قد يكون هذا آخر مقال في السنة التي نودعها، وليس هناك من موضوع جدير بالاهتمام، في سياقنا المغربي، يفوق السيادة. كانت سنتنا سنة التكريس الدولي للسيادة تحت عنوان الوحدة الترابية. سنعود إلى الموضوع غدا . إلى ذلك الحين، تحدث وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت عن هواجس جدير بنا أن نوليها ما يكفي من الخوف والتوجس: أن تكون سيادتنا الديموقراطية مهددة من قوى أجنبية، وذلك؛ بالتدخل في الانتخابات المقبلة، وقد التقطت الوسائل الإعلامية والاجتماعية التركيز الشديد للوزير على هذا التخوف! كانت المناسبة، هي النقاش السياسي الدائر حول المنظومة الانتخابية التي ستؤطر تشريعيات2026، وكان منبع الخوف الذي أنطق الوزير، التجارب التي عانت منها الانتخابات في الديموقراطيات الغربية المكرسة، من طرف أعدائها... وهو ما كان موضوع انشغال الساسة الأمريكيين، الذين اتهموا الروس حينا والصين أحيانا أخرى بالتدخل في مآلات الاقتراع الديموقراطي، وذلك بواسطة التصويت عن بعد! لم يعد التزوير يطال الانتخابات هنا: بل أصبحنا نتابع فصول تزوير "شَعب" المصوتين بكامله، ووضع شعب مصوِّت آخر بدله يسكن العالم الافتراضي أو يخلو بنفسه في الخوارزميات! عن ال«زوووموقراطية» نتحدث! ولعل المدخل الذي وجده المتَّهمون هو أن التصويت الآلي المعتمد والنتائج المُحصاة إلكترونيا ورَقْميا يمكن التلاعب فيها. ولعل الطبقة السياسية تستشعر هذا الانزلاق، الذي يجعل التزوير عن بعد بواسطة الذكاء الاصطناعي واردا بِقوة إذا اعتمدنا الاحتساب بالتقنيات. وإن كان الشعور المباشر هنا يعاكس التوجه الذي تتطلع إليه البلاد باعتماد الرقمنة والانتقال الرقمي، الذي أنشئت له وزارة بكاملها، توجها استراتيجيا في تدبير حكامة المغرب ككل. وعلى كل.. يبدو أن مخاوف الوزير لفتيت قد ذهبت أبعد مما نتصور وفتحت الأبواب مشرعة أمام كل الطيف المعادي ( بالقوة أو بالفعل) الذي يمكنه أن يهتم بمآلات انتخابات ديموقراطية ينتظر الجميع أحكام صناديقها على التجربة الحكومية الحالية! هل هو تلميح للجزائر مثلا؟ ممكن… هل هو تلميح للٌّوبيات الأمريكية التي سبق لها أن وضعت مختبرات ديموقراطية وجوائز ديموقراطية وفتحت مساحات واسعة للتأهيل الديموقراطي للإسلام السياسي عقب 11شتنبر الشهيرة؟ ممكن أيضا … لكن الإسلام السياسي الذي كان جزءا من اللعبة الجيوستراتيجية في تدبير الربيع العربي باعتباره وصفة لمواجهة التيارات الجهادية، كما تجلت في «موقعة البرجين»، بالإسلام السياسي المعتدل المؤمن باللعبة السياسية، والتي تم إنشاء بوابات ديموقراطية لِتسْويغها، ذهبت ربما مع أصحابها الديموقراطيين في واشنطن! وإذا سلمنا بأن ما تم التعبير عنه يشكل مخاوف كلها معقولة في الورق وفي البلاغة السياسية الرفيعة وفي التواصل وفي التفاعل مع تحديات وإكراهات العصر الرقمي للديموقراطية التمثيلية، فإن «المخاوف الأخرى» تكون أكثر قدرة على إقناع النخب والمواطنين البسطاء..ذلك أن التجربة في السيادة الديموقراطية، وهي من صلب السيادة في معناها الواسع، جزء من الزمن الديموقراطي الداخلي المحكوم بموازين القوة وبقواعد اللعب… كما أن تجربتنا مع السيادة في تدبيرها اليومي المؤسساتي الذي له صلة بالقرار السياسي التداولي (الحزبي بشكل من الأشكال) تجربة مفارقة.. ولنأخذ مثالا لذلك السيادة الغذائية، ونسأل السؤال الضروري: هل خربتها تجربة الذكاء الاصطناعي أم خربها الذكاء الانتهازي العالي! هل كان الآخرون، الجالسون وراء حواسيبهم والمكاتب الاستخباراتية في دول الشمال والشرق الإلكتروني وفي محيط الفايسبوك الأزرق هم الذين نهبوا 13 مليار درهم من الدعم ووضعوها في جيوبهم وتركوا السيادة الغذائية في الورق وفي التوْصيَّات؟ طبعا، ليس الأجانب الذين أفسدوا شعارا مركزيا في تدبير الحالة الوطنية! بل هم المواطنون من داخل المغرب الذين يتنذر المغاربة عليهم بإطلاق تسميه «الفراقشية»، الذين يتلاعبون بأثمان الماشية، المضاربون الطبيعيون جدا وليس الاصطناعيين ولا الرقميين. (اللهم إلا من معرفتهم الدقيقة بالأرقام لا الرقمنة!).. وثم نضيف سؤالا دقيقا آخر: ماذا عن السيادة الصحية، والدوائية منها على وجه الخصوص : هل هي تيارات المنافسة الجيوسياسية التي تلاعبت بالأدوية والعلاجات والأمصال والأسِرَّة والمواد العلاجية؟ أبد….ا بل هم المضاربون في الدواء الذين يراكمون آلاف الملايير، وتسعفهم البلاد كل سنة ب15 مليار درهم للتغطية الصحية، عندما يتعبون!! ولن نتحدث عن السيادة الطاقية أيضا، والأرباح غير الأخلاقية التي زادت من هشاشة المغاربة اليومية… إن الذين يفسدون هم داخل البيت، بالتالي فإن التجربة الديموقراطية يهددها الفساد الداخلي أكثر من التدخل الخارجي… والذين يفسدون الانتخابات هم أولئك، وما أكثرهم، الذي يحولون المواطن إلى سلعة، والذين يراكمون الرأسمال السياسي والرأسمال المالي من أجل خلق حكومة الأثرياء أو الأوليغارشيا! للسيادة الديموقراطية أعداء في الداخل وفي كل مخادع التصويت وصناديق الاقتراع وشراء الذمم.. بعيدا عن شبهة التدخل، لا الخارجي ولا الداخلي للسلطات الترابية والدولة عموما، ولهذا انتقلنا من الطعن السياسي إلى الطعن الأخلاقي فيها، وسنكون في القريب أمام الطعن السيادي. وذلك من عظائم الأمور!