1 في اللحظة التي تعجز «سفينة آرغو» عن العودة إلى المرسى، وتكف «جزة الصوف الذهبية» عن أن تكون مغرية، ما يُطلب حيئئذ من الكاتب، كيفما كان وزنه أو كانت عدّته، هو شيء آخر، أقل لمعانا وأكثر خطورة: كتابة لا يهمها المرسى، ولا يشغلها الوصول. كتابة تعترف بينها وبين نفسها، بأن البحر أكبر من كل السفن والمراسي، وبأن أقصى ما يمكن أن تفعله هو الركمجة في جوف الموجة الأولى. تبعا لذلك، لا يمكن النظر بغيض إلى ما فعله الآرغونيون، كما لا يمكن، في كل كتابة خلاقة، الاكتفاء بما فعلوه بهمة ويقين (الرهان على قطع الغيار). إنهم ضرورة وجودية في تاريخ الكتابة، مثلهم مثل البنائين الذين يحافظون على الجسور القديمة كي لا تنهار عملية العبور التي تتأسس عليها مهمتهم. بيد أن الأدب لا يعيش برفع الجسور ومدها والحرص على أجزائها، بل بالقطيعة أيضا، بتلك اللحظة التي يقرر فيها كاتب ما أن يقفز في الماء ليكتشف إن كان هناك ضفة أخرى في الجزء الخلفي من الكلمات والجمل. ولأن الأصل، على هذا النحو الآرغوني، مراوغ، فإنه لا يظهر إلا في هيئة ظلاله. كل كتاب يحاول، من حيث لا يدري، أن يستعيد ذلك الوهج البدئي: وهج التسمية الأولى، أو الصيغة الأولى التي انشقّ بها المعنى عن معناه الأصلي. لذلك تتشابه الكتب العظيمة في شيء لا يمكن تحديده، شيء يتجاوز الأسلوب والموضوع واللغة. ذلك أن تشابهها يكمن في ذلك التوتر الخفي بين ما يُقال وما يتعذر قوله، بين الرغبة في القبض على العالم، واستحالة ذلك. 2 لا يحاول الآرغونيون إطلاقا تخطي أبواب النماذج القائمة. كما لا يحاولون الخروج إلى الردهة الخلفية أو الحديقة الأمامية للنموذج. لن نتحدث عن الجبال والبراري والغابات والبحار وأعماق الأرض. يختارون أفخم النماذج وأقدرها على لفت الانتباه، ثم يشرعون في العمل بصبر وأناة ووثوق، غير منشغلين بالشكل أو قلقين بشأنه، لأنه مُؤَمَّنٌ ومصادق عليه. يعملون دون أن تعتريهم أي شكوك. أفكارهم غير مشوشة ولا يريدون التعبير عن أي شيء، وكأنهم مقتنعون على وجه التمام أنه «ليس في الإمكان أبدع مما كان». يكتفون بترقيع النموذج الآمن، ويشيحون بوجههم عن أي مغامرة تضعهم في مواجهة التدمير الشامل. 3 يسعى الكتاب الآرغونيون بكل رباطة جأش إلى ترويض أنفسهم على عدم الثقة بالأشكال المبتدعة وضروراتها القاسية، وعلى تجنب تجريب ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت. أليست كل بدعة ضلالة؟ أليست الغاية من «الإبحار» في الكتابة هي الجائزة (جزة الصوف الذهبي)؟! إن النموذج، الذي يضع أمامه سلفا كل احتمال، هو الذي يمنحهم الدافع للاستمرار. وتبعا لذلك، فما يهمهم هو حيازة أساسيات استنساخه بإتقان، ومحاولة الإيهام بأنه شكل جديد «لم تستطعه الأوائل»، علما أن «سفينة آرغو» تظل في كل الحالات هي «سفينة آرغو»، رغم التحول الذي قد يطرأ على المحتوى. إنها ليست جديدة إطلاقا. قد تتغير الشخصيات والفضاء والتفاصيل. غير أن تصميم البناء لم يتحرك قط، ظل هو نفسه. ذلك أن الوقت لم يكن يسمح ببناء سفينة أخرى غير مدربة على الإبحار، فكان الأسلم الاستغراق في تغيير قطع السفينة تدريجيا. تُنزع القطعة الواحدة ثم تُعوض بأخرى، إلى أن يتم «تعويض» جميع القطع. 4 لا يحمل الكُتاب الآرغونيون أي ادعاءات زائفة. يعملون وفق خطاطة ثابتة، وأقصى طموحهم هو أن ينجحوا في الترقيع وطمس الأصل. ليسوا مضطرين لتغيير الإحداثيات أو الاهتمام بالإشكالات المرجعية لكتابة «نص ناجح». وهذا ما يفسر الوضع المتماثل للأعمال التي يكتبها الآرغونيون. يُوَضِّبُون جميع أغراضهم على مقاس النموذج، وتتكرر العملية إلى ما لا نهاية، في السرّاء والضرّاء، وفي كل الأوضاع. قادرون على إحداث التأثير نفسه بقناعة لا تتبدل، وميثاق ثابت يجعل من النموذج شيئا عظيم التميز. 5 إننا نشعر بأننا نتعرض لهجوم متوال وسريع كلما كنا بصدد قراءة عمل يعتمد كليا أو جزئيا على الخطاطة البوليسية. لا أحد يستطيع أن يقاوم جرعة الاهتياج العاطفي الذي يحدثه فينا التحقيق البوليسي. لزام على القارئ أن يتحمل الاشتباكات والفرضيات، كما عليه أن يختبر القرائن والأدلة. لا شيء ينقذه من التفكير في حل الألغاز والمنافسة على ابتكار الروائز. لن يغفو أمام ما يتم البحث عنه، ولن يجد نفسه إطلاقا في الجهة المقابلة. كل شيء/ جميع القطع تأخذ مكانها تدريجيا، ولا سبيل إلى فض التشابكات إلا بالتركيب التدريجي للعناصر والأشياء. الخطاطة المثالية لسحب القارئ وتنويمه وجعله يمضي معظم الوقت في تحريك القطع، بل مساعدته من بعيد على تحريكها وفق أفق يخالف توقعاته، على النحو الذي يرغمه على تقبل الأحداث بخضوع تام. لن نبالغ في التبسيط إذا قلنا إن أبرز الأعمال الروائية قد وقعت في غرام «الخطاطة البوليسية»، واعتبرتها الطريقة السليمة لتحسين الأحوال. بل إن الآرغونيين حوّلوها إلى مَسْكَن مثالي ليشعروا بأنهم بحال أفضل. والسؤال هو: هل هذا يعيب الرواية؟ هل قدرها أن تخضع للاستنساخ لتجنب الأضرار الداخلية الممكنة؟ 6 لمنطق «جزة الصوف الذهبية» دور كبير في لجوء «الكثرة» إلى الترقيع واقتراض الحبكة البوليسية وحقنها بقليل من الجنس والعاطفة والتاريخ والتعقيد السيكولوجي. هذا ليس عيبا. هذا سلوك تنكري لم يعد من الممكن تلافيه، لأنه تحول تدريجيا إلى قاعدة فعالة لتحقيق الانتشار. إنه بمعنى من المعاني «زيت بروميثيوس» السِّحري الذي لا تؤثر القواطع في كل من طُلي جسده به. وإذا كانت كل القصص البوليسية حيوية وجذابة لأنها تحدثك بذكاء وتحقنك بجرعات متصاعدة من الإثارة، وإذا كانت حيوات الشخصيات ليست سوى مجموعة من التماسات المتشعبة التي تنمو تدريجيا، وإذا كانت طفراتها الحكائية تقوم أساسا على التلميحات المتذاكية والتخييل المنمق والسلوك الكتابي الهادئ وبعث الحياة في الأشياء الجامدة، فإن هذا لا يجعلها متهمة ب»التعدي على حقوق الملكية الفكرية، كما فطن إلى ذلك إيطالو كالفينو عندما قارن بين رواية «تريسترام شاندي» للورنس ستيرن ورواية «جاك القدري» لدونيس ديدرو. وقال إن كلا الكاتبين استلهم صراحة «رائعة ثيرفانتس» (الدون كيخوتي)، أي ذلك الأنموذج العظيم الذي نطلق عليه «الرواية الصعلوكية» (علاقة الرفيقين: السيد وخادمه). 7 لا يتقدم التاريخ الأدبي بالترقيع الآرغوني؛ ذلك أن كل قفزة حقيقية في السرد كانت نتيجة خيانة واعية للنموذج، أو انحراف محسوب عنه، أو سوء فهم خلاق له. لم يُكتب «دون كيخوتي» ليُحسن شروط الرواية الصعلوكية، بل ليُفككها من الداخل. ولم تظهر الرواية الحديثة لأنها أتقنت الخطاطة، بل لأنها شككت فيها، وأدخلت إليها التصدعات، والملل، والتكرار، والانقطاع، والصمت. وبهذا المعنى، فليست المشكلة في الخطاطة، بل في التعامل معها بوصفها غاية لا وسيلة. ذلك أن الرهان على الحبكة يصبح، في الخطوة التالية، مجرد آلة ل»إدارة الانتباه». وبمقتضى ذلك، يتحول القارئ، الذي كان شريكا في اللعبة، إلى مستهلك مُطمئن، يعرف أن كل شيء سينغلق في الصفحة الأخيرة، وأن النظام سينتصر. لكن ماذا عن الروايات التي لا تُغلق؟ التي تترك الجريمة بلا حل، أو تكتشف أن الجريمة هي اللغة نفسها، أو أن المحقق ليس سوى قناع آخر للكاتب؟ هنا يبدأ التمرد الحقيقي على الآرغونية ودفع النموذج إلى الانقلاب على نفسه، مما سيؤدي في آخر المطاف إلى التخلص من القوة القاهرة التي يمثلها القراء الآرغونيين، والقضاء على الحاجة إلى إنقاذ الواقع من عبثيته. 8 لا أحد بوسعه أن يقف على مسافة تفصله عن آخر كتاب حقيقي قرأه. لا قارئ ينجو من ذلك الشعور المتدرج بالانتفاخ في الرأس وهو يعبر كل تلك الفخاخ الإيمائية التي يتركها الكاتب خلفه. ولهذا بالذات أفكر في السفينة الأولى (الكتاب الأول) الذي خرجت منه كل الكتب. يبدو القبض على هذا الكتاب أمرا بالغ الصعوبة، بل يبدو ذلك أشبه بالخوض في التغير الجذري الذي أحدثته «نظرية النشوء والارتقاء» لتشالز داروين في العقيدة الأساسية لمسألة «الخلق». و«علم آدم الأسماء كلها». هل آدم هو الكتاب الأول؟ هل ألقى الله في أمنيته آلة لفك رموز الكون كله؟ وماذا عن النبي إدريس الذي قيل إنه «أول من خط بالقلم»، وكان خياطا قبل أن ينظر في علم النجوم والكواكب؟ هل هم كهان المايا في جزيرة «يوكاتان» الذين تركوا أقدم مخطوطات معروفة حتى الآن؟ هل هي تلك النصوص الغنوصية التي يعود تاريخها إلى النصف الأول من القرن الرابع الميلادي؟ هل هي «موسوعة الأعشاب» الموجودة بمكتبة جامعة «لايدن» بهولندا؟ هل هي «ألواح بيرجي الذهبية» المكتوبة باللغة الفينيقية والأتروسكالية التي يحتفظ بها متحف الأتروسكان» بروما؟... إلخ. إن هذه الأسئلة تشبه التحليق في وضع الوقوف، ولا يمكنها بأي حال أن تقودنا إلى المصدر الأصلي لشيء اسمه الكتاب، غير أن إعادة التفكير في هذا الأصل تثير ما تزهو به المكتبات، أي وهج تلك اللحظة السابقة عن التحول الضروري الذي يعتري الطروس كلها، ثم تلك النقلة التي انطلق منها الصعود إلى غاية الوصول إلى هذا التعقيد الدائري الذي لن تكتمل حركته على الإطلاق. إن مجرد التفكير في ذلك يثير تخيلات كثيرة قد تدفعنا إلى الفكرة الأفلاطونية أو الكانطية، أي إلى العلاقة القائمة بين الجوهر والصورة. وبهذا المعنى، فكل الكتب خرجت من هذا الجوهر ، أو بمعنى أدق هي من يشكل حياته الجديدة الممتلئة بالتغيرات والأشكال والأرقام واللغات والثقافات والأقنعة. 9 يمكننا أن نتخيل أن لكل فرد كتابا إن لم يكن هذا الفرد هو الكتاب نفسه. وبوسعنا تبعا لذلك أن نفكر في ذلك المشهد القيامي الكئيب عندما يُعطى كل شخص كتاب «حسناته وآثامه» (كتاب الأعمال)، فيحمله بيده أمام الملأ في لحظة مفصلية حاسمة سيدرك فيها بوضوح تام هل هو من الناجين أم من المعذبين. وإذا كان هذا الكتاب يُعطى لصاحبه المعني بالمآل الأخير، فمن هو كاتبه؟ الملكان الحافظان الموكلان لتدوين النص/ السيرة التفصيلية المدققة/ الدليل القاطع؟. «إنا له لكاتبون» (سورة الأنبياء)، أي «لا نترك منها [أعماله] شيئا لنجزيه على صغير ذلك وكبيره وقليله وكثيره»، كما جاء في تفسير الطبري. الملكان مسخران للتدوين بيقظة شاملة، لا يهملان أي شيء. يقومان بمهمة تختلف عن الكتابة بوصفها انطلاقا في الاتجاه الخاطئ للواقع. ولنا أن نتخيل أن كل واحد من المحشورين يحمل كتابا بعدد أيام حياته. كُتب بدينة وثقيلة [يمكنها أن تصير خفيفة بقدرة الخالق: «وأما من خفت موازينه»(سورة الواقعة)] لا مجال فيها للتمويه وخلط الأوراق. البشرية كلها، منذ آدم إلى آخر آدمي ستُقبض روحُه، تَرفع دفعة واحدة كتبها. ملايير الكتب/ القصص القديمة، التي كُتبت على غير توقع في أزمنة متفرقة، تأخذ طريقها في اتجاهين متعاكسين، يمينا وشمالا. غير أن الذي يهمنا، مع كل هذا التنوع في المصائر/ الكتب، هو «اللوح المحفوظ» (الكتاب الذي لم يفرط فيه الله من شيء، فكل ما جرى ويجري فهو مكتوب عند الله/ فيه أصناف الخلق والخليقة، وبيان أمورهم، وذكر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم، والأقضية النافذة فيهم، ومآل عواقب أمورهم، وهو أمُّ الكتاب). وبهذا المعنى، فالكتب الأخرى، كل الكتب على الإطلاق، إفشاء مباشر لما دونه الله في الكتاب الأول «الكتاب الذي كتب الله فيه مقادير الخلق قبل أن يخلقهم». 10لنفكر أيضا في كتاب بورخيس الكابوسي: «كتاب الرمل» (عدد أوراق هذا الكتاب لا متناهية، لا أقل ولا أكثر. لا توجد صفحة أولى، ولا توجد صفحة أخيرة/ الأوراق تتناسل وتنمو من الكتاب..). هذا الكتاب هو كل الكتب، ولعل هذا هو سر ضياعه في زحمة الرفوف بسرداب مكتبة الأرجنتين الوطنية، حيث تحفظ الكتب والخرائط والدوريات. المكان المثالي لضياع كتاب «ملعون» أو «قاتل» أو «سام» (أومبرطو إيكو) هو أن يصير كل الكتب، أو على الأقل أن يكون «الكتاب المخفي» أو «الكتاب المقبور». هذا ما تومئ إليه «مقبرة الكتب المنسية» لكارلوس زافون، وهذا ما يمكن أن ننعت به الكتاب الذي يبتدع دائما طريقا إلى تضليل الراغبين في العثور عليه. الكتاب المتحول باستمرار، محب الأقنعة ورفيق الظلال. الكتاب الذي يمتلك العالم، ويعمل بدون توقف من أجل ألا يمتلكه العالم. لا يتوقف عن النظر إلى كل الكتب الأخرى التي لحقته بوصفها خطوة ثانية تنويعية عليه، ولا يمكنها أن تدرك كنهه، ولا التفوق عليه أو بلوغ أسراره اللامتناهية التي تنتمي إلى كل الأبعاد والأزمنة. 11 بوسعنا أن نفكر أيضا في الكتاب الأول بوصفه «العالم الأصلي» التي تفرعت عنه كل العوالم المتوازية. وهنا أستحضر رواية «المادة السوداء» للروائي الأمريكي بليك كراوتش. انتقالات متعددة وتنويعات مختلفة، وسفر لا ينتهي إلى العوالم المتوزاية، إلى الحد الذي ينطمس فيه الأصل (الكتاب). لا وجود للأصل، كل شيء متراكب ومتعالق وبالغ التداخل والتعقيد. كما أستحضر رواية «رجل في الظلام» لبول أوستر. قصة ذلك الكاتب (أوغست بريل) الذي يجلس طوال اليوم ليكتب. «كل ما يحدث، وما سيحدث من رأسه». هو الأصل (الكتاب)، وكل ما يحدث أو سيحدث هو الكتب الأخرى (العوالم المتوازية). لننتقل إلى موريس بلانشو الذي يبين أن الكتاب الأول ظهر حين «بدأ الكلام»، وأن «مصير الكتب والنصوص واللغة هو المسخ». كل الكتب تتحول وتتخارج، وينتج بعضها بعضا، وينسخه ويترسب كل كتاب في كتاب، وكل نص في نص، وكل صورة في صورة. الكل متعالق ومتعانق، ولم يبدأ الكلام إلا حين استيقظت في الإنسان تلك المتعة القصوى لمحاكاة الضوضاء. أصل اللغة ضوضاء (أو ما يسميه بلانشو غناء الحوريات)، والضوضاء مجرد مكان جاف/ هاوية للاختباء أو إحراق الصمت. «أليست المنطقة الأم للموسيقى هي المكان الوحيد الخالي تمامًا من الموسيقى؟». فمتى بدأ الكلام إذن؟! قبل نصف مليون عام؟ قبل آدم؟ قبل الأوموسابيانس؟ قبل الأرض؟ الجواب ليس مهما. كل الكتب تعيش داخلنا. الأصل ليس بعيدا، وتوجد صورته دائما في الكتاب التالي. كل الكتب مجرد ترجمة، أليس هذا ما انتهى إليه القارئ الكبير خورخي لويس بورخيس؟ 12 لا يعني الخروج من «سفينة آرغو» فقط التخلي عن نموذج ناجح، بل يعني، في العمق، التوغل في الكجهول و القبول بالمخاطرة العارية. فأن يبحر الكاتب في مركب لم يُختبر بعد، بلا خرائط مُسبقة ولا ضمانات للعودة، ولا حتى أي نية مسبقة للبحث عن مرسى، فهذا هو الرهان الذي يسمح بالإبداع خارج رغبات السوق. وهذا ما لا يحتمله معظم الكُتّاب لأن الكتابة خارج الخطاطة، تتحول إلى تجربة تيه. إن ما يخيف في صنع سفينة أخرى ليس هو الغرق، بل انعدام الاسم. لذلك يفضل الآرغونيون، كتابا وقراء، البحر المعروف واليابسة التي تنتظر الملاحين العائدين بالغنائم والعجائب والأغاني..