليم عمومي بدل الخوصصة، وصحة كحق أساسي، وفرص متكافئة في سوق الشغل، وحرية التعبير، وحياة كريمة ومحاربة الفساد، وهي كلها حقوق يضمنها لهم الدستور المغربي. إلا أن ردود الدولة على هذه المظاهرات السلمية في بداية الأمر مثل التوقيفات والتدخلات الأمنية غير المناسبة، تعتبر ردة فعل قصيرة النظر. إن التكلفة الاقتصادية والاجتماعية والسوسيولوجية ستكون باهظة، إذا فقد هذا الجيل الثقة في بلده واختار الهجرة نحو أوروبا، خاصة في القطاعات الاستراتيجية. تظهر بيانات الإحصاء العام لسنة 2024، أن الجيل زد يمثل 26.3% من إجمالي سكان المغرب، أي أن ربع ساكنة المغرب تتراوح أعمارهم ما بين 13 و28 سنة، نصفهم إناث، بحسب المندوبية السامية للتخطيط. تبرز هذه الأرقام الوزن الاستراتيجي لهذا الجيل في تنمية البلاد، مما يجعله فاعلًا أساسيًا في حاضر ومستقبل المغرب. كما يمثل هذا الثقل الديموغرافي في الآن نفسه فرصة وتحديًا. فرصة لأنه طاقة اجتماعية واقتصادية هائلة، وتحدٍ لأنه قد يتحول في حال غياب آفاق واقعية إلى خطر الانطواء والانحراف أو هجرة جماعية. من المسألة الاجتماعية إلى أزمة ثقة يُنظر إلى المغرب كدولة مستقرة في شمال إفريقيا، لكنه يعيش أزمة ثقة متزايدة. فالطبقة السياسية لم تفِ حتى الآن بوعود الدولة الاجتماعية. من جهته دعا الملك محمد السادس مرارًا الحكومة إلى أخذ المطالب الاجتماعية على محمل الجد وتنفيذ مشاريع ملموسة لتحسين ظروف العيش. وفي خطاب العرش الأخير، ذكّر بنتائج الإحصاء العام لسنة 2024 التي تُظهر «أن ملايين المغاربة يعانون من مظاهر الفقر والهشاشة، وأنه من الضروري العمل العاجل والمتواصل في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية. على المواطنين أن يشعروا بتحسن أوضاعهم – لا بتدهورها. وهذا بالضبط ما يعبر عنه الجيل زد: جيل نشأ في عالم الإنترنت وعولمة الحركة ومقارنة ما يجري في دول المعمور، لذلك فهو أقل تسامحا مع مظاهر اللامساواة والمحسوبية والفساد مقارنة مع الأجيال السابقة. تعلّمنا السوسيولوجيا أن الحقوق الاجتماعية المشروعة عندما تُقابل بالتشدد تؤدي على المدى المتوسط إلى الراديكالية وفقدان الثقة السياسية وإلى الهجرة. قد يهدأ الشارع مؤقتًا، لكن القمع يعمل مثل بركان خامد، يظهر صلبا من الخارج، لكنه يغلي من الداخل. دولة بلا نفط ولا غاز ولكنها غنية بثروتها البشرية على عكس الدول التي تمتلك موارد طبيعية، لا يتوفر المغرب على النفط أو الغاز. إذ تكمن ثروته الحقيقية في مواطنيه. إن القوة العاملة هي رأس ماله الأساسي، الذي يجب فهمه – كما يقول بيير بورديو – ليس فقط كرأسمال اقتصادي، بل أيضًا كرأسمال اجتماعي وثقافي ورمزي. وقد ذكّر مفكرون مغاربة بذلك: من بينهم فاطمة المرنيسي التي شددت على أن التعليم والكرامة والمشاركة شروط أساسية للتنمية، وحرمان الشباب منها هو استمرار لآليات الإقصاء التي تذكّر بالبنى الاستعمارية. أما عبد الكبير الخطيبي الذي دعا في كتابه "النقد المزدوج" الدول ما بعد الاستعمار إلى تجاوز الإرث الكولونيالي وكذلك أنماط الهيمنة الداخلية. وهو ما يعني بالنسبة للمغرب بحسب الخطيبي، النظر إلى الشباب لا كخطر، بل كرأسمال مستقبلي. شباب المغرب بين جاذبية أوروبا وإحباط الوطن يتجاوز هذا الحراك حدود الوطن. ففي الوقت الذي يعاني فيه سوق الشغل المغربي من الجمود، تشهد أوروبا تحوّلًا ديموغرافيًا كبيرًا. ففي ألمانيا مثلًا، سيحال على التقاعد نحو 4 ملايين شخص بحلول منتصف ثلاثينيات القرن الحالي. كما أن تراجع معدلات الولادة، يؤدي إلى تقلّص حجم اليد العاملة. بينما تواجه قطاعات كالصحة والبناء والحرف اليدوية والمعلوميات نقصًا حادًا في الكفاءات. لذلك، تتجه أوروبا – وخاصة ألمانيا – نحو استقطاب الكفاءات من شمال إفريقيا. وبالنسبة لشباب الجيل زد المغربي، يبدو الخيار واضحًا: في الداخل، انسداد للآفاق وكبح للحريات؛ وفي الخارج، عقود عمل وفرص تكوين وحماية اجتماعية. غير أن هذه الهجرة ستعمّق نقص المهارات في المغرب، يما يخلق مفارقة مؤلمة بين انفراج فوري وضعف استراتيجي طويل الأمد. من ينفر شبابه يبيع مستقبله بحسب محافظ البنك المركزي المغربي، تبلغ بطالة الشباب (من 15 إلى 24 سنة) حوالي 47%. العديد من خريجي الجامعات لا يجدون فرص عمل فيلجؤون إلى الهجرة نحو أوروبا. كما أن المشاريع الوطنية الكبرى – مثل طنجة المتوسط، والطاقات المتجددة، والقطار فائق السرعة (TGV) – لن تكون مستدامة إلا إذا بقيت الكفاءات داخل البلاد. إن هجرة هذا الجيل تمثل خسارة مزدوجة: فالدولة تخسر عائد استثمارها في التعليم، والمجتمع يخسر رأسماله الثقافي في شكل معرفة وابتكار وثقة. لا يطالب جيل زد بامتيازات، بل بحقوق أساسية، يضمنها الدستور. إن مطالبهم ليست تهديدًا، بل نداء للمسؤولية السياسية. انطلاقا من ذلك لا يعتبر الحوار مع الشباب ضعفًا، بل ضرورة سياسية وعقلانية. ويجب أن يكون هذا الحوار صادقًا يليه تنفيذ فعلي في المجالات التي يطالب فيها الشباب بتحسينات. على النخب المغربية أن تُصغي – قبل أن يتحول الصمت مرة أخرى إلى صرخة. (*) باحثة سوسيولوجية من أصل مغربي وحاصلة على وسام الاستحقاق الألماني في 2016